عظماء الإسلام
10-29-2008, 12:47 PM
اختار لكم (عظماء الإسلام) من شبكة سحاب السلفية
العلاّمةُ الشيخُ عبدُ الرّحمنِ بنُ يحي المعلميّ العُتميّ اليماني رحمه الله [1] ، متكلّمًا عن الأسبابِ الدّافعةِ إلى عدم الإعتراف بالحقّ بعد علمِه و تبيُّنِه ،و عن بواعثِ التّمادي على الباطلِ :
الدّينُ على درجاتٍ : كفٌّ عمّا نهُي عنه، و عملٌ بما أُمر به ، و اعترافٌ بالحقّ ، واعتقادٌ له وعلمٌ به . ومخالفةُ الهوىللحقِّ في الكفّ واضحةٌ ، فإنّ عامَّة ما نهي عنه شهواتٌ و مستلذّاتٌ ، و قد لايشتهي الإنسانُ الشّيءَ مِنْ ذلكَ لذاته ، ولكنّه يشتهيهِ لعارضٍ . و مخالفةُ الهوىللحقّ في العمل واضحةٌ ، لما فيه من الكُلفة و المشقّةِ .
و مخالفةُ الهوى للحقِّ في الإعترافِ بالحقّ منوجوهٍ: [2]
الأوّلُ :أنْ يرى الإنسانُ أنّ اعتراف بالحقّيستلزمُ اعترَافَه بأنّه كان على باطلٍ[3] ، فالإنسان يَنشأُ على دينٍ أو اعتقادٍ أو مذهبٍ أو رأيٍيتلقّاهُ من مربّيهِ ومعلّمهِ على أنّه حقٌّ ، فيكون عليه مدّةً ، ثمّ إذا تبيّن لهأنّه باطلٌ شقَّ عليه أن يعترفَ بذلكَ ، وهكذا إذا كان آباؤه أو أجداده أو متبوعُهعلى شيءٍ ، ثمّ تبيّن له بطلانُه ، و ذلكأنه يرى أنّ نقصَهممستلزمٌ لنَقصِه، فاعترافُه بضلالهم أو خطأِهم إعترافٌ بنقصه ، حتى أنّكلترى المرأةَ في زماننا هذا إذا وقفتْ على بعض المسائلِ التي كان فيها خلافٌ بينأمّ المؤمنين عائشةَ و غيرِها منَ الصّحابة ، أخذتْ تحامي عن قولِ عائشةَ ، لالشيءٍ ، إلا لأنّ عائشَةَ امرأةٌ مثلُها ، فتتوهّمُ أنّها إذا زعمت أنّ عائشةأصابتْ و أنّ مَنْ خالفها من الرّجالِ أخطأوا ، كان في ذلك إثباتُ فضيلة لعائشة علىأولئك الرّجال ، فتكون تلك الفضيلةُ فضيلةً للنّساء على الرّجال مطلقًا ، فينالهاحظٌّ من ذلك ،و بهذا يلوحُ لك سرُّ تعصّبِالعربي للعربي، و الفارسي للفارسي ، و التركي للتركي ، وغيرذلك .حتى لقد يتعصّبُ الأعمى في عصرنا هذا للمَعَرّي ! .
الوجهُ الثّاني :أنْ يكونَ قدْ صارَلهُ في الباطلِ جاهٌ و شهرةٌ و معيشةٌ ، فيشقُّ عليه أن يَعترفَ بأنّه باطلٌ فتذهبُتلك الفوائدُ .
الوجه الثالثُ :الكِبْرُ، يكونُ الإنسان على جهالةٍ أو باطلٍ ، فيجيءُ آخَرُفيبيّنُ له الحُجّةَ ،فيرى أنّه إن اعترف كان معنى ذلكاعترافُه بأنّه ناقصٌ، و أنّ ذلك الرّجلَ هو الذي هداهُ ، ولهذا ترىمن المنتسبينَ إلى العلم من لا يشقُّ عليه الإعترافُ بالخطأ إذا كانالحقُّ تبيّنَ له ببحثه و نظره ، و يشقُّ عليه ذلك إذا كان غيرُه هو الذي بيّنَ له .
الوجهُ الرابعُ :الحسدُ، وذلك إذا كان غيرُه هو الذي بيّن الحقَّ فيرى أنّ اعترافَه بذلك الحقِّ يكوناعترافًا لذلك المُبيِّنِ بالفضل و العلم و الإصابةِ ، فيَعْظُم ذاك في عيون النّاس، ولعلّه يتبَعه كثيرٌ منهم ، و إنّ لتجدُ[4]منَ المنتسبينَ إلى العلم من يحرصُ على تخطئةِ غيره من العلماءِ و لوبالباطل ، حسدًا منه لهم ، ومحاولةً لحطِّ منزلتهم عندَ النّاس
قالرحمهُ اللهُ :
و مخالفةُ الهوى للحقِّقد تكونُلمشقَّةِ تحصيلهِ، فإنّهُ يحتاجُ إلى البحثِ و النّظرِ ، وفي ذلك مشقّةٌ ، و يحتاجُ إلى سؤالِ العلماءِ و الاستفادةِ منهم و في ذلك ما مرَّفي الاعتراف ، و يحتاج إلى لزومِ التّقوى طلباً للتّوفيقِ و الهدى و في ذلك ما فيهِمنَ المشقّةِ .
وقد تكونُلكراهيةِ العلمِ و الاعتقاد نفسهِو ذلك منوجهات[5]، الأوّلُ ما تقدّمَ في الاعترافِ ، فإنّه كمايشقُّ على الإنسان أن يعترفَ ببعض ما قد تبيَّنَ له ، فكذلك يشقّ عليه أن يَتبيّنَله ،فيشقُّ عليهِ أن يتبيّنَ بطلانَ دينه ، أو اعتقادِه ، أومذهبِه ، أو رأيِه الذي نشأ عليه ؛ و اعتزَّ به و دعا إليه ، و ذبَّ عنه ، أوبطلانَ ما كان عليه آباؤُه و أجدادُه و أشياخُه ، ولا سيما عندما يلاحِظُ أنّه إنتبيّنَ له ذلك تبيّن أنّ الذين كان يُطريهم و يُعظِّمُهم ، ويُثني عليهم بأنهّمأهلُ الحقِّ و الإيمانِ و الهدى و العلم و التّحقيقِ ، هم على خلافِ ذلك ، و أنّالذين يحَقرُهم و يذمُّهم و يسخَرُ منهم و ينسبُهم إلى الجهلِ و الضّلالِ و الكفرِهم المحقّونَ[6]، و حسبُك ما قصّهُ اللهُ عزّ وجلّ من قول المشركينَ ، قال تعالى : { وَ إِذْ قَالُوااللّهُمَّ إنْ كَانَ هَذَا هُوَ الحَقَّ مِنْ عِنْدِكَ فَأَمْطِرْ عَلَيْنَاحِجَارَةً مِنَ السَّمَاءِ أَوِ ائْتِنَا بَعَذَابِ أَلِيمٍ } [ الأنفال : 32 ] . فتجدُ ذَا الهوى كلّما عُرضَ عليه دليلٌ لمخالفيه أو ما يوهنُ دليلاًلأصحابهِ ، شقَّ عليه ذلك واضطربَ و اغتاظَ و سارع إلىالشّغَبِ، فيقول في دليل مخالفيه : هذه شبهةٌ باطلةٌ مخالفةٌللتقطيعات [7]، و هذا المذهبُ مذهبٌ باطلٌ لم يذهبْ إليهإلاّ أهلُ الزيغ و الضّلال ... ، و يؤكّدُ ذلك بالثّناءِ على مذهبه و أشياخِهويُعدّدُ المشاهيرَ منهم ويُطريهم بالألفاظ الفخمةِ ، و الألفاظ الضّخمة ، و يَذكُرما قيل في مناقبِهم و مثالبِ مخالفيهم ، و إن كان يعلمُ أنّه لا يصحُّ ، أو أنّهباطلٌ !
و منأوضحِ الأدلّة على غلبةِ الهوى على النّاس أنهم - كما تراهم - على أديانٍ مختلفة ،ومقالاتٍ متباينةٍ ، ومذاهبَ متفرّقةٍ ، وآراء متدافعةٍ ، ثمّ تراهم كما قال اللهتبارك و تعالى: (كُلُّ حِزْبٍ بِمَا لَدَيْهِمْفَرِحُونَ ( الرّوم 32 ]
فلا تجدُ من ينشأُ على شيءٍ من ذلك و يثبتُعليه ؛يرجعُ عنه إلاّ القليل، و هؤلاء القليل يكثر أنيكون أوّلَ ما بعثهم على الخروج عمّا كانوا عليه أغراضٌ دنيويةٌ (8)
و من جهاتِ الهوى أن يتعلّقَ الاعتقادُ بعذاب الآخرةفتجدُالإنسان يهوى أن لا يكون بعثٌ لئلاَّ يؤخذَ بذنوبه ، فإن علِمَ أنّه لا بدّ منالبعثِ هَوِيَ أن لا يكون هناك عذابٌ ، فإن علم أنّه لا بدّ من العذاب هَوِيَ أن لايكون على مثله عذاب كما هو قولُ المرجئةِ ، فإن علم أنّ العُصاةَ معذّبونَ هَوِيَالتوسّعَ في الشّفاعة ، وهكذا .
و من الجهاتِ أنّه إذاشقّ عليه عملٌكالأمر بالمعروف و النّهيِ عنِ المنكر ،هوي عدمَ وجوبِه، و إذا ما ابتُليَ بشيءٍ يشقُّ عليه أنيتركَهُ كشُرب المُسْكِرِ هوي عدمَ حُرمَتِه . و كما يهوى ما يخفّ عليه فكذلك يهوىما يخفّ على من يميلُ إليه ، و ما يشتدُّ على من يكرهه ، فتجد القاضيَ و المفتِيَهذا حالهُما . ومنَ المنتسبين إلى العلمِ من يهوى ما يُعجبالأغنياءَ و أهلَ الدّنيا ، أو ما يعجب العامّة ليكون له جاهٌ عندهم و تُقبِلَ عليهالدنيا ، فما ظهرت بدعةٌ ، و هَوِيَها الرّؤساءُ و الأغنياءُ و أتباعهم إلاهَوِيَها و انتصرَ لها جمعٌ من المنتسبين إلى العلم ، ولعلّ كثيرًا ممّن يخالفهاإنّما الباعثُ لهم على مخالفتها هوى آخرُ وافق الحقَّ ، فأمّا من لا يكون له هوىإلا اتّباعُ الحقّ فقليلٌ ، و لا سيما في الأزمنة المتأخّرة، وهؤلاء القليليقتصرونَ على أضعفِ الإيمان ، و هو الإنكارُ بقلوبهم و المسارَّةُ به فيمابينهم ،إلا منْ شاء اللهُ . )) انتهى ما أردتُ نقلَه من كلامهِ رحمه الله . من الصّفحة 12إلى الصفحة 15 .
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ـــــــ
]1 : في كتابه : " القائدُ إلى تصحيحِالعقائدِ " [ بتحقيق الشيخ الألباني رحمه الله و نشر المكتب الإسلامي ، ط 3 ، 1404 ]
[2] : أي : عدم اعتراف صاحب الهوى بالحقّ يكون من أسباب . [ أبو حاتم ]
[3] : كذا فيالأصل ، ولعلّ الصوّاب : أن يرى الإنسان أنّ اعترافه بالحقّ ... [ أبو حاتم ]
[4] : كذا ، والصّواب : و إنّك لتجد ... [ أبو حاتم ] .
[5] : كذا هي الكلمة في الأصل .
[6] : ما أحسنما قال عليٌّ رضي الله عنه لابن الكوّاءِ : هل تدري ما قال الأوّلُ ؟ (( أحببْحبيبَك هونًا ما ، عسى أن يكون بغيضَك يومًا ما ، وأبغضْ بغيضك هونًا ما ، عسى أنيكون حبيبَك يوما ما )) . [ رواه الإمامُ البخاري في الأدب المفرد ، قال العلّامةالألباني : حسن لغيره موقوفا ، وقد صحّ مرفوعا ، ( صحيح الأدب المفرد ً 360 ) ] .
[7] : لعلّها : القطعيات ، و الله أعلم .
[8] : اللهمّ سلّم سلّم .
الهوامش كلّها منّي [ أبو حاتم ] .
العلاّمةُ الشيخُ عبدُ الرّحمنِ بنُ يحي المعلميّ العُتميّ اليماني رحمه الله [1] ، متكلّمًا عن الأسبابِ الدّافعةِ إلى عدم الإعتراف بالحقّ بعد علمِه و تبيُّنِه ،و عن بواعثِ التّمادي على الباطلِ :
الدّينُ على درجاتٍ : كفٌّ عمّا نهُي عنه، و عملٌ بما أُمر به ، و اعترافٌ بالحقّ ، واعتقادٌ له وعلمٌ به . ومخالفةُ الهوىللحقِّ في الكفّ واضحةٌ ، فإنّ عامَّة ما نهي عنه شهواتٌ و مستلذّاتٌ ، و قد لايشتهي الإنسانُ الشّيءَ مِنْ ذلكَ لذاته ، ولكنّه يشتهيهِ لعارضٍ . و مخالفةُ الهوىللحقّ في العمل واضحةٌ ، لما فيه من الكُلفة و المشقّةِ .
و مخالفةُ الهوى للحقِّ في الإعترافِ بالحقّ منوجوهٍ: [2]
الأوّلُ :أنْ يرى الإنسانُ أنّ اعتراف بالحقّيستلزمُ اعترَافَه بأنّه كان على باطلٍ[3] ، فالإنسان يَنشأُ على دينٍ أو اعتقادٍ أو مذهبٍ أو رأيٍيتلقّاهُ من مربّيهِ ومعلّمهِ على أنّه حقٌّ ، فيكون عليه مدّةً ، ثمّ إذا تبيّن لهأنّه باطلٌ شقَّ عليه أن يعترفَ بذلكَ ، وهكذا إذا كان آباؤه أو أجداده أو متبوعُهعلى شيءٍ ، ثمّ تبيّن له بطلانُه ، و ذلكأنه يرى أنّ نقصَهممستلزمٌ لنَقصِه، فاعترافُه بضلالهم أو خطأِهم إعترافٌ بنقصه ، حتى أنّكلترى المرأةَ في زماننا هذا إذا وقفتْ على بعض المسائلِ التي كان فيها خلافٌ بينأمّ المؤمنين عائشةَ و غيرِها منَ الصّحابة ، أخذتْ تحامي عن قولِ عائشةَ ، لالشيءٍ ، إلا لأنّ عائشَةَ امرأةٌ مثلُها ، فتتوهّمُ أنّها إذا زعمت أنّ عائشةأصابتْ و أنّ مَنْ خالفها من الرّجالِ أخطأوا ، كان في ذلك إثباتُ فضيلة لعائشة علىأولئك الرّجال ، فتكون تلك الفضيلةُ فضيلةً للنّساء على الرّجال مطلقًا ، فينالهاحظٌّ من ذلك ،و بهذا يلوحُ لك سرُّ تعصّبِالعربي للعربي، و الفارسي للفارسي ، و التركي للتركي ، وغيرذلك .حتى لقد يتعصّبُ الأعمى في عصرنا هذا للمَعَرّي ! .
الوجهُ الثّاني :أنْ يكونَ قدْ صارَلهُ في الباطلِ جاهٌ و شهرةٌ و معيشةٌ ، فيشقُّ عليه أن يَعترفَ بأنّه باطلٌ فتذهبُتلك الفوائدُ .
الوجه الثالثُ :الكِبْرُ، يكونُ الإنسان على جهالةٍ أو باطلٍ ، فيجيءُ آخَرُفيبيّنُ له الحُجّةَ ،فيرى أنّه إن اعترف كان معنى ذلكاعترافُه بأنّه ناقصٌ، و أنّ ذلك الرّجلَ هو الذي هداهُ ، ولهذا ترىمن المنتسبينَ إلى العلم من لا يشقُّ عليه الإعترافُ بالخطأ إذا كانالحقُّ تبيّنَ له ببحثه و نظره ، و يشقُّ عليه ذلك إذا كان غيرُه هو الذي بيّنَ له .
الوجهُ الرابعُ :الحسدُ، وذلك إذا كان غيرُه هو الذي بيّن الحقَّ فيرى أنّ اعترافَه بذلك الحقِّ يكوناعترافًا لذلك المُبيِّنِ بالفضل و العلم و الإصابةِ ، فيَعْظُم ذاك في عيون النّاس، ولعلّه يتبَعه كثيرٌ منهم ، و إنّ لتجدُ[4]منَ المنتسبينَ إلى العلم من يحرصُ على تخطئةِ غيره من العلماءِ و لوبالباطل ، حسدًا منه لهم ، ومحاولةً لحطِّ منزلتهم عندَ النّاس
قالرحمهُ اللهُ :
و مخالفةُ الهوى للحقِّقد تكونُلمشقَّةِ تحصيلهِ، فإنّهُ يحتاجُ إلى البحثِ و النّظرِ ، وفي ذلك مشقّةٌ ، و يحتاجُ إلى سؤالِ العلماءِ و الاستفادةِ منهم و في ذلك ما مرَّفي الاعتراف ، و يحتاج إلى لزومِ التّقوى طلباً للتّوفيقِ و الهدى و في ذلك ما فيهِمنَ المشقّةِ .
وقد تكونُلكراهيةِ العلمِ و الاعتقاد نفسهِو ذلك منوجهات[5]، الأوّلُ ما تقدّمَ في الاعترافِ ، فإنّه كمايشقُّ على الإنسان أن يعترفَ ببعض ما قد تبيَّنَ له ، فكذلك يشقّ عليه أن يَتبيّنَله ،فيشقُّ عليهِ أن يتبيّنَ بطلانَ دينه ، أو اعتقادِه ، أومذهبِه ، أو رأيِه الذي نشأ عليه ؛ و اعتزَّ به و دعا إليه ، و ذبَّ عنه ، أوبطلانَ ما كان عليه آباؤُه و أجدادُه و أشياخُه ، ولا سيما عندما يلاحِظُ أنّه إنتبيّنَ له ذلك تبيّن أنّ الذين كان يُطريهم و يُعظِّمُهم ، ويُثني عليهم بأنهّمأهلُ الحقِّ و الإيمانِ و الهدى و العلم و التّحقيقِ ، هم على خلافِ ذلك ، و أنّالذين يحَقرُهم و يذمُّهم و يسخَرُ منهم و ينسبُهم إلى الجهلِ و الضّلالِ و الكفرِهم المحقّونَ[6]، و حسبُك ما قصّهُ اللهُ عزّ وجلّ من قول المشركينَ ، قال تعالى : { وَ إِذْ قَالُوااللّهُمَّ إنْ كَانَ هَذَا هُوَ الحَقَّ مِنْ عِنْدِكَ فَأَمْطِرْ عَلَيْنَاحِجَارَةً مِنَ السَّمَاءِ أَوِ ائْتِنَا بَعَذَابِ أَلِيمٍ } [ الأنفال : 32 ] . فتجدُ ذَا الهوى كلّما عُرضَ عليه دليلٌ لمخالفيه أو ما يوهنُ دليلاًلأصحابهِ ، شقَّ عليه ذلك واضطربَ و اغتاظَ و سارع إلىالشّغَبِ، فيقول في دليل مخالفيه : هذه شبهةٌ باطلةٌ مخالفةٌللتقطيعات [7]، و هذا المذهبُ مذهبٌ باطلٌ لم يذهبْ إليهإلاّ أهلُ الزيغ و الضّلال ... ، و يؤكّدُ ذلك بالثّناءِ على مذهبه و أشياخِهويُعدّدُ المشاهيرَ منهم ويُطريهم بالألفاظ الفخمةِ ، و الألفاظ الضّخمة ، و يَذكُرما قيل في مناقبِهم و مثالبِ مخالفيهم ، و إن كان يعلمُ أنّه لا يصحُّ ، أو أنّهباطلٌ !
و منأوضحِ الأدلّة على غلبةِ الهوى على النّاس أنهم - كما تراهم - على أديانٍ مختلفة ،ومقالاتٍ متباينةٍ ، ومذاهبَ متفرّقةٍ ، وآراء متدافعةٍ ، ثمّ تراهم كما قال اللهتبارك و تعالى: (كُلُّ حِزْبٍ بِمَا لَدَيْهِمْفَرِحُونَ ( الرّوم 32 ]
فلا تجدُ من ينشأُ على شيءٍ من ذلك و يثبتُعليه ؛يرجعُ عنه إلاّ القليل، و هؤلاء القليل يكثر أنيكون أوّلَ ما بعثهم على الخروج عمّا كانوا عليه أغراضٌ دنيويةٌ (8)
و من جهاتِ الهوى أن يتعلّقَ الاعتقادُ بعذاب الآخرةفتجدُالإنسان يهوى أن لا يكون بعثٌ لئلاَّ يؤخذَ بذنوبه ، فإن علِمَ أنّه لا بدّ منالبعثِ هَوِيَ أن لا يكون هناك عذابٌ ، فإن علم أنّه لا بدّ من العذاب هَوِيَ أن لايكون على مثله عذاب كما هو قولُ المرجئةِ ، فإن علم أنّ العُصاةَ معذّبونَ هَوِيَالتوسّعَ في الشّفاعة ، وهكذا .
و من الجهاتِ أنّه إذاشقّ عليه عملٌكالأمر بالمعروف و النّهيِ عنِ المنكر ،هوي عدمَ وجوبِه، و إذا ما ابتُليَ بشيءٍ يشقُّ عليه أنيتركَهُ كشُرب المُسْكِرِ هوي عدمَ حُرمَتِه . و كما يهوى ما يخفّ عليه فكذلك يهوىما يخفّ على من يميلُ إليه ، و ما يشتدُّ على من يكرهه ، فتجد القاضيَ و المفتِيَهذا حالهُما . ومنَ المنتسبين إلى العلمِ من يهوى ما يُعجبالأغنياءَ و أهلَ الدّنيا ، أو ما يعجب العامّة ليكون له جاهٌ عندهم و تُقبِلَ عليهالدنيا ، فما ظهرت بدعةٌ ، و هَوِيَها الرّؤساءُ و الأغنياءُ و أتباعهم إلاهَوِيَها و انتصرَ لها جمعٌ من المنتسبين إلى العلم ، ولعلّ كثيرًا ممّن يخالفهاإنّما الباعثُ لهم على مخالفتها هوى آخرُ وافق الحقَّ ، فأمّا من لا يكون له هوىإلا اتّباعُ الحقّ فقليلٌ ، و لا سيما في الأزمنة المتأخّرة، وهؤلاء القليليقتصرونَ على أضعفِ الإيمان ، و هو الإنكارُ بقلوبهم و المسارَّةُ به فيمابينهم ،إلا منْ شاء اللهُ . )) انتهى ما أردتُ نقلَه من كلامهِ رحمه الله . من الصّفحة 12إلى الصفحة 15 .
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ـــــــ
]1 : في كتابه : " القائدُ إلى تصحيحِالعقائدِ " [ بتحقيق الشيخ الألباني رحمه الله و نشر المكتب الإسلامي ، ط 3 ، 1404 ]
[2] : أي : عدم اعتراف صاحب الهوى بالحقّ يكون من أسباب . [ أبو حاتم ]
[3] : كذا فيالأصل ، ولعلّ الصوّاب : أن يرى الإنسان أنّ اعترافه بالحقّ ... [ أبو حاتم ]
[4] : كذا ، والصّواب : و إنّك لتجد ... [ أبو حاتم ] .
[5] : كذا هي الكلمة في الأصل .
[6] : ما أحسنما قال عليٌّ رضي الله عنه لابن الكوّاءِ : هل تدري ما قال الأوّلُ ؟ (( أحببْحبيبَك هونًا ما ، عسى أن يكون بغيضَك يومًا ما ، وأبغضْ بغيضك هونًا ما ، عسى أنيكون حبيبَك يوما ما )) . [ رواه الإمامُ البخاري في الأدب المفرد ، قال العلّامةالألباني : حسن لغيره موقوفا ، وقد صحّ مرفوعا ، ( صحيح الأدب المفرد ً 360 ) ] .
[7] : لعلّها : القطعيات ، و الله أعلم .
[8] : اللهمّ سلّم سلّم .
الهوامش كلّها منّي [ أبو حاتم ] .