المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : حكاية الحيوان


نجم سهيل
04-22-2006, 03:00 PM
حكاية حيوان قصة قصيرة تظهر فيها شخصية الحيوانات وهي تتحدث وتقوم بأفعال الادميين ولو انها عادة تحتفظ بقسماتها الحيوانية. وفي هذه الحكايات تكون الحيوانات الشخصيات الرئيسية وتهدف في الاصل الى تفسير حقيقة من الحقائق الطبيعية التي لا يستطيع ان يفهمها الإنسان البدائي مثل مسألة سواد الغراب او خلود الحيات او قصر ذنب حيوان معين... الخ.

والمعروف ان الإنسان والحيوان يشتركان في كل ما يتصل بالزراعة والمواصلات البدائية لذلك كان له دوره الهام في المجتمع الشعبي وهو عامل مؤثر يظهر تأثيره في الحكايات الشعبية ولا يقتصر تأثيره على ما يمكن ان يتم من تعاون بينه وبين الإنسان بل ينسحب هذا التأثير على جعل البطل يخرج من صورته الادمية بطريق السحر الى صورة الحيوان. والمعروف في عالم الحكاية الشعبية ان الحيوان يمكن ان يلعب دورا ايجابيا او سلبيا في حياة الإنسان.

وتهدف حكايات الحيوان الى الوصول الى مغزى تعليمي. ومن ذلك حكاية الاسد المريض الذي عجز عن الصيد وتموين نفسه. فتظاهر انه في الرمق الاخير. وصارت الحيوانات تعوده لتسلم عليه وتطمئن على صحته. وكلما دخل اليه حيوان افترسه. وجاء دور الثعلب ليعود الاسد المريض فدعاه الاسد للدخول. ولكن الثعلب الماكر رفض الدخول لانه رأى اثار اقدام تدخل ولا تخرج. ومن السهل تبين مغزى هذه الحكاية في ان الدخول ايسر من الخروج وان نعرف طريق الخروج قبل ان نجازف بالدخول.

ويقال في حكاية اخرى ان البس (القط) ذهب للحج وادى فريضة الحج وعاد. وقررت جماعة الفئران ان تزوره فأرسلت مندوبا عنها لتستطلع سلوك «الحاج بس» (الحاج قط). وعندما عاد الفأر الرائد سألته الفئران عن سلوك الحاج فقال: «الحاج حج والقمزات العتق هن هن» اي ان القط فعلا ادى فريضة الحج ولكن نواياه هي هي. ومغزى هذه الحكاية واضح. فالذهاب الى الحج لا يستأصل الطبائع الشريرة من انفس الذين يذهبون الى الاماكن المقدسة. وحكاية «الحاج بس» تحاول ان تعلمنا بأسلوب ناقد ان الطبائع المكتسبة بالولادة والميراث لا تغيرها المناسبات العارضه. فقد ذهب البس (القط) للحج وظن شيخ الفئران ان الحاج قد فقد نواياه العدوانية بفضل زيارته للاماكن المقدسة. وعندما ذهب ليسلم عليه لاحظ ان البس على وشك ان يقتله فولى هاربا.

وحكاية طائر الكركي معروفة مع الذئب، فالذئب ابتلع عظمة نشبت في حلقه ورجا الكركي الطيب ان يستخرج العظمة لقاء مكافأة. وفعل الكركي واراح الذئب من ورطته. وعندما طلب الكركي المكافأة قال له الئب: «الا يكفي انك ادخلت رأسك في حلقي واخرجته سالما؟» ومغزى هذه الحكاية يقول ان الذين يصنعون الخير لانهم يرجون المكافأة فحسب يجب الا يدهشهم حين يتعاملون مع الاشرار ان يقابلوا بالسخرية بدلا من الشكر.

وتحاول حكاية الحيوان ان تشرح لنا ظاهرة معروفة ومقررة في حياة الناس مثل تلك العداوة بين الكلب والقط. وسبب محبة الناس للقط. والصورة التي آل اليها الضبع في الذهن البشري ومسألة اخلاص الكلب(92). وتشرح لنا حكاية كيف انتقل الكلب من الحياة البرية الى الحياة المنزلية. تقول الحكاية ان بنات اوى كانت حيوانات اليفة. وحسدت الكلاب تلك الحيوانات وتآمرت على اخراجها الى البرية. وذات يوم وقد كان شيخ الكلاب مريضا رجت الكلاب بنات آوى ان تتبادل المهمات فترة ما حتى يتسنى لشيخ الكلاب وآخرين من المرضى ان يستفيدوا من العناية الطبية. واستجابت بنات آوى للطلب. ودخلت الكلاب الحياة المنزلية ولم تخرج مستغلة قوتها. ولا تزال بنات آوى حتى الان تعوي في البرية: كيفوه (كيف هو؟) وتنبح الكلاب مجيبه: باعده. (ما زال مريضا - اي شيخ الكلاب) ولذلك ستبقى الكلاب في كنف الناس حتى يتم الشفاء(93).



ويقال ان الكلب والقط كانا صديقين حميمين وليسا على عداوة بغيضة كما هي الحال الان تقول الحكاية التي تشرح هذا الموضوع ان الكلب والقط كانا مستثنيين من الاشعال الشاقه: الاول لاخلاصه والثاني لنظافته. وبناء على طلب كليهما (القط والكلب) حصلا على وثيقة مكتوبة تؤكد ذلك الامتياز. وقد اعطيت الوثيقة للكلب ليحتفظ بها ودفنها في مكان امين حيث يدفن العظام التي يحصل عليها. وحسد الحصان والحمار والثور الوضع الذي آل اليه القط والكلب فاستخدموا الفأر ليبحث عن مكان الوثيقة. ووفق الفأر في اكتشاف الوثيقة وتم تمزيقها. ولم يغفر القط للكلب اهماله في اخفاء الوثيقة. وبدأت الكراهية بينهما(94).

ويتمتع القط بمحبة الناس، فهناك حكاية شعبية تقول ان «النبي محمد كان مسافرا واتفق ان جلس للاستراحة في ظل شجيرات ونام. فجاءت افعى لتلدغ النبي وتصدى لها القط وقتلها. وعندما استيقظ النبي ورأى القط سر به وباركه»(95) وتقول حكاية اخرى ان النبي قص طرف ردنه(96) عندما رأى ان قطة جيلة كانت تغفو فوقه حتى لا يزعجها. الا ان القط الاسور الذي يدخل البيوت ويختطف اللحم يتمتع بسمعة سيئة ويقال ان فيه روحات شريرة متخفية في زي قط.

وحول اخلاص الكلب ووفائه لصاحبه تقول احدى الحكايات ان رجلا قتل في مكان ما وظل كلبه في المكان ينبح كلما رأى انسانا. وكان لابد من قتل الكلب حتى يتخلص الناس من اذاه. وبعد ذلك صار الناس يرون شبحين للرجل وكلبه. ولم يختف الشبحان الا بعد ان حفر اخو القتيل بئرا ليستقى منه الماره. وسمى البئر «بير الكلب». وتقول رواية اخرى للحكاية نفسها ان الكلب هو الذي اكتشف جثة صاحبه التي رميت في البئر بعد قتله. ومن الامثال التي تتحدث عن الكلب: «اطعم الكلب ولا تطعم بني آدم» وفي ذلك دلالة على اخلاص الكلب الدائم في حين ان الإنسان قد لا يحفظ الاحسان وقد يرد بالاساءة بخلاف الكلب. ومن ناحية اخرى هناك مثل يعبر عن المركز الوضيع الذي وضع الناس فيه الكلب. يقول المثل: «من قلة الخيل شدوا ع الكلاب».

ونجد في حكايات الحيوان تفسيرا لظاهرة معينة في حيوان معين. ترى لماذا كانت مؤخرة القرد خالية من الشعر وحمراء؟ انها مسألة اثارت خيال الإنسان الفلسطيني فحاول ان يبتكر حكاية شارحة للامر. تقول الحكاية ان امرأة شريرة كانت تحمل ابنها الصغير على ظهرها وتضع على رأسها «باطية الخبز» وتسير في موكب من مواكب الاعراس الشعبية. وفي الطريق بدأ الطفل يبكي. وفهمت المرأة ان الطفل بحاجة للتنظيف. ولما لم تكن تحمل شيئا تنظفه فقد عمدت لتنظيف برغيف الخبز. وفجأة انطلقت عاصفة عاتية احالت المحتفلين في الموكب الى صخور صماء. امنا المرأة فقد استحالت الى «قرقعة»(97). واستحال الطفل المسكين الى قرد. ومن القرقعة والقرد هذين تناسلت كل القراقع وتناسل القرود.

كان الاسد موجودا في فلسطين لعدة قرون اما الفهد فكان نادر الوجود. وقد تقهقر الغطاء النباتي على ارض فلسطين بفعل الاهمال واعتداء الإنسان والحيوان وتقهقر نتيجة لذلك وجود الحيوانات الضارية الكبيرة مثل الاسد والفد. ونحن نلاحظ اليوم ان الناس لا يتداولون حكايات عن مثل هذه الحيوانات في الوقت الحاضر. ولذلك ايضا نرى ان الحكايات التي تتناول الضبع والثعلب والحيوانات الاخرى الاقل قوة سائدة في حين ان الحكايات التي تتناول الاسد ضئيلة او تنبع من نصوص اسطورية. وبمرور الزمن نقل المأثورات الشعبية التي تتحدث عن هذه الحيوانات الاقل قوة نظرا لانها تنزوي في اماكن ضئيلة ومحدودة في الاحراج الكثيفة والقليلة نسبيا.

وهذه واحدة من حكايات الحيوان التي ترصد العلاقة بين الاسنان والحيوان، فالرجل الساذج يشتري علبة من بائع وهو ينادي: يامن يشتري شيئا يضره ولا ينفعه. ويجد الرجل داخل العلبة حية فتهم ان تفتك به ولكنه يستملها حتى يتقاضيا امام الجمل. ولا ينصف الجمل الرجل لانه ينتمي للجنس البشري الذي يحمل الجمال احمالا ثقيلة فوق طاقتها. ويفترح الرجل ان يتقاضيا عند الثور ثم عند الحمار ولكن ايا منهما لا ينصف الرجل لانتمائه للبشر الذي يرهق هذين الحيوانين بالحراثة والحمل الثقيل. ويعاود الرجل الاقتراح بأن يتقاضيا امام الثعلب. ويشير الرجل للثعلب واعدا اياه برشوة هي عبارة عن خمس دجاجات. ويقول الثعلب بأنه لا يصدق ان الافعى كانت في العلبة ويستدرجها حتى تدخل في العلبة ويغلقها ويتركها سجينة. اما الرجل فلا يفي بوعده ويحضر للثعلب جزاء بدل الدجاج تثخن بأبي الحصين الجراح. وينتقم الثعلب من الرجل ذات يوم وهو يراه يتاجر بالبيض والدجاج. وهكذا تسير احداث الحكاية وهي ترصد تلك العلاقة المادية القائمة بين الإنسان والحيوان.

ويتمتع الثعلب بشخصية قوية نافذة في الحكاية الشعبية رغم ضعفه بالنسبة للوحوش الاخرى. وبواسطة مكره وخداعه نراه وقد احتال على الادميين وحصل منهم على ما يريد بالمكر، فقد قابل الثعلب الماكر فلاحة كانت تسير الى المدينة ومعها سلة بها عدد من الدجاج فأسرع يعترض طريقها في مكان بعيد ستمر به واستلقى في الطريق متظاهرا بالموت ولم تلتفت الفلاحة له عندما مرت به، ثم كرر العملية مرتين حتى اعتقدت ان مرضا حل بالثعالب فوضعت سلة الدجاج عند الثعلب وعادت لتسلخ الثعالب الاخرى التي ظنت انها موجودة وراءها ولتستفيد من جلودها. وسرعان ما نهض الثعلب بعد ان ذهبت الفلاحة الغبية وافترس الدجاج(98). وبالحيلة ايضا ينتصر الثعلب ايضا على الحيوانات حتى تلك التي تفوقه حجمها وقدرة وذات مرة تقع الحيوانات في بئر. وبدافع الجوع يأخذ الحيوان الكبير في افتراس الحيوان الصغير. ولا يبقى في البئر سوى الثعلب والذئب. وتحين المعركة الحاسمة التي يتقرر فيها مصير احدهما. ونرى الثعلب وقد اقنع الذئب ان يأكل امعاءه كما يفعل هو. ويقوم الذئب بالمهمة فيموت. ثم يصعد الثعلب في دلو انزله احد الماره.

وقد تمثل الحيوانات ادوار غير ادوار البشر مثل ادوار الجن او الكائنات الخارقة التيى تحقق معجزات يعجز الإنسان عن ادائها. ففي حكاية الحصان نرى كائنا خارقا يتستر في شكل حصان ويستطيع احضار ماء الحياة لشفاء عيني السلطان من العمى. وفي حكاية «خذيها يا عنزة» نجد الجن المستتر في عنزة وقد اختطف امرأة. كما نجد الطير الذي يبيض بيضة يعادل ثمنها ثمن الجوهرة. ودور هذا الطير في الحكاية ينحصر في تحقيق الثراء للحطاب الفقير. كما يصادفنا «طير السعاد» الذي يوكل له الشعب اختيار الملك «ويطلق مثل هذا الطير لينزل على رأس الذي يستحق لقب ملك ويرتضي به الشعب».

وقد ترمز بعض الحيوانات لخير الإنسان ورفاهه، فريشة الحمامة تشفي العيون من العمى. بينما يتمتع كل من الحرذون والافعى والبومة بسمعة سيئة ترمز لجلب الاذى لبني البشر. اما الديك فيرمز للقوة والنباهة والذكاء. وترمز الدجاجة للمرأة المطيعة. وغالبا ما تتمتع اناث الحيوان بسمعة حسنة في حين يرمز الذكور للاذى وعدم الجدوى. وفي «الدبور» «والحرذون» «والبرغوث» امثلة واضحة على ذلك. وينعكس الوجدان الشعبي ازاء هذه الحيوانات بحكاية معددة النسخ تحمل اسماء السحلية والحرذون او الحمامة والجحش... الخ. فالسحلية او الحمامة تحصل على كل ما تطلب من السلطان وتخرج فرحة هانئة بنوالها وتذهب الى الحرذون- او الجحش- فتفاخر بما حصلت عليه من خير عميم. ويسعى الحرذون لسلوك الطريق نفسه فلا يجد غير الصد والاذى. وبذلك تفصح مثل هذه الحكايات عن وجهة النظر الشعبية وتصورها لدور الحيوان في الحياة اليومية.

وترمز الحيوانات ذات القرون الى القوة. من ذلك ما نراه في حكاية «العنزة العنزية» وهذه العنزة رمز للام او الاب الذي يكافح من اجل صغاره، اذا تذهب كل يوم تجمع الغذاء وتعود على ظهرها «بندك (99) حشيش» «وابزازها ملينات عسل»(100). فتطعم صغارها الذين يهبون لاستقبالها بفرحة غامرة. ويعلم الغول وهو هنا رمز للشرير المفترس الذي يعيش على اختلاس مال الناس بغياب العنزة المكافحة فيذهب في غيبتها ويقلد صوت العنزة طالبا من الابناء أن يفتحوا. ورغم تحذيرات الابنة الصغيرة يفتح الباب ويبتلع الغول ابناء العنزة. وتفاجأ العنزة بما حصل فتذهب لتبارز الغول بقرنيها ويهزم الغول في المبارزة لانه صنع قرونا من الطين والعجين. ورغم ان الغول يستطيع ان يهزم العنزة وان يفترسها هي ايضا في دنيا الواقع فاننا نجد العنزة وقد هزمت الغول وبقرب بطنه بقرنيها وانهار قرنا الغول المصنوعين من العجين والطين. وبذلك مواساة لصاحب الحق وتأكيد لمقولة شعبية بأن الحق مآله النصر وان الباطل وان قاتل فانه يقاتل بقرون من طين. وفي المثل الشعبي «فلان يقاتل بقرون من طين» اي يحارب بحجج واهية.

خلف بن عبدالعزيز الثمالي
04-22-2006, 03:11 PM
احسنت اخي الكريم
بارك الله فيك وحياك

النادر
04-22-2006, 04:46 PM
نجم سهيل

كنت اعتقد ان الانسان هو الاذكى لما اكسبه الله من نعمة العقل التي يميز بها بين الخير والسر حتى اتيتنا بهذه القصص والتي غيرت لدي الفكره بما لايدع مجال للشك بان الحيوان ارتقى واضحى معلما ً للانسانيه

كن بخير اخي

النادر

@ بن سلمان @
04-24-2006, 10:21 PM
نجم سهيل
موضوع شيق وجميل
يحمل لمن يصبر حتى يأتي على قراءته كثير من الحكمة

abonayf
04-24-2006, 11:32 PM
يعطيك العافيه نجم سهيل وبارك الله فيك
قرائه رائعه لتاريخ مليئ بقصص تعود بنا الى زمن ولى ولم نعد نجد لها في ادبنا المعاصر من موقع بل اصبحت افلام الكرتون هي الطاغيه وهي القدوه لابنائنا اما من بدء يرى بأنه اكبر من افلام الكرتون فقد انتقل بهم الحال من ( كليله ودمنه ) الى قصص من امثال ( بنات الرياض ) .
تحياتي لك