المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : معارك في رمضان


صقر قريش
09-15-2008, 05:54 AM
كانت قريش قد صادرت أموال المهاجرين مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، وتربصت للنيل منهم بكل وسيلة ، إمعاناً في الصد عن سبيل الله وإيذاء المؤمنين ، فأراد المهاجرون إضعافها والضغط عليها من خلال التعرض لقوافلها التجارية التي تمر بالقرب من المدينة في طريقها إلى الشام ، وكان المسلمون قد علموا أن قافلة كبيرة يحرسها ثلاثون رجلاً - كانت تحمل أموالاً عظيمة لقريش - في طريقها من الشام إلى مكة - وأنها ستمر بهم ، فندب الرسول - صلى الله عليه وسلم - أصحابه للخروج لأخذها ، فخرج ثلاثمائة وتسعة عشر رجلاً ، معهم سبعون بعيراً يتعاقبون على ركوبها ، لكنهم أرادوا شيئا وأراد الله غيره قال سبحانه : { وَإِذْ يَعِدُكُمُ اللَّهُ إِحْدَى الطَّائِفَتَيْنِ أَنَّهَا لَكُمْ وَتَوَدُّونَ أَنَّ غَيْرَ ذَاتِ الشَّوْكَةِ تَكُونُ لَكُمْ وَيُرِيدُ اللَّهُ أَنْ يُحِقَّ الْحَقَّ بِكَلِمَاتِهِ وَيَقْطَعَ دَابِرَ الْكَافِرِينَ } (لأنفال 7) .

ولما بلغ أبا سفيان - الذي كان يقود القافلة القرشية - خبر خروج المسلمين , سلك بها طريق الساحل , وأرسل يطلب النجدة ويستنفر قريش , فخرجت قريش بقضِّها وقضيضها ، ولم يتخلف من فرسانها ورجالها إلا القليل , ومن تخلَّف منهم أرسل بدله رجلاً ، حتى بلغ جيش قريش ألف مقاتل معهم القيان يضربن بالدفوف ويغنين بهجاء المسلمين ، ولما بلغوا الجحفة علموا بنجاة القافلة , فأصروا على المضي ومقاتلة النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه بطراً ورئاء الناس فقال أبو جهل لعنه الله : " والله لا نرجع حتى نقدم بدْراً فنقيم بها ونطعم من حضرنا ، وتخافنا العرب " .

وكان المسلمون قد وصلوا إلى بدر وعلموا بنجاة القافلة وقدوم جيش المشركين ، فاستشار النبي - صلى الله عليه وسلم - أصحابه ، وكان يهمه معرفة رأي الأنصار على وجه الخصوص لأنهم كانوا قد بايعوه على الدفاع عنه داخل المدينة ، ولم يبايعوه على القتال خارجها ، فوقف المقداد بن عمرو من المهاجرين وقال : " يا رسول الله امض لما أراك الله فنحن معك , والله لا نقول لك كما قال بنو إسرائيل لموسى : " اذهب أنت وربك فقاتلا إنا ها هنا قاعدون " , ولكن اذهب أنت وربك فقاتلا إنا معكما مقاتلون ، فو الذي بعثك بالحق لو سرت بنا إلى برك الغماد - مكان باليمن - لجالدنا معك من دونه حتى تبلغه " ، وقام سعد بن معاذ - زعيم الأوس - فقال : " والله لكأنك تريدنا يا رسول الله ؟ قال : أجل ، قال : فإنا قد آمنا بك وصدقناك وشهدنا أن ما جئت به هو الحق , وأعطيناك على ذلك عهودنا ومواثيقنا على السمع والطاعة لك ، فامض يا رسول الله لما أردت فنحن معك ، فو الذي بعثك بالحق لو استعرضت بنا البحر فخضته لخضناه معك ما تخلف منا رجل واحد ، وما نكره أن تلقى بنا عدونا غداً ، إنا لصبر في الحرب ، صدق عند اللقاء ، لعل الله يريك منا ما تقر به عينك , فسِر على بركة الله " .

فلما رأى النبي - صلى الله عليه وسلم - اجتماعهم على القتال بدأ بتنظيم الجيش ، فأعطى اللواء الأبيض مصعب بن عمير , وأعطى رايتين سوداوين لعلي و سعد بن معاذ رضي الله عنهما ، وترك المسلمون مياه بدر وراءهم لئلا يستفيد منها المشركون.

وقبيل المعركة ، أشار - صلى الله عليه وسلم - إلى مكان مصارع جماعة من زعماء قريش ، فما تحرك أحدهم عن موضع يد رسول الله- صلى الله عليه وسلم - ، وأنزل الله تعالى في هذه الليلة مطراً طهر به المؤمنين وثبت به الأرض تحت أقدامهم ، وجعله وبالاً شديدًا على المشركين .

وقام رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ليلته تلك , فكان يصلي إلى شجرة ، فلم يزل يدعو ربه ويتضرع حتى أصبح ، وكان من دعائه : " اللهم أنجز لي ما وعدتني ، اللهم آت ما وعدتني ، اللهم إنك إن تهلك هذه الفئة لا تعبد بعدها في الأرض " فما زال يهتف بربه حتى سقط رداؤه عن منكبيه ، فأتاه أبوبكر ، فأخذ رداءه فألقاه على منكبيه ثم التزمه من ورائه ، وقال : يا نبي الله كفاك مناشدتك ربك فإنه سينجز لك ما وعدك " .

وفي صبيحة يوم السابع عشر من رمضان سنة اثنتين للهجرة , رتب صلى الله عليه وسلم الجيش في صفوف كصفوف الصلاة ، وبدأ القتال بين الفريقين بمبارزات فردية ثم كان الهجوم والتحام الصفوف ، وأمد الله المسلمين بمدد من الملائكة قال تعالى : { إِذْ تَسْتَغِيثُونَ رَبَّكُمْ فَاسْتَجَابَ لَكُمْ أَنِّي مُمِدُّكُمْ بِأَلْفٍ مِنَ الْمَلائِكَةِ مُرْدِفِينَ ، وَمَا جَعَلَهُ اللَّهُ إلا بُشْرَى وَلِتَطْمَئِنَّ بِهِ قُلُوبُكُمْ ...} ( لأنفال 9 - 10 ) ، ونصر الله رسوله والمؤمنين رغم قلة عددهم وعدتهم .

صقر قريش
09-18-2008, 12:54 PM
من منا لا يذكر غزوة بدر الكبرى التي وقعت في السابع عشر من رمضان سنة اثنتين هجرية، حينما خرج المشركون باتجاه المدينة المنورة معقل الرسول عليه الصلاة والسلام وصحبه من المهاجرين والانصار، وأعلن قائد جيشهم ابو جهل: والله لا نرجع حتى نرد بدراً فنقيم بها وننحر الجزور، ونطعم الطعام ونسقي الخمر وتعزف لنا القيان، وتسمع العرب بمسيرنا وجمعنا فلا يزالون يهابوننا أبداً.
السؤال الذي ينبغي ان يطرح ونحن نعيش ذكرى هذه المعركة الخالدة في تاريخ الاسلام في هذه الايام المباركة، لماذا لا تستفيد الأمة من دروس وعبر هذه المعركة الكبرى التي سطرت النصر الاول في تاريخ الاسلام ضد قوى الضلالة والظلم والتجبر؟ وهل يوجد ثمة أحد من أبناء هذه الأمة لم يحفظ وقائع هذه الغزوة، وما ورد فيها من آيات محكمات، وما تضمنته من دروس وعبر؟
واذا كان الجواب بالنفي فلا بد أن يعقبه التساؤل الأكثر ايلاما للنفس: ولماذا اذاً الصد عن الاستفادة من هذه الدروس والعبر لانتزاع نصر كنصر بدر ضد اعداء هذه الأمة الذين اغتصبوا الديار ودنسوا المقدسات وتمادوا في الطغيان والعدوان؟
يقول جل من قائل (ولقد نصركم الله ببدر وانتم أذلة فاتقوا الله لعلكم تشكرون) – آل عمران: 123، هذا هو الدرس الاول من دروس هذه الغزوة الفارقة بين الحق والباطل، وهو ان النصر من عند الله، وان النصر هو المعنى العكسي للذل والهوان، وان التقوى تشكل المناعة المكتسبة لدى المؤمن ضد الهزيمة والانكسار.
إن قراءة جديدة لغزوة بدر في ظل الواقع المرير الذي تعيشه الامة في هذا الزمان لهي جديرة بأن يتزرع الامل مجددا في النفوس المؤمنة والعقول النيرة التي تنتصر لقضايا الحق والعدل، وتبذل الغالي والنفيس من أجل اعلاء كلمة الله، ولابد أن تعنى مثل تلك القراءة بالبعد الاستراتيجي في تلك الغزوة التي اثبتت ان الرسول عليه الصلاة والسلام كان يتمتع بفكر استراتيجي سبق به أبرز القادة المعاصرين.
وقبل المواجهة مع المشركين، توجه النبي صلى الله عليه وسلم الى الجبهة الداخلية يدعم كيانها، فقد كانت بنود بيعة العقبة الثانية تشير الى ان دفاع الأنصار عن الرسول منحصرا داخل المدينة أما خارج المدينة فالوضع مختلف.
لذا توجه النبي الى أصحابه يستشيرهم ويطلب صراحة موقف الأنصار، فرأى موافقتهم الصريحة على القتال، واقتناعهم بعدالة قضيتهم، فسر بذلك ووعدهم بالنصر، وكان ذلك بمثابة درس آخر من دروس غزوة بدر، مؤداه ان العدالة شرط أساس لكسب المعركة، وقد ذكر الاستاذ محمد حسنين هيكل ان القائد الانجليزي (مونتجمري) الذي هزم روميل الملقب بثعلب الصحراء في حرب العلمين الشهيرة جاء لزيارة العلمين فسأله:
كيف يمكن لقوة أن تنتصر؟ قال له: بالعدالة، فلا بد للجنود ان يقتنعوا بأنهم يحاربون من أجل قضية عادلة.
وكان من عادة العرب في المعارك –كما يذكر د. انور ماجد عشقي- انهم يقفون أمام بعضهم، ثم تبدأ المعركة ما بين كر وفر، اما النبي فاستخدم تكتيكا آخر حيث رص الصحابة في صفوف لتعويض الفرق في ميزان القوى بينه وبين المشركين، «لان الرص بين الصفوف يوفر قوة احتياطية عند القائد يلجأ اليها عند حدوث أي خلل، وهذه القوة يمكن الاستعانة بها لرتق الخلل او الالتفاف على الأعداء».
ومن المظاهر الاستراتيجية الأخرى التي طبقها الرسول عليه الصلاة والسلام في هذه الغزوة ولم تعهدها العرب من قبل هو القدرة على اكتشاف اساليب جديدة في التحكم بسير المعركة من خلال وضعه لمركز القيادة (او ما يعرف الان بغرفة العمليات)، حيث بُني العريش في مكان آمن يشرف منه القائد على المعركة ويسيطر على مجرياتها، وهو ما عمل به القائد صلاح الدين الايوبي في معركة حطين المجيدة، فوفر له عاملا هاما في انتزاع النصر على الصليبيين في تلك المعركة الفاصلة.
كما نجح الرسول عليه الصلاة والسلام في تحييد سلاح الفرسان حين أمر الصحابة ان يبقوا في أماكنهم «فاذا غشيهم المشركون رموهم بالنبال».
الدرس الأكبر من معركة بدر هو انتصار الفئة القليلة على الفئة الكبيرة بإذن الله، «وكم من فئة قليلة غلبت فئة كثيرة باذن الله» –البقرة 249.
ويبقى الدرس الذي ينبغي على الجميع تذكره، وهو ان الأمة انتصرت في جميع معاركها المجيدة التي وقعت غالبيتها في هذا الشهر الكريم عندما طبقت دروس معركة بدر الكبرى.

ابو حسين
09-21-2008, 06:50 AM
جزاك الله خيرا