المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : خطوات حركة الفكرة في المجتمع


ورد الجوري
05-15-2008, 03:57 PM
بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه ، وعلى من تبعه إلى يوم الدين.

أيها الإخوة الأعزة السلام عليكم ورحمة الله وبركاته ، وبعد؛؛؛
يطرق ذهني هذا السؤال ؛ هل لهذا الموضوع أهمية وفائدة حتى نجعله موضع حوار ؟!!
في نظري القاصر نعم ، لأننا نعيش في عالم يعج بالأفكار ، وهي أفكار مؤثرة ، وأحيانا كثيرة تكون صميمية ، تصيب في عمق عقولنا فتحولها تحولا مذهلا ، من هنا أرى أنه من اللازم علينا أن ندرس حركة الفكرة وكيف تنتقل إلى الناس ، وهل تخضع لقوانين أو أنها مجرد حركة لا ضابط لها ، وكيف يجب أن نلتفت إليها بموضوعية تجعلنا قادرين للتعامل معها.
موضوع طويل ومتشعب ، لكنني علي أن أعترف مقدما بعجزي عن إعطاء الموضوع حقه ، لقلة بضاعتي ، لكن أسأل الله تعالى أن يرزقني أجر إثارته في الأذهان حتى يقيض له من يوليه عنايته ، لذلك لا أعدكم بالكثير في هذا الموضوع.
التعريف بفكرة الموضوع:
(خطوات حركة الفكرة)
ما المقصود بذلك؟

قدمت سلفا نبذة يسيرة عن الموضوع ، لكن دعنا نأخذ مثالا لذلك حتى تتضح الفكرة ، محمد عبدالله يؤمن بفكرة (نظام الري الحديث) ويريد أن يعمم هذه الفكرة على طبقة المزارعين في مجتمعه الذي يؤمن ويعمل بالنظام القديم (الري بالغمر).
بداية سيعمل على الترويج لهذه الفكرة والدعاية لها وتطبيقها تطبيقا محدودا في مزرعته ، ستكون العملية مستهجنة ومثيرة للسخرية ، وسيواجه الكثير من المعارضة ، لكن شيئا فشيئا ، ومع مرور الأيام نجد أن مجتمعه قد آمن بهذه الفكرة وعمل بها ، وأخذ يمتدحها ويروج لها.
ما الذي حدث؟
كيف انقلب الحال؟
هناك فكرة (في مثالنا: الري الحديث) انتقلت من شخص واحد أو جهة معينة ، وأخذت تسري -رغم المعارضة المبدئية وقد تكون عنيفة- في المجتمع حتى عمت وأصبح المجتمع يؤمن بها ، هذه الحركة أخذت خطوات غير منظورة ، أو قد تكون منظورة ولكن لم يلتفت إليها.
موضوعنا يبحث في هذه الخطوات التي تكشف عن حركة الفكرة.
الفكرة التي لا يعمل على نشرها تموت:
هذا قانون من القوانين التي جعلها سبحانه وتعالى في الحياة ، فأي فكرة -مهما كان صوابها- ستموت إن لم يعمل أحد على نشرها ، ومن هنا نجد أهمية جعل الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر من الواجبات الشرعية.
لكن هذا القانون ينضوي تحته قانون طبيعي يمكن أن نراه بوضوح في انتقال الفكرة ، وهو قانون (القصور الذاتي).
ما هو قانون القصور الذاتي ؟
ببساطة شديدة: يقول علم الطبيعة (الفيزياء) أنك إذا ألقيت بجسم إلى الأمام في خط مستقيم سيظل يندفع في نفس الاتجاه وبنفس القوة الدافعة الأولى ، هذا يسمى قانون القصور الذاتي ، أي أن الجسم قاصر أن يوقف نفسه أو يغير من اتجاهه.
ما علاقة ذلك بالفكرة ؟
الفكرة هي الأخرى عندما تخرج من صاحبها ، فإنها تسري سريانا طبيعيا بين الناس ولا تقف ، ولكن هناك الكثير من المؤثرات التي تقطع عليها الطريق أو تحرف مسارها ، مما يوقفها في النهاية ، أو يشوهها وتصبح فكرة أخرى غير الفكرة الأولى.

لو تفكرنا في هذين القانونين الطبيعي والاجتماعي ، للاحظناه في دعوات الرسل عليهم السلام ، فبفعل قابلية الفكرة للانتقال الذاتي بين الناس عندما لا تحدها الحدود تنتقل بينهم ، لكنها تصل في الأخير مسخا محرفا ، مما يلزم أن تأتي رسالة أخرى تصحح المسار وتعطيه دافعا جديدا ، وعندما ختم الله تعالى شرائعه برسالة سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم ، حفظ كتابه من التحريف والتبديل (( إنا نحن نزلنا الذكر وإنا له لحافظون )) لكنه سبحانه وتعالى ترك انتقال حركة الإسلام خاضعة للقوانين الطبيعة والاجتماعية ليبتلي عباده بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.
حركة انتقال الفكرة ؛ أي فكرة كانت تأخذ خطوات.
ما هي هذه الخطوات؟
خطوات انتقال الفكرة:
سأضع خطوات لانتقال الفكرة، لكن علي أن أبين أولا؛ أن الأفكار لا تبدأ كلها من الخطوة الأولى، فهناك من الأفكار ما تبدأ من الخطوة الثانية، أو الثالثة، وهكذا... بحسب تهيئ المجتمع للفكرة، أو بحسب المقدمات لتلك الفكرة الموجودة في المجتمع. أو بحسب الظروف المحيطة بها.
كذلك لا اعتبار للزمن في الانتقال عبر هذه الخطوات، فقد تأخذ فكرة حتى تنتشر أياما معدودة، في حين تأخذ فكرة أخرى شهورا أو سنوات، وذلك راجع لعوامل كثيرة كطبيعة المجتمع ودرجة وعيه ودرجة محافظته والظروف المحيطة به.
عندنا ست خطوات تبدأ من سالب واحد وتنتهي في رقم خمسة، أي تترتب هكذا: (-1 ، 1 ، 2 ، 3 ، 4 ،5 )
قبل الولوج للخطوات أريد أن أبين أنني سأعتمد على مثال (نظام الرأي الحديث) لكن هذه الخطوات يمكن اعتمادها في بقية الأفكار.
لاحظوا أن الخطوات تبتدئ من سالب واحد، وهذا له مغزاه كما سأوضحه لاحقا بإذن الله تعالى.
" 1 = عندما تطرح أي فكرة على المجتمع قد تجد معارضة من قبل شريحة واسعة منه، وهذا أمر طبيعي يرجع إلى العامل النفسي الذي يتوجس من كل ما هو جديد، فالناس لم تألفه من جهة، ويصطدم مع أفكار قديمة راسخة ليس من السهولة اقتلاعها، ولبيان ذلك نرجع إلى مثالنا، فمحمد عبد الله عمل على إدخال (نظام الري الحديث؛ القائم على فكرة التنقيط) إلى مجتمعه، فهذا أمر غير مألوف لدى ناسه، فلذلك يعمل العامل النفسي عمله من المعارضة بسبب أنه سيعمل على اقتلاع فكرة (نظام الري القديم) القائم على فكرة (الغمر) ، وفكرة الغمر مرتبطة، بأفكار ملازمة لها ومتداخلة.
من ذلك: ارتباطها بنظام الفلج الذي خدم العماني لقرون طويلة، فمن أنت حتى تأتي لتغيير هذه الطريقة.
ومن ذلك أيضا: ارتباطها بجوانب اعتقادية -في نظرهم- أن الله هو الذي يرزق عباده، وهو القادر على إغاثتهم، يقولون ذلك وفي تصورهم أن (نظام الري الحديث) القائم على فكرة التنقيط يتعارض مع هذا المفهوم الاعتقادي الصحيح.
ومن ذلك أيضا: قد تتهدد الفكرة -أي فكرة- مصالح طبقة معينة، مثلا كطبقة القائمين على الفلج، وهكذا.
وعلى كل حال؛ فإن أي جديد سيجد معارضة إما كنزوع نفسي أو لأنه يصطدم مع أفكار سالفة، أو مصالح قائمة.
وأكد أن مثالنا هنا يبقى كمجرد مثال، وإلا فالأمر يسري على بقية الأفكار.
كما تلاحظون؛ أن هذه الخطوة سلبية معارضة في بادئ الأمر للفكرة، ولذلك أعطيتها رمز السالب ، ومع ذلك هي أساس ممهد لبداية حركة الفكرة.

والذين يريدون انتقال أفكارهم الجديدة، لا يستاءون من هذه الخطوة، بل يسرون بها، لأنها تمثل الصعق الأولي للأفكار القديمة، وتوقظ الناس من لذة الخدر على أفكارهم القديمة، وتكشف عن مقدار مدى وصول الفكرة إلى الناس ومقدار تأثرهم بها، فالمعارضة في جانبها الإيجابي لانتقال الفكرة الجديدة؛ تنشر خبر هذه الفكرة بين الناس، وإن كان نشرا سلبيا معارضا، لكن سيعلم بها الناس، وتكون على ألسنتهم وحديث مجالسهم.
وأسمي هذه الخطوة (خطوة المعارضة).
1 = ثم تأتي الخطوة التالية؛ وهي أولى خطوات الانتقال الفعلية، حيث يبدأ الناس يتساءلون عن هذه الفكرة، ويبحثون في مقدار خطئها من صوابها، ويعرضونها على المحكات العلمية والدينية والاجتماعية، وقد يكون تساؤلهم إما لغرض الرد عليها وحماية المجتمع منها، أو فضولا للتعرف عليها، أو لتجنب مخاطرها.
المهم؛ سيكون هناك عمل بحثي لهذه الفكرة.
وعندما يعارض البعض هذا البحث ومحاولة المعرفة، سيكون التبرير موجودا لدى الآخرين، "عرفت الشر لا لشر ولكن لتوقيه"، ومع التعامل مع هذا الفكرة بهذه الطريقة، تكون قد اكتسبت الفكرة بعدا معرفيا.
فمع دخول (نظام الري الحديث) أخذ الناس في طلب المعرفة عن هذا النظام، هذه المعرفة لا ريب ستؤتي ثمارها لاحقا.
وهذه الخطوة نسميها (خطوة المعرفة؛ أو طلب المعرفة).
2 = مع وجود الفكرة الجديدة، وربما في أوج المعارضة لها، يبدأ الناس يتقمصون شيئا منها أو من مفرداتها، إما تقليدا لما هو موجود عند البعض، أو تجربة، أو فضولا، أو حتى من باب السخرية بها.
فعندما يلاحظ الناس أن محمد عبدالله قد ركب في مزرعته نظام الري الحديث، وأخذ الناس يعارضون ثم يتساءلون ويبحثون عن هذا النظام، ستجد منهم من يقلد محمد عبدالله وخاصة أنه رأى جانبا إيجابيا في هذا النظام، أو رأى فيه نوعا من التمدن وطرافة الحداثة، أو يأخذ بهذا النظام تجربة كوسيلة لمعرفة حقيقة هذا النظام، أو لإرضاء فضوله.
وقد نرى البعض يسخر من هذه الفكرة في مواقف متعددة، كأن يرى صنبورا خربا ينقط، فيقول هذا نظام الري الحديث، أو يرى سراجا عاطلا يضئ ويخفت فيقول هذا السراج يعمل بنظام الري الحديث، وهكذا، لكن هذه السخرية تحقق نوعا من التمثل والتقمص يجعل القضية ساخنة في ذهنه أو أذهان الناس الذين يحتك بهم.
وكثيرا ما نرى التقمص والتمثل في حياتنا لأمور نعارضها، وهي أوضح من إطالة الحديث فيها.
هذه الخطوة يمكن تسميتها (خطوة التمثل).
3 = بعد معرفة جوانب من الفكرة والتمثل لها، يكون الاقتناع، وبالاقتناع تدخل الفكرة منعطفا مهما، حيث تأخذ الفكرة بالتحرك الواضح داخل المجتمع، وتحقق بذلك انتشارها المطلوب.
فعند اقتناع الناس بنظام الري الحديث، انكسر الحاجز النفسي من التشبث بالقديم، لأن الاقتناع بالجديد يصرف الناس شيئا فشيئا عن القديم، يبدأ القديم بالاختفاء إذا فقد مبرر وجوده.
هذه الخطوة أطلق عليها (خطوة الاقتناع).
4 = بعد الاقتناع وغياب القديم مع مرور الزمن، يصبح الأمر المألوف العمل بهذه الفكرة، وتصبح الفكرة متأصلة في المجتمع، تكسب ضرورة بقائها بتطبيق الناس لها، واعتبارها جزء من حياتهم ومكونهم الثقافي والحضاري، فكما كان الفلج ونظام الغمر به من تركيبة المجتمع الحضارية، فإن مع تأصل فكرة الري الحديث سيصبح نظام الري الحديث من مكونات المجمتع، وإن كان هذا الأمر يحتاج إلى تعاقب زمني طويل نسبيا. وسوف أتطرق لعامل الزمن في خطوات حركة الفكرة لاحقا بإذن الله تعالى. هذه الخطوة نسميها (خطوة التذويت ، أو الذاتية).
5 = عندما يقتنع الناس بفكرة معينة، وتشكل ذاتية مجتمعهم فإنهم سوف يعملون على نقلها إلى الآخرين، إما برغبة نفسية، أو بالنظر إلى الفكرة على أنها خير ينبغي لهم نشرها، أو أنه تحقق مصالح لهم.
فمحمد عبدالله ينقل فكرته حول نظام الري الحديث، إما كرغبة نفسية، وهذا واضح فأنت عندما تشتري سيارة ما فتعجب بها، تتشكل لديك رغبة لتشجيع هذا النوع من السيارات، وقد ينقل محمد عبدالله فكرته من باب حبه للآخرين، ونشرا لخير هذه الفكرة، أو أنه قد فتح محلا لبيع أدوات الري الحديث، فيشجعه تحقيقا لمصلحته التجارية.
وبهذه الطرائق وأمثالها، يتحقق نقل الفكرة لأوساط واسعة من المجتمعات الأخرى.
هذه الخطوة نسميها (خطوة النقل).
هذه هي خطوات حركة الفكرة ، ويبقى لنا أن نعرف هل هذه الخطوات متساوية زمنيا وهل هي متداخلة ، وكذلك ما هي القوانين المؤثرة على الفكرة ، هذا ما سنعرفه لاحقا بإذن الله تعالى.
الأفكار أمواج بحرية:
الأفكار وإن كانت تأخذ نسقا واحدا من حيث نظام الانتقال في المجتمعات إلا إنها تختلف من حيث الزمن الكلي الذي تستغرقه كل فكرة، وتتباين أيضا كل فكرة في استغراقها للزمن الذي تحتاجه في أي خطوة من الخطوات.
والزمن المستغرق في كل ذلك قد يبدأ بالأيام وينتهي بالشهور أو بالسنوات، وكل ذلك راجع إلى قوانين حركة الانتقال التي سأبينها لاحقا بإذن الله تعالى، التي تصنع قوة الفكرة أو ضعفها، وقدرتها على الصمود من عدمها، وكذلك للتزاحم الحادث بين الأفكار وقعه وتأثيره على مدى بقاء الفكرة.
والأفكار قد تتداخل مع بعضها البعض مشكلة مسارا متوازيا فتآزر بعضها البعض ، أو تتقاطع هذه الفكرة مع تلك الفكرة فتضعف إحداهما الأخرى.
وكذلك الظروف المحيطة قد تساعد على قوة الفكرة أو ضعفها، وعلى بروزها أو اختفائها، وهذه الظروف قد تتعلق برسوخ أفكار متقدمة أو بعقيدة المجتمع أو بجاذبية الفكرة الجديدة، أو بحماس من قبل أنصار الجديدة أو السابقة.
من كل ذلك يمكنني أن أشبه الأفكار بأمواج البحر، فبإمكان المرء أن يتخيل أنه واقف أمام البحر ويجيل ناظره في حركته، فهي أمواج كثيرة ومتداخلة، فأحيانا تكون هائجة وتارة هادئة وأخرى تكون متوسطة، وبين هذه الأنماط الثلاثة من الحركة هناك عدد لا يحصى من الأنماط، قد نستطيع إدراك الفرق بينها وقد لا نستطيع، ثم إن الأمواج تتعاقب، فعندما ينشأ جزء منها يختفي الآخر وهكذا.

وهذه الأمواج تخضع لمؤثرات الريح والجاذبية ودرجة الحرارة وكثافة الماء ودرجة ملوحته، وهكذا الأفكار في المجتمع تتباين في حركتها وزمنها الأمواج.
ومن المهم أيضا أن نعرف أن المجتمع تتحرك أفكاره كتحرك مياه الأمواج، فإنك لا تستطيع أن تجد نفس الماء في نفس المكان، وإنما تتحرك إلى مكان آخر، وإن لم يظهر للعين المجردة، والأفكار كذلك، فهي وإن ظهرت لنا أنها موجودة بنفس القوة والعمق في المجتمع، إلا أنها في الحقيقة غير ذلك، فهي تتحرك كل لحظة في قوتها وعمقها، وبعبارة أخرى الأفكار تتغير كما وكيفا، وهذا التغير يجعلنا نتجرأ ونصفها بأنها أفكار أخرى متحولة عن سابقتها.
أرجو أن يكون هذا المثال قد قرب حركة في الفكرة في المجتمع إلى الأذهان.
قوانين انتقال الفكرة:
الفكرة كغيرها من الأمور تحكمها قوانين تضبط مسارها وتغيرها، وقوانين الفكرة معقدة لأنها تدخل ضمن قوانين الاجتماع، فالإنسان ليس آلة صماء ولا جرما طبيعيا ميتا، بل هو كائن حي عاقل مفكر تربط بين جنسه علاقات كثيرة جدا متشابكة ومتداخلة تتوازى تارة وتتقاطع أخرى.
ولا أريد الآن أن أدخل الآن في الجدلية الفلسفية لهذه القوانين، هل هي منضبطة كقوانين الطبيعة ، أو غير منضبطة بحكم طبيعة البشر، فهذا في أخذ ورد واسع جدا بين علماء الاجتماع، ولعلي أتعرض إلى ذلك لاحقا بإذن الله تعالى.
ما يهمني الآن هو أن أطرح بعض القوانين المؤثرة في انتقال حركة الفكرة.
تكلمت سابقا عن قانونين من هذه القوانين ، وهما:
1- قانون: (الفكرة التي لا يعمل على نشرها تموت).
2- قانون: (القصور الذاتي).
وأريد أن أنبه بالنسبة للقانون الثاني بأنه في الأصل هو قانون طبيعي "ديناميكي"، ولكن استعرته هنا كقانون من قوانين انتقال الحركة في المجتمع ، وبذلك علينا أن ننتبه بأنه يشمله جدل قوانين الاجتماع في هذه الحال، فهو لم يصبح -بعد استعارته- قانونا طبيعيا بل تحول إلى قانون اجتماعي.
3- قانون: (الانبهار):
يتلخص هذا القانون في أن الفكرة إن كانت مبهرة، فإنها سوف تتحرك في المجتمع، وبمقدار بريقها المبهر للنفوس تكون سرعتها المتحركة فيه، ويزداد البريق والإبهار عندما تقع الفكرة في مجتمع يفتقد مقومات تلك الفكرة، فالمسلمون انبهروا بالغرب بقوة عندما رأوا المدنية المعاصرة والتي لا يملك المسلمون مقوماتها.
وهنا أضرب مثالا آخر، وهذه المرة من عالم موضة الأزياء ، حيث تلجأ دور الأزياء إلى التركيز على عامل الإبهار لتروج النوع الجديد من الأزياء، وهكذا الفكرة عموما فإنها عندما تكون مبهرة فإن اعتناقها يتكاثر ويتزايد.
ومن تأريخنا الإسلامي كان الانبهار سببا من أسباب ولوج الإسرائيليات إلى فكرنا الإسلامي.
ومن طبيعة الإنسان أنه يحب ما يبهره ويتعلق به، ثم يتقمصه أو يتقمص جوانب منه؛ شعر بذلك أو لم يشعر.
والانبهار يمكن أن يكون من ذات الشيء كالذهب والحرير مثلا فهو مبهر بذاته، أو بالإكساب حيث بإمكان الإنسان أن يذوق أفكاره بحيث يجعلها مبهرة.

وأحيانا كثيرة لا تحمل الفكرة قوة الانتشار إلا بخلق نوع من الإبهار لها.
ولذلك نقول: إن الدعوة إلى الإسلام من الضروري أن يهيأ لها الإبهار، فالإسلام مع كونه يحمل الإبهار كجزء من الإعجاز إلا أنه وجدت الكثير من العوامل شوشت عليه في العديد من جوانبه.
4- قانون (الانطفاء):
هذا القانون يعمل بعكس القانون السابق؛ قانون الانبهار، وهو أنه عندما يزول الانبهار يحدث الانطفاء، والانبهار يزول إما بالملل والسأم أو اكتشاف عيوب الفكرة أو بمزاحمتها بفكرة أخرى أو بغيرها من الأسباب.
وكما يمكن أن نصنع الانبهار للفكرة المطلوبة فإننا يمكن أن نصنع الإطفاء للأفكار غير المرغوب فيها، وكثيرا ما يحدث الإطفاء للفكرة السابقة بإحلال فكرة أخرى جديدة مبهرة.
خذ مثلا ؛ الرسوم المتحركة مبهرة للأطفال ، لكن يمكن أن نحدث إبهارا للرسوم المتحركة ذات الفكر غير الإسلامي بإنتاج رسوم متحركة ذات طبيعة إسلامية.
ونحن لو تأملنا حياتنا لوجدنا هذين القانونين واضحين يتعاقبان عليها في كل شيء.
وقانون الإطفاء ضروري ومهم استخدامه لإطفاء الأفكار التي قد تعوق الفكرة المراد نشرها.
5- قانون (التوالد):
الفكرة لا تبقى فكرة واحدة، بل إنها تلد وتنتج أفكارا أخرى، حتى أن الناظر غير المتمعن يظن أنها أفكارا مستقلة عن بعضها، وإنما هي في الحقيقة توالدت من بعضها البعض.
فمثلا بروز فكرة جمعية تعاونية بين مجموعة من الناس سيولد التفكير بالدخول في إنشاء مؤسسة تجارية، ولتكن هذه المؤسسة مصنع ملابس أطفال، وهي فكرة بنجاحها ستخلق شعورا بالفخر بالمنتج الوطني، وسوف يلتزم قطاع من الناس بما ينتجه هذا المصنع، وقد يؤدي إلى أن يفكر غيرهم بإنشاء مؤسسة تجارية أخرى، وسيخلق فكرة التنافس، ثم فكرة رفع مستوى الجودة، وهكذا سلسلة من الأفكار المتوالدة بالتتابع.
على أنه يصحب هذا التسلسل المتتابع تسلسل آخر متوازي.
6- قانون (كثافة الانتشار):
تبدأ الفكرة ضعيفة في الانتشار، ولكن كلما ازداد انتشارها فإنها تتسارع في الانتشار بقوة، ولنأخذ مثلا على ذلك الصحوة الإسلامية، فإنها ابتدأت في تمثل الناس لها بطيئة، وكان الفرد الواحد يحتاج جهدا كبيرا من الدعوة حتى يستقيم على جادة الدين، ولكن ها نحن الآن نرى الاستقامة والالتزام بين الشباب سريعا، وكأن الأمر يحدث تلقائيا بدون قوانين مؤثرة، وفي الحقيقة أنه قانون كثافة الانتشار الذي يضغط على الناس بالاستقامة.
وهكذا نجد كثيرا من الأفكار تبدأ غير مرغوب فيها، ولكن لا نلبث أن نرى الناس قد اتجهوا إليها، وتتسرب الأفكار بينهم بحكم هذا القانون الذي يعطيهم شعورا نفسيا بأن الكثرة لم تأت من فراغ بل نابعة من أصل ووجود فعلي.
وفي الحقيقة ليس من الشرط أن يكون للفكرة الضاغطة بكثافة انتشارها أن لها أصلا وواقعا، فإن كنت قد ضربت أعلاه مثلا بالاستقامة وهو أمر واقع وأمر من دين الله، فإن هناك عشرات الأمثلة التي لا أصل لها ومتنافية مع حقيقة الواقع ولكنها تنتشر بين الناس، أضرب مثلا على ذلك يحضرني الآن، قبل أكثر من عشر سنوات، ظهرت شائعة مفادها أن أحدهم رأى أن القيامة ستقوم في الأيام القريبة، ومصداق ذلك وجود شعرة في سورة من سور القرآن الكريم، وأخذت الناس تفتح المصاحف وتجد صحة ذلك!!! حسب تصورها، أي الشعرة دليل قيامة القيامة، وأتذكر أن بعضهم لم يكن يصدق بذلك، ويقول: إن هذا وهم من الأوهام. ثم إذا به يغير رأيه ويعتقد بذلك، وكان يقول: فعلا يمكن أن يحدث ذلك، فلماذا افترض صحة رأيي فقط؟ ، لماذا لا يكون الآخرون هم أيضا مصيبين؟. ويعلل ذلك بأن الرؤية قد تكون حقا، وأن الكثير من المشائخ الذين قابلهم وطائفة عريضة من شباب الاستقامة يعتقدون صحة هذه الرؤية.
7- قانون (الانسياق الجماعي):
كثيرا ما يحدث لنا أن نكون في جماعة ما ، أيا كان عددها ، فنتصرف وفق تصرف هذه الجماعة، ولا نسأل أنفسنا لماذا تفعل هذه الجماعة هذا الفعل، بل حتى أننا لا نسأل أنفسنا لماذا نفعل ما تفعله الجماعة، وإنما نكتفي
فالطالب يدخل القسم العلمي لأن زملاءه دخلوا هذا القسم، وزيد من الناس يختار الوجبة الفلانية لوجبة الغداء في المطعم، لأن مجموعة الرفاق اختارت هذه الوجبة، وعلان أخذ يدخن الشيشة لأن شلة الرمسة تستعمل هذه العادة السيئة، وهكذا.
فالأفكار؛ ليس من الشرط أننا نتمثلها ونعتنقها لأننا فهمناها، وإنما قد ننساق إليها بفعل اعتناق الجماعة لها.
تناسق الفكـرة:
الفكرة قد تبدون في مظهرها الخارجي واحدة مفردة ؛ لا تتكون من أجزاء ولا قابلة للانقسام إلى أجزاء، وهذه نظرة قاصرة خادعة، فالحقيقة أن الفكرة التي قد تبدو لنا ظاهريا أنها واحدة هي عبارة عن مجموعة أفكار متناسقة مع بعضها البعض، يأخذ كل جزء منها بطرف الآخر، وهذا ما أسميه بـ"التناسق الداخلي" للفكرة.
دعونا نأخذ مثالا على ذلك صلاة الجماعة.
وقبل الشروع في شرح هذا المثال، علي أن أبين أن الأحكام الإلهية المنزلة في الكتاب والسنة لا يمكن أن نطلق عليها بأنها أفكار، لأن الفكر هو نتاج العقل البشري، وأحكام الشرع هي من الله تعالى، الذي يتنزه عن وصفه بالفكر والتفكر، تعالى الله عن ذلك علوا كبيرا، لكن هذه الأحكام جعلها الله تعالى في حركتها وانتقالها وتمثلها من قبل البشر تأخذ طابع الفكرة، وذلك ابتلاء منه جل وعلا لأجل أن نبلغ دينه ونقوم بواجب الدعوة إليه تبارك وتعالى.
والآن نأت إلى مثالنا وهو صلاة الجماعة، تبدو في ظاهرها كأنها أمر واحد، ولكنها في الحقيقة هي مجموعة أمور متناسقة مع بعضها تناسقاً قوياً، أذكر من ذلك، الإيمان بالله تعالى، وهيبته في نفس المؤمن، والاعتقاد بأن الله تعالى أنزل الشرائع، والإيمان بشريعة محمد صلى الله عليه وسلم أنها من الله تعالى، وأنها خاتمة الشرائع، والإيمان بأن الله فرض الصلاة، وكذلك الإيمان بأن الله تعالى يخلد من ينكر أو يترك إقامة الصلاة في النار، والتسليم بوجوب الصلاة في جماعة، والعلم بأدائها، إذن سلسلة من القضايا المتناسقة فيما بينها.
ثم إنه يجب أن تكون الفكرة قابلة للحركة على أرض الواقع، أي لديها تناسق مع طبيعة المجتمع الذي توجد فيه، وهذا ما أسميه بـ"التناسق الخارجي" للفكرة، فعندما لا يمكن أن تتحقق الفكرة على أرض الواقع يعني ذلك أن الفكرة لا يتحقق فيها التناسق الخارجي مع معطيات المجتمع.
فلو رجعنا إلى المثال السابق وهو صلاة الجماعة، فإننا نجد الصلاة تحقق تناسقا خارجيا مع المجتمع، فالصلاة ميسرة يتمكن كل إنسان حتى الطفل أن يأتي بأعمالها، وجعلها سهلة يمكن أن تؤدى في أي مكان، فقد جعل الله تعالى الأرض مسجداً وترابها طهوراً، ولم يحصرها في مسجد بعينه، وعندما يتعذر للإنسان أن يأتي بالصلاة على حركاتها المعتادة فإنها يأتيها حسب استطاعته، ويعذر من الجماعة في عدم القدرة عليها، وفي السفر يقصر الصلاة وله أن يجمع الظهرين معا، وكذلك العشاءان، بالإضافة إلى ما تحققه صلاة الجماعة من أبعاد اجتماعية وتربوية واضحة، كما أن المرأة لظروفها لم توجب عليها الجماعة، مع الجواز لها في إتيانها والحض عليها.
فلو فرضنا أن صلاة الجماعة مثلاً واجبة على المسلم في كل الأحوال ولا يعذر منها بأي حال، لأصبحت صلاة الجماعة تعاني من فقدان للتناسق الخارجي، لعدم القدرة على تنزلها في أرض الواقع.
توحد الفكرة وتجزؤها:
شرحت في الحلقة الماضية المقصود من توحد الفكرة وتجزئها، وأريد هنا أن أبين أثر ذلك على الواقع، ولنرجع إلى مثالنا عن صلاة الجماعة، فلو لاحظنا إنسانا لا يصلي جماعة في المسجد، كيف نعالج هذا الأمر فيه؟ لا بد أن ننظر في القضايا التي تنبني عليها، أو ما هي الأفكار المانعة له من الصلاة، هل لا يؤمن بالله تعالى، أو لا يؤمن بالرسالة المحمدية، أو مصاب بداء الإرجاء فيرى ترك الصلاة معصية لا تخلد في النار، أو يرى عدم وجوب صلاة الجماعة، أو يرى أنها واجبة على الكفاية، أو الجهل، أو التهاون، وهكذا.
فإذن الفكرة يمكن أن تتركب من عدة أفكار كما أنها تتجزأ إلى أجزاء، فعلينا عندما ندرسها أن نلاحظ ذلك وندركه، ونتفطن له. وهنا يكتمل مبحث "خطوات حركة الفكرة" سائلا الله تعالى القبول.


المؤلف : خميس بن راشد العدوي

spiderman1111
05-15-2008, 07:15 PM
يعطيكم العافية

محمود عادل
05-16-2008, 02:52 PM
مشكورة

ورد الجوري
05-17-2008, 10:28 PM
مشكورين على المرور
يعطيكم العافيه

حسن عابد
05-20-2008, 06:53 PM
يعطيكم العافيه

ورد الجوري
05-24-2008, 02:28 PM
مشكورين على المرور
يعطيكم العافيه