الحارث بن همام
08-09-2008, 07:09 PM
بسم الله الرحمن الرحيم
السؤال الثالث : هل كان لثمالة غور ؟
تقدم أن الأزد بعد هجرتهم : منهم من سكن السراة , ومنهم من
سكن تهامة , و منهم من أوغل شمالاً ... وتقدم ذكر الدلائل على منازل
ثمالة في السراة جنوب الطائف ...
و السؤال هنا هو : هل كانت توجد مواضع لثمالة في تهامة ؟
الراجح أنه كانت لثمالة تهامة , كما كان لها سراة, بالرغم من أني
لم أعثر على أي نص صريح يذكر أي موضع لثمالة في تهامة ,
لكن توجد بعض النصوص التي لا تخلو من دلائل , و إليك البيان :
1 – أورد الهمداني في صفة جزيرة العرب وغيره , بيتاً لليلى الكنانية , وهو :
ألا منعت ثمالة ما يليها / فغوراً بعد ُ أو جلسا ً ثمالا
فهذه شاعرة كنانية ( وكنانة قبيلة تهامية بكاملها , ومنازلها إلى الجنوب
من مكة إلى جهة الليث , وهي تشارك هذيلا ً في أغلب أوديتها جنوب مكة ,
نحو ( سعيا – يلملم – أدام ... ) حيث تنزل هذيل في صدور
هذه الأودية وتنزل كنانة في أسافلها .. )
و الشاعرة الكنانية تطلب من ثمالة أن تمنع ما يليها , و الظاهر أنها
تقصد أن تمنع ثمالة أراضيها و أملاكها التي تليها , ثم ذكرت
( الغور و الجلس ) و الغور هو : تهامة . و الجلس هو : ما ارتفع
من الغور إلى جهة السراة أو نجد . قال البكري : " ومعنى تهامة والغور واحد ,
و معنى حجاز وجلس واحد "
فكأن الشاعرة الكنانية تطلب من ثمالة أن تمنع غورها وسراتها ,
فهل في هذا دلالة على أن ثمالة كانت في مواضع من تهامة ؟
و أن هذه المواضع كانت قريبة من منازل كنانة , مما يلي الليث ؟
هذا هو ظاهر نص بيت الشاعرة الكنانية .
2 – قال الشاعر عمرو بن براق الثمالي :
أروى تهامة ثم أصبح جالساً / بشعوف بين الشث و الطباق
و البيت ظاهره أنه يصف سحابا ً أروى تهامة , ثم أصبح السحاب جالسا ً
( أي على الجلس , وهو السراة كما تقدم ) أي : أصبح السحاب يروي
شعوف السراة , بين الشث و الطباق .
هذا ظاهر البيت ، ودلالته على إثبات مواضع لثمالة في تهامة ضعيفة .
لكن ما زلت مترددا ً في فهم قوله (بين الشث و الطباق ) فكيف يوصف السحاب
بأنه أصبح في شعوف الجبال بين الشث و الطباق ؟ فلا يقال للسحاب إنه يمطر
بين الشث و الطباق . ولو قيل : فوق الشث و الطباق , لكان مقبولا ً .
قلت : هل يمكن قراءة البيت على أنه بلفظ ( أروي ) بالياء بدلا ً من الألف
المقصورة ، فيكون الشاعر حينئذ ٍ يتحدث عن نفسه , وليس عن السحاب ؟
ويقول إنه يتروى من تهامة ثم يصبح ( جالسا ً) بمعنى ( الجلوس ) الفعلي
للشاعر أي : القعود , أو بمعنى ( الجلس ) وهو السراة كما تقدم .
و كأن الشاعر حينئذ يقول : بأنه يتروى بنفسه أو دابته من تهامة , ثم يصعد
السراة فيصبح جالسا ً، أي : قاعدا ً بين الشث و الطباق ، أو يصبح جالسا ،
أي : يصبح (في السراة ) بين الشث و الطباق .
لو صح لي هذا التوجيه للبيت , لأصبحت دلالته على وجود منازل لثمالة
في تهامة أكبر , لأن الشاعر يصف نفسه بأنه يتروى من تهامة , ثم يصبح في السراة ,
ويتنقل بين موضعين متباعدين من الغور و السراة .
3 – جاء في الأغاني في ذكر إحدى إغارات تأبط شرا ً على ثمالة ,
قال تأبط شرا ً في ذكر شر يوم لقيه , أنه يوم كان يطوف في بلاد ثمالة ...
ثم كسرت رجله ... الخبر... وفيه قال تأبط شرا ً : " فخرجت أعرج ,
حتى انخنست في طرف كثيب , وجازني الطلب ... "
و الشاهد قوله ( كثيب ) فإن الكثيب في اللغة هو ( ما اجتمع و احدودب من
تلال الرمل ) ومنازل ثمالة في السراة لا كثبان فيها , وكل السروات كذلك ،
و إنما الكثبان في شرق السراة ( نجد ) أو في غربها ( تهامة) و شرق
السراة لم تكن مواضع لغارات تأبط شرا ً التي كادت تقتصر على
( هذيل , وكنانة , و ثمالة , و بجيلة , و الأزد )
وهي قبائل إما في تهامة أو في السراة .
فأين كان هذا الكثيب من بلاد ثمالة ؟ وهل يدل على وجود تهامة لثمالة ؟
وأنها تهامة موغلة غربا ً إلى حدود الكثبان ؟
هذا هو الذي يظهر من النص .
ومما يقوي هذا المعنى ما ورد في خبر الأغاني هذا نفسه ، من قول تأبط شرا ً :
" كنت في بلاد ثمالة أطوف , حتى إذا كنت من الفقير عشيا ً ,
إذا أنا بسبع خلفات فيهن عبد ... " فهذا العبد يرعى سبع خلفات لسيده الثمالي ,
وتربية الإبل و رعيها في جبال السراة قليل ، بسبب وعورة الجبال ،
و إنما تربيتها تكون في الأراضي المنبسطة من نجد أو تهامة .
ويشبه هذا النص أيضا ُ ما روي عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه ,
في خبره مع عبدالله بن قرط الثمالي , الذي كان واليا ًعلى حمص لعمر ,
ثم وجد عليه عمر فعزله , وولى عبادة بن الصامت بدله ،
رضي الله عنهم أجمعين , فلما قدم ابن قرط لعمر قال له عمر :
" لأردنك إلى بلادك ورعية الإبل ..." فكأنه يقول : سأردك إلى مهنتك الأولى
وهي : رعي الإبل . و رعي الإبل لم تكن مهنة لأهل السراة , بل لأهل نجد أو تهامة .
و ثمالة لا نجد لها , فهذه إشارة إلى وجود تهامة لثمالة ترعى فيها إبلها .
4 – قال الشاعر عمرو بن براق الثمالي ايضا ً , وهو أحد عدائي العرب ,
قال الآمدي : " ممن يغزوا راجلا ً , ويفوت الخيل إذا طلبته " وقال :
كان حليفا ً في هذيل , وهو القائل يوم حرب بين هذيل وكنانة :
فلما أن هبطنا القاع ردوا / غواشينا فأدبرنا جفولا
وقام لنا ببطن القاع ضيق / فخلى الوازعون لنا السبيلا
من قصيدة طويلة أورد منها في منتهى الطلب ( 25 بيتا ً ) , يصف فيها
المعركة , ثم يصف فراره حين جفل القوم , وقال عنها الأصمعي :
إنها من المنصفات , وفيها :
فلما أن رأيت القوم ولوا / فلا زندا ً قبضت ولا فتيلا
حبكت ملاءتي العليا كأني / حبكت بها قطاميا ً هزيلا
كأن ملاءتي على هجف ٍ / أحس عشية ريحا ً بليلا
على حت البراية زمخري الســــواعــد ينتحي رتكاً دليلا
و المقصود أن هذا الشاعر الثمالي ، كان حليفا في هذيل ، ويقاتل معهم
جيرانهم كنانة ، مما يدل على قرب بين هذه القبائل , وهذيل وكنانة قبائل تهامية .
حيث كانت تنزل كنانة أسافل الأودية جنوب مكة إلى الليث , وتنزل هذيل أعالي
هذه الأودية مما يلي مكة , بالإضافة إلى سرواتها يقول البكري :
" وكان لهذيل جبال من جبال السراة , ولهم صدور أوديتها وشعابها القريبة ,
و مسائل تلك الشعاب و الأودية على قبائل خزيمة ابن مدركة ".
و المقصود أن كنانة كانت في أسافل الأودية جنوب مكة حتى الليث ,
و هذيلا كانت في أعالي أودية كنانة مما يلي مكة .
فمن يكون في أعالي أودية كنانة إلى الجنوب من منازل هذيل ؟
من المعلوم أنه كان في أعالي أودية كنانة من جهة الشرق قبيلة فهم ,
وهذه القبيلة كان لها سراة وغور , وقد جرت بينها وبين قبيلة هذيل حروب كثيرة ،
حتى أجلوا هذيلا عن بعض منازلها، و أخبار تأبط شرا ً الفهمي معهم كثيرة ,
انتهت بموته مقتولاً في بلاد هذيل .
فهذه القبائل ( هذيل و كنانة وفهم ) تتلاقى وتتجاور في أودية الليث ,
و تقتتل على الأرض والماء ، فأين قبيلة ثمالة منهم ؟
في نظري أن ثمالة كانت تشكل الضلع الرابع مع هذه القبائل ,
فهي قريبة من كنانة ( كما تقدم في شعر الكنانية ) وهي قريبة من هذيل ،
و أيام ثمالة مع هذيل كثيرة . وهي قريبة من فهم , وأخبار ثمالة مع فهم تتمثل
في غزوات تأبط شرا ً لهم ، وهو القائل يصف قدميه :
أرى بهما عذابا ً كل يوم / لخثعم أو بجيلة أو ثمالة
وكان تأبط شرا يصطحب معه الصعلوك الثمالي ابن براق ، في كثير من غزواته ،
مما يدل على قرب القبيلتين .
إلا أنني اعتقد أن هذا الضلع الرابع أقل اتساعا ً وتماسا ً ، من بقية الأضلاع ,
لأن ثمالة في الأصل قبيلة سروية .
5 – ولو أردت أن أذكر أسماء المواضع التي نزلتها ثمالة في تهامة قديما ,
لما استطعت أن أجزم باسم موضع معين , حيث لم أعثر على أي نص يذكر اسم
موضع بعينه لثمالة في تهامة ، سوى ما تقدم من أمر ( قوسى ) وهو في أعلى عورش ,
وهو و إن كان في السراة ، إلى أنه باتجاه تهامة , و سيوله تتجه إلى تهامة ,
فيصلح أن يكون بداية منازل ثمالة باتجاه تهامة ، كما يمكن القول بأن أعالي
الأودية الهابطة من سراة ثمالة باتجاه الليث كانت لثمالة،
( سيأتي الحديث عن هذه الأودية بالتفصيل , عند الحديث
عن منازل ثمالة في الوقت الحاضر، قريبا ً ) .
6 – و أخيرا ً فإن وادي ( عورش ) لم أجد من نسبه إلى قبيلة معينة ,
وتقدم أن ( قوسى ) في أعلى عورش لثمالة , فلمن كانت بقية الوادي ؟
فمن المعلوم أن جيراننا قبيلة ( العيلة ) لم تكن منازلهم التي هم فيها الان ،
لهم في الزمن الغابر , وخبر هجرتهم إلى هذه المنازل مشهور ,
وهو في حدود أربعمئة عام من الآن .
أما قبيلة ثقيف القريبة من الوادي أيضا ،ً فلم أعثر على من ينسب هذا الوادي لهم قديما ً ,
بل لم أعثر على أي موضع لثقيف في تهامة قديما ً , وتبقى قبيلة ( ثمالة وفهم )
المجاورتان لهذا الوادي .
فإذا كان أعلاه ( قوسى ) لثمالة , فهل كان أسفله لفهم ؟
هذا محتمل . ويدل عليه قول الشاعر ذو الكلب الهذلي , قال في الأغاني :
وكان يغزو قبيلة فهم غزوا ً متصلا ً , وهو القائل :
فلست لحاصن ٍ إن لم تروني / ببطن ضريحة ذات النجال
و أمي قينة إن لم تروني / بعورش وسط عرعرها الطوال
فهو يهدد فهما ً ، بأنه سيصبح بعورش بين عرعرها الطوال , فلابد
أن يكون هذا الموضع لفهم , وإلا لما كان لتهديده معنى .
فكأن ثمالة وفهما ً يقتسمان عورش , لكن أين الحد بينهما ؟
لا أعرف الآن .
و أختم هذه الحلقة بأبيات جميلة للشاعرة الهذلية ( ريطه ) , وقيل (جنوب )
أخت عمرو ذي الكلب، وهي ترثيه بعد أن قتلته قبيلة فهم ،
في موضوع اسمه ( شريان ) قالت :
كل امرء لمحال الدهر مكروب / وكل من غالب الأيام مغلوب
وكل حي و إن غزوا وإن سلموا / يوما ً طريقهم في الشر دعبوب
أبلغ بني كاهلٍ عني مغلغلة / والقوم من دونهم سعيا ومركوب
بأن ذا الكلب عمرا ً خيرهم نسبا ً / ببطن شريان يعوي حوله الذيب
تمشي النسور إليه وهي لاهية ٌ / مشي العذارى عليهن الجلابيب .
و إلى اللقاء في الحلقة القادمة ، وهي بعنوان :
منازل ثمالة في الوقت الحاضر .
السؤال الثالث : هل كان لثمالة غور ؟
تقدم أن الأزد بعد هجرتهم : منهم من سكن السراة , ومنهم من
سكن تهامة , و منهم من أوغل شمالاً ... وتقدم ذكر الدلائل على منازل
ثمالة في السراة جنوب الطائف ...
و السؤال هنا هو : هل كانت توجد مواضع لثمالة في تهامة ؟
الراجح أنه كانت لثمالة تهامة , كما كان لها سراة, بالرغم من أني
لم أعثر على أي نص صريح يذكر أي موضع لثمالة في تهامة ,
لكن توجد بعض النصوص التي لا تخلو من دلائل , و إليك البيان :
1 – أورد الهمداني في صفة جزيرة العرب وغيره , بيتاً لليلى الكنانية , وهو :
ألا منعت ثمالة ما يليها / فغوراً بعد ُ أو جلسا ً ثمالا
فهذه شاعرة كنانية ( وكنانة قبيلة تهامية بكاملها , ومنازلها إلى الجنوب
من مكة إلى جهة الليث , وهي تشارك هذيلا ً في أغلب أوديتها جنوب مكة ,
نحو ( سعيا – يلملم – أدام ... ) حيث تنزل هذيل في صدور
هذه الأودية وتنزل كنانة في أسافلها .. )
و الشاعرة الكنانية تطلب من ثمالة أن تمنع ما يليها , و الظاهر أنها
تقصد أن تمنع ثمالة أراضيها و أملاكها التي تليها , ثم ذكرت
( الغور و الجلس ) و الغور هو : تهامة . و الجلس هو : ما ارتفع
من الغور إلى جهة السراة أو نجد . قال البكري : " ومعنى تهامة والغور واحد ,
و معنى حجاز وجلس واحد "
فكأن الشاعرة الكنانية تطلب من ثمالة أن تمنع غورها وسراتها ,
فهل في هذا دلالة على أن ثمالة كانت في مواضع من تهامة ؟
و أن هذه المواضع كانت قريبة من منازل كنانة , مما يلي الليث ؟
هذا هو ظاهر نص بيت الشاعرة الكنانية .
2 – قال الشاعر عمرو بن براق الثمالي :
أروى تهامة ثم أصبح جالساً / بشعوف بين الشث و الطباق
و البيت ظاهره أنه يصف سحابا ً أروى تهامة , ثم أصبح السحاب جالسا ً
( أي على الجلس , وهو السراة كما تقدم ) أي : أصبح السحاب يروي
شعوف السراة , بين الشث و الطباق .
هذا ظاهر البيت ، ودلالته على إثبات مواضع لثمالة في تهامة ضعيفة .
لكن ما زلت مترددا ً في فهم قوله (بين الشث و الطباق ) فكيف يوصف السحاب
بأنه أصبح في شعوف الجبال بين الشث و الطباق ؟ فلا يقال للسحاب إنه يمطر
بين الشث و الطباق . ولو قيل : فوق الشث و الطباق , لكان مقبولا ً .
قلت : هل يمكن قراءة البيت على أنه بلفظ ( أروي ) بالياء بدلا ً من الألف
المقصورة ، فيكون الشاعر حينئذ ٍ يتحدث عن نفسه , وليس عن السحاب ؟
ويقول إنه يتروى من تهامة ثم يصبح ( جالسا ً) بمعنى ( الجلوس ) الفعلي
للشاعر أي : القعود , أو بمعنى ( الجلس ) وهو السراة كما تقدم .
و كأن الشاعر حينئذ يقول : بأنه يتروى بنفسه أو دابته من تهامة , ثم يصعد
السراة فيصبح جالسا ً، أي : قاعدا ً بين الشث و الطباق ، أو يصبح جالسا ،
أي : يصبح (في السراة ) بين الشث و الطباق .
لو صح لي هذا التوجيه للبيت , لأصبحت دلالته على وجود منازل لثمالة
في تهامة أكبر , لأن الشاعر يصف نفسه بأنه يتروى من تهامة , ثم يصبح في السراة ,
ويتنقل بين موضعين متباعدين من الغور و السراة .
3 – جاء في الأغاني في ذكر إحدى إغارات تأبط شرا ً على ثمالة ,
قال تأبط شرا ً في ذكر شر يوم لقيه , أنه يوم كان يطوف في بلاد ثمالة ...
ثم كسرت رجله ... الخبر... وفيه قال تأبط شرا ً : " فخرجت أعرج ,
حتى انخنست في طرف كثيب , وجازني الطلب ... "
و الشاهد قوله ( كثيب ) فإن الكثيب في اللغة هو ( ما اجتمع و احدودب من
تلال الرمل ) ومنازل ثمالة في السراة لا كثبان فيها , وكل السروات كذلك ،
و إنما الكثبان في شرق السراة ( نجد ) أو في غربها ( تهامة) و شرق
السراة لم تكن مواضع لغارات تأبط شرا ً التي كادت تقتصر على
( هذيل , وكنانة , و ثمالة , و بجيلة , و الأزد )
وهي قبائل إما في تهامة أو في السراة .
فأين كان هذا الكثيب من بلاد ثمالة ؟ وهل يدل على وجود تهامة لثمالة ؟
وأنها تهامة موغلة غربا ً إلى حدود الكثبان ؟
هذا هو الذي يظهر من النص .
ومما يقوي هذا المعنى ما ورد في خبر الأغاني هذا نفسه ، من قول تأبط شرا ً :
" كنت في بلاد ثمالة أطوف , حتى إذا كنت من الفقير عشيا ً ,
إذا أنا بسبع خلفات فيهن عبد ... " فهذا العبد يرعى سبع خلفات لسيده الثمالي ,
وتربية الإبل و رعيها في جبال السراة قليل ، بسبب وعورة الجبال ،
و إنما تربيتها تكون في الأراضي المنبسطة من نجد أو تهامة .
ويشبه هذا النص أيضا ُ ما روي عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه ,
في خبره مع عبدالله بن قرط الثمالي , الذي كان واليا ًعلى حمص لعمر ,
ثم وجد عليه عمر فعزله , وولى عبادة بن الصامت بدله ،
رضي الله عنهم أجمعين , فلما قدم ابن قرط لعمر قال له عمر :
" لأردنك إلى بلادك ورعية الإبل ..." فكأنه يقول : سأردك إلى مهنتك الأولى
وهي : رعي الإبل . و رعي الإبل لم تكن مهنة لأهل السراة , بل لأهل نجد أو تهامة .
و ثمالة لا نجد لها , فهذه إشارة إلى وجود تهامة لثمالة ترعى فيها إبلها .
4 – قال الشاعر عمرو بن براق الثمالي ايضا ً , وهو أحد عدائي العرب ,
قال الآمدي : " ممن يغزوا راجلا ً , ويفوت الخيل إذا طلبته " وقال :
كان حليفا ً في هذيل , وهو القائل يوم حرب بين هذيل وكنانة :
فلما أن هبطنا القاع ردوا / غواشينا فأدبرنا جفولا
وقام لنا ببطن القاع ضيق / فخلى الوازعون لنا السبيلا
من قصيدة طويلة أورد منها في منتهى الطلب ( 25 بيتا ً ) , يصف فيها
المعركة , ثم يصف فراره حين جفل القوم , وقال عنها الأصمعي :
إنها من المنصفات , وفيها :
فلما أن رأيت القوم ولوا / فلا زندا ً قبضت ولا فتيلا
حبكت ملاءتي العليا كأني / حبكت بها قطاميا ً هزيلا
كأن ملاءتي على هجف ٍ / أحس عشية ريحا ً بليلا
على حت البراية زمخري الســــواعــد ينتحي رتكاً دليلا
و المقصود أن هذا الشاعر الثمالي ، كان حليفا في هذيل ، ويقاتل معهم
جيرانهم كنانة ، مما يدل على قرب بين هذه القبائل , وهذيل وكنانة قبائل تهامية .
حيث كانت تنزل كنانة أسافل الأودية جنوب مكة إلى الليث , وتنزل هذيل أعالي
هذه الأودية مما يلي مكة , بالإضافة إلى سرواتها يقول البكري :
" وكان لهذيل جبال من جبال السراة , ولهم صدور أوديتها وشعابها القريبة ,
و مسائل تلك الشعاب و الأودية على قبائل خزيمة ابن مدركة ".
و المقصود أن كنانة كانت في أسافل الأودية جنوب مكة حتى الليث ,
و هذيلا كانت في أعالي أودية كنانة مما يلي مكة .
فمن يكون في أعالي أودية كنانة إلى الجنوب من منازل هذيل ؟
من المعلوم أنه كان في أعالي أودية كنانة من جهة الشرق قبيلة فهم ,
وهذه القبيلة كان لها سراة وغور , وقد جرت بينها وبين قبيلة هذيل حروب كثيرة ،
حتى أجلوا هذيلا عن بعض منازلها، و أخبار تأبط شرا ً الفهمي معهم كثيرة ,
انتهت بموته مقتولاً في بلاد هذيل .
فهذه القبائل ( هذيل و كنانة وفهم ) تتلاقى وتتجاور في أودية الليث ,
و تقتتل على الأرض والماء ، فأين قبيلة ثمالة منهم ؟
في نظري أن ثمالة كانت تشكل الضلع الرابع مع هذه القبائل ,
فهي قريبة من كنانة ( كما تقدم في شعر الكنانية ) وهي قريبة من هذيل ،
و أيام ثمالة مع هذيل كثيرة . وهي قريبة من فهم , وأخبار ثمالة مع فهم تتمثل
في غزوات تأبط شرا ً لهم ، وهو القائل يصف قدميه :
أرى بهما عذابا ً كل يوم / لخثعم أو بجيلة أو ثمالة
وكان تأبط شرا يصطحب معه الصعلوك الثمالي ابن براق ، في كثير من غزواته ،
مما يدل على قرب القبيلتين .
إلا أنني اعتقد أن هذا الضلع الرابع أقل اتساعا ً وتماسا ً ، من بقية الأضلاع ,
لأن ثمالة في الأصل قبيلة سروية .
5 – ولو أردت أن أذكر أسماء المواضع التي نزلتها ثمالة في تهامة قديما ,
لما استطعت أن أجزم باسم موضع معين , حيث لم أعثر على أي نص يذكر اسم
موضع بعينه لثمالة في تهامة ، سوى ما تقدم من أمر ( قوسى ) وهو في أعلى عورش ,
وهو و إن كان في السراة ، إلى أنه باتجاه تهامة , و سيوله تتجه إلى تهامة ,
فيصلح أن يكون بداية منازل ثمالة باتجاه تهامة ، كما يمكن القول بأن أعالي
الأودية الهابطة من سراة ثمالة باتجاه الليث كانت لثمالة،
( سيأتي الحديث عن هذه الأودية بالتفصيل , عند الحديث
عن منازل ثمالة في الوقت الحاضر، قريبا ً ) .
6 – و أخيرا ً فإن وادي ( عورش ) لم أجد من نسبه إلى قبيلة معينة ,
وتقدم أن ( قوسى ) في أعلى عورش لثمالة , فلمن كانت بقية الوادي ؟
فمن المعلوم أن جيراننا قبيلة ( العيلة ) لم تكن منازلهم التي هم فيها الان ،
لهم في الزمن الغابر , وخبر هجرتهم إلى هذه المنازل مشهور ,
وهو في حدود أربعمئة عام من الآن .
أما قبيلة ثقيف القريبة من الوادي أيضا ،ً فلم أعثر على من ينسب هذا الوادي لهم قديما ً ,
بل لم أعثر على أي موضع لثقيف في تهامة قديما ً , وتبقى قبيلة ( ثمالة وفهم )
المجاورتان لهذا الوادي .
فإذا كان أعلاه ( قوسى ) لثمالة , فهل كان أسفله لفهم ؟
هذا محتمل . ويدل عليه قول الشاعر ذو الكلب الهذلي , قال في الأغاني :
وكان يغزو قبيلة فهم غزوا ً متصلا ً , وهو القائل :
فلست لحاصن ٍ إن لم تروني / ببطن ضريحة ذات النجال
و أمي قينة إن لم تروني / بعورش وسط عرعرها الطوال
فهو يهدد فهما ً ، بأنه سيصبح بعورش بين عرعرها الطوال , فلابد
أن يكون هذا الموضع لفهم , وإلا لما كان لتهديده معنى .
فكأن ثمالة وفهما ً يقتسمان عورش , لكن أين الحد بينهما ؟
لا أعرف الآن .
و أختم هذه الحلقة بأبيات جميلة للشاعرة الهذلية ( ريطه ) , وقيل (جنوب )
أخت عمرو ذي الكلب، وهي ترثيه بعد أن قتلته قبيلة فهم ،
في موضوع اسمه ( شريان ) قالت :
كل امرء لمحال الدهر مكروب / وكل من غالب الأيام مغلوب
وكل حي و إن غزوا وإن سلموا / يوما ً طريقهم في الشر دعبوب
أبلغ بني كاهلٍ عني مغلغلة / والقوم من دونهم سعيا ومركوب
بأن ذا الكلب عمرا ً خيرهم نسبا ً / ببطن شريان يعوي حوله الذيب
تمشي النسور إليه وهي لاهية ٌ / مشي العذارى عليهن الجلابيب .
و إلى اللقاء في الحلقة القادمة ، وهي بعنوان :
منازل ثمالة في الوقت الحاضر .