عثمان الثمالي
12-16-2007, 07:44 AM
هل تتواكب ميزانياتنا السنوية مع خططنا الخمسية..؟
د. سليمان بن عبدالله الرويشد
الميزانية السنوية حين النظر إليها بصورة عامة، دون استدعاء لتفاصيلها، ما هي في الواقع إلا خطة قصيرة الأجل، تتضمن توقعاً تقديرياً لايرادات سنة قادمة، يتم وفقاً لتلك التقديرات تحديد أوجه الانفاق المقررة خلال تلك السنة، بناء عليه يمكن لنا اعتبار الميزانية السنوية خطة تنفيذية مرحلية للخطط الخمسية التي أخذت المملكة تنتهجها منذ أربعة عقود، وتوظفها أسلوباً تحقق من خلاله التنمية الشاملة في كافة القطاعات.
من هذا المنطلق، يبدو أننا حين نضع أي ميزانية سنوية في إطار تقييم خال من معيار يربطها بأهداف وسياسات خطة التنمية، التي من المفترض أن تدور تلك الميزانية في فلكها، وتتسق مع توجهاتها، سيفضي بنا إلى حد كبير لنتائج غير دقيقة إن لم تك مضللة، وهذا في الواقع ما يمكن ملاحظته في كثير من التحليلات التي تناولت ميزانية المملكة للسنة المالية القادمة 1429/1428ه (2008م)، التي أعلن عنها الأسبوع الماضي.
في اعتقادي أن الجميع متفق على أن ميزانية المملكة للعام المالي القادم هي ميزانية تاريخية نظراً لأنها غير مسبوقة في حجم ما تتضمنه من أوجه الانفاق الحكومي الذي من المتوقع أن يتجاوز مقداره 410مليارات ريال، أتت لتعبر مرة أخرى عن تواصل الوتيرة المتصاعدة في الصرف على برامج التنمية المتعددة، منذ ميزانية العام المالي 1423/1422ه (2002م) وما تلاها من ميزانيات تنامت بمعدل لا يقل عن 10% سنوياً، لتصل في العام المالي 1428/1427ه (2007م) إلى 443مليار ريال، إضافة إلى تميز هذه الميزانية بأنها وجهت ما يزيد عن 40% من إجمالي أوجه الصرف بها نحو الانفاق الاستثماري على المشاريع، إلا أن الاحتفاء بهذه الميزانية التي من الواجب علينا أولاً وآخراً أن نتوجه بالشكر للمولى عز وجل على ما منحنا منها من خير ونسأله جل وعلا استدامتها ينبغي ألا يحجب عنا النظر إليها في إطار مرجعيتها الأساسية وهي خطة التنمية التي تواكب هذه الميزانية مرحلتها وهي خطة التنمية الثامنة، فهي من سيمنحنا القدرة على التقييم المنصف والموضوعي فيما إذا كانت هذه الميزانية تحقق ما نصبو إليه في هذه الفترة الزمنية التي يقطعها مسار التنمية بما ترسم له خطط التنمية المتوالية من ملامح رئيسية.
إن مما لا يخفى على الكثير أن التقدير المستهدف للنمو في الناتج المحلي الإجمالي ضمن سنوات خطة التنمية الثامنة الحالية التي ستدخل عامها الثالث بعد أيام هو 4.6%، لكن ما تشير له البيانات للعامين الماليين السابقين ضمن أعوام هذه الخطة هو أن النمو في الناتج المحلي الإجمالي لم يتجاوز 3.5% لذا نلمس ذلك الفارق الجوهري واضحاً في نمو عدد من قطاعات التنمية التي أسوق منها هنا مثالاً واحداً فقط هو قطاع الإسكان، ففي خطة التنمية السابعة 1421-1425ه، كان المستهدف في سنوات الخطة توفير ما مقداره 570ألف وحدة سكنية، لم ينجز منها سوى 300ألف وحدة سكنية، وبقي طلب تراكمي مقداره 270ألف وحدة سكنية انتقل إلى مرحلة الخطة التنمية التالية وهي الخطة الثامنة الحالية التي من المتوقع أن يكون الطلب على المساكن خلالها مقداره 730ألف وحدة سكنية، سينضم له الطلب التراكمي الآتي من خطة التنمية السابقة ليبلغ إجمالي العدد المستهدف من الوحدات السكنية في خطة التنمية الثامنة هو مليون وحدة سكنية، بمعدل 200ألف وحدة سكنية سنوياً.
وحين النظر لمدى تجسيد ما هو مستهدف سنوياً في خطة التنمية الثامنة من وحدات سكنية عبر الميزانية السنوية للعام المالي القادم، نجد أن صندوق التنمية العقارية بالرغم من الدعم الذي تلقاه وهو 25ألف مليون ريال، موزع على خمس سنوات قادمة، لن يكون قادراً على توفير أكثر من 30ألف وحدة سكنية، وبالتالي استمرار الاعتماد على القطاع الخاص في توفير البقية من العدد المستهدف من الوحدات السكنية وهو 170ألف وحدة سكنية، دون وجود دعم ومساندة حكومية واضحة وتخفيف لتكاليف إنشاء المساكن كما نصت عليه أهداف وسياسات الخطة الثامنة في هذا المجال سعياً منها لاستيعاب أثر العوامل الديموغرافية والاقتصادية والاجتماعية التي تشهدها المملكة خلال سنوات التنمية الحالية.
إن ما أود أن أصل إليه في نهاية المطاف هنا هو أهمية قيام وزارة الاقتصاد والتخطيط بإصدار تقرير يتواكب نشره مع الإعلان عن الميزانية السنوية في كل عام، يتناول التقييم الموضوعي لميزانية السنة المالية الحالية والتي تليها ومدى تطابق أو اختلاف معدلات النمو المحققة أو المتوقعة مع المستهدفة في خطة التنمية، فهذا التقرير هو مما سيوجد الثقة لدى المواطن نتيجة توليد القناعة لديه بأن أجهزة التنمية تسير وفقاً لما هو مخطط لها، ويمنحه الاطمئنان جراء تأكده من عدم وجود تراكم للمشاكل التي توجد المناخ لنشأة الأزمات التنموية في المستقبل. @ أكاديمي وباحث في اقتصاديات التنمية الحضرية
د. سليمان بن عبدالله الرويشد
الميزانية السنوية حين النظر إليها بصورة عامة، دون استدعاء لتفاصيلها، ما هي في الواقع إلا خطة قصيرة الأجل، تتضمن توقعاً تقديرياً لايرادات سنة قادمة، يتم وفقاً لتلك التقديرات تحديد أوجه الانفاق المقررة خلال تلك السنة، بناء عليه يمكن لنا اعتبار الميزانية السنوية خطة تنفيذية مرحلية للخطط الخمسية التي أخذت المملكة تنتهجها منذ أربعة عقود، وتوظفها أسلوباً تحقق من خلاله التنمية الشاملة في كافة القطاعات.
من هذا المنطلق، يبدو أننا حين نضع أي ميزانية سنوية في إطار تقييم خال من معيار يربطها بأهداف وسياسات خطة التنمية، التي من المفترض أن تدور تلك الميزانية في فلكها، وتتسق مع توجهاتها، سيفضي بنا إلى حد كبير لنتائج غير دقيقة إن لم تك مضللة، وهذا في الواقع ما يمكن ملاحظته في كثير من التحليلات التي تناولت ميزانية المملكة للسنة المالية القادمة 1429/1428ه (2008م)، التي أعلن عنها الأسبوع الماضي.
في اعتقادي أن الجميع متفق على أن ميزانية المملكة للعام المالي القادم هي ميزانية تاريخية نظراً لأنها غير مسبوقة في حجم ما تتضمنه من أوجه الانفاق الحكومي الذي من المتوقع أن يتجاوز مقداره 410مليارات ريال، أتت لتعبر مرة أخرى عن تواصل الوتيرة المتصاعدة في الصرف على برامج التنمية المتعددة، منذ ميزانية العام المالي 1423/1422ه (2002م) وما تلاها من ميزانيات تنامت بمعدل لا يقل عن 10% سنوياً، لتصل في العام المالي 1428/1427ه (2007م) إلى 443مليار ريال، إضافة إلى تميز هذه الميزانية بأنها وجهت ما يزيد عن 40% من إجمالي أوجه الصرف بها نحو الانفاق الاستثماري على المشاريع، إلا أن الاحتفاء بهذه الميزانية التي من الواجب علينا أولاً وآخراً أن نتوجه بالشكر للمولى عز وجل على ما منحنا منها من خير ونسأله جل وعلا استدامتها ينبغي ألا يحجب عنا النظر إليها في إطار مرجعيتها الأساسية وهي خطة التنمية التي تواكب هذه الميزانية مرحلتها وهي خطة التنمية الثامنة، فهي من سيمنحنا القدرة على التقييم المنصف والموضوعي فيما إذا كانت هذه الميزانية تحقق ما نصبو إليه في هذه الفترة الزمنية التي يقطعها مسار التنمية بما ترسم له خطط التنمية المتوالية من ملامح رئيسية.
إن مما لا يخفى على الكثير أن التقدير المستهدف للنمو في الناتج المحلي الإجمالي ضمن سنوات خطة التنمية الثامنة الحالية التي ستدخل عامها الثالث بعد أيام هو 4.6%، لكن ما تشير له البيانات للعامين الماليين السابقين ضمن أعوام هذه الخطة هو أن النمو في الناتج المحلي الإجمالي لم يتجاوز 3.5% لذا نلمس ذلك الفارق الجوهري واضحاً في نمو عدد من قطاعات التنمية التي أسوق منها هنا مثالاً واحداً فقط هو قطاع الإسكان، ففي خطة التنمية السابعة 1421-1425ه، كان المستهدف في سنوات الخطة توفير ما مقداره 570ألف وحدة سكنية، لم ينجز منها سوى 300ألف وحدة سكنية، وبقي طلب تراكمي مقداره 270ألف وحدة سكنية انتقل إلى مرحلة الخطة التنمية التالية وهي الخطة الثامنة الحالية التي من المتوقع أن يكون الطلب على المساكن خلالها مقداره 730ألف وحدة سكنية، سينضم له الطلب التراكمي الآتي من خطة التنمية السابقة ليبلغ إجمالي العدد المستهدف من الوحدات السكنية في خطة التنمية الثامنة هو مليون وحدة سكنية، بمعدل 200ألف وحدة سكنية سنوياً.
وحين النظر لمدى تجسيد ما هو مستهدف سنوياً في خطة التنمية الثامنة من وحدات سكنية عبر الميزانية السنوية للعام المالي القادم، نجد أن صندوق التنمية العقارية بالرغم من الدعم الذي تلقاه وهو 25ألف مليون ريال، موزع على خمس سنوات قادمة، لن يكون قادراً على توفير أكثر من 30ألف وحدة سكنية، وبالتالي استمرار الاعتماد على القطاع الخاص في توفير البقية من العدد المستهدف من الوحدات السكنية وهو 170ألف وحدة سكنية، دون وجود دعم ومساندة حكومية واضحة وتخفيف لتكاليف إنشاء المساكن كما نصت عليه أهداف وسياسات الخطة الثامنة في هذا المجال سعياً منها لاستيعاب أثر العوامل الديموغرافية والاقتصادية والاجتماعية التي تشهدها المملكة خلال سنوات التنمية الحالية.
إن ما أود أن أصل إليه في نهاية المطاف هنا هو أهمية قيام وزارة الاقتصاد والتخطيط بإصدار تقرير يتواكب نشره مع الإعلان عن الميزانية السنوية في كل عام، يتناول التقييم الموضوعي لميزانية السنة المالية الحالية والتي تليها ومدى تطابق أو اختلاف معدلات النمو المحققة أو المتوقعة مع المستهدفة في خطة التنمية، فهذا التقرير هو مما سيوجد الثقة لدى المواطن نتيجة توليد القناعة لديه بأن أجهزة التنمية تسير وفقاً لما هو مخطط لها، ويمنحه الاطمئنان جراء تأكده من عدم وجود تراكم للمشاكل التي توجد المناخ لنشأة الأزمات التنموية في المستقبل. @ أكاديمي وباحث في اقتصاديات التنمية الحضرية