ابن ابي محمد
12-31-2007, 12:09 AM
الأحد 21 من ذو الحجة 1428هـ 30-12-2007م الساعة 02:21 ص مكة المكرمة 11:21 م جرينتش الصفحة الرئيسة (http://www.islammemo.cc/default.aspx) > تقارير (http://www.islammemo.cc/cat1.aspx?id=330) > تقارير و مقالات (http://www.islammemo.cc/cat1.aspx?id=799)
http://www.islammemo.cc/media/Spain/Asif%20Ali%20Zardari.jpgتشييع جثمان بوتو
شريف عبد العزيز
shreef@islammemo.cc
مفكرة الإسلام: سقطت بوتو وراحت ضحية طموحاتها الجانحة، وواريت الثري بجوار أبيها علي بوتو والذي سبق وأن إفتتح سجل المآسي لهذه العائلة المنكوبة بطموحاتها السياسية المفرطة،والعريقة فى الولاء للغرب، قتلت بوتو كما قتل أبوها وأخوها الأكبر مرتضى وأخوها الأخر شيرزاد من قبل، ولم تع الدرس جيدا ولم تتعظ مما جري لأهلها، وسارت فى نفس الطريق المسدود،فجاءت النتيجة طبيعية ومنطقية،وسقطت وهى في أوج نشاطها ونشوتها وثقتها بالدعم الأمريكي الكامل لها ،وذكرنا مصرعها بمصرع جون قرنق زعيم حركة تحرير السودان الذي قتل فى حادث طائرة عقب توقيعه لإتفاقية سلام من حكومة السودان حقق فيها نصرا كبيرا ظن به أنه قد نال ما سعى له طوال حياته، فبوتو وقرنق كلاهما سقط في قمة الحلم وقبلا أن يصبح حقيقة.
وفتح هذا الحادث شهية المراقبين والمحللين السياسيين، فأخذوا في تحليل الحدث وأبعاده،وجاءت معظم التقارير لتركز بطبيعة الحال علي المسئول عن الحادث ،ومن يقف وراء تدبيره،وجاءت كل التحليلات تقريبا لتصبر في معسكرين لا ثالث لهما،الأول بالطبع هم الجماعات الإسلامية في باكستان وما أكثرها وأشدها،وخصوصا في منطقة القبائل حيث يوجد الكثير من رجال طالبان والقاعدة،وقد سارعت الحكومة الباكستانية وعلى لسان وزير داخليتها بإتهام حركة طالبان والقاعدة ،بتنفيذ الحادث بل وتحديد المسئول عن التخطيط وهو أحد القادة الكبار في حركة طالبان وهو بيت الله محسود،في خطوة إستباقية لتقطع بها حكومة برويز مشرف الطريق على من يتهمها بتدبير الحادث والتخلص من فزاعة مشرف الأمريكية،أما المعسكر الثاني فهى المخابرات الباكستانية والتي أبدت إمتعاضا من عودة بوتو للبلاد لعلمها بما تحمله من أجندة أمريكية ذات أهداف واضحة ومحددة وعلى رأسها السيطرة على النووي الباكستاني،ومعظم التحليلات كانت تميل لإتهام المخابرات الباكستانية،للإحترافية الشديدة التي تم بها التنفيذ،والإحتياطات الأمنية الشديدة التي كانت تفرضها الشرطة الباكستانية على تحركات بوتو ومؤتمراتها،حتى أن كبار الصحفيين كانوا يمنعون من الإقتراب من بوتو والحديث معها،والتي تجعل من العسير جدا على شخص أن يخترق كل هذه الحواجز الأمنية ويقترب من بوتو ويطلق عليها الرصاص ويصرعها،ومهما تكن الجهة المسئولة عن الحادث،فالسؤال الأهم فى هذا الحادث والذي ربما لم يطرحه أي من المحللين له من ساعة وقوعه،من المستفيد الأكبر من مصرع بوتو؟
ربما يسارع البعض قائلا أن الجهة التي تقف وراء مصرعها هي المستفيد الأكبر وبالتالي أما الجماعات الإسلامية في باكستان ومعهم القاعدة وطالبان ،وأو المخابرات الباكستانية ونظام مشرف،ولكن الأمر ليس على إطلاقه، فليس بالضرورة أن من نفذ الحادث هو أكثر الناس إستفادة، ففي واقع الأمر أن من دبره هو أكبر المستفيدين منه،كما ليس بالضرورة أن من دبر هو الذي نفذ ، بل في أحيان كثيرة يكون من نفذ الحادث هو أشد الناس تضررا منه،والشواهد على ذلك كثيرة من الأحداث الملتهبة التي شهدها العالم مؤخرا، وأبرز الشواهد علي ذلك إحتلال العراق للكويت سنة 1991، والتداعيات المأساوية التي شهدتها المنطقة عقب هذه الحادثة،والأضرار البالغة التي حاقت بالمنطقة بأسرها، وكان العراق نفسه منفذ الحادث من أشد الأطراف تضررا،حيث عاني ويلات الحصار لعقد من الزمان،ثم انتهي به الحال للوقوع فريسة للإحتلال الأمريكي الغاشم،ثم أخذت المعلومات تتكشف يوما بعد يوم عن الدور الأمريكي والإنجليزي في تدبير هذه الحادثة ،واستدراج الحماقة العراقية لهذه الجريمة.
ولو قمنا بتحليل الحدث مجردا من خلفيات الصراع القديم بين أطراف اللعبة الباكستانية نجد أن حركة طالبان والجماعات الإسلامية وحتى رجال القاعدة هم أكثر الأطراف تضررا من هذه الحادثة،على الرغم من العداوة العميقة والمتجددة بينهم وبين بوتو العلمانية ذات العقيدة الإسماعيلية والجذور الإيرانية،وذلك لعدة أسباب منها:
1-أن مصرع بوتو سيؤدى لتشديد الحملة العسكرية على رجال القبائل والحركات الإسلامية عموما في باكستان ،ونلمح ذلك في مسارعة قاضي حسين أحمد زعيم الجماعة الإسلامية الباكستانية وأحد أهم وأقوي خصوم بوتو التقليديين بالتنديد بالحادثة بلغة قوية وواضحة،وذلك لعلمه بما سيسفر عنه الحادث من حملة إعتقالات محمومة ستطال كل أطراف التيار الإسلامي بالبلاد،والتضييق الكبير والمتوقع علي المدارس الدينية والمشار إليها بأصابع الإتهام عن هذا الحادث،وبالفعل قد بدأت الحكومة الباكستانية هذه الحملة الشعواء بإعتقال المئات في أول أيام االحادث.
2-أن رجال طالبان والقاعدة سيفقدون الملاذ الآمن لهم في منطقة القبائل والجميع يعرف أن أعدادا كبيرة منهم مقيمة هناك تحت حماية شيوخ القبائل،والذين قد يضطروا تحت الضغوط الداخلية والخارجية للتخلي عن دعمهم أو طلب المغادرة منهم لأفغانستان، وهذا مالا يجازف به قادة طالبان والقاعدة الذين أخذوا في إستعادة مقاليد الأمور في أفغانستان، والسيطرة على أجزاء كبيرة من البلاد،وحققوا نجاحات كثيرة في ميدان القتال ضد المحتل الأجنبي شهد بها العدو نفسه،وذلك كله بسبب الدعم القوى من القبائل الباكستانية على الحدود.
3-أن مصرع بوتو سيكسب حكومة مشرف المرتعشة زخما قويا في الصراع ضد الأطراف المعارضة وعلى رأسها الجماعات الإسلامية ،وذلك بعد أن أوشكت أوراق مشرف على الذبول ومن ثم السقوط،وحكومة مشرف لم تضيع وقتا كثيرا في التحقيقات عن هذا الحادث، حيث أسرعت بإتهام طالبان والقاعدة،وأعلنت عن اكتشاف أدلة على تورط القاعدة في الحادثة،وأعلن مشرف الحداد الرسمي فى أنحاء باكستان لمدة ثلاثة أيام،على الرغم من غضبه وامتعاضه الشديدين من فرض بوتو عليه من قبل أمريكا،وأصر علي عقد الإنتخابات في موعدها علي الرغم من تحذيرات كل المراقبين من عقدها في هذه الأجواء المحتقنة،وانسحاب حزب الرابطة الإسلامية وزعيمه نواز شريف من الإنتخابات ،مما يعطي دلالات قوية على تزوير على نطاق واسع سيقع في هذه الإنتخابات.
أما الطرف الآخر المتهم في هذه الحادثة وهو أحد أجنحة المخابرات الباكستانية،والذي أبدي من أول يوم فى غزو أمريكا لأفغانستان، أنه سيقف موقفا مغايرا للتوجهات الأمريكية وحتى الرسمية الباكستانية،وكان لهذا الجناح وهو بالمناسبة الجناح الأقوى والغالب داخل المؤسسة المخابراتية الباكستانية،دور كبير في إنشاء حركة طالبان فى أواسط التسعينيات،ودور آخر في إعادة تكوين الحركة بعد سقوط أفغانستان،وهذا الجناح قد أبدى إمتعاضا شديدا من تنازلات مشرف المتتابعة وخضوعه التام للتوجيهات الأمريكية ،خاصة حيال ملف كشمير والصراع الهندي الباكستاني ،وأيضا الصراع المشتعل في منطقة القبائل، ثم شارك هذا الجناح مشرف في الغضب والضيق الشديد من هبوط بوتو المفاجئ بباراشوت أمريكي على الساحة الباكستانية، وقد مالت كثير من التحليلات لإتهام هذا الجناح ومعه حكومة مشرف بالوقوف وراء هذه الحادثة، ولكن بالتدقيق في مجريات الساحة الباكستانية، وأطراف الصراع فيها ،نجد أيضا أن هذا الطرف المتهم بالحادث سيتضرر منه بشدة، بصورة ربما لا تقل عن الضرر الذي سيقع على الطرف الأول طالبان والقاعدة، وذلك أيضا لأسباب عدة منها :-
1-أن مصرع بوتو سيخلق حالة من الفوضى العارمة داخل البلاد يصعب معها السيطرة على الشارع الباكستاني الملتهب والمشحون أصلا بصراعات عرقية وطائفية وسياسية عميقة،مما يفتح معه المجال لكافة الإحتمالات، من ثورات شعبية أو إنقلابات بيضاء أو حمراء،وحتى إستقلال ذاتي لبعض المناطق مثل إقليم البلوشستان،وهذا ما ألمح الأمريكان،ففي افتتاحية جريدة (يواس إيه تودى) الأمريكية أعرب المراقبون السياسيون الأمريكان عن مخاوفهم من أن باكستان قد أصبحت فى مهب الريح،في حين قالت جريدة فوكس نيوز أن الحادث سيهز باكستان لأجل غير مسمي
2-أن مصرع بوتو سيعطي حزبها حزب الشعب قوة كبيرة داخل الشارع الباكستاني ومزيدا من إلتفاف الناس حوله خاصة في منطقة السند،وذلك بوصفه حزب الشهيدة كما تصفها وسائل الإعلام الداخلية والخارجية،وهذه القوة ستصب فى النهاية لغير صالح مشرف ورجاله،ولربما يكون حزب الشعب أكثر إستفادة من بوتو حال موتها منها حال حياتها في ظل الرفض الشعبي لأفكار بوتو وأجندتها المعلنة في محاربة المدارس الدينية بالبلاد،وهذا الرفض قد تحول لتعاطف بعد المصرع المأساوي لبوتو.
3-أن مصرع بوتو سيؤدى حتما لحالة من الفراغ السياسي على الساحة الباكستانية التى تعاني بالفعل من غياب الشخصيات الآسرة والتى يفضلها الناخب الباكستاني عادة عند التصويت،وهذا الفراغ سيؤدي حتما لظهور شخصيات جديدة وفاعلة في الساحة الباكستانية،ستكون في الأغلب ذات توجهات إسلامية وقبلية،وهذا ما لايفضله الأمريكان وحلفاؤهم،ففي افتتاحية الواشنطن بوست وهي إحدى الجرائد شبه الرسمية فى أمريكا قال رئيس تحريرها أن إغتيال بوتو سيترك فراغا سياسيا ضخما في باكستان،مما يهدد البلاد بالوقوع فريسة التشدد الإسلامي.
4-أن مصرع بوتو وأصابع الإتهام الموجهة لأطراف حكومية بالتورط في هذا الحادث سيؤدي حتما لمزيد من الضغط الأمريكي المتزايد بالفعل على مشرف ورجاله مما سيدفعه لمزيد من الإذعان للطلبات الأمريكية التي لاتنتهي إلا بالسيطرة الكاملة على باكستان وسلاحها النووي ،والقضاء التام علي طالبان والقاعدة وسائر التيارات الإسلامية بالمنطقة،وهذا ما يخشاه مشرف ومن معه،لئن ذلك يعني مد عنقه لسكين الرفض الشعبي الحاد،وبالتالي فقدانه لعرشه الذي داس من أجله على كل شئ.
وهذا التحليل الذي ذكرناه لا يعنى بالضرورة أن كلا الطرفين الجماعات الإسلامية ومشرف ومخابراته،ليسوا سعداء أومستفيدين بالحادث،فهناك قدر من السرور مشترك بين الطرفين مع إختلاف البواعث،ولكن يبقي أن مضار الحادث أكثر من منافعه لدى الطرفين،
وهنا يبقي السؤال مطروحا بلا إجابة من المستفيد الأكبر من مصرع بوتو؟
الناظر لتداعيات الحادث وآثاره الوخيمة على المنطقة بأسرها والتي أخذت تلقي بظلالها على الساحة،يعلم أن أمريكا هي المستفيد الأكبر مما حدث على أرض باكستان،فحالة الفوضى التي ضربت البلاد والإشتباكات التي ما زالت مشتعلة وستزداد اشتعالا،والصراع القبلي والطائفي والسياسي المتأجج في البلاد سيؤدي حتما ولابد لتدخلات خارجية تحت قيادة أمريكا ،وذلك للسيطرة على السلاح النووي وذلك قبل وقوعها في يد جهات معادية لأمريكا،وهذا ما تنبأ به العديد من المحللين السياسيين أمثال المحلل الروسي إيفاشوف مدير معهد الدراسات الجيوبوليتيكية بموسكو والذي قال أن مصرع بوتو سيؤدي لنشوب حرب أهلية طاحنة داخل باكستان،وفيما يتعلق بالجهة المسئولة عن الحادث ألمح إيفاشوف لتورط المراكز الدوليةالمهتمة بزعزعة الإستقرارالعالمي من كوسوفا إلي الصين والهند عبر العراق والقوقاز،ويقصد بالطبع أمريكا واليهود،وقد أكد أن الهدف من وراء ذلك انتزاع السلاح النووي من العالم الإسلامي،وأظن أن ذلك قد بدأ بالفعل،فتحت عنوان (إغتيال في باكستان) شددت صحيفة الواشنطن بوست في افتتاحيتها على ضرورة التدخل السريع في باكستان من أجل بسط الإستقرار
أي بعبارة أوجز وأوضح بدأت أمريكا في تطبيق نظريتها الشهيرة عن الفوضى الخلاقة والتي تحدثت عنها رايس منذ أسابيع،ملوحة بإستخدامها داخل البلدان غير الديمقراطية من أجل بسط السيطرة ونشر الديمقراطية فيها،وكانت باكستان هي أولي الدول التي يتم تطبيق هذه النظرية الشيطانية فيها،وذلك للأهمية الإستراتيجية الكبيرة لباكستان والتي تقع في قلب أسيا،بين أطراف أساسية في حلبة الصراع الدولي (الهند والصين وإيران وأفغانستان)،والدولة الإسلامية الوحيدة التي تمتلك سلاحا نوويا،والتي يتسم شعبها بالتمسك بإسلامه واعتزازه بدينه لأقصي حد، مما يجعل أمريكا في غاية الحرص على نشر الفوضى فيها ولكن ليست أي فوضي بل الفوضى التي تصب في النهاية لصالحها،ولعل إختراقا ما قد حدث للمخابرات الباكستانية،أوللجماعات الإسلامية وطالبان وحتي القاعدة، من جانب عملاء أمريكا المنتشرين في المنطقة والذين هم في ازدياد في هذه الأيام،تم من خلاله استخدام أحد كوادر المخابرات أو أحد المنتمين للجماعات الإسلامية في تنفيذ الحادث ،لتبقي يد أمريكا نظيفة تستخدمها بعد ذلك في إحتلال باكستان،وهذا ما نسأل الله ألا يقع ولا نراه أبدا
http://www.islammemo.cc/media/Spain/Asif%20Ali%20Zardari.jpgتشييع جثمان بوتو
شريف عبد العزيز
shreef@islammemo.cc
مفكرة الإسلام: سقطت بوتو وراحت ضحية طموحاتها الجانحة، وواريت الثري بجوار أبيها علي بوتو والذي سبق وأن إفتتح سجل المآسي لهذه العائلة المنكوبة بطموحاتها السياسية المفرطة،والعريقة فى الولاء للغرب، قتلت بوتو كما قتل أبوها وأخوها الأكبر مرتضى وأخوها الأخر شيرزاد من قبل، ولم تع الدرس جيدا ولم تتعظ مما جري لأهلها، وسارت فى نفس الطريق المسدود،فجاءت النتيجة طبيعية ومنطقية،وسقطت وهى في أوج نشاطها ونشوتها وثقتها بالدعم الأمريكي الكامل لها ،وذكرنا مصرعها بمصرع جون قرنق زعيم حركة تحرير السودان الذي قتل فى حادث طائرة عقب توقيعه لإتفاقية سلام من حكومة السودان حقق فيها نصرا كبيرا ظن به أنه قد نال ما سعى له طوال حياته، فبوتو وقرنق كلاهما سقط في قمة الحلم وقبلا أن يصبح حقيقة.
وفتح هذا الحادث شهية المراقبين والمحللين السياسيين، فأخذوا في تحليل الحدث وأبعاده،وجاءت معظم التقارير لتركز بطبيعة الحال علي المسئول عن الحادث ،ومن يقف وراء تدبيره،وجاءت كل التحليلات تقريبا لتصبر في معسكرين لا ثالث لهما،الأول بالطبع هم الجماعات الإسلامية في باكستان وما أكثرها وأشدها،وخصوصا في منطقة القبائل حيث يوجد الكثير من رجال طالبان والقاعدة،وقد سارعت الحكومة الباكستانية وعلى لسان وزير داخليتها بإتهام حركة طالبان والقاعدة ،بتنفيذ الحادث بل وتحديد المسئول عن التخطيط وهو أحد القادة الكبار في حركة طالبان وهو بيت الله محسود،في خطوة إستباقية لتقطع بها حكومة برويز مشرف الطريق على من يتهمها بتدبير الحادث والتخلص من فزاعة مشرف الأمريكية،أما المعسكر الثاني فهى المخابرات الباكستانية والتي أبدت إمتعاضا من عودة بوتو للبلاد لعلمها بما تحمله من أجندة أمريكية ذات أهداف واضحة ومحددة وعلى رأسها السيطرة على النووي الباكستاني،ومعظم التحليلات كانت تميل لإتهام المخابرات الباكستانية،للإحترافية الشديدة التي تم بها التنفيذ،والإحتياطات الأمنية الشديدة التي كانت تفرضها الشرطة الباكستانية على تحركات بوتو ومؤتمراتها،حتى أن كبار الصحفيين كانوا يمنعون من الإقتراب من بوتو والحديث معها،والتي تجعل من العسير جدا على شخص أن يخترق كل هذه الحواجز الأمنية ويقترب من بوتو ويطلق عليها الرصاص ويصرعها،ومهما تكن الجهة المسئولة عن الحادث،فالسؤال الأهم فى هذا الحادث والذي ربما لم يطرحه أي من المحللين له من ساعة وقوعه،من المستفيد الأكبر من مصرع بوتو؟
ربما يسارع البعض قائلا أن الجهة التي تقف وراء مصرعها هي المستفيد الأكبر وبالتالي أما الجماعات الإسلامية في باكستان ومعهم القاعدة وطالبان ،وأو المخابرات الباكستانية ونظام مشرف،ولكن الأمر ليس على إطلاقه، فليس بالضرورة أن من نفذ الحادث هو أكثر الناس إستفادة، ففي واقع الأمر أن من دبره هو أكبر المستفيدين منه،كما ليس بالضرورة أن من دبر هو الذي نفذ ، بل في أحيان كثيرة يكون من نفذ الحادث هو أشد الناس تضررا منه،والشواهد على ذلك كثيرة من الأحداث الملتهبة التي شهدها العالم مؤخرا، وأبرز الشواهد علي ذلك إحتلال العراق للكويت سنة 1991، والتداعيات المأساوية التي شهدتها المنطقة عقب هذه الحادثة،والأضرار البالغة التي حاقت بالمنطقة بأسرها، وكان العراق نفسه منفذ الحادث من أشد الأطراف تضررا،حيث عاني ويلات الحصار لعقد من الزمان،ثم انتهي به الحال للوقوع فريسة للإحتلال الأمريكي الغاشم،ثم أخذت المعلومات تتكشف يوما بعد يوم عن الدور الأمريكي والإنجليزي في تدبير هذه الحادثة ،واستدراج الحماقة العراقية لهذه الجريمة.
ولو قمنا بتحليل الحدث مجردا من خلفيات الصراع القديم بين أطراف اللعبة الباكستانية نجد أن حركة طالبان والجماعات الإسلامية وحتى رجال القاعدة هم أكثر الأطراف تضررا من هذه الحادثة،على الرغم من العداوة العميقة والمتجددة بينهم وبين بوتو العلمانية ذات العقيدة الإسماعيلية والجذور الإيرانية،وذلك لعدة أسباب منها:
1-أن مصرع بوتو سيؤدى لتشديد الحملة العسكرية على رجال القبائل والحركات الإسلامية عموما في باكستان ،ونلمح ذلك في مسارعة قاضي حسين أحمد زعيم الجماعة الإسلامية الباكستانية وأحد أهم وأقوي خصوم بوتو التقليديين بالتنديد بالحادثة بلغة قوية وواضحة،وذلك لعلمه بما سيسفر عنه الحادث من حملة إعتقالات محمومة ستطال كل أطراف التيار الإسلامي بالبلاد،والتضييق الكبير والمتوقع علي المدارس الدينية والمشار إليها بأصابع الإتهام عن هذا الحادث،وبالفعل قد بدأت الحكومة الباكستانية هذه الحملة الشعواء بإعتقال المئات في أول أيام االحادث.
2-أن رجال طالبان والقاعدة سيفقدون الملاذ الآمن لهم في منطقة القبائل والجميع يعرف أن أعدادا كبيرة منهم مقيمة هناك تحت حماية شيوخ القبائل،والذين قد يضطروا تحت الضغوط الداخلية والخارجية للتخلي عن دعمهم أو طلب المغادرة منهم لأفغانستان، وهذا مالا يجازف به قادة طالبان والقاعدة الذين أخذوا في إستعادة مقاليد الأمور في أفغانستان، والسيطرة على أجزاء كبيرة من البلاد،وحققوا نجاحات كثيرة في ميدان القتال ضد المحتل الأجنبي شهد بها العدو نفسه،وذلك كله بسبب الدعم القوى من القبائل الباكستانية على الحدود.
3-أن مصرع بوتو سيكسب حكومة مشرف المرتعشة زخما قويا في الصراع ضد الأطراف المعارضة وعلى رأسها الجماعات الإسلامية ،وذلك بعد أن أوشكت أوراق مشرف على الذبول ومن ثم السقوط،وحكومة مشرف لم تضيع وقتا كثيرا في التحقيقات عن هذا الحادث، حيث أسرعت بإتهام طالبان والقاعدة،وأعلنت عن اكتشاف أدلة على تورط القاعدة في الحادثة،وأعلن مشرف الحداد الرسمي فى أنحاء باكستان لمدة ثلاثة أيام،على الرغم من غضبه وامتعاضه الشديدين من فرض بوتو عليه من قبل أمريكا،وأصر علي عقد الإنتخابات في موعدها علي الرغم من تحذيرات كل المراقبين من عقدها في هذه الأجواء المحتقنة،وانسحاب حزب الرابطة الإسلامية وزعيمه نواز شريف من الإنتخابات ،مما يعطي دلالات قوية على تزوير على نطاق واسع سيقع في هذه الإنتخابات.
أما الطرف الآخر المتهم في هذه الحادثة وهو أحد أجنحة المخابرات الباكستانية،والذي أبدي من أول يوم فى غزو أمريكا لأفغانستان، أنه سيقف موقفا مغايرا للتوجهات الأمريكية وحتى الرسمية الباكستانية،وكان لهذا الجناح وهو بالمناسبة الجناح الأقوى والغالب داخل المؤسسة المخابراتية الباكستانية،دور كبير في إنشاء حركة طالبان فى أواسط التسعينيات،ودور آخر في إعادة تكوين الحركة بعد سقوط أفغانستان،وهذا الجناح قد أبدى إمتعاضا شديدا من تنازلات مشرف المتتابعة وخضوعه التام للتوجيهات الأمريكية ،خاصة حيال ملف كشمير والصراع الهندي الباكستاني ،وأيضا الصراع المشتعل في منطقة القبائل، ثم شارك هذا الجناح مشرف في الغضب والضيق الشديد من هبوط بوتو المفاجئ بباراشوت أمريكي على الساحة الباكستانية، وقد مالت كثير من التحليلات لإتهام هذا الجناح ومعه حكومة مشرف بالوقوف وراء هذه الحادثة، ولكن بالتدقيق في مجريات الساحة الباكستانية، وأطراف الصراع فيها ،نجد أيضا أن هذا الطرف المتهم بالحادث سيتضرر منه بشدة، بصورة ربما لا تقل عن الضرر الذي سيقع على الطرف الأول طالبان والقاعدة، وذلك أيضا لأسباب عدة منها :-
1-أن مصرع بوتو سيخلق حالة من الفوضى العارمة داخل البلاد يصعب معها السيطرة على الشارع الباكستاني الملتهب والمشحون أصلا بصراعات عرقية وطائفية وسياسية عميقة،مما يفتح معه المجال لكافة الإحتمالات، من ثورات شعبية أو إنقلابات بيضاء أو حمراء،وحتى إستقلال ذاتي لبعض المناطق مثل إقليم البلوشستان،وهذا ما ألمح الأمريكان،ففي افتتاحية جريدة (يواس إيه تودى) الأمريكية أعرب المراقبون السياسيون الأمريكان عن مخاوفهم من أن باكستان قد أصبحت فى مهب الريح،في حين قالت جريدة فوكس نيوز أن الحادث سيهز باكستان لأجل غير مسمي
2-أن مصرع بوتو سيعطي حزبها حزب الشعب قوة كبيرة داخل الشارع الباكستاني ومزيدا من إلتفاف الناس حوله خاصة في منطقة السند،وذلك بوصفه حزب الشهيدة كما تصفها وسائل الإعلام الداخلية والخارجية،وهذه القوة ستصب فى النهاية لغير صالح مشرف ورجاله،ولربما يكون حزب الشعب أكثر إستفادة من بوتو حال موتها منها حال حياتها في ظل الرفض الشعبي لأفكار بوتو وأجندتها المعلنة في محاربة المدارس الدينية بالبلاد،وهذا الرفض قد تحول لتعاطف بعد المصرع المأساوي لبوتو.
3-أن مصرع بوتو سيؤدى حتما لحالة من الفراغ السياسي على الساحة الباكستانية التى تعاني بالفعل من غياب الشخصيات الآسرة والتى يفضلها الناخب الباكستاني عادة عند التصويت،وهذا الفراغ سيؤدي حتما لظهور شخصيات جديدة وفاعلة في الساحة الباكستانية،ستكون في الأغلب ذات توجهات إسلامية وقبلية،وهذا ما لايفضله الأمريكان وحلفاؤهم،ففي افتتاحية الواشنطن بوست وهي إحدى الجرائد شبه الرسمية فى أمريكا قال رئيس تحريرها أن إغتيال بوتو سيترك فراغا سياسيا ضخما في باكستان،مما يهدد البلاد بالوقوع فريسة التشدد الإسلامي.
4-أن مصرع بوتو وأصابع الإتهام الموجهة لأطراف حكومية بالتورط في هذا الحادث سيؤدي حتما لمزيد من الضغط الأمريكي المتزايد بالفعل على مشرف ورجاله مما سيدفعه لمزيد من الإذعان للطلبات الأمريكية التي لاتنتهي إلا بالسيطرة الكاملة على باكستان وسلاحها النووي ،والقضاء التام علي طالبان والقاعدة وسائر التيارات الإسلامية بالمنطقة،وهذا ما يخشاه مشرف ومن معه،لئن ذلك يعني مد عنقه لسكين الرفض الشعبي الحاد،وبالتالي فقدانه لعرشه الذي داس من أجله على كل شئ.
وهذا التحليل الذي ذكرناه لا يعنى بالضرورة أن كلا الطرفين الجماعات الإسلامية ومشرف ومخابراته،ليسوا سعداء أومستفيدين بالحادث،فهناك قدر من السرور مشترك بين الطرفين مع إختلاف البواعث،ولكن يبقي أن مضار الحادث أكثر من منافعه لدى الطرفين،
وهنا يبقي السؤال مطروحا بلا إجابة من المستفيد الأكبر من مصرع بوتو؟
الناظر لتداعيات الحادث وآثاره الوخيمة على المنطقة بأسرها والتي أخذت تلقي بظلالها على الساحة،يعلم أن أمريكا هي المستفيد الأكبر مما حدث على أرض باكستان،فحالة الفوضى التي ضربت البلاد والإشتباكات التي ما زالت مشتعلة وستزداد اشتعالا،والصراع القبلي والطائفي والسياسي المتأجج في البلاد سيؤدي حتما ولابد لتدخلات خارجية تحت قيادة أمريكا ،وذلك للسيطرة على السلاح النووي وذلك قبل وقوعها في يد جهات معادية لأمريكا،وهذا ما تنبأ به العديد من المحللين السياسيين أمثال المحلل الروسي إيفاشوف مدير معهد الدراسات الجيوبوليتيكية بموسكو والذي قال أن مصرع بوتو سيؤدي لنشوب حرب أهلية طاحنة داخل باكستان،وفيما يتعلق بالجهة المسئولة عن الحادث ألمح إيفاشوف لتورط المراكز الدوليةالمهتمة بزعزعة الإستقرارالعالمي من كوسوفا إلي الصين والهند عبر العراق والقوقاز،ويقصد بالطبع أمريكا واليهود،وقد أكد أن الهدف من وراء ذلك انتزاع السلاح النووي من العالم الإسلامي،وأظن أن ذلك قد بدأ بالفعل،فتحت عنوان (إغتيال في باكستان) شددت صحيفة الواشنطن بوست في افتتاحيتها على ضرورة التدخل السريع في باكستان من أجل بسط الإستقرار
أي بعبارة أوجز وأوضح بدأت أمريكا في تطبيق نظريتها الشهيرة عن الفوضى الخلاقة والتي تحدثت عنها رايس منذ أسابيع،ملوحة بإستخدامها داخل البلدان غير الديمقراطية من أجل بسط السيطرة ونشر الديمقراطية فيها،وكانت باكستان هي أولي الدول التي يتم تطبيق هذه النظرية الشيطانية فيها،وذلك للأهمية الإستراتيجية الكبيرة لباكستان والتي تقع في قلب أسيا،بين أطراف أساسية في حلبة الصراع الدولي (الهند والصين وإيران وأفغانستان)،والدولة الإسلامية الوحيدة التي تمتلك سلاحا نوويا،والتي يتسم شعبها بالتمسك بإسلامه واعتزازه بدينه لأقصي حد، مما يجعل أمريكا في غاية الحرص على نشر الفوضى فيها ولكن ليست أي فوضي بل الفوضى التي تصب في النهاية لصالحها،ولعل إختراقا ما قد حدث للمخابرات الباكستانية،أوللجماعات الإسلامية وطالبان وحتي القاعدة، من جانب عملاء أمريكا المنتشرين في المنطقة والذين هم في ازدياد في هذه الأيام،تم من خلاله استخدام أحد كوادر المخابرات أو أحد المنتمين للجماعات الإسلامية في تنفيذ الحادث ،لتبقي يد أمريكا نظيفة تستخدمها بعد ذلك في إحتلال باكستان،وهذا ما نسأل الله ألا يقع ولا نراه أبدا