المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : بقر الدنمارك.. ومعركتنا مع بني الأصفر!!


أبو عبيدة
02-15-2006, 01:56 PM
أمة محمد - صلى الله عليه وسلم - لا تزال حية تنبض، وهي الأمة الولود ولو ارتكست في الضعف والهوان، فهي أمة مثل الغيث لا يدرى أوله أم آخره كما قال النبي - صلى الله عليه وسلم -.

جاءت هذه الأحداث المؤسفة التي نيل من نبينا العظيم محمد - صلى الله عليه وسلم -، وقد كتب الكاتبون، وأنكر المنكرون، وتألم اليقظون للتعدي على جناب النبي الأكرم - صلى الله عليه وسلم -، وهذا أمر لا يستغرب من أمة تشعر بهذا الشعور الرهيب تجاه من أنقدها من الكفر إلى الإسلام، وأقام دنياها على أساس الوحي والدين والشريعة، فجزى الله خيراً كل من تفاعل مع هذا الخطب الجلل.

إنني دائماً أحب أن أطرق الموضوعات من الجوانب المسكوت عنها، حتى تكتمل الصورة المثلى في تعاملنا مع الأحداث، وحتى تتنوع وسائل التأثير على العدو المتربص، وتتضافر الجهود لتكون مستمرة في تصور الصراع الأبدي مع " بني الأصفر لأن ( الروم ذات القرون، كلما هلك قرن خرج قرن آخر )، وحربنا معهم ليست وليدة اللحظة الراهنة بل هي حرب ممتدة على مدار التاريخ البشري، ولأن ( الساعة تقوم والروم أكثر أهل الأرض ) كما في مسلم من حديث المستورد بن شداد.

إن الأحداث المتلاحقة منذ الحادي عشر من سبتمبر إلى هذا اليوم، مروراً بتداعيات 11 أيلول، إلى الحجاب في فرنسا، إلى إهانة المصحف الشريف على أيدي القوات الغازية الآثمة في العراق، إلى إهانة النبي - صلى الله عليه وسلم -، إلى المعتقلين من المؤمنين في جوانتنامو والذين يلاقون أشد أنواع العذاب والإيذاء الذي تشمئز منه قلوب المؤمنين، إلى سجن أبي غريب، كل هذه الأحداث تدل على أننا أمة لم نستطع إلى هذه اللحظة أن نعرف كيف ندير " الصراع " مع أعدائنا من داخلهم، وليس لدينا سواء كنا حكومات، أو جمعيات ومؤسسات ومنظمات، أو أفراداً الاستراتيجية الكاملة للتعامل مع مثل هذه الأحداث التي تنال منا بالليل والنهار.

والمتأمل في حركة " الاستشراق " التي قام بها الغرب على العالم الإسلامي يدرك أهمية الاختراق للأمم من داخلها حتى يتم التأثير فيها من داخلها، فقد دخل المستعمر إلى العالم الإسلامي من بوابة " المستشرقين " الذين درسوا العالم الإسلامي بكل تفاصيله الجغرافية والديمغرافية، ومعرفة تناقضاته الداخلية، ونقاط قوته وضعفه، وتوجهاته الاثنينية، وطوائفه وأعرافه، ومداخله ومخارجه، فمهد هذا كله لحربنا نفسياً وعسكرياً، واقتصادياً وثقافياً، واستطاعوا بعد جهد جهيد في الدخول بتفاصيل التفاصيل أن يستحكموا على العالم الإسلامي، ويفككوا جامعته الكبيرة، ويمزقوه مزقاً وقطعاً صغيرة، الأمر الذي سهل عليهم أكل أمتنا قطعة قطعة كما يأكل الصبي قطعة الحلوى اللذيذة.

إننا بحاجة بعد هذه الأحداث المتلاحقة أن نتوجه إلى " التفكير الاستراتيجي " البعيد المدى لمعرفة كيفية التأثير على الغرب، ومواجهته في مثل هذه الأحداث من خلال مراكز يدفع عليها المسلمون أضعاف ما يدفعون على نوادي الرياضة والوجبات السريعة، تكون مهمتها حركة " استغرابية " ضخمة تدرس الغرب بتفاصيلة، وتتعرف على أدق أموره حتى يستطيع المسلمون أن يخاطبوا الغرب باللغة التي تؤثر فيه، وتكون أرضية للأجيال القادمة لتعرف التعامل مع عدوها المرشح لها إلى قيام الساعة، ولنعرف من خلال حركة " الاستغراب " مواقع التأثير، وتناقضات القوى، ومن هم معنا، ومن هم ضدنا، وما هي الوسائل التي تؤثر في العقلية الغربية، وكل هذا جزء من " الحكمة " التي أمر المسلمون باتخاذها في الدعوة إلى الله، وفي إدارة صراعهم مع عدوهم.

والمدقق في سيرة النبي - صلى الله عليه وسلم - يعرف أنه لم يكن يحارب أقواماً وهو لا يعرف نقاط قوتهم وضعفهم، بل إنه - عليه الصلاة والسلام - كان يستشرف مستقبله معهم من خلال حروب أعدائه فيما بينهم، وما قصة " الروم " مع " الفرس "، ورهانه - عليه الصلاة والسلام - مع قريش عليها، وتسميه الله لغلبة الروم على الفرس بنصر الله؛ إلا دليل على " الوعي " بتفاصيل المرحلة الراهنة التي جعلته يستشرف المستقبل، بل وجعلته يرشح " النجاشي " ليرتحل إليه الصحابة لأنه " ملك لا يظلم عنده أحد "، وعلى هذا تتأسس أهمية اكتشاف العدو على حقيقته الدقيقة، ومعرفته معرفة تفصيلية تمكن من صياغة المنهج الراشد في التعامل معه في مثل هذه الأحداث سواء كان ( مع ) أو ( ضد )، بعيداً عن الطرح العاطفي، وفورات البيبسي التي لا تلبث حتى تتلاشى كما تلاشت في أحداث كثر من قبل.

إن في الغرب نظماً وقوانين وأعرافاً نستطيع من خلال استيعابنا لها أن نحقق الكثير من الانتصارات على الساحة القانونية والقضائية، وأن نحقق للمسلمين في الغرب وفي خارجه انتصارات كثيرة من خلاله، وهذا أمر تنبه له اليهود وأدركوه، وامتزجوا في الغرب امتزاجاً جعلهم يدعمون هذه الدولة المسخ " إسرائيل " حيث يوجد في أمريكا مثلاً 200 ألف يهودي منظّم فقط، ومع ذلك استصدروا مئات القوانين والقرارات التي تصب في صالحهم، فهم يشترون قرارات بالمال من الكونجرس ومجلس الشيوخ، ويبطلون قرارات، ويقومون بحملات إعلامية مضادة لمخالفيهم، ويدعمون الدولة اليهودية بآلاف الملايين، ويصدرون لها كل جديد في التقنية والتطور المادي، بينما يوجد في أمريكا ما يقارب الثمانية ملايين مسلم لم يستطيعوا صياغة خطاب مؤثر على السياسة الأمريكية إلا محاولات بسيطة بدأت ترى النور، وإلا فهم مشغولون بخلافاتهم وحزبياتهم ومشكلاتهم التي لا تنتهي.

إن التماس الحضاري مع الغرب ليس أمراً مؤقتاً، بل هو جزء من حياة المسلمين المعاصرة واللاحقة، وعلى هذا فما أحوجنا إلى صياغة رؤية عميقة وواعية في كيفية استشراف المستقبل معه، وصياغة الاستراتيجية للتعامل مع العدو المستمر حفظاً لبيضة المسلمين، وحماية لمقدساتهم، ونشراً لقيم الشريعة والخير، إذ لو قربت الصورة الصحيحية للنبي الأكرم - صلى الله عليه وسلم - للغرب بخطاب يستوعبه ويفهمه لما قالوا ما قالوا في أزكى البشرية - عليه الصلاة والسلام -.

إنها دعوة إلى أصحاب الأموال أن يوقفوا أموالهم على مشروعات تنفع المسلمين جيلاً بعد جيل، وأن يرتقوا في تفكيرهم الوقفي ليشمل مثل هذه المشروعات الاستراتيجية التي تنفع الأمة كلها، وهي لا شك مشروعات تحتاج لتكامل في الجهود بين أهل " المال " وأهل " الفكر " ليقوموا بهذا الواجب الذي يعد جزءاً من " استبانة سبيل المجرمين "، والذي من أجلها فصل الله الآيات كما قال - تعالى-: (( وكذلك نفصل الآيات ولتستبين سبيل المجرمين ))، وقد عدّ ابن القيم - رحمه الله - من استبان سبيل الكافرين على سبيل التفصيل، وسبيل المؤمنين على سبيل التفصيل؛ أنه من أكمل الخلق عند الله - تعالى-، إذ لا يكفي في الواقع الاستبانه لسبيل المجرمين على سبيل الإجمال، والله ولي التوفيق!
منقول .