أبو عبيدة
03-23-2006, 08:49 PM
ريـمٌ عـلى القـاعِ بيـن البـانِ والعلَمِ ****أَحَـلّ سـفْكَ دمـي فـي الأَشهر الحُرُمِ
رمـى القضـاءُ بعيْنـي جُـؤذَر أَسدًا*** يـا سـاكنَ القـاعِ، أَدرِكْ ساكن الأَجمِ
لمــا رَنــا حــدّثتني النفسُ قائلـةً*** يـا وَيْـحَ جنبِكَ، بالسهم المُصيب رُمِي
جحدتهـا، وكـتمت السـهمَ فـي كبدي**** جُـرْحُ الأَحبـة عنـدي غـيرُ ذي أَلـمِ
رزقـتَ أَسـمح مـا في الناس من خُلق*** إِذا رُزقـتَ التمـاس العـذْر فـي الشِّيَمِ
يـا لائـمي في هواه - والهوى قدَرٌ -*** لـو شـفَّك الوجـدُ لـم تَعـذِل ولم تلُمِِ
لقــد أَنلْتُــك أُذْنًــا غـير واعيـةٍ*** ورُبَّ منتصـتٍ والقلـبُ فـي صَمـمِ
يـا نـاعس الطَّرْفِ; لاذقْتَ الهوى أَبدًا*** أَسـهرْتَ مُضنـاك في حفظِ الهوى، فنمِ
أَفْـديك إِلفًـا، ولا آلـو الخيـالَ فِـدًى**** أَغـراك بـالبخلِ مَـن أَغـراه بـالكرمِ
سـرَى، فصـادف جُرحًـا داميًا، فأَسَا**** ورُبَّ فضــلٍ عـلى العشـاقِ للحُـلُمِ
مَــن المـوائسُ بانًـا بـالرُّبى وقَنًـا**** اللاعبـاتُ برُوحـي، السـافحات دمِي?
الســافِراتُ كأَمثـالِ البُـدُور ضُحًـى يُغِـرْنَ**** شـمسَ الضُّحى بالحَلْي والعِصَمِ
القــاتلاتُ بأَجفــانٍ بهــا سَــقَمٌ**** وللمنيــةِ أَســبابٌ مــن السّــقَمِ
العــاثراتُ بأَلبــابِ الرجـال، ومـا**** أُقِلـنَ مـن عـثراتِ الـدَّلِّ في الرَّسمِ
المضرمـاتُ خُـدودًا، أسـفرت، وَجَلتْ**** عــن فِتنـة، تُسـلِمُ الأَكبـادَ للضـرَمِ
الحــاملاتُ لــواءَ الحسـنِ مختلفًـا**** أَشــكالُه، وهـو فـردٌ غـير منقسِـمِ
مـن كـلِّ بيضـاءَ أَو سـمراءَ زُيِّنتا**** للعيـنِ، والحُسـنُ فـي الآرامِ كالعُصُمِ
يُـرَعْنَ للبصـرِ السـامي، ومن عجبٍ**** إِذا أَشَــرن أَســرن الليـثَ بـالعَنمِ
وضعـتُ خـدِّي، وقسَّـمتُ الفؤادَ ربًى**** يَـرتَعنَ فـي كُـنُسٍ منـه وفـي أَكـمِ
يـا بنـت ذي اللِّبَـدِ المحـميِّ جانِبُـه**** أَلقـاكِ فـي الغاب، أَم أَلقاكِ في الأطُمِ?
مـا كـنتُ أَعلـم حـتى عـنَّ مسـكنُه**** أَن المُنــى والمنايـا مضـرِبُ الخِـيمِ
مَـنْ أَنبتَ الغصنَ مِنْ صَمصامةٍ ذكرٍ?**** وأَخـرج الـريمَ مِـن ضِرغامـة قرِمِ?
بينـي وبينـكِ مـن سُـمْرِ القَنا حُجُب**** ومثلُهــا عِفَّــةٌ عُذرِيــةُ العِصَـمِ
لـم أَغش مغنـاكِ إِلا في غضونِ كَرًى**** مَغنــاك أَبعــدُ للمشـتاقِ مـن إِرَمِ
يـا نفسُ، دنيـاكِ تُخْـفي كـلَّ مُبكيـةٍ**** وإِن بــدا لـكِ منهـا حُسـنُ مُبتسَـمِ
فُضِّـي بتقـواكِ فاهًـا كلمـا ضَحكتْ**** كمــا يُفـضُّ أَذَى الرقشـاءِ بـالثَّرَمِ
مخطوبـةٌ - منـذُ كان الناسُ – خاطبَةٌ**** مـن أَولِ الدهـر لـم تُـرْمِل، ولم تَئمِ
يَفنـى الزّمـانُ، ويبقـى مـن إِساءَتِها**** جــرْحٌ بـآدم يَبكـي منـه فـي الأَدمِ
لا تحــفلي بجناهــا، أَو جنايتهــا**** المـوتُ بـالزَّهْر مثـلُ المـوت بالفَحَمِ
كـم نـائمٍ لا يَراهـا، وهـي سـاهرةٌ*** لــولا الأَمـانيُّ والأَحـلامُ لـم ينـمِ
طــورًا تمـدّك فـي نُعْمـى وعافيـةٍ*** وتـارةً فـي قـرَار البـؤس والـوَصَمِ
كـم ضلَّلتـكَ، وَمَـن تُحْجَـبْ بصيرتُه*** إِن يلـقَ صابـا يَـرِد، أَو عَلْقمـا يَسُمِ
يــا ويلتـاهُ لنفسـي! راعَهـا ودَهـا*** مُسْـوَدَّةُ الصُّحْـفِ فـي مُبْيَضَّـةِ اللّمَمِ
ركَضْتهـا فـي مَـرِيع المعصياتِ، وما*** أَخـذتُ مـن حِمْيَـةِ الطاعـات للتُّخَـمِ
هــامت عـلى أَثَـرِ اللَّـذاتِ تطلبُهـا*** والنفسُ إِن يَدْعُهـا داعـي الصِّبـا تَهمِ
صــلاحُ أَمـرِك للأَخـلاقِ مرجِعُـه**** فقـــوِّم النفسَ بــالأَخلاقِ تســتقمِ
والنفسُ مـن خيرِهـا فـي خـيرِ عافيةٍ**** والنفسُ مـن شـرها فـي مَـرْتَعٍ وَخِمِ
تطغـى إِذا مُكِّـنَتْ مـن لـذَّةٍ وهـوًى*** طَغْـيَ الجيـادِ إِذا عَضَّـت على الشُّكُمِ
إِنْ جَـلَّ ذَنبـي عـن الغُفـران لي أَملٌ**** فـي اللـهِ يجـعلني فـي خـيرِ مُعتصَمِ
أُلقـي رجـائي إِذا عـزَّ المُجـيرُ على**** مُفـرِّج الكـرب فـي الـدارينِ والغمَمِ
إِذا خــفضتُ جَنــاحَ الـذُّلِّ أَسـأَله**** عِـزَّ الشـفاعةِ; لـم أَسـأَل سـوى أَمَمِ
وإِن تقـــدّم ذو تقــوى بصالحــةٍ**** قــدّمتُ بيــن يديـه عَـبْرَةَ النـدَمِ
لـزِمتُ بـابَ أَمـير الأَنبيـاءِ، ومَـنْ**** يُمْسِــكْ بمِفتــاح بـاب اللـه يغتنِـمِ
فكــلُّ فضـلٍ، وإِحسـانٍ، وعارفـةٍ**** مــا بيــن مســتلمٍ منـه ومُلـتزمِ
علقـتُ مـن مدحـهِ حـبلاً أعـزُّ بـه**** فـي يـوم لا عِـزَّ بالأَنسـابِ واللُّحَـمِ
يُـزرِي قَـرِيضِي زُهَـيْرًا حين أَمدحُه**** ولا يقـاسُ إِلـى جـودي لـدَى هَـرِمِ
محــمدٌ صفـوةُ البـاري، ورحمتُـه**** وبغيَـةُ اللـه مـن خَـلْقٍ ومـن نَسَـمِ
وصـاحبُ الحـوض يـومَ الرُّسْلُ سائلةٌ**** متـى الـورودُ? وجـبريلُ الأَمين ظَمي
ســناؤه وســناهُ الشــمسُ طالعـةً**** فـالجِرمُ فـي فلـكٍ، والضوءُ في عَلَمِ
قـد أَخطـأَ النجـمَ مـا نـالت أُبوَّتُـه**** مـن سـؤددٍ بـاذخ فـي مظهَـرٍ سَنِم
نُمُـوا إِليـه، فـزادوا في الورَى شرَفًا**** ورُبَّ أَصـلٍ لفـرع فـي الفخـارِ نُمي
حَــوَاه فـي سُـبُحاتِ الطُّهـرِ قبلهـم**** نـوران قامـا مقـام الصُّلـبِ والرَّحِم
لمــا رآه بَحــيرا قــال: نعرِفُــه**** بمـا حفظنـا مـن الأَسـماءِ والسِّـيمِ
سـائلْ حِراءَ، وروحَ القدس: هل**** عَلما مَصـونَ سِـرٍّ عـن الإِدراكِ مُنْكَـتِمِ?
كــم جيئـةٍ وذهـابٍ شُـرِّفتْ بهمـا**** بَطحـاءُ مكـة فـي الإِصبـاح والغَسَمِ
ووحشــةٍ لابــنِ عبـد اللـه بينهمـا**** أَشـهى مـن الأُنس بالأَحبـاب والحشَمِ
يُسـامِر الوحـيَ فيهـا قبـل مهبِطـه**** ومَــن يبشِّـرْ بسِـيمَى الخـير يَتَّسِـمِ
لمـا دعـا الصَّحْـبُ يستسقونَ من ظمإٍ**** فــاضتْ يـداه مـن التسـنيم بالسَّـنِمِ
وظلَّلَتــه، فصــارت تسـتظلُّ بـه**** غمامــةٌ جذَبَتْهــا خِــيرةُ الــديَمِ
محبــةٌ لرســولِ اللــهِ أُشــرِبَها**** قعـائدُ الدَّيْـرِ، والرُّهبـانُ فـي القِمـمِ
إِنّ الشــمائلَ إِن رَقَّــتْ يكـاد بهـا**** يُغْـرَى الجَمـادُ، ويُغْـرَى كلُّ ذي نَسَمِ
ونـودِيَ: اقـرأْ. - تعالى - اللـهُ قائلُهـا**** لـم تتصـلْ قبـل مَـن قيلـتْ له بفمِ
هنــاك أَذَّنَ للرحــمنِ، فــامتلأَت**** أَســماعُ مكَّــةَ مِـن قُدسـيّة النَّغـمِ
فـلا تسـلْ عـن قريش كيف حَيْرتُها?**** وكـيف نُفْرتُهـا فـي السـهل والعَلمِ?
تسـاءَلوا عـن عظيـمٍ قـد أَلـمَّ بهـم**** رمَــى المشــايخَ والولـدانَ بـاللَّممِ
يـا جـاهلين عـلى الهـادي ودعوتِـه**** هـل تجـهلون مكـانَ الصـادِقِ العَلمِ?
لقَّبتمــوهُ أَميـنَ القـومِ فـي صِغـرٍ**** ومــا الأَميــنُ عـلى قـوْلٍ بمتّهَـمِ
فـاق البـدورَ، وفـاق الأَنبيـاءَ، فكـمْ**** بـالخُلْق والخَـلق مِـن حسْنٍ ومِن عِظمِ
جـاءَ النبيـون بالآيـاتِ، فـانصرمت**** وجئتنــا بحــكيمٍ غــيرِ مُنصَـرمِ
آياتُــه كلّمــا طـالَ المـدَى جُـدُدٌ**** يَــزِينُهنّ جــلالُ العِتــق والقِـدمِ
يكــاد فــي لفظــةٍ منـه مشـرَّفةٍ**** يـوصِيك بـالحق، والتقـوى، وبالرحمِ
يـا أَفصـحَ النـاطقين الضـادَ قاطبـةً**** حــديثُك الشّـهدُ عنـد الـذائقِ الفهِـمِ
حَـلَّيتَ مـن عَطَـلٍ جِـيدَ البيـانِ به**** فـي كـلِّ مُنتَـثِر فـي حسـن مُنتظِمِ
بكــلِّ قــولٍ كـريمٍ أَنـت قائلُـه**** تُحْـيي القلـوبَ، وتُحْـيي ميِّـتَ الهِممِ
سَــرَتْ بشــائِرُ بالهـادي ومولِـده**** في الشرق والغرب مَسْرى النور في الظلمِ
تخـطَّفتْ مُهَـجَ الطـاغين مـن عربٍ**** وطــيَّرت أَنفُسَ البـاغين مـن عجـمِ
رِيعـت لهـا شُرَفُ الإِيوان، فانصدعت**** مـن صدمـة الحق، لا من صدمة القُدمِ
أَتيـتَ والنـاسُ فَـوْضَى لا تمـرُّ بهم**** إِلاّ عـلى صَنـم، قـد هـام فـي صنمِ
والأَرض مملــوءَةٌ جـورًا، مُسَـخَّرَةٌ**** لكــلّ طاغيـةٍ فـي الخَـلْق مُحـتكِمِ
مُسَـيْطِرُ الفـرْسِ يبغـى فـي رعيّتـهِ**** وقيصـرُ الـروم مـن كِـبْرٍ أَصمُّ عَمِ
يُعذِّبــان عبــادَ اللــهِ فـي شُـبهٍ**** ويذبَحــان كمــا ضحَّــيتَ بـالغَنَمِ
والخــلقُ يَفْتِــك أَقـواهم بـأَضعفِهم ****كــاللَّيث بـالبَهْم، أَو كـالحوتِ بـالبَلَمِ
أَســرَى بـك اللـهُ ليـلاً، إِذ ملائكُـه**** والرُّسْـلُ في المسجد الأَقصى على قدَمِ
لمــا خـطرتَ بـه التفُّـوا بسـيدِهم**** كالشُّـهْبِ بـالبدرِ، أَو كـالجُند بـالعَلمِ
صـلى وراءَك منهـم كـلُّ ذي خـطرٍ**** ومــن يفُــز بحــبيبِ اللـه يـأْتممِ
جُـبْتَ السـمواتِ أَو مـا فـوقهن بهم**** عـــلى منــوّرةٍ دُرِّيَّــةِ اللُّجُــمِ
رَكوبـة لـك مـن عـزٍّ ومـن شرفٍ**** لا فـي الجيـادِ، ولا فـي الأَيْنُق الرسُمِ
مَشِــيئةُ الخـالق البـاري، وصَنعتُـه**** وقــدرةُ اللــه فـوق الشـك والتُّهَـمِ
الشاعر أحمد شوقي
رمـى القضـاءُ بعيْنـي جُـؤذَر أَسدًا*** يـا سـاكنَ القـاعِ، أَدرِكْ ساكن الأَجمِ
لمــا رَنــا حــدّثتني النفسُ قائلـةً*** يـا وَيْـحَ جنبِكَ، بالسهم المُصيب رُمِي
جحدتهـا، وكـتمت السـهمَ فـي كبدي**** جُـرْحُ الأَحبـة عنـدي غـيرُ ذي أَلـمِ
رزقـتَ أَسـمح مـا في الناس من خُلق*** إِذا رُزقـتَ التمـاس العـذْر فـي الشِّيَمِ
يـا لائـمي في هواه - والهوى قدَرٌ -*** لـو شـفَّك الوجـدُ لـم تَعـذِل ولم تلُمِِ
لقــد أَنلْتُــك أُذْنًــا غـير واعيـةٍ*** ورُبَّ منتصـتٍ والقلـبُ فـي صَمـمِ
يـا نـاعس الطَّرْفِ; لاذقْتَ الهوى أَبدًا*** أَسـهرْتَ مُضنـاك في حفظِ الهوى، فنمِ
أَفْـديك إِلفًـا، ولا آلـو الخيـالَ فِـدًى**** أَغـراك بـالبخلِ مَـن أَغـراه بـالكرمِ
سـرَى، فصـادف جُرحًـا داميًا، فأَسَا**** ورُبَّ فضــلٍ عـلى العشـاقِ للحُـلُمِ
مَــن المـوائسُ بانًـا بـالرُّبى وقَنًـا**** اللاعبـاتُ برُوحـي، السـافحات دمِي?
الســافِراتُ كأَمثـالِ البُـدُور ضُحًـى يُغِـرْنَ**** شـمسَ الضُّحى بالحَلْي والعِصَمِ
القــاتلاتُ بأَجفــانٍ بهــا سَــقَمٌ**** وللمنيــةِ أَســبابٌ مــن السّــقَمِ
العــاثراتُ بأَلبــابِ الرجـال، ومـا**** أُقِلـنَ مـن عـثراتِ الـدَّلِّ في الرَّسمِ
المضرمـاتُ خُـدودًا، أسـفرت، وَجَلتْ**** عــن فِتنـة، تُسـلِمُ الأَكبـادَ للضـرَمِ
الحــاملاتُ لــواءَ الحسـنِ مختلفًـا**** أَشــكالُه، وهـو فـردٌ غـير منقسِـمِ
مـن كـلِّ بيضـاءَ أَو سـمراءَ زُيِّنتا**** للعيـنِ، والحُسـنُ فـي الآرامِ كالعُصُمِ
يُـرَعْنَ للبصـرِ السـامي، ومن عجبٍ**** إِذا أَشَــرن أَســرن الليـثَ بـالعَنمِ
وضعـتُ خـدِّي، وقسَّـمتُ الفؤادَ ربًى**** يَـرتَعنَ فـي كُـنُسٍ منـه وفـي أَكـمِ
يـا بنـت ذي اللِّبَـدِ المحـميِّ جانِبُـه**** أَلقـاكِ فـي الغاب، أَم أَلقاكِ في الأطُمِ?
مـا كـنتُ أَعلـم حـتى عـنَّ مسـكنُه**** أَن المُنــى والمنايـا مضـرِبُ الخِـيمِ
مَـنْ أَنبتَ الغصنَ مِنْ صَمصامةٍ ذكرٍ?**** وأَخـرج الـريمَ مِـن ضِرغامـة قرِمِ?
بينـي وبينـكِ مـن سُـمْرِ القَنا حُجُب**** ومثلُهــا عِفَّــةٌ عُذرِيــةُ العِصَـمِ
لـم أَغش مغنـاكِ إِلا في غضونِ كَرًى**** مَغنــاك أَبعــدُ للمشـتاقِ مـن إِرَمِ
يـا نفسُ، دنيـاكِ تُخْـفي كـلَّ مُبكيـةٍ**** وإِن بــدا لـكِ منهـا حُسـنُ مُبتسَـمِ
فُضِّـي بتقـواكِ فاهًـا كلمـا ضَحكتْ**** كمــا يُفـضُّ أَذَى الرقشـاءِ بـالثَّرَمِ
مخطوبـةٌ - منـذُ كان الناسُ – خاطبَةٌ**** مـن أَولِ الدهـر لـم تُـرْمِل، ولم تَئمِ
يَفنـى الزّمـانُ، ويبقـى مـن إِساءَتِها**** جــرْحٌ بـآدم يَبكـي منـه فـي الأَدمِ
لا تحــفلي بجناهــا، أَو جنايتهــا**** المـوتُ بـالزَّهْر مثـلُ المـوت بالفَحَمِ
كـم نـائمٍ لا يَراهـا، وهـي سـاهرةٌ*** لــولا الأَمـانيُّ والأَحـلامُ لـم ينـمِ
طــورًا تمـدّك فـي نُعْمـى وعافيـةٍ*** وتـارةً فـي قـرَار البـؤس والـوَصَمِ
كـم ضلَّلتـكَ، وَمَـن تُحْجَـبْ بصيرتُه*** إِن يلـقَ صابـا يَـرِد، أَو عَلْقمـا يَسُمِ
يــا ويلتـاهُ لنفسـي! راعَهـا ودَهـا*** مُسْـوَدَّةُ الصُّحْـفِ فـي مُبْيَضَّـةِ اللّمَمِ
ركَضْتهـا فـي مَـرِيع المعصياتِ، وما*** أَخـذتُ مـن حِمْيَـةِ الطاعـات للتُّخَـمِ
هــامت عـلى أَثَـرِ اللَّـذاتِ تطلبُهـا*** والنفسُ إِن يَدْعُهـا داعـي الصِّبـا تَهمِ
صــلاحُ أَمـرِك للأَخـلاقِ مرجِعُـه**** فقـــوِّم النفسَ بــالأَخلاقِ تســتقمِ
والنفسُ مـن خيرِهـا فـي خـيرِ عافيةٍ**** والنفسُ مـن شـرها فـي مَـرْتَعٍ وَخِمِ
تطغـى إِذا مُكِّـنَتْ مـن لـذَّةٍ وهـوًى*** طَغْـيَ الجيـادِ إِذا عَضَّـت على الشُّكُمِ
إِنْ جَـلَّ ذَنبـي عـن الغُفـران لي أَملٌ**** فـي اللـهِ يجـعلني فـي خـيرِ مُعتصَمِ
أُلقـي رجـائي إِذا عـزَّ المُجـيرُ على**** مُفـرِّج الكـرب فـي الـدارينِ والغمَمِ
إِذا خــفضتُ جَنــاحَ الـذُّلِّ أَسـأَله**** عِـزَّ الشـفاعةِ; لـم أَسـأَل سـوى أَمَمِ
وإِن تقـــدّم ذو تقــوى بصالحــةٍ**** قــدّمتُ بيــن يديـه عَـبْرَةَ النـدَمِ
لـزِمتُ بـابَ أَمـير الأَنبيـاءِ، ومَـنْ**** يُمْسِــكْ بمِفتــاح بـاب اللـه يغتنِـمِ
فكــلُّ فضـلٍ، وإِحسـانٍ، وعارفـةٍ**** مــا بيــن مســتلمٍ منـه ومُلـتزمِ
علقـتُ مـن مدحـهِ حـبلاً أعـزُّ بـه**** فـي يـوم لا عِـزَّ بالأَنسـابِ واللُّحَـمِ
يُـزرِي قَـرِيضِي زُهَـيْرًا حين أَمدحُه**** ولا يقـاسُ إِلـى جـودي لـدَى هَـرِمِ
محــمدٌ صفـوةُ البـاري، ورحمتُـه**** وبغيَـةُ اللـه مـن خَـلْقٍ ومـن نَسَـمِ
وصـاحبُ الحـوض يـومَ الرُّسْلُ سائلةٌ**** متـى الـورودُ? وجـبريلُ الأَمين ظَمي
ســناؤه وســناهُ الشــمسُ طالعـةً**** فـالجِرمُ فـي فلـكٍ، والضوءُ في عَلَمِ
قـد أَخطـأَ النجـمَ مـا نـالت أُبوَّتُـه**** مـن سـؤددٍ بـاذخ فـي مظهَـرٍ سَنِم
نُمُـوا إِليـه، فـزادوا في الورَى شرَفًا**** ورُبَّ أَصـلٍ لفـرع فـي الفخـارِ نُمي
حَــوَاه فـي سُـبُحاتِ الطُّهـرِ قبلهـم**** نـوران قامـا مقـام الصُّلـبِ والرَّحِم
لمــا رآه بَحــيرا قــال: نعرِفُــه**** بمـا حفظنـا مـن الأَسـماءِ والسِّـيمِ
سـائلْ حِراءَ، وروحَ القدس: هل**** عَلما مَصـونَ سِـرٍّ عـن الإِدراكِ مُنْكَـتِمِ?
كــم جيئـةٍ وذهـابٍ شُـرِّفتْ بهمـا**** بَطحـاءُ مكـة فـي الإِصبـاح والغَسَمِ
ووحشــةٍ لابــنِ عبـد اللـه بينهمـا**** أَشـهى مـن الأُنس بالأَحبـاب والحشَمِ
يُسـامِر الوحـيَ فيهـا قبـل مهبِطـه**** ومَــن يبشِّـرْ بسِـيمَى الخـير يَتَّسِـمِ
لمـا دعـا الصَّحْـبُ يستسقونَ من ظمإٍ**** فــاضتْ يـداه مـن التسـنيم بالسَّـنِمِ
وظلَّلَتــه، فصــارت تسـتظلُّ بـه**** غمامــةٌ جذَبَتْهــا خِــيرةُ الــديَمِ
محبــةٌ لرســولِ اللــهِ أُشــرِبَها**** قعـائدُ الدَّيْـرِ، والرُّهبـانُ فـي القِمـمِ
إِنّ الشــمائلَ إِن رَقَّــتْ يكـاد بهـا**** يُغْـرَى الجَمـادُ، ويُغْـرَى كلُّ ذي نَسَمِ
ونـودِيَ: اقـرأْ. - تعالى - اللـهُ قائلُهـا**** لـم تتصـلْ قبـل مَـن قيلـتْ له بفمِ
هنــاك أَذَّنَ للرحــمنِ، فــامتلأَت**** أَســماعُ مكَّــةَ مِـن قُدسـيّة النَّغـمِ
فـلا تسـلْ عـن قريش كيف حَيْرتُها?**** وكـيف نُفْرتُهـا فـي السـهل والعَلمِ?
تسـاءَلوا عـن عظيـمٍ قـد أَلـمَّ بهـم**** رمَــى المشــايخَ والولـدانَ بـاللَّممِ
يـا جـاهلين عـلى الهـادي ودعوتِـه**** هـل تجـهلون مكـانَ الصـادِقِ العَلمِ?
لقَّبتمــوهُ أَميـنَ القـومِ فـي صِغـرٍ**** ومــا الأَميــنُ عـلى قـوْلٍ بمتّهَـمِ
فـاق البـدورَ، وفـاق الأَنبيـاءَ، فكـمْ**** بـالخُلْق والخَـلق مِـن حسْنٍ ومِن عِظمِ
جـاءَ النبيـون بالآيـاتِ، فـانصرمت**** وجئتنــا بحــكيمٍ غــيرِ مُنصَـرمِ
آياتُــه كلّمــا طـالَ المـدَى جُـدُدٌ**** يَــزِينُهنّ جــلالُ العِتــق والقِـدمِ
يكــاد فــي لفظــةٍ منـه مشـرَّفةٍ**** يـوصِيك بـالحق، والتقـوى، وبالرحمِ
يـا أَفصـحَ النـاطقين الضـادَ قاطبـةً**** حــديثُك الشّـهدُ عنـد الـذائقِ الفهِـمِ
حَـلَّيتَ مـن عَطَـلٍ جِـيدَ البيـانِ به**** فـي كـلِّ مُنتَـثِر فـي حسـن مُنتظِمِ
بكــلِّ قــولٍ كـريمٍ أَنـت قائلُـه**** تُحْـيي القلـوبَ، وتُحْـيي ميِّـتَ الهِممِ
سَــرَتْ بشــائِرُ بالهـادي ومولِـده**** في الشرق والغرب مَسْرى النور في الظلمِ
تخـطَّفتْ مُهَـجَ الطـاغين مـن عربٍ**** وطــيَّرت أَنفُسَ البـاغين مـن عجـمِ
رِيعـت لهـا شُرَفُ الإِيوان، فانصدعت**** مـن صدمـة الحق، لا من صدمة القُدمِ
أَتيـتَ والنـاسُ فَـوْضَى لا تمـرُّ بهم**** إِلاّ عـلى صَنـم، قـد هـام فـي صنمِ
والأَرض مملــوءَةٌ جـورًا، مُسَـخَّرَةٌ**** لكــلّ طاغيـةٍ فـي الخَـلْق مُحـتكِمِ
مُسَـيْطِرُ الفـرْسِ يبغـى فـي رعيّتـهِ**** وقيصـرُ الـروم مـن كِـبْرٍ أَصمُّ عَمِ
يُعذِّبــان عبــادَ اللــهِ فـي شُـبهٍ**** ويذبَحــان كمــا ضحَّــيتَ بـالغَنَمِ
والخــلقُ يَفْتِــك أَقـواهم بـأَضعفِهم ****كــاللَّيث بـالبَهْم، أَو كـالحوتِ بـالبَلَمِ
أَســرَى بـك اللـهُ ليـلاً، إِذ ملائكُـه**** والرُّسْـلُ في المسجد الأَقصى على قدَمِ
لمــا خـطرتَ بـه التفُّـوا بسـيدِهم**** كالشُّـهْبِ بـالبدرِ، أَو كـالجُند بـالعَلمِ
صـلى وراءَك منهـم كـلُّ ذي خـطرٍ**** ومــن يفُــز بحــبيبِ اللـه يـأْتممِ
جُـبْتَ السـمواتِ أَو مـا فـوقهن بهم**** عـــلى منــوّرةٍ دُرِّيَّــةِ اللُّجُــمِ
رَكوبـة لـك مـن عـزٍّ ومـن شرفٍ**** لا فـي الجيـادِ، ولا فـي الأَيْنُق الرسُمِ
مَشِــيئةُ الخـالق البـاري، وصَنعتُـه**** وقــدرةُ اللــه فـوق الشـك والتُّهَـمِ
الشاعر أحمد شوقي