الحارث بن همام
08-17-2008, 12:52 AM
بسم الله الرحمن الرحيم
منازل ثمالة بعد هجراتها من جنوب الطائف :
تقدم الحديث عن منازل قبيلة ثمالة في اليمن , ثم عن منازلها بعد هجرتها الأولى إلى جنوب الطائف ...
وفي هذه الحلقة ( الأخيرة ) سيكون الحديث عن منازلها بعد هجراتها من جنوب الطائف ,
حيث أن للقبيلة ثلاث هجرات معروفة , بعد هجرتها الأولى إلى جنوب الطائف , وهي :
1 – هجرة أفراد من القبيلة إلى مدينة الرسول صلى الله عليه وسلم زمن البعثة .
2 – هجرة بعض القبيلة إلى مدائن الإسلام الكبرى زمن الفتوحات الإسلامية .
3 – هجرة كثير من القبيلة إلى بعض مدن المملكة العربية السعودية , في الوقت الحاضر .
ويلاحظ على هذه الهجرات ما يلي :
1 – أنها لم تشمل جميع القبيلة , ولم يتم إخلاء موقع القبيلة جنوب الطائف , بل بقي معمورا ً
ومنسوبا للقبيلة حتى الوقت الحاضر .
2 – أنني لم اطلع على أي موضع يصح أن يقال إنه كان منزلا ً مختصا ً بالقبيلة ، في أي
من البلاد التي هاجروا إليها .
ولعل السبب هو أن هذه الهجرات لم تكن لكامل القبيلة , ولأن المهاجرين توزعوا على
عدة مدن ولم يجتمعوا في مدينة واحدة , ولأن هذه المدن التي نزلوها كانت مدنا ً كبارا ً ،
وتسكن من أمم وقبائل كثيرة و كبيرة .
و أغلب الظن أن قبيلة ثمالة إنضوت في منازلها تحت اسم القبيلة الأم الكبرى ( الأزد )
الذين كان لهم أحياء معروفة في مدن الإسلام الكبرى .
وفيما يلي تفصيل لهذه الهجرات , و أهم ما تمتاز به كل هجره :
الهجرة الأولى : وهي الهجرة إلى المدينة المنورة زمن بعثة الرسول صلى الله عليه وسلم .
وتمتاز هذه الهجرة بما يلي :
1 – قلة عد المهاجرين إلى مدينة الرسول صلى الله عليه وسلم , وهم يمثلون في الغالب
الصحابة الذين عرفوا من ثمالة , وقد اطلعت على ما بين ( العشرة إلى العشرين )
اسما ً لثمالي قيل أن له صحبة .
ولعل السبب في قلة عدد هؤلاء المهاجرين هو , تأخر إسلام القبيلة ( العام الثامن ) وعدم
الحاجة لهجرة كبيرة , قال تعالى { وما كان المؤمنون لينفروا كافة فلولا نفر من كل فرقة
منهم طائفة ليتفقهوا في الدين ولينذروا قومهم إذا رجعوا اليهم لعلهم يحذرون } .ذلك أن
صغر المدينة يجعلها غير قادرة على استيعاب عدد كبير من المهاجرين، بالإضافة إلى قصر
الوقت الذي حصلت فيه هذه الهجرة ، وقربة من زمن الهجرة الثانية ، التي استوعبت العدد
الأكبر من المهاجرين .
2 – الغالب أن هذه الهجرة بدأت بعد إسلام القبيلة في العام الثامن الهجري . وقد قيل إن هجرة
بعضهم كانت أقدم من هذا العام , فعند ( الدار قطني ) وكذا في ( الإصابة )
أن( الحكم بن عمير الثمالي) كان بدريا ً . وقد عد ابن إسحاق أسماء من
حضر بدرا ً من المسلمين وليس فيهم الحكم بن عمير .
3 – هذه الهجرة يبدو أنها شملت بعض العوائل أيضا ً , فقد ذكر الذهبي في السير
عن غضيف بن الحارث الثمالي قال : " كنت صبيا ً ارمي نخل الأنصار ,
فأتوا بي النبي صلى الله عليه وسلم , فمسح برأسي وقال : كل ما سقط , ولا ترمي نخلهم "
والشاهد قوله ( كنت صبيا ً ) فهو يدل على ان المهاجرين قد صحبوا معهم أولادهم الصبيان .
4 – لا أعرف موضعا ً محددا ً سكنه الثماليون أو نسب إليهم في مدينة الرسول صلى الله عليه وسلم ,
سوى ( الصفة ) وهي : موضع بمؤخرة مسجد الرسول صلى الله عليه وسلم يأوي إليه فقراء المهاجرين .
ومن أشهر من سكنه( أبو هريرة) رضي الله عنه ، قال عنه في حلية الأولياء : ( كان عريف من سكن الصفة ) .
وقد روي أن من أهل الصفة ( الحكم بن عمير الثمالي ) ذكر الحافظ أبو نعيم أنه من أهل الصفة
( و عبدالرحمن بن قرط الثمالي ) قيل إنه من أهل الصفة أيضا ً ، وقد يكون أخوه عبدالله منهم أيضا ً .
الهجرة الثانية : وهي هجرة بعض الثمالين إلى مدن الإسلام الكبرى زمن
الفتوحات في صدر دولة الإسلام .
و تمتاز هذه الهجرة بما يلي :
1 – أنها كانت بأعداد أكبر من الهجرة الأولى إلى المدينة , و أغلب من هاجر من ثمالة إلى
المدينة ، وكان له صحبة ، قد هاجر منها إلى مدن الإسلام هذه , إن لم يكونوا جميعا قد هاجروا .
2 – تشير النصوص إلى أن أغلب استيطان الثماليين في بداية هجرتهم كان في مدن الشام والعراق .
ولم أعثر على أي نص يثبت نزول ثمالة في غير هذين البلدين , وإن كان احتمال
وجودهم في غير هذين البلدين وارد .
3 – أغلب الثماليين الذين ذكروا في الكتب في القرن الأول كانوا في الشام , وفي مدينة حمص
على سبيل الخصوص، ولعل السبب هو أن عبدالله بن قرط الثمالي كان واليا ً على حمص
زمن عمر بن الخطاب رضي الله عنهما , ثم كان واليا ً لحمص زمن معاوية بن أبي سفيان،
حتى توفي شهيدا ً وهو وال ٍ عليها سنة 56 هجريا ً، فمن المقبول
أن يجتمع الثماليون في مدينة يعرفون واليها .
ومن أشهر هؤلاء الثماليين الشاميين :
- ( عبدالله بن قرط الثمالي) والي حمص المشهور.
- ( الحكم بن عمير الثمالي) قال ( أبو نعيم ) : يعد في الشاميين , وسكن حمص .
- ( أبو الحجاج الثمالي ) صحابي معدود في الشاميين .
- ( عبدالرحمن بن عائذ الثمالي ) من أشهر الحمصيين قال الذهبي : لما توفي خلف صحفا ً وكتبا ً ,
وكان أهل حمص يأخذون كتب ابن عائذ و عمدوا بها على باب المسجد قناعة ً بها .
وقيل : اقتسم رجال ٌ من الجند كتب ابن عائذ بينهم بالميزان .
- ( غضيف بن الحارث الثمالي ) روى له الإمام أحمد في مسند الشاميين وقيل في ترجمته ( حمصي )
وقد روي أنه كان يناصح الخليفة عبدالملك بن مروان في دمشق , وقيل كان يتولى صلاة الجمعة
في دمشق إذا غاب خالد بن يزيد بن معاوية . ولعله كان حمصيا ً ثم سكن دمشق .
4 – لاشك أن بعض الثماليين سكن في مدن لعراق الكبرى ( الكوفة و البصرة ) إلا أن أعدادهم
المعروفة في القرن الأول كانت أقل من أعداد الشاميين . ولعل السبب هو أن القبائل كانت تجتمع
حول بعضها في هذه الهجرات , وقد كان اجتماع الثماليين في الشام .
5 – من أوائل الثماليين المعروفين في العراق ( سعد بن عياض الثمالي ) روى له البخاري
أثرا ً معلقا ً في تفسير المشكاة, وليس في صحيح البخاري رواية عن ثمالي غيره .
وقال في فتح الباري : " كوفي تابعي " وقد كان يروي عن ابن مسعود رضي الله عنه .
وقيل إن ( عياض الثمالي ) صاحب القصيدة المشهورة الموجهة لشرحبيل ابن السمط ,
هو أبو سعد هذا . والراجح أن عياض الثمالي شامي وليس عراقيا ً .
ففي كتاب ( وقعة صفين ) , وكذا في( شرح ابن أبي الحديد على نهج البلاغة )
وغيرهما، أن معاوية كتب إلى شرحبيل ابن السمط الكندي , وهو بحمص ، وكان
( رأس اليمنية وشيخها و المقدم عليها ) يطلبه القدوم إلى دمشق , للتشاور في محاربة علي
والأخذ بثأر عثمان رضي الله عنهم أجمعين , فاستشار شرحبيل أهل اليمن في
( حمص ) ( ولا شك أن ثمالة منهم ) فاختلفوا عليه ,
وأبى شرحبيل إلا أن يسير إلى معاوية في دمشق ,
فكتب إليه عياض الثمالي , وكان ناسكا ً :
يا شرح يابن السمــط إنك بالغ / بـود علــي ما تــريد من الأمـر
يا شـرح إن الشام شامك ما بها / سـواك فـدع قول المضل من فهر
فإن ابن حرب ناصب لك خدعة / تكون علينا مثل راغية البكر
فإن نال ما يرجو بنا كان ملكنا / هنيئا ً له والحرب قاصمة الظهر
فلا تبغين حرب العراق فإنها / تحرم أطهار النساء من الـذعر
و إن عليا ً خير من وطء الثرى / من الهاشميين المداريك للوتر
له في رقاب الناس عهد وذمة / كعهد أبي حفص وعهد أبي بكـر
فبايـع ولا ترجـع على العقب كافرا ً / أعيذك بالله العزيز من الكفر
ولا تسمعن قول الطغام فإنما / يريدون أن يلقوك في لجة البحر
وماذا عليهم أن تطاعن دونهم / عليا ً بإطراف المثقفة السمـر
فإن غلبوا كانوا علينا أئمة / وكنا بحمد الله من ولد الطهر
و إن غـُـلبوا لم يصل بالحرب غيرنا / وكان علي حربنا آخر الدهر
يهون على عليا لؤي ابن غالب / دماء بني قحطان في ملكهم تجري
..... إلى آخــر القصيدة .
وهي قصيدة تدل على موقف هذا الشيخ الثمالي الناسك من الحرب مع علي رضي الله عنه ,
وهو موقف مشرف وعظيم , وهل كان هذا هو موقف قبيلة ثمالة جميعها ؟ وهل اعتزلت
ثمالة الفتنة ولم تشارك فيها ؟ هذا ممكن , بل هو الغالب ؛ لأن الشعراء كانوا بمثابة الناطق
أو المتحدث باسم القبيلة , فإن كان الأمر كذلك فهو من المواقف الحكيمة لهذه القبيلة .
6 - بدأت أعداد الثماليين المعروفين تزداد في العراق وتتناقص في الشام مع
بداية القرن الأول الهجري وبداية القرن الثاني .
ومن مشاهير ثمالة في العراق في القرن الثاني ( أبو حمزة ثابت بن دينار الثمالي )
وهو وذريته وأقاربه جميعا ً من الشيعة .
وقد غلا أبو حمزة في تشيعه حتى خرج عن حد الاحتجاج به عند أهل السنة ، وله روايات
في كتب السنن , وقد روى له الترميذي حديثا ً وقال عنه : حسن ٌ غريب .
و قال : سألت محمد ابن العلاء عنه فقال : أحمد ابن حنبل تكلم فيه , وهو عندي مقارب الحديث .
وهو عند الشيعة من كبار العلماء قال فيه الإمام الرضا : أبو حمزة الثمالي في زمانه
كسلمان الفارسي في زمانه . وله كتب عديدة , بعضها مطبوع كتفسير القرآن
( وقد رأيت القرطبي في الجامع ينقل عنه كثيرا،وكذلك فعل الطبري) وله دعاء السحر المشهور ,
يرويه عن الإمام زين العابدين و المعروف ( بدعاء ابي حمزة ) توفي في الكوفة سنة 150 هجريه .
ثم ظهر محمد بن يزيد الثمالي ( المبرد ) في القرن الثالث وكان مولده في
البصرة سنة 210 وتوفي في بغداد سنة 286 .
وهو أشهر من أن يعرف في هذه الحلقة , بل هو أشهر ثمالي عرفه التاريخ ,
وكتابه ( الكامل ) من أشهر كتب الأدب العربي , وكتابة ( المقتضب ) من أشهر كتب النحو .
وعدد كبير من كتبة مطبوع و موجود في الأسواق .
7 – إذا كان محمد بن يزيد أشهر ثمالي عرفه التاريخ فإنه – للأسف – آخر ثمالي كتبه التاريخ ,
فلا أعرف اسم ثمالي مشهور منذ وفاة المبرد في نهاية القرن الثالث وحتى العصر الحاضر .
و لا أعرف خلال هذه القرون التي تزيد عن عشرة قرون أين هم ذرية هؤلاء الثماليين
الذين سكنوا تلك المدن ؟
و العقل يقول : لابد أن يكون لهم ذرية ونسل ولكن : أين هم ؟ لا أدري .
وقد قرأت في هذا المنتدى أن ثماليين وجدوا الآن في العراق أو في الأردن أو في مصر أو في
المغرب ... لكن كل هذه الأخبار لا دليل عليها ويعوزها الإثبات .
ولعل تحضر هذه القبائل وسكناها المدن , وبعدها عن مواضع القبيلة الأولى ,
مع طول الزمن , قد أنساها أصولها حتى فقدتها تماما ً .
8 – لا أعرف موضعا ً محددا ً سكنته ثمالة , ونسب إليها في الشام أو في العراق، سوى موضع
واحد نسب لعبدالله بن قرط الثمالي , وهو ( برج ابن قرط ) وهو في الشام ,
قال ياقوت وغيره : " بين بانياس ومرقية " وهي من مدن الساحل السوري .
وقد كان عبدالله بن قرط وال ٍ على حمص في زمن معاوية فخرج يعس على الشاطئ ،
قيل نام على فرسه ولم يشعر حتى قابلته الروم فقتلته في هذا الموضع ،
ولا أدري هل كان هو من بناه سابقا ً , أم سمي باسمه بسبب استشهاه عنده ؟
الهجرة الثالثة : وهي هجرة حديثة ومعاصرة , بدأت في أواخر القرن الهجري الماضي ,
وازداد معدلها في بداية هذا القرن ثم بدأ هذا المعدل في التناقص في السنين الأخيره ,
ولكن بعد أن كادت بعض القرى تخلو من ساكنيها .
و تمتاز هذه الهجرة بما يلي :
1 – أنها هجرة من نوع مختلف عن سابقتيها , فقد غادر المهاجرون الموقع جنوب الطائف،
لكنهم لم يغادروا أملاكهم وصلاتهم بهذا الموقع , بل لم يزل أغلبهم يتردد عليه ,
ولعل السبب في ذلك هو قرب المواضع التي هاجروا إليها من جهة ، وتطور وسائل
المواصلات الحديثة و سهولتها من جهة أخرى .
2 – أغلب استقرار هؤلاء المهاجرين كان في مدينة الطائف , و أغلبهم في الأحياء الجنوبية منها .
و أغلب الباقين استقر في مدن المملكة الرئيسة ( جدة , الرياض , مكة المكرمة ) و توزع
الباقي في بقية مدن المملكة الأخرى .
3 – لا أعرف موضع معينا ً استقر فيه الثماليون في هجرتهم هذه ونسب إليهم ,
سوى ما قيل إن في حي الشهداء الجنوبية في مدينة الطائف يوجد شارع اسمه ( شارع ثمالة )
ولا أدري هل ثمالة غالبة في هذا الشارع أو هو مجرد اسم .
وبهذا أكون قد انتهيت من ذكر هذه النصوص والقراءات الخاصة بمواقع قبيلة ثمالة
من قبل هجرتها الأولى من اليمن وحتى الوقت الحاضر .
فإن كنت أصبت فبحمد من الله وفضل .
وإن تكن الأخرى فلله الأمر من قبل ومن بعد .
منازل ثمالة بعد هجراتها من جنوب الطائف :
تقدم الحديث عن منازل قبيلة ثمالة في اليمن , ثم عن منازلها بعد هجرتها الأولى إلى جنوب الطائف ...
وفي هذه الحلقة ( الأخيرة ) سيكون الحديث عن منازلها بعد هجراتها من جنوب الطائف ,
حيث أن للقبيلة ثلاث هجرات معروفة , بعد هجرتها الأولى إلى جنوب الطائف , وهي :
1 – هجرة أفراد من القبيلة إلى مدينة الرسول صلى الله عليه وسلم زمن البعثة .
2 – هجرة بعض القبيلة إلى مدائن الإسلام الكبرى زمن الفتوحات الإسلامية .
3 – هجرة كثير من القبيلة إلى بعض مدن المملكة العربية السعودية , في الوقت الحاضر .
ويلاحظ على هذه الهجرات ما يلي :
1 – أنها لم تشمل جميع القبيلة , ولم يتم إخلاء موقع القبيلة جنوب الطائف , بل بقي معمورا ً
ومنسوبا للقبيلة حتى الوقت الحاضر .
2 – أنني لم اطلع على أي موضع يصح أن يقال إنه كان منزلا ً مختصا ً بالقبيلة ، في أي
من البلاد التي هاجروا إليها .
ولعل السبب هو أن هذه الهجرات لم تكن لكامل القبيلة , ولأن المهاجرين توزعوا على
عدة مدن ولم يجتمعوا في مدينة واحدة , ولأن هذه المدن التي نزلوها كانت مدنا ً كبارا ً ،
وتسكن من أمم وقبائل كثيرة و كبيرة .
و أغلب الظن أن قبيلة ثمالة إنضوت في منازلها تحت اسم القبيلة الأم الكبرى ( الأزد )
الذين كان لهم أحياء معروفة في مدن الإسلام الكبرى .
وفيما يلي تفصيل لهذه الهجرات , و أهم ما تمتاز به كل هجره :
الهجرة الأولى : وهي الهجرة إلى المدينة المنورة زمن بعثة الرسول صلى الله عليه وسلم .
وتمتاز هذه الهجرة بما يلي :
1 – قلة عد المهاجرين إلى مدينة الرسول صلى الله عليه وسلم , وهم يمثلون في الغالب
الصحابة الذين عرفوا من ثمالة , وقد اطلعت على ما بين ( العشرة إلى العشرين )
اسما ً لثمالي قيل أن له صحبة .
ولعل السبب في قلة عدد هؤلاء المهاجرين هو , تأخر إسلام القبيلة ( العام الثامن ) وعدم
الحاجة لهجرة كبيرة , قال تعالى { وما كان المؤمنون لينفروا كافة فلولا نفر من كل فرقة
منهم طائفة ليتفقهوا في الدين ولينذروا قومهم إذا رجعوا اليهم لعلهم يحذرون } .ذلك أن
صغر المدينة يجعلها غير قادرة على استيعاب عدد كبير من المهاجرين، بالإضافة إلى قصر
الوقت الذي حصلت فيه هذه الهجرة ، وقربة من زمن الهجرة الثانية ، التي استوعبت العدد
الأكبر من المهاجرين .
2 – الغالب أن هذه الهجرة بدأت بعد إسلام القبيلة في العام الثامن الهجري . وقد قيل إن هجرة
بعضهم كانت أقدم من هذا العام , فعند ( الدار قطني ) وكذا في ( الإصابة )
أن( الحكم بن عمير الثمالي) كان بدريا ً . وقد عد ابن إسحاق أسماء من
حضر بدرا ً من المسلمين وليس فيهم الحكم بن عمير .
3 – هذه الهجرة يبدو أنها شملت بعض العوائل أيضا ً , فقد ذكر الذهبي في السير
عن غضيف بن الحارث الثمالي قال : " كنت صبيا ً ارمي نخل الأنصار ,
فأتوا بي النبي صلى الله عليه وسلم , فمسح برأسي وقال : كل ما سقط , ولا ترمي نخلهم "
والشاهد قوله ( كنت صبيا ً ) فهو يدل على ان المهاجرين قد صحبوا معهم أولادهم الصبيان .
4 – لا أعرف موضعا ً محددا ً سكنه الثماليون أو نسب إليهم في مدينة الرسول صلى الله عليه وسلم ,
سوى ( الصفة ) وهي : موضع بمؤخرة مسجد الرسول صلى الله عليه وسلم يأوي إليه فقراء المهاجرين .
ومن أشهر من سكنه( أبو هريرة) رضي الله عنه ، قال عنه في حلية الأولياء : ( كان عريف من سكن الصفة ) .
وقد روي أن من أهل الصفة ( الحكم بن عمير الثمالي ) ذكر الحافظ أبو نعيم أنه من أهل الصفة
( و عبدالرحمن بن قرط الثمالي ) قيل إنه من أهل الصفة أيضا ً ، وقد يكون أخوه عبدالله منهم أيضا ً .
الهجرة الثانية : وهي هجرة بعض الثمالين إلى مدن الإسلام الكبرى زمن
الفتوحات في صدر دولة الإسلام .
و تمتاز هذه الهجرة بما يلي :
1 – أنها كانت بأعداد أكبر من الهجرة الأولى إلى المدينة , و أغلب من هاجر من ثمالة إلى
المدينة ، وكان له صحبة ، قد هاجر منها إلى مدن الإسلام هذه , إن لم يكونوا جميعا قد هاجروا .
2 – تشير النصوص إلى أن أغلب استيطان الثماليين في بداية هجرتهم كان في مدن الشام والعراق .
ولم أعثر على أي نص يثبت نزول ثمالة في غير هذين البلدين , وإن كان احتمال
وجودهم في غير هذين البلدين وارد .
3 – أغلب الثماليين الذين ذكروا في الكتب في القرن الأول كانوا في الشام , وفي مدينة حمص
على سبيل الخصوص، ولعل السبب هو أن عبدالله بن قرط الثمالي كان واليا ً على حمص
زمن عمر بن الخطاب رضي الله عنهما , ثم كان واليا ً لحمص زمن معاوية بن أبي سفيان،
حتى توفي شهيدا ً وهو وال ٍ عليها سنة 56 هجريا ً، فمن المقبول
أن يجتمع الثماليون في مدينة يعرفون واليها .
ومن أشهر هؤلاء الثماليين الشاميين :
- ( عبدالله بن قرط الثمالي) والي حمص المشهور.
- ( الحكم بن عمير الثمالي) قال ( أبو نعيم ) : يعد في الشاميين , وسكن حمص .
- ( أبو الحجاج الثمالي ) صحابي معدود في الشاميين .
- ( عبدالرحمن بن عائذ الثمالي ) من أشهر الحمصيين قال الذهبي : لما توفي خلف صحفا ً وكتبا ً ,
وكان أهل حمص يأخذون كتب ابن عائذ و عمدوا بها على باب المسجد قناعة ً بها .
وقيل : اقتسم رجال ٌ من الجند كتب ابن عائذ بينهم بالميزان .
- ( غضيف بن الحارث الثمالي ) روى له الإمام أحمد في مسند الشاميين وقيل في ترجمته ( حمصي )
وقد روي أنه كان يناصح الخليفة عبدالملك بن مروان في دمشق , وقيل كان يتولى صلاة الجمعة
في دمشق إذا غاب خالد بن يزيد بن معاوية . ولعله كان حمصيا ً ثم سكن دمشق .
4 – لاشك أن بعض الثماليين سكن في مدن لعراق الكبرى ( الكوفة و البصرة ) إلا أن أعدادهم
المعروفة في القرن الأول كانت أقل من أعداد الشاميين . ولعل السبب هو أن القبائل كانت تجتمع
حول بعضها في هذه الهجرات , وقد كان اجتماع الثماليين في الشام .
5 – من أوائل الثماليين المعروفين في العراق ( سعد بن عياض الثمالي ) روى له البخاري
أثرا ً معلقا ً في تفسير المشكاة, وليس في صحيح البخاري رواية عن ثمالي غيره .
وقال في فتح الباري : " كوفي تابعي " وقد كان يروي عن ابن مسعود رضي الله عنه .
وقيل إن ( عياض الثمالي ) صاحب القصيدة المشهورة الموجهة لشرحبيل ابن السمط ,
هو أبو سعد هذا . والراجح أن عياض الثمالي شامي وليس عراقيا ً .
ففي كتاب ( وقعة صفين ) , وكذا في( شرح ابن أبي الحديد على نهج البلاغة )
وغيرهما، أن معاوية كتب إلى شرحبيل ابن السمط الكندي , وهو بحمص ، وكان
( رأس اليمنية وشيخها و المقدم عليها ) يطلبه القدوم إلى دمشق , للتشاور في محاربة علي
والأخذ بثأر عثمان رضي الله عنهم أجمعين , فاستشار شرحبيل أهل اليمن في
( حمص ) ( ولا شك أن ثمالة منهم ) فاختلفوا عليه ,
وأبى شرحبيل إلا أن يسير إلى معاوية في دمشق ,
فكتب إليه عياض الثمالي , وكان ناسكا ً :
يا شرح يابن السمــط إنك بالغ / بـود علــي ما تــريد من الأمـر
يا شـرح إن الشام شامك ما بها / سـواك فـدع قول المضل من فهر
فإن ابن حرب ناصب لك خدعة / تكون علينا مثل راغية البكر
فإن نال ما يرجو بنا كان ملكنا / هنيئا ً له والحرب قاصمة الظهر
فلا تبغين حرب العراق فإنها / تحرم أطهار النساء من الـذعر
و إن عليا ً خير من وطء الثرى / من الهاشميين المداريك للوتر
له في رقاب الناس عهد وذمة / كعهد أبي حفص وعهد أبي بكـر
فبايـع ولا ترجـع على العقب كافرا ً / أعيذك بالله العزيز من الكفر
ولا تسمعن قول الطغام فإنما / يريدون أن يلقوك في لجة البحر
وماذا عليهم أن تطاعن دونهم / عليا ً بإطراف المثقفة السمـر
فإن غلبوا كانوا علينا أئمة / وكنا بحمد الله من ولد الطهر
و إن غـُـلبوا لم يصل بالحرب غيرنا / وكان علي حربنا آخر الدهر
يهون على عليا لؤي ابن غالب / دماء بني قحطان في ملكهم تجري
..... إلى آخــر القصيدة .
وهي قصيدة تدل على موقف هذا الشيخ الثمالي الناسك من الحرب مع علي رضي الله عنه ,
وهو موقف مشرف وعظيم , وهل كان هذا هو موقف قبيلة ثمالة جميعها ؟ وهل اعتزلت
ثمالة الفتنة ولم تشارك فيها ؟ هذا ممكن , بل هو الغالب ؛ لأن الشعراء كانوا بمثابة الناطق
أو المتحدث باسم القبيلة , فإن كان الأمر كذلك فهو من المواقف الحكيمة لهذه القبيلة .
6 - بدأت أعداد الثماليين المعروفين تزداد في العراق وتتناقص في الشام مع
بداية القرن الأول الهجري وبداية القرن الثاني .
ومن مشاهير ثمالة في العراق في القرن الثاني ( أبو حمزة ثابت بن دينار الثمالي )
وهو وذريته وأقاربه جميعا ً من الشيعة .
وقد غلا أبو حمزة في تشيعه حتى خرج عن حد الاحتجاج به عند أهل السنة ، وله روايات
في كتب السنن , وقد روى له الترميذي حديثا ً وقال عنه : حسن ٌ غريب .
و قال : سألت محمد ابن العلاء عنه فقال : أحمد ابن حنبل تكلم فيه , وهو عندي مقارب الحديث .
وهو عند الشيعة من كبار العلماء قال فيه الإمام الرضا : أبو حمزة الثمالي في زمانه
كسلمان الفارسي في زمانه . وله كتب عديدة , بعضها مطبوع كتفسير القرآن
( وقد رأيت القرطبي في الجامع ينقل عنه كثيرا،وكذلك فعل الطبري) وله دعاء السحر المشهور ,
يرويه عن الإمام زين العابدين و المعروف ( بدعاء ابي حمزة ) توفي في الكوفة سنة 150 هجريه .
ثم ظهر محمد بن يزيد الثمالي ( المبرد ) في القرن الثالث وكان مولده في
البصرة سنة 210 وتوفي في بغداد سنة 286 .
وهو أشهر من أن يعرف في هذه الحلقة , بل هو أشهر ثمالي عرفه التاريخ ,
وكتابه ( الكامل ) من أشهر كتب الأدب العربي , وكتابة ( المقتضب ) من أشهر كتب النحو .
وعدد كبير من كتبة مطبوع و موجود في الأسواق .
7 – إذا كان محمد بن يزيد أشهر ثمالي عرفه التاريخ فإنه – للأسف – آخر ثمالي كتبه التاريخ ,
فلا أعرف اسم ثمالي مشهور منذ وفاة المبرد في نهاية القرن الثالث وحتى العصر الحاضر .
و لا أعرف خلال هذه القرون التي تزيد عن عشرة قرون أين هم ذرية هؤلاء الثماليين
الذين سكنوا تلك المدن ؟
و العقل يقول : لابد أن يكون لهم ذرية ونسل ولكن : أين هم ؟ لا أدري .
وقد قرأت في هذا المنتدى أن ثماليين وجدوا الآن في العراق أو في الأردن أو في مصر أو في
المغرب ... لكن كل هذه الأخبار لا دليل عليها ويعوزها الإثبات .
ولعل تحضر هذه القبائل وسكناها المدن , وبعدها عن مواضع القبيلة الأولى ,
مع طول الزمن , قد أنساها أصولها حتى فقدتها تماما ً .
8 – لا أعرف موضعا ً محددا ً سكنته ثمالة , ونسب إليها في الشام أو في العراق، سوى موضع
واحد نسب لعبدالله بن قرط الثمالي , وهو ( برج ابن قرط ) وهو في الشام ,
قال ياقوت وغيره : " بين بانياس ومرقية " وهي من مدن الساحل السوري .
وقد كان عبدالله بن قرط وال ٍ على حمص في زمن معاوية فخرج يعس على الشاطئ ،
قيل نام على فرسه ولم يشعر حتى قابلته الروم فقتلته في هذا الموضع ،
ولا أدري هل كان هو من بناه سابقا ً , أم سمي باسمه بسبب استشهاه عنده ؟
الهجرة الثالثة : وهي هجرة حديثة ومعاصرة , بدأت في أواخر القرن الهجري الماضي ,
وازداد معدلها في بداية هذا القرن ثم بدأ هذا المعدل في التناقص في السنين الأخيره ,
ولكن بعد أن كادت بعض القرى تخلو من ساكنيها .
و تمتاز هذه الهجرة بما يلي :
1 – أنها هجرة من نوع مختلف عن سابقتيها , فقد غادر المهاجرون الموقع جنوب الطائف،
لكنهم لم يغادروا أملاكهم وصلاتهم بهذا الموقع , بل لم يزل أغلبهم يتردد عليه ,
ولعل السبب في ذلك هو قرب المواضع التي هاجروا إليها من جهة ، وتطور وسائل
المواصلات الحديثة و سهولتها من جهة أخرى .
2 – أغلب استقرار هؤلاء المهاجرين كان في مدينة الطائف , و أغلبهم في الأحياء الجنوبية منها .
و أغلب الباقين استقر في مدن المملكة الرئيسة ( جدة , الرياض , مكة المكرمة ) و توزع
الباقي في بقية مدن المملكة الأخرى .
3 – لا أعرف موضع معينا ً استقر فيه الثماليون في هجرتهم هذه ونسب إليهم ,
سوى ما قيل إن في حي الشهداء الجنوبية في مدينة الطائف يوجد شارع اسمه ( شارع ثمالة )
ولا أدري هل ثمالة غالبة في هذا الشارع أو هو مجرد اسم .
وبهذا أكون قد انتهيت من ذكر هذه النصوص والقراءات الخاصة بمواقع قبيلة ثمالة
من قبل هجرتها الأولى من اليمن وحتى الوقت الحاضر .
فإن كنت أصبت فبحمد من الله وفضل .
وإن تكن الأخرى فلله الأمر من قبل ومن بعد .