كريم السجايا
04-03-2007, 12:31 AM
صراع بين التقدم العلمي والجوانب الأخلاقية والقانونية
استخدام الخلايا الجذعيه في علاج الحالات المرضية المستعصية تحت المجهر
الرياض «الشرق الاوسط»
لم يشهد الوسط الطبي جدلا كالذي يشهده اليوم عند الحديث عن الخلايا الجذعيه. وميادين النقاش هنا تشمل ضوابط كيفية إجراء البحوث والتجارب حولها، والترجمة الطبية لنتائجها العلمية والمجالات العلاجية الملائمة لاستفادة المرضى منها.
والأصل المنطقي أن جديد تجارب الطب وبحوثه يصعب على غير المتخصصين فيه إبداء الرأي حوله ما لم يتم لهم استيعاب حقيقة الأمر بشكل سليم وواقعيإ لذا سنعرض ماهية هذه الخلايا وكيف دخلت ضمن الاهتمامات الطبية العلاجية ومجالات استخدامها المقترحة، كي تتضح لنا الصورة التي بناءً علي شفافيتها تكون سلامة الرأي الأخلاقي والقانوني حولها، وبالتالي يكتسب الجانبان الاجتماعي والاقتصادي مصداقية حال النظر إليها. والأهم بالنسبة للناس فهم مدى فائدتها في الوقت الحالي، وكذلك في المستقبل بما قد تُبنى عليه الآمال.
جدل متعدد الجوانب
* الجدل هنا ليس حول الجانب الطبي فحسب، بل إن هناك جانباً أخلاقياً وآخر قانونياً وثالثا اجتماعياً وكذلك اقتصادياً، فهي خمسة جوانب متداخلة لم يبق متخصص ذو رأي في أحدها إلا وأدلى بدلوه في النقاش الدائر اليوم.
وسبب الإشكالية الجدلية المتعددة الأطراف حول الخلايا الجذعيه في أساس الأمر يتعلق باستخدام الأجنة في بعض مراحل البحث الجارية، والتي بمجرد ذكرها يأخذ الذهن في تصور أجنة مكدسة في المختبر، يتم الحصول عليها واستخدامها في إجراء تجارب بطريقة غاية في البعد عن الإنسانية والتزام أصول الأخلاق البشرية الطبيعية. لذا ظهرت ضرورة سلامة الجانب الأخلاقي والقانوني منعاً للانفلات غير المنضبط في تجاربها وخاصة في مصدر الخلايا ألجذعيه الجنينية.
والحقيقة ربما ليست كما يتصورها البعض، على الأقل في ما يبدو من دراسات وبحوث نشرت نتائجها إلى اليوم في المجلات الطبية المميزة، فالأجنة المستخدمة لم تبلغ من العمر سوى بضعة أيام، أي قبل ظهور الحياة الوظيفية فيها والمتمثلة بوجود أعضاء تعمل كالقلب النابض مثلاً. إضافة إلى أن هناك العديد من المصادر للحصول على الخلايا الجذعيه بدون اللجوء إلي الأجنة مطلقاً، كما أن هناك وسائل لتخصيب البويضة بدون الحاجة إلي الطريقة المعتادة، وهو ما حملته لنا أخبار الأسبوع الماضي ضمن تجارب العلماء من كوريا الجنوبية، التي يرى البعض فيها مخارج تُبعد الحرج الأخلاقي والقانوني حولها، والبعض الآخر رأى فيها ما زاد الطين بلة. لكن هذا لا يعني أنه ليست هناك تجارب تجري في بعض المناطق من العالم بدون ضوابط واضحة وبدون علم مسبق لغيرهم من الباحثين عما يجريه البعض الآخر. ما أزعج كثيراً من الباحثين وغيرهم، هو اختلاط تقنية الاستنساخ بتقنية الحصول على الخلايا الجذعية، وهو ما فعله علماء من كوريا الجنوبية حديثاً، الأمر الذي قد يؤدي إلى «انفلات» خيالي في هذا المضمار.
ونتيجة لضبابية المشهدين الأخلاقي والقانوني لدى عامة الناس، اختل الموقف الاجتماعي إزاء هذه التجارب، فمن مؤيد لها، ليس لأن الوسائل العلمية سليمة قانونياً أو أخلاقياً في تصوره، بل للرغبة والقناعة المجردة بضرورة إعطاء «فرصة بلا حدود» للأطباء والباحثين في سبيل تطور المعرفة البشرية، خصوصاً عند ذكر الأمراض، مما قد تسهم نتائج التجارب في علاجها، والتي هي أشبه بالحلم اليوم عند الحديث عن الخلايا الجذعية، وهذا التصور يجانب الصواب أحياناً إذا ما كان التأييد للعلم مطلقاً وبلا ضوابط. ومن معترض في المقابل بدون وضوح حقيقة الشأن لديه. وفي النتيجة يتأثر الجانب الاقتصادي للموضوع، المتمثل في رصد الميزانيات المالية لدعم البحوث وجهود العاملين فيها لتطوير تجاربهم.
تضارب الرؤى الطبية وغير الطبية، وعدم اكتمال التجارب والبحوث العلمية في الوصول إلى حقائق ثابتة وغيرها من الأسباب، يفرض التأني في النظر إلى الأمر برمته حتى يستقر البحث ويبدأ الأطباء في وضع نتائج هذه التجارب في المكان المناسب ضمن وسائل العلاج المقترحة، لكن المطلوب في هذه المرحلة من البحث غير المستقرة نتائجه، هو وضع ضوابط أخلاقية و قانونية تسير جنباً إلي جنب مع التقدم العلمي المطرد بشكل سريع حقاً، فما من إنسان إلا ويتمني زوال معاناة البشر من الأمراض.
الخلايا الجذعية: أصل تكوين أعضاء الجسم
* يوجد في جسم الواحد منا أكثر من 200 نوع من الخلايا. فخلايا الكبد غير خلايا الدماغ، وخلايا القلب غير خلايا الكلى وهكذا، ولذا تتنوع وظائف وأشكال الأعضاء. كما أن في الكبد وحده العديد من أنواع الخلايا المختلفة شكلاً ووظيفةً أيضاً.
لكننا نعلم أن جسم الواحد منا نشأ وتكون من خلية واحدة تحمل جميع الصفات الوراثية التي منها شكل الأعضاء المختلفة وبرنامج وظائفها. هذه «الخلية الأصل» تشكلت باتحاد البويضة الأنثوية مع الحيوان المنوي، ثم أخذت تنقسم و تنقسم كي يكبر حجم الجنين عبر تكاثر عدد الخلايا ذات الشكل الواحد أثناء مرحلة النمو الأولية داخل الرحم، ثم تبدأ هذه الخلايا بعد أن زاد عددها بشكل كاف في أخذ أشكال مختلفةٍ كي يكون كل نوع منها نواة في تكوين الأعضاء المختلفة للجنين، وبهذا يبدأ الكبد مثلاً في الظهور أسوة بغيره من أعضاء جسم الإنسان، وتستمر الخلايا المتخصصة في الأعضاء المختلفة بالنمو والتكاثر ليكبر حجم أعضاء الجسم، و من ثم تملك القدرة كي تبدأ بالقيام بأدوارها الوظيفية المتعددة، فنرى القلب ينبض والأطراف تتحرك، وهكذا دواليك.
فنحن نبدأ من خلية واحدة، تنقسم في المرحلة الأولى عدة انقسامات متطابقة تكّون لنا كرة صغيرة من خلايا قليلة العدد، تحوي كتلة صغيرة من الخلايا المتشابهة في قلبها هي التي تعتبر أصل كل خلايا الجسم المستقبلية وأصل كل أعضاء الجسم المختلفة، وتدعى هذه الخلايا البدائية التي لا تؤدي أي وظيفة سوى الانقسام بالخلايا الجذعيه. ولأسباب هي محل البحث في تجارب اليوم، تحول هذه الخلايا الجذعية من خلايا متشابهة إلى خلايا مختلفة كخلية الكبد وخلية القلب وخلية الكلى، عندها تبدأ المرحلة الثانية في نمو الجنين، حيث تأخذ الأعضاء في الظهور والقلب في النبض والكلى بتصفية الدم وغيرها من الأعضاء في أداء أدوارها، وبهذا تختفي غالب الخلايا الجذعية بظهور الخلايا المتخصصة. معرفتنا بوجود الخلايا الجذعية بشكل عام هي معرفة قديمة، استخدمت منذ أربعين عاماً ولا تزال، في محاولات زراعة نخاع العظم لعلاج أمراض الدم، سواء السرطانية منها أو غير ذلك، كما تم التعرف على وجودها في أماكن أخرى من الجسم كالدماغ والعضلات والشرايين والجلد والكبد أيضاً منذ ستينات القرن الماضي. لكن الصعوبة كانت في عزلها وتنمية تكاثرها في المختبر، لذا كان البحث عن مصادر أوفر لها وعلى وسيلة يتمكن الأطباء من حثها على التكاثر.
ظهر نجاح أولى المحاولات العلمية للحصول على الخلايا ألجذعيه وتنمية تكاثرها في المختبر قبل أكثر من عقدين من الزمان وذلك في الفئران. وفي عام 1998 تمكن العلماء من استخدام الأجنة البشرية في الحصول عليها ونجحوا في تكثير عددها عبر تهيئة الظروف المناسبة لذلك، وبعدها تم الحصول عليها مما تحويه أعضاء الجسم المختلفة منها.
و تُجري التجارب حولها اليوم على قدم و ساق في مناطق عدة من العالم، خاصة في تلك المناطق التي لا توجد بها قوانين صارمة تضبط البحث عليها بشكل خاص.
ومن أهم التطورات الحديثة ما أعلن عنه العلماء من كوريا الجنوبية في أواخر شهر مايو (مايو) الماضي من النجاح في الحصول علي هذه الخلايا من بويضات لم يتم تلقيحها بالطريقة المعتادة.
كل البحث الدائر اليوم حول هذه الخلايا هو بغية فهم كيفية تحولها من حالتها غير المتخصصة إلي خلايا متخصصة تقوم بدور وظيفي كما في عملية تعويض التالف من الخلايا البالغة، الأمر الذي تهم معرفته قبل التفكير في كيفية الاستفادة منها كوسيلة علاجية. فالبحوث والتجارب في هذا المضمار رسخت عميقاً معرفتنا حول كيفية تكون الجسم المكتمل النمو للكائن الحي من خلية واحدة، وكذلك كيف تتمكن الخلايا السليمة من الحلول محل الخلايا التالفة ضمن عمليات ترميم الجسم المتواصلة في مراحل الكائن الحي المختلفة. إن هذا المجال المفعم بالأمل يقدم للأطباء وسائل لبحث إمكانية علاج بعض الأمراض بالخلايا الحية، وهو ما يعبر عنه بالعلاج الترميمي لإصلاح الخلل البنيوي والوظيفي وإعادة التكوين في الأعضاء المعتلة.
والمتوقع أن يتمكن الأطباء، في حال تطور التجارب وفهم الكثير عنها، من الوقاية من ظهور مواليد مصابين بعيوب خلقية، وكذلك إعادة ترميم أعضاء الجسم كما في تلف خلايا الدماغ المؤدية إلي الخرف من نوع الزهايمر مثلاً، أو إصلاح تلف النخاع ألشوكي نتيجة الحوادث، أو إعادة فتح مجرى شرايين القلب المتضيقة في حالات تصلب الشرايين، أو تعويض عضلات القلب التالفة بأخرى قوية، أو التخفيف من أعراض الشيخوخة بشكل عام، إلى غير ذلك من مجالات ربما تثبت الأيام أو السنوات القادمة حصول تقدم هائل في الوسائل العلاجية من دون الحاجة إلى الدواء أو العمليات الجراحية.
تجارب كوريا الجنوبية: طريق آخر للخلايا الجذعية
* نشرت مجلة «ساينس» العلمية في النصف الثاني من شهر مايو الماضي نتائج أبحاث الدكتور هوانغ، من جامعة سيول الوطنية في كوريا الجنوبية، مع 25 من الباحثين معه، وهو ما أثار زوبعة من المداولات والمناقشات الطبية والأخلاقية والقانونية.
والقصة بدأت منذ العام الماضي، حينما نشر هوانغ أبحاثه حول القدرة على تخصيب البويضة الأنثوية بدون اللجوء إلى التلقيح من حيوان منوي، بنزع نواة البويضة وزراعة نواة خلية مكتملة النمو من الجسم البشري للمرأة صاحبة البويضة، وهو ما يطلق عليه «التحول من نواة إلى نواة»، ثم تمكن من تنمية تكاثرها للحصول على الخلايا الجذعية، أي أنه تمكن من «تخصيب البويضة بدون تلقيح» وجعلها تنمو.
ثم لم يكتف بذلك، بل في هذا العام، والشهر الماضي تحديداً، تمكن من إجراء نفس التخصيب للبويضة، باستخدام نواة خلية من إنسان آخر، سواء كان طفلاً صغيراً أو شيخاً، أيضاً بنجاح! ونمت هذه البويضات وتكاثرت خلاياها في المختبر، بمعنى أنه تمكن من صناعة خلايا جنينية لإنسان بعينه وهو بالغ مكتمل النمو! ومن ثم الحصول على خلايا جذعية لا حدود لكميتها. وإذا ما تم استخدامها بالحقن في جسم نفس الإنسان فإن الجسم لا يرفضها البتة.
وهنا يختلط الاستنساخ بما نحن نتحدث عنه وهو ما يراه هؤلاء الباحثين مخرجاً بدون اللجوء إلى الأجنة مطلقاً، ويراه غيرهم انفلاتاً غير منضبط في البحث والتجارب ويفتح آفاقاً لا حدود لتصور مداها.
مصادر الخلايا الجذعية وتطور تجاربها
* هناك ثلاثة مصادر مستخدمة اليوم في الحصول على هذه الخلايا، وهي:
1 ـ الأجنة البشرية: الخلايا الجذعية تبدأ بالظهور منذ اليوم الثالث لتلقيح البويضة ضمن مكونات قلب «كرة الخلايا» الجنينية، وحينها لا يتجاوز عددها الثلاثين خلية غالباً، أي قبل تحولها إلى خلايا متخصصة لتتكون منها الأعضاء المختلفة. وفي المختبرات اليوم يتم الحصول على البويضات الملقحة عادة مما يستغنى عنه ويجري في العادة إتلافه ضمن الفائض من عمليات الإخصاب الصناعي خارج الرحم لعلاج العقم، بعد أخذ الموافقة الخطية من صاحبة الشأن على وهبها لإجراء التجارب، ولا يتم الحصول عليها من تلقيح طبيعي يتم في رحم المرأة مطلقاً، وفق ما تؤكد مصادر أبحاث هذا الأمر.
2 ـ جسم الإنسان: توجد الخلايا الجذعية بكميات ضئيلة في أعضاء عدة من جسم الإنسان المكتمل النمو، كما في نخاع العظم، حيث تتكون منها خلايا الدم بأنواعها الحمراء والبيضاء والصفائح الدموية، ضمن عملية التكوين المستمرة للدم طوال عمر الإنسان، وكذلك في أعضاء أخرى. وهذا المصدر هو المخرج المنطقي لكل الملاحظات القانونية والأخلاقية الدائرة حول الخلايا الجذعية من ناحية سلامة وسيلة الحصول عليها.
استخدام الخلايا الجذعيه في علاج الحالات المرضية المستعصية تحت المجهر
الرياض «الشرق الاوسط»
لم يشهد الوسط الطبي جدلا كالذي يشهده اليوم عند الحديث عن الخلايا الجذعيه. وميادين النقاش هنا تشمل ضوابط كيفية إجراء البحوث والتجارب حولها، والترجمة الطبية لنتائجها العلمية والمجالات العلاجية الملائمة لاستفادة المرضى منها.
والأصل المنطقي أن جديد تجارب الطب وبحوثه يصعب على غير المتخصصين فيه إبداء الرأي حوله ما لم يتم لهم استيعاب حقيقة الأمر بشكل سليم وواقعيإ لذا سنعرض ماهية هذه الخلايا وكيف دخلت ضمن الاهتمامات الطبية العلاجية ومجالات استخدامها المقترحة، كي تتضح لنا الصورة التي بناءً علي شفافيتها تكون سلامة الرأي الأخلاقي والقانوني حولها، وبالتالي يكتسب الجانبان الاجتماعي والاقتصادي مصداقية حال النظر إليها. والأهم بالنسبة للناس فهم مدى فائدتها في الوقت الحالي، وكذلك في المستقبل بما قد تُبنى عليه الآمال.
جدل متعدد الجوانب
* الجدل هنا ليس حول الجانب الطبي فحسب، بل إن هناك جانباً أخلاقياً وآخر قانونياً وثالثا اجتماعياً وكذلك اقتصادياً، فهي خمسة جوانب متداخلة لم يبق متخصص ذو رأي في أحدها إلا وأدلى بدلوه في النقاش الدائر اليوم.
وسبب الإشكالية الجدلية المتعددة الأطراف حول الخلايا الجذعيه في أساس الأمر يتعلق باستخدام الأجنة في بعض مراحل البحث الجارية، والتي بمجرد ذكرها يأخذ الذهن في تصور أجنة مكدسة في المختبر، يتم الحصول عليها واستخدامها في إجراء تجارب بطريقة غاية في البعد عن الإنسانية والتزام أصول الأخلاق البشرية الطبيعية. لذا ظهرت ضرورة سلامة الجانب الأخلاقي والقانوني منعاً للانفلات غير المنضبط في تجاربها وخاصة في مصدر الخلايا ألجذعيه الجنينية.
والحقيقة ربما ليست كما يتصورها البعض، على الأقل في ما يبدو من دراسات وبحوث نشرت نتائجها إلى اليوم في المجلات الطبية المميزة، فالأجنة المستخدمة لم تبلغ من العمر سوى بضعة أيام، أي قبل ظهور الحياة الوظيفية فيها والمتمثلة بوجود أعضاء تعمل كالقلب النابض مثلاً. إضافة إلى أن هناك العديد من المصادر للحصول على الخلايا الجذعيه بدون اللجوء إلي الأجنة مطلقاً، كما أن هناك وسائل لتخصيب البويضة بدون الحاجة إلي الطريقة المعتادة، وهو ما حملته لنا أخبار الأسبوع الماضي ضمن تجارب العلماء من كوريا الجنوبية، التي يرى البعض فيها مخارج تُبعد الحرج الأخلاقي والقانوني حولها، والبعض الآخر رأى فيها ما زاد الطين بلة. لكن هذا لا يعني أنه ليست هناك تجارب تجري في بعض المناطق من العالم بدون ضوابط واضحة وبدون علم مسبق لغيرهم من الباحثين عما يجريه البعض الآخر. ما أزعج كثيراً من الباحثين وغيرهم، هو اختلاط تقنية الاستنساخ بتقنية الحصول على الخلايا الجذعية، وهو ما فعله علماء من كوريا الجنوبية حديثاً، الأمر الذي قد يؤدي إلى «انفلات» خيالي في هذا المضمار.
ونتيجة لضبابية المشهدين الأخلاقي والقانوني لدى عامة الناس، اختل الموقف الاجتماعي إزاء هذه التجارب، فمن مؤيد لها، ليس لأن الوسائل العلمية سليمة قانونياً أو أخلاقياً في تصوره، بل للرغبة والقناعة المجردة بضرورة إعطاء «فرصة بلا حدود» للأطباء والباحثين في سبيل تطور المعرفة البشرية، خصوصاً عند ذكر الأمراض، مما قد تسهم نتائج التجارب في علاجها، والتي هي أشبه بالحلم اليوم عند الحديث عن الخلايا الجذعية، وهذا التصور يجانب الصواب أحياناً إذا ما كان التأييد للعلم مطلقاً وبلا ضوابط. ومن معترض في المقابل بدون وضوح حقيقة الشأن لديه. وفي النتيجة يتأثر الجانب الاقتصادي للموضوع، المتمثل في رصد الميزانيات المالية لدعم البحوث وجهود العاملين فيها لتطوير تجاربهم.
تضارب الرؤى الطبية وغير الطبية، وعدم اكتمال التجارب والبحوث العلمية في الوصول إلى حقائق ثابتة وغيرها من الأسباب، يفرض التأني في النظر إلى الأمر برمته حتى يستقر البحث ويبدأ الأطباء في وضع نتائج هذه التجارب في المكان المناسب ضمن وسائل العلاج المقترحة، لكن المطلوب في هذه المرحلة من البحث غير المستقرة نتائجه، هو وضع ضوابط أخلاقية و قانونية تسير جنباً إلي جنب مع التقدم العلمي المطرد بشكل سريع حقاً، فما من إنسان إلا ويتمني زوال معاناة البشر من الأمراض.
الخلايا الجذعية: أصل تكوين أعضاء الجسم
* يوجد في جسم الواحد منا أكثر من 200 نوع من الخلايا. فخلايا الكبد غير خلايا الدماغ، وخلايا القلب غير خلايا الكلى وهكذا، ولذا تتنوع وظائف وأشكال الأعضاء. كما أن في الكبد وحده العديد من أنواع الخلايا المختلفة شكلاً ووظيفةً أيضاً.
لكننا نعلم أن جسم الواحد منا نشأ وتكون من خلية واحدة تحمل جميع الصفات الوراثية التي منها شكل الأعضاء المختلفة وبرنامج وظائفها. هذه «الخلية الأصل» تشكلت باتحاد البويضة الأنثوية مع الحيوان المنوي، ثم أخذت تنقسم و تنقسم كي يكبر حجم الجنين عبر تكاثر عدد الخلايا ذات الشكل الواحد أثناء مرحلة النمو الأولية داخل الرحم، ثم تبدأ هذه الخلايا بعد أن زاد عددها بشكل كاف في أخذ أشكال مختلفةٍ كي يكون كل نوع منها نواة في تكوين الأعضاء المختلفة للجنين، وبهذا يبدأ الكبد مثلاً في الظهور أسوة بغيره من أعضاء جسم الإنسان، وتستمر الخلايا المتخصصة في الأعضاء المختلفة بالنمو والتكاثر ليكبر حجم أعضاء الجسم، و من ثم تملك القدرة كي تبدأ بالقيام بأدوارها الوظيفية المتعددة، فنرى القلب ينبض والأطراف تتحرك، وهكذا دواليك.
فنحن نبدأ من خلية واحدة، تنقسم في المرحلة الأولى عدة انقسامات متطابقة تكّون لنا كرة صغيرة من خلايا قليلة العدد، تحوي كتلة صغيرة من الخلايا المتشابهة في قلبها هي التي تعتبر أصل كل خلايا الجسم المستقبلية وأصل كل أعضاء الجسم المختلفة، وتدعى هذه الخلايا البدائية التي لا تؤدي أي وظيفة سوى الانقسام بالخلايا الجذعيه. ولأسباب هي محل البحث في تجارب اليوم، تحول هذه الخلايا الجذعية من خلايا متشابهة إلى خلايا مختلفة كخلية الكبد وخلية القلب وخلية الكلى، عندها تبدأ المرحلة الثانية في نمو الجنين، حيث تأخذ الأعضاء في الظهور والقلب في النبض والكلى بتصفية الدم وغيرها من الأعضاء في أداء أدوارها، وبهذا تختفي غالب الخلايا الجذعية بظهور الخلايا المتخصصة. معرفتنا بوجود الخلايا الجذعية بشكل عام هي معرفة قديمة، استخدمت منذ أربعين عاماً ولا تزال، في محاولات زراعة نخاع العظم لعلاج أمراض الدم، سواء السرطانية منها أو غير ذلك، كما تم التعرف على وجودها في أماكن أخرى من الجسم كالدماغ والعضلات والشرايين والجلد والكبد أيضاً منذ ستينات القرن الماضي. لكن الصعوبة كانت في عزلها وتنمية تكاثرها في المختبر، لذا كان البحث عن مصادر أوفر لها وعلى وسيلة يتمكن الأطباء من حثها على التكاثر.
ظهر نجاح أولى المحاولات العلمية للحصول على الخلايا ألجذعيه وتنمية تكاثرها في المختبر قبل أكثر من عقدين من الزمان وذلك في الفئران. وفي عام 1998 تمكن العلماء من استخدام الأجنة البشرية في الحصول عليها ونجحوا في تكثير عددها عبر تهيئة الظروف المناسبة لذلك، وبعدها تم الحصول عليها مما تحويه أعضاء الجسم المختلفة منها.
و تُجري التجارب حولها اليوم على قدم و ساق في مناطق عدة من العالم، خاصة في تلك المناطق التي لا توجد بها قوانين صارمة تضبط البحث عليها بشكل خاص.
ومن أهم التطورات الحديثة ما أعلن عنه العلماء من كوريا الجنوبية في أواخر شهر مايو (مايو) الماضي من النجاح في الحصول علي هذه الخلايا من بويضات لم يتم تلقيحها بالطريقة المعتادة.
كل البحث الدائر اليوم حول هذه الخلايا هو بغية فهم كيفية تحولها من حالتها غير المتخصصة إلي خلايا متخصصة تقوم بدور وظيفي كما في عملية تعويض التالف من الخلايا البالغة، الأمر الذي تهم معرفته قبل التفكير في كيفية الاستفادة منها كوسيلة علاجية. فالبحوث والتجارب في هذا المضمار رسخت عميقاً معرفتنا حول كيفية تكون الجسم المكتمل النمو للكائن الحي من خلية واحدة، وكذلك كيف تتمكن الخلايا السليمة من الحلول محل الخلايا التالفة ضمن عمليات ترميم الجسم المتواصلة في مراحل الكائن الحي المختلفة. إن هذا المجال المفعم بالأمل يقدم للأطباء وسائل لبحث إمكانية علاج بعض الأمراض بالخلايا الحية، وهو ما يعبر عنه بالعلاج الترميمي لإصلاح الخلل البنيوي والوظيفي وإعادة التكوين في الأعضاء المعتلة.
والمتوقع أن يتمكن الأطباء، في حال تطور التجارب وفهم الكثير عنها، من الوقاية من ظهور مواليد مصابين بعيوب خلقية، وكذلك إعادة ترميم أعضاء الجسم كما في تلف خلايا الدماغ المؤدية إلي الخرف من نوع الزهايمر مثلاً، أو إصلاح تلف النخاع ألشوكي نتيجة الحوادث، أو إعادة فتح مجرى شرايين القلب المتضيقة في حالات تصلب الشرايين، أو تعويض عضلات القلب التالفة بأخرى قوية، أو التخفيف من أعراض الشيخوخة بشكل عام، إلى غير ذلك من مجالات ربما تثبت الأيام أو السنوات القادمة حصول تقدم هائل في الوسائل العلاجية من دون الحاجة إلى الدواء أو العمليات الجراحية.
تجارب كوريا الجنوبية: طريق آخر للخلايا الجذعية
* نشرت مجلة «ساينس» العلمية في النصف الثاني من شهر مايو الماضي نتائج أبحاث الدكتور هوانغ، من جامعة سيول الوطنية في كوريا الجنوبية، مع 25 من الباحثين معه، وهو ما أثار زوبعة من المداولات والمناقشات الطبية والأخلاقية والقانونية.
والقصة بدأت منذ العام الماضي، حينما نشر هوانغ أبحاثه حول القدرة على تخصيب البويضة الأنثوية بدون اللجوء إلى التلقيح من حيوان منوي، بنزع نواة البويضة وزراعة نواة خلية مكتملة النمو من الجسم البشري للمرأة صاحبة البويضة، وهو ما يطلق عليه «التحول من نواة إلى نواة»، ثم تمكن من تنمية تكاثرها للحصول على الخلايا الجذعية، أي أنه تمكن من «تخصيب البويضة بدون تلقيح» وجعلها تنمو.
ثم لم يكتف بذلك، بل في هذا العام، والشهر الماضي تحديداً، تمكن من إجراء نفس التخصيب للبويضة، باستخدام نواة خلية من إنسان آخر، سواء كان طفلاً صغيراً أو شيخاً، أيضاً بنجاح! ونمت هذه البويضات وتكاثرت خلاياها في المختبر، بمعنى أنه تمكن من صناعة خلايا جنينية لإنسان بعينه وهو بالغ مكتمل النمو! ومن ثم الحصول على خلايا جذعية لا حدود لكميتها. وإذا ما تم استخدامها بالحقن في جسم نفس الإنسان فإن الجسم لا يرفضها البتة.
وهنا يختلط الاستنساخ بما نحن نتحدث عنه وهو ما يراه هؤلاء الباحثين مخرجاً بدون اللجوء إلى الأجنة مطلقاً، ويراه غيرهم انفلاتاً غير منضبط في البحث والتجارب ويفتح آفاقاً لا حدود لتصور مداها.
مصادر الخلايا الجذعية وتطور تجاربها
* هناك ثلاثة مصادر مستخدمة اليوم في الحصول على هذه الخلايا، وهي:
1 ـ الأجنة البشرية: الخلايا الجذعية تبدأ بالظهور منذ اليوم الثالث لتلقيح البويضة ضمن مكونات قلب «كرة الخلايا» الجنينية، وحينها لا يتجاوز عددها الثلاثين خلية غالباً، أي قبل تحولها إلى خلايا متخصصة لتتكون منها الأعضاء المختلفة. وفي المختبرات اليوم يتم الحصول على البويضات الملقحة عادة مما يستغنى عنه ويجري في العادة إتلافه ضمن الفائض من عمليات الإخصاب الصناعي خارج الرحم لعلاج العقم، بعد أخذ الموافقة الخطية من صاحبة الشأن على وهبها لإجراء التجارب، ولا يتم الحصول عليها من تلقيح طبيعي يتم في رحم المرأة مطلقاً، وفق ما تؤكد مصادر أبحاث هذا الأمر.
2 ـ جسم الإنسان: توجد الخلايا الجذعية بكميات ضئيلة في أعضاء عدة من جسم الإنسان المكتمل النمو، كما في نخاع العظم، حيث تتكون منها خلايا الدم بأنواعها الحمراء والبيضاء والصفائح الدموية، ضمن عملية التكوين المستمرة للدم طوال عمر الإنسان، وكذلك في أعضاء أخرى. وهذا المصدر هو المخرج المنطقي لكل الملاحظات القانونية والأخلاقية الدائرة حول الخلايا الجذعية من ناحية سلامة وسيلة الحصول عليها.