الحارث بن همام
07-29-2008, 01:47 AM
بسم الله الرحمن الرحيم
المسألة الرابعة : هل كانت ثمالة في الجاهلية وصدر الإسلام تسكن في وادي جفن ؟
( تقدم أن ثمالة من القبائل التي كانت تحيط بالطائف ، وقلنا إنها ليست في غرب الطائف ،
ولا شماله ، ولاشرقه ، بل إلى الجنوب أقرب . ثم حددنا موضعاً بعينه كانت تحله ثمالة ،
وهو قوسى ) .
وبقي أن نقول : ماهي منازلها الأخرى ؟ وإذا كانت ثمالة جيران ثقيف من الجنوب ،
فما هي حدود منازل ثقيف من الجنوب ؟ والتي تعتبر بداية حدود منازل ثمالة .
إن معرفة هذا تستلزم الحديث عن وادي جفن :
لمن هو ؟
ماهي حدوده ؟
ماعلاقة ثمالة بسد السملقي ، الذي يقع على هذا الوادي ؟
إن الإجابة عن هذه الأسئلة هي موضوع هذه الحلقة ، والحلقة القادمة إن شاء الله
وذلك على النحو الآتي :
أولاً : من كان يسكن وادي جفن في الجاهلية وصدر الإسلام ؟
هذا موضوع شائك ، ويحتاج لمناقشة هادئة ، وعلميةً وموثقةً بهدف الوصول
إلى نتائج مبررة بناءً على النصوص التي يمكن أن تخدم هذا الجانب ، فأقول :
1- وادي جفن قليل الورود في كتب المواضع ، ولم يزد ياقوت على قوله :
" ناحية بالطائف " ولم يذكره البكري ، وفي لسان العرب : " اسم موضع "
لكن ورد ذكره في كتاب صفة جزيرة العرب للهمداني المتوفى سنة 334هـ
( وهو أفضل كتاب وصل إلينا في وصف السراة وأوديتها وجبالها وسكانها .....)
قال الهمداني : ".. ومن يماني الطائف (أي الجنوب ) وادٍ يقال له
( جفن ) لثقيف ، وهو بين الطائف وبين معدن البرام " .
وهو وصف دقيق وصحيح لموقع جفن بين الطائف والمعدن ، والشاهد فيه هنا هو أنه
ذكر أن وادي جفن لثقيف في ذلك الوقت ، أي أنه ليس لقبيلة ثمالة .
ولم أعثر على أي نص قديم يصرح بأن وادي جفن لثقيف أو لغيرها من القبائل ،
عدا هذا النص . لكن وردت نصوص أخرى تؤيد هذا النص وإن لم تصرح بذلك ،
كما سيأتي .
2- جاء في معجم البلدان عند رسم ( كوثر ) قال :" قرية بالطائف وكان الحجاج
بن يوسف معلماً بها ، وقال الشاعر :
أينسى كليبٌ زمان الهزال / وتعليمه صبية الكوثر؟ "
والمقصود بكليب هنا هو الحجاج بن يوسف الثقفي ، والشاعر يذكره بزمان الضعف ،
حينما كان معلماً للصبيان في قرية الكوثر .
فأين هي قرية الكوثر هذه ؟ قال السالمي : (قرية تاريخية بوادي الصخيرة
من جنوبي الطائف... عند ركبانها الشمالية يلتقي سيل جفن بسيل بني سالم ،
ثم يدفعان في شيحاط ، ثم لية ، يرتبط اسمها بالحجاج بن يوسف الثقفي يوم كان
معلما للصبيان بها...ويقال كان عندها عينٌ ومسجد باسم الحجاج بن يوسف ).
قلت : هذا احتمال قوي وأن الحجاج بن يوسف كان في وادي جفن . والعين المذكورة
لعلها عين شيحاط ، فهي قريبة جدا من القرية .
وقد اشتهر أن الحجاج ابن يوسف كان في أول عمره معلماً للصبيان. لكن أين كان
يعلمهم ؟ هل كان يعلمهم في الطائف المدينة أم خارجها ؟ .
النص المتقدم يشير إلى أنه كان يعلمهم في قرية الكوثر ، وتوجد نصوص أخرى
تؤكد أن الحجاج كان يعلم الصبيان في القرى ،ومنها قول الشاعر مالك الخريت :
فلولا بنومروان كان ابن يوسف / كما كان عبدا من عبيد زيادِ
زمان هو العبد المقر بذله / يراوح صبيان القرى ويغادي
فقوله ( يراوح صبيان القرى ويغادي ) دليلٌ على أنه يروح ويغدو بين القرى لتعليم
صبيانها ، بما في ذلك قرية الكوثر المتقدمة.
والشاهد في هذا كله أن الحجاج بن يوسف الثقفي كان يعلم الصبيان في قرية الكوثر
على وادي جفن ، مما يؤيد قول الهمداني بأن وادي جفن لثقيف ، أو على أقل تقدير
أسفل الوادي ( الصخيرة وما حولها ) .
وهناك نصوص ودلائل أخرى تدل على أن الحجاج وثقيفاً كانوا في وادي جفن ،
كما سيأتي .
3- قال الشاعر محمد بن عبدالله النميري الثقفي ، يذكر وادي جفن :
طربت وهاجتك المنازل من جفنِ / ألا ربما يعتادك الشوق بالحزنِ
فهذا شاعر ثقفي يطرب لذكر وادي جفن ، وتهتاج عواطفه لمشاهدة المنازل
من وادي جفن ، مما يدل على معرفته به وقربه منه .
لكن لماذا تهيج منازل جفن شجون النميري الثقفي ؟
الجواب في نظري ، أن النميري اشتهر بالتشبيب بزينب أخت الحجاج بن يوسف ،
وهذا مشهور ومذكور في كثير من قصائده ، ومنها قوله في القصيدة التي
مطلعها البيت السابق :
طربت وهاجتك المنازل من جفنِ / ألا ربما يعتادك الشوق لاحزن
قال فيها :
نظرت إلى أظعان زينب باللوى / فأعولتها لو كان إعوالها يغني
ومن أشهر قصائده في ذكر زينب ، قصيدته حين رآها في الحج قال:
ولم تر عيني مثل سرب رأيته / خرجن من التنعيم معتمرات
مررن بفخ ثم رحن عشـــيةً / يلبـيـن للرحمن مـؤتجراتِ
تضوع مسكاً بطن نعمان إذ مشت به زينب في نسوةٍ خفرات
يخبئن أطراف البنان من التقى / ويخرجن وسط الليل مختمرات
ولما رأت ركب النميري راعها/ وكن من أن يلقينه حذراتِ
وتشبيب النميري بزينب أخت الحجاج مذكور في أغلب كتب الأدب ، والذي أردت
قوله هنا هو : الربط بين النميري، وزينب أخت الحجاج، ووادي جفن .
فإذا كانت المنازل من جفن تهيج مشاعر النميري ، فما ذاك إلا بسبب أن هذه المنازل
تسكن بمن يحب ، أعني زينب أخت الحجاج، كما قال المجنون :
أمر على الديار ديار ليلى / أقبل ذا الجدار وذا الجدارا
وما حب الديار سكن قلبي/ ولكن حب من سكن الديارا
فوادي جفن إذاً كان يعج بثقيف : مابين معلم صبيان ،
وبين صبيان يتعلمون ، ومابين عشاق ومعشوقين .
4- وقرأت نصاً في سير أعلام النبلاء عند ذكر عبدالرحمن بن عائذ الثمالي
( من كبار التابعين )وكان ممن خرج على الحجاج مع القراء ، وأسر يوم الجماجم ،
فعفا عنه الحجاج لجلالته ، قال الذهبي :" قيل إن الحجاج قال له : كيف أصبحت ؟ قال :
لا كما يريد الله ، ولا كما يريد الشيطان ، ولا كما أريد . قال : ويحك ماتقول ؟ قال :
نعم يريد الله أن أكون عابداً زاهداً وما أنا كذلك . ويريد الشيطان أن أكون فاسقاً مارقاً ،
وما أنا بذك . وأريد أن أكون مخلى في بيتي آمناً في بيتي ، وما أنا بذك .
فقال الحجاج أدب عراقي ، ومولد شامي ، وجيراننا إذ كنا بالطائف . خلوا عنه "
فالحجاج في هذا النص يتذكرجيرة ثمالة له ولا شك أنه يعني جيرتهم في وادي جفن
مسكن الحجاج قديما . والمهم هنا هو تحديد وادي جفن ، و أين تنتهي ديار الحجاج
من هذا الوادي ، وأين تبدأ ديارابن عائذ ؟
هذا هو موضوع الحلقه القادمة
.
المسألة الرابعة : هل كانت ثمالة في الجاهلية وصدر الإسلام تسكن في وادي جفن ؟
( تقدم أن ثمالة من القبائل التي كانت تحيط بالطائف ، وقلنا إنها ليست في غرب الطائف ،
ولا شماله ، ولاشرقه ، بل إلى الجنوب أقرب . ثم حددنا موضعاً بعينه كانت تحله ثمالة ،
وهو قوسى ) .
وبقي أن نقول : ماهي منازلها الأخرى ؟ وإذا كانت ثمالة جيران ثقيف من الجنوب ،
فما هي حدود منازل ثقيف من الجنوب ؟ والتي تعتبر بداية حدود منازل ثمالة .
إن معرفة هذا تستلزم الحديث عن وادي جفن :
لمن هو ؟
ماهي حدوده ؟
ماعلاقة ثمالة بسد السملقي ، الذي يقع على هذا الوادي ؟
إن الإجابة عن هذه الأسئلة هي موضوع هذه الحلقة ، والحلقة القادمة إن شاء الله
وذلك على النحو الآتي :
أولاً : من كان يسكن وادي جفن في الجاهلية وصدر الإسلام ؟
هذا موضوع شائك ، ويحتاج لمناقشة هادئة ، وعلميةً وموثقةً بهدف الوصول
إلى نتائج مبررة بناءً على النصوص التي يمكن أن تخدم هذا الجانب ، فأقول :
1- وادي جفن قليل الورود في كتب المواضع ، ولم يزد ياقوت على قوله :
" ناحية بالطائف " ولم يذكره البكري ، وفي لسان العرب : " اسم موضع "
لكن ورد ذكره في كتاب صفة جزيرة العرب للهمداني المتوفى سنة 334هـ
( وهو أفضل كتاب وصل إلينا في وصف السراة وأوديتها وجبالها وسكانها .....)
قال الهمداني : ".. ومن يماني الطائف (أي الجنوب ) وادٍ يقال له
( جفن ) لثقيف ، وهو بين الطائف وبين معدن البرام " .
وهو وصف دقيق وصحيح لموقع جفن بين الطائف والمعدن ، والشاهد فيه هنا هو أنه
ذكر أن وادي جفن لثقيف في ذلك الوقت ، أي أنه ليس لقبيلة ثمالة .
ولم أعثر على أي نص قديم يصرح بأن وادي جفن لثقيف أو لغيرها من القبائل ،
عدا هذا النص . لكن وردت نصوص أخرى تؤيد هذا النص وإن لم تصرح بذلك ،
كما سيأتي .
2- جاء في معجم البلدان عند رسم ( كوثر ) قال :" قرية بالطائف وكان الحجاج
بن يوسف معلماً بها ، وقال الشاعر :
أينسى كليبٌ زمان الهزال / وتعليمه صبية الكوثر؟ "
والمقصود بكليب هنا هو الحجاج بن يوسف الثقفي ، والشاعر يذكره بزمان الضعف ،
حينما كان معلماً للصبيان في قرية الكوثر .
فأين هي قرية الكوثر هذه ؟ قال السالمي : (قرية تاريخية بوادي الصخيرة
من جنوبي الطائف... عند ركبانها الشمالية يلتقي سيل جفن بسيل بني سالم ،
ثم يدفعان في شيحاط ، ثم لية ، يرتبط اسمها بالحجاج بن يوسف الثقفي يوم كان
معلما للصبيان بها...ويقال كان عندها عينٌ ومسجد باسم الحجاج بن يوسف ).
قلت : هذا احتمال قوي وأن الحجاج بن يوسف كان في وادي جفن . والعين المذكورة
لعلها عين شيحاط ، فهي قريبة جدا من القرية .
وقد اشتهر أن الحجاج ابن يوسف كان في أول عمره معلماً للصبيان. لكن أين كان
يعلمهم ؟ هل كان يعلمهم في الطائف المدينة أم خارجها ؟ .
النص المتقدم يشير إلى أنه كان يعلمهم في قرية الكوثر ، وتوجد نصوص أخرى
تؤكد أن الحجاج كان يعلم الصبيان في القرى ،ومنها قول الشاعر مالك الخريت :
فلولا بنومروان كان ابن يوسف / كما كان عبدا من عبيد زيادِ
زمان هو العبد المقر بذله / يراوح صبيان القرى ويغادي
فقوله ( يراوح صبيان القرى ويغادي ) دليلٌ على أنه يروح ويغدو بين القرى لتعليم
صبيانها ، بما في ذلك قرية الكوثر المتقدمة.
والشاهد في هذا كله أن الحجاج بن يوسف الثقفي كان يعلم الصبيان في قرية الكوثر
على وادي جفن ، مما يؤيد قول الهمداني بأن وادي جفن لثقيف ، أو على أقل تقدير
أسفل الوادي ( الصخيرة وما حولها ) .
وهناك نصوص ودلائل أخرى تدل على أن الحجاج وثقيفاً كانوا في وادي جفن ،
كما سيأتي .
3- قال الشاعر محمد بن عبدالله النميري الثقفي ، يذكر وادي جفن :
طربت وهاجتك المنازل من جفنِ / ألا ربما يعتادك الشوق بالحزنِ
فهذا شاعر ثقفي يطرب لذكر وادي جفن ، وتهتاج عواطفه لمشاهدة المنازل
من وادي جفن ، مما يدل على معرفته به وقربه منه .
لكن لماذا تهيج منازل جفن شجون النميري الثقفي ؟
الجواب في نظري ، أن النميري اشتهر بالتشبيب بزينب أخت الحجاج بن يوسف ،
وهذا مشهور ومذكور في كثير من قصائده ، ومنها قوله في القصيدة التي
مطلعها البيت السابق :
طربت وهاجتك المنازل من جفنِ / ألا ربما يعتادك الشوق لاحزن
قال فيها :
نظرت إلى أظعان زينب باللوى / فأعولتها لو كان إعوالها يغني
ومن أشهر قصائده في ذكر زينب ، قصيدته حين رآها في الحج قال:
ولم تر عيني مثل سرب رأيته / خرجن من التنعيم معتمرات
مررن بفخ ثم رحن عشـــيةً / يلبـيـن للرحمن مـؤتجراتِ
تضوع مسكاً بطن نعمان إذ مشت به زينب في نسوةٍ خفرات
يخبئن أطراف البنان من التقى / ويخرجن وسط الليل مختمرات
ولما رأت ركب النميري راعها/ وكن من أن يلقينه حذراتِ
وتشبيب النميري بزينب أخت الحجاج مذكور في أغلب كتب الأدب ، والذي أردت
قوله هنا هو : الربط بين النميري، وزينب أخت الحجاج، ووادي جفن .
فإذا كانت المنازل من جفن تهيج مشاعر النميري ، فما ذاك إلا بسبب أن هذه المنازل
تسكن بمن يحب ، أعني زينب أخت الحجاج، كما قال المجنون :
أمر على الديار ديار ليلى / أقبل ذا الجدار وذا الجدارا
وما حب الديار سكن قلبي/ ولكن حب من سكن الديارا
فوادي جفن إذاً كان يعج بثقيف : مابين معلم صبيان ،
وبين صبيان يتعلمون ، ومابين عشاق ومعشوقين .
4- وقرأت نصاً في سير أعلام النبلاء عند ذكر عبدالرحمن بن عائذ الثمالي
( من كبار التابعين )وكان ممن خرج على الحجاج مع القراء ، وأسر يوم الجماجم ،
فعفا عنه الحجاج لجلالته ، قال الذهبي :" قيل إن الحجاج قال له : كيف أصبحت ؟ قال :
لا كما يريد الله ، ولا كما يريد الشيطان ، ولا كما أريد . قال : ويحك ماتقول ؟ قال :
نعم يريد الله أن أكون عابداً زاهداً وما أنا كذلك . ويريد الشيطان أن أكون فاسقاً مارقاً ،
وما أنا بذك . وأريد أن أكون مخلى في بيتي آمناً في بيتي ، وما أنا بذك .
فقال الحجاج أدب عراقي ، ومولد شامي ، وجيراننا إذ كنا بالطائف . خلوا عنه "
فالحجاج في هذا النص يتذكرجيرة ثمالة له ولا شك أنه يعني جيرتهم في وادي جفن
مسكن الحجاج قديما . والمهم هنا هو تحديد وادي جفن ، و أين تنتهي ديار الحجاج
من هذا الوادي ، وأين تبدأ ديارابن عائذ ؟
هذا هو موضوع الحلقه القادمة
.