المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : مسألة ضل فيها بعض شباب اليوم [ فاحذر ]!!!


خبرصحيح
10-31-2008, 05:17 PM
مسألة ضل فيها بعض شباب اليوم [ فاحذر ] !!!
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين ... أما بعد :-
فلقد علم الكثير منا ما وقع فيه كثير من الشباب في هذا الزمان من تنفير وتكفير ومن ثم التفجير في بلاد الحرمين المملكة العربية السعودية وكل ذلك كان بسبب رموز وكتب غيرت أفكارهم وانحرفت بهم على غير منهج النبوة حتى ظنوا أن الباطل حق وأن الحق باطل فأخذوا يدرُسُون هذه الكتب على تلك الرموز المنحرفة ومن ضمن ما يدرسونه مسائل مهمة تكلم فيها علماء السلف ولكن فسرها لهم رموزهم على غير منهج السلف مما أوقعهم فيما نراه اليوم من مراحل بدأت وانتهت كما تشاهدون في هذه البلد المبارك بلد التوحيد – المملكة العربية السعودية – وهذه المراحل هي تنفير فتكفير فتفجير .
ومن المسائل التي استخدمت ووجهت إلى تكفير حكام المملكة العربية السعودية هي مسألة ( الحكم بغير ما أنزل الله ) وهي مسألة عظيمة من لم يفهمها على وفق ما جاء به الكتاب والسنة على فهم سلف الأمة فإنه سينحرف تدريجياً حتى يقع فيما وقع فيه القوم – نسأل الله العافية والسلامة -.
وسأنقل لك أخي المبارك قواعد لابد من معرفتها في ذلك ومن ثم نستعرض الكلام في الأدلة الواردة والموجهة من قبل التكفيريين والرد عليها حتى نخرج بما يرضي الله سبحانه وتعالى في ذلك – وبالله التوفيق - ... أخوكم : خبرصحيح

القاعدة الأولى
الحكم بما أنزل الله فرض عين على كل مسلم
" وتتضمن ستة أصول "
الأصل الأول :
وجوب الحكم بشرع الله تبارك وتعالى :
قال تعالى : (وَأَنِ احْكُم بَيْنَهُم بِمَا أَنزَلَ اللّهُ وَلاَ تَتَّبِعْ أَهْوَاءهُمْ وَاحْذَرْهُمْ أَن يَفْتِنُوكَ عَن بَعْضِ مَا أَنزَلَ اللّهُ إِلَيْكَ فَإِن تَوَلَّوْاْ فَاعْلَمْ أَنَّمَا يُرِيدُ اللّهُ أَن يُصِيبَهُم بِبَعْضِ ذُنُوبِهِمْ وَإِنَّ كَثِيراً مِّنَ النَّاسِ لَفَاسِقُونَ ) [المائدة : 49].

الأصل الثاني :
وجوب التحاكم لشرع الله تبارك وتعالى مع الرضا والتسليم لحكمه :
قال تعالى : ( فَلاَ وَرَبِّكَ لاَ يُؤْمِنُونَ حَتَّىَ يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لاَ يَجِدُواْ فِي أَنفُسِهِمْ حَرَجاً مِّمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُواْ تَسْلِيماً ) [النساء : 65].

الأصل الثالث : الوعيد على من لم يحكم بشرع الله تبارك وتعالى :
قال تعالى : (وَمَن لَّمْ يَحْكُم بِمَا أَنزَلَ اللّهُ فَأُوْلَـئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ ) [المائدة : 44]
وقال تعالى : (وَمَن لَّمْ يَحْكُم بِمَا أنزَلَ اللّهُ فَأُوْلَـئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ ) [المائدة : 45]
وقال تعالى : (وَمَن لَّمْ يَحْكُم بِمَا أَنزَلَ اللّهُ فَأُوْلَـئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ ) [المائدة : 47] .

الأصل الرابع :الحذر من مخالفة أمر الله تبارك وتعالى ورسوله – صلى الله عليه وسلم - :
قال تعالى : (فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَن تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ ) [النور : 63] .

الأصل الخامس :
حكم الله تبارك وتعالى أحسن الأحكام :
قال تعالى : (أَفَحُكْمَ الْجَاهِلِيَّةِ يَبْغُونَ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللّهِ حُكْماً لِّقَوْمٍ يُوقِنُونَ ) [المائدة : 50] .

الأصل السادس :الوحي روحٌ ، ونور:
قال تعالى : (وَكَذَلِكَ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ رُوحاً مِّنْ أَمْرِنَا مَا كُنتَ تَدْرِي مَا الْكِتَابُ وَلَا الْإِيمَانُ وَلَكِن جَعَلْنَاهُ نُوراً نَّهْدِي بِهِ مَنْ نَّشَاء مِنْ عِبَادِنَا وَإِنَّكَ لَتَهْدِي إِلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ ) [الشورى : 52]

أقول : ( المؤلف ) :
فهو روح لأنه بمثابة الروح الذي تحيا بها الجسد ، فبالوحي تحيا القلوب ، وتنتظم مصالح الناس في الدين والدنيا . وهو نور يستضاء به ويلجأ إليه من ظلمات الرأي والهوى .

القاعدة الثانية
" وقوع المرء في شئ من المكفرات لا يلزم منه كفره "
وذلك أن تكفير المعين مشروط بإقامة الحجة عليه
قال شيخ الإسلام ابن تيمية – رحمه الله – ( فتاواه 12/466 ):
" وليس لأحد أن يكفر أحداً من المسلمين وإن أخطأ وغلط ؛ حتى : تقام عليه الحجة ، وتبين له المحجة . ومن ثبت إسلامه بيقين لم يزل ذلك عنه بالشك ؛ بل لا يزول إلا بعد إقامة الحجة ، وإزالة الشبهة " انتهى .

القاعدة الثالثة
" كفر الحاكم لا يلزم منه جواز الخروج عليه "
وذلك أن لجواز الخروج على الحاكم خمسة شروط :
الشرط الأول : وقوعه في الكفر البواح الذي عندنا من الله فيه برهان .
الشرط الثاني : إقامة الحجة عليه .
الشرط الثالث : القدرة على إزالته .
الشرط الرابع : القدرة على تنصيب مسلم مكانه .
الشرط الخامس : ألا يترتب على هذا الخروج مفسدة على المسلمين أعظم من مفسدة بقائه .
قال شيخ الإسلام ابن تيمية – رحمه الله ( الصارم المسلول 2/413 ):
" فمن كان من المؤمنين بأرض هو فيها مستضعف ، أو في وقت هو فيه مستضعف ؛ فليعمل بآية الصبر والصفح عمن يؤذي الله ورسوله من الذين أوتوا الكتاب والمشركين . وأما أهل القوة فإنما يعملون بآية قتال أئمة الكفر الذين يطعنون في الدين ، وبآية قتال الذين أوتوا الكتاب حتى يعطوا الجزية عن يدٍ وهم صاغرون " انتهى .
وقال الإمام ابن باز – رحمه الله – ( فتاواه 8/203 ):
" فلا بأس أن يخرجوا على هذا السلطان لإزالته إذا كان عندهم قدرة ، أما إذا لم يكن عندهم قدرة : فلا يخرجوا . أو كان الخروج يسبب شراً أكثر : فليس لهم الخروج رعاية للمصالح العامة . والقاعدة الشرعية المجمع عليها أنه ( لا يجوز إزالة الشر بما هو أشر منه ) بل يجب درء الشر بما يزيله أو يخففه . أما درء الشر بشر أكثر فلا يجوز بإجماع المسلمين فإذا كانت هذه الطائفة – التي تريد إزالة هذا السلطان الذي فعل كفراً بواحاً – عندها قدرة تزيله بها وتضع إماماً صالحاً طيباً من دون أن يترتب على هذا فساد كبير على المسلمين وشر أعظم من شر هذا السلطان : فلا بأس أما إذا كان الخروج يترتب عليه فساد كبير واختلال الأمن وظلم الناس واغتيال من لا يستحق الاغتيال إلى غير هذا من الفساد العظيم : فهذا لا يجوز " انتهى .
وقال الإمام ابن عثيمين – رحمه الله – عن الخروج على الحاكم الكافر ( الباب المفتوح 3/126 لقاء 51 سؤال 1222) :
" إن كنا قادرين على إزالته : فحينئذ نخرج وإذا كنا غير قادرين فلا نخرج لأن جميع الواجبات الشرعية مشروطة بالقدرة والاستطاعة ثم إذا خرجنا فقد يترتب على خروجنا مفسدة أكبر وأعظم مما لو بقي هذا الرجل على ما هو عليه لأننا خرجنا ( المعنى : لأننا لو خرجنا ) ثم ظهرت العزة له صرنا أذلة أكثر وتمادى في طغيانه وكفره أكثر فهذه المسائل تحتاج إلى : تعقل وأن يقترن الشرع بالعقل وأن تبعد العاطفة في هذه الأمور فنحن محتاجون للعاطفة لأجل تحمسنا ومحتاجون للعقل والشرع حتى لا ننساق وراء العاطفة التي تؤدي إلى الهلاك " انتهى .
قال المؤلف : وعليه : فما قرره أهل العلم من الكفر الأكبر ، ووقع فيه الحاكم فإنه لا يلزم منه جواز الخروج عليه ولو أقيمت عليه الحجة بل لا بد من النظر للشروط الأخرى المبيحة للخروج .

القاعدة الرابعة
" الأصل في الأعمال عدم التكفير ، والتكفير طارئ على هذا الأصل ناقل عنه "
وهذا يعني :
أن جميع الأعمال غير مكفرة ، إلا ما دل الدليل على التكفير به .
وتتفرع من هذه القاعدة مسألتان :
المسألة الأولى :
أن من أراد نقل عمل ما ، من أصله ( = عدم الكفر ) إلى خلاف أصله ( = الكفر ) فيلزمه الدليل . فإن لم يأت بدليل فلا عبرة بما قال .
المسألة الثانية :أن من أراد عدم التكفير بعمل ما فيكفيه الاستدلال بالأصل وعدم وجود ما ينقل من ذلك الأصل .
قال الحافظ ابن عبدالبر – رحمه الله – مستدلاً على هذه المسألة بالنظر الصحيح ( التمهيد 16/315):
" ومن جهة النظر الصحيح الذي لا مدفع له : أن كل من ثبت له عقد الإسلام في وقت بإجماع من المسلمين ثم أذنب ذنباً أو تأويلاً فاختلفوا بعد في خروجه من الإسلام لم يكن لاختلافهم بعد إجماعهم معنى يوجب حجة ولا يخرج من الإسلام المتفق عليه إلا باتفاق آخر أو سنة ثابتة لا معارض لها " انتهى .
أقول : ( المؤلف ) :
واعتبر في هذه القاعدة بما قرره أهل العلم في نواقض الوضوء – على سبيل المثال – فإن أحداً منهم لا يجرؤ على نقض وضوء صحيح إلا بدليل ولو قال أحد ما في شئ من نواقض الوضوء برأيه من دونما دليل فإنهم لا يقبلون قوله .
قال الإمام ابن المنذر – رحمه الله – ( الأوسط 1/230):
" إذا تطهر الرجل فهو على طهارته إلا أن تدل حجة على نقض طهارته " انتهى .
وقال – رحمه الله – ( الأوسط 1/174):
" وليس مع من أوجب الوضوء من ذلك حجة من حيث ذكرنا بل قد أجمع أهل العلم على أن من تطهر : طاهر وقد اختلفوا في نقض طهارته بعد حدوث الرعاف والحجامة ... فقالت طائفة : انتقضت طهارته وقال آخرون : لم تنقض . قال : فغير جائز أن تنقض طهارة مجمع عليها إلا بإجماع مثله أو خبر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم لا معارض له" انتهى .
ثم أقول : ( المؤلف ) :
فإن توقف علماء الإسلام عن قبول القول بنقض عبادة الوضوء إلا إن جاء قائله بدليل فإن نقض الإسلام أولى بهذا التوقف وذلك أن إبطال إسلام المرء أبلغ من إبطال وضوئه . فاحفظ هذا فإنه مهم .
وعليه :
فإن الأصل في مسألة الحكم بغير ما أنزل الله أنها غير مكفرة تبعاً للأصل في جميع الأفعال . فمن كفر بأي صورة من صور المسألة فيلزمه الدليل وإلا فلا عبرة بما قال .

القاعدة الخامسة
" مسألة الحكم بغير ما أنزل الله لا تختص بأحد دون أحد "
فلا تختص بالقاضي ولا الأمير ولا الحاكم الأعلى بل تشمل كل من حكم بين اثنين كالمعلم بين طلابه والأب بين أولاده وهكذا .
قال شيخ الإسلام ابن تيمية – رحمه الله – ( فتاواه 18/170 ):
" وكل من حكم بين اثنين فهو قاض سواء كان صاحب حرب أو متولي ديوان أو منتصباً للاحتساب بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر حتى الذي يحكم بين الصبيان في الخطوط فإن الصحابة كانوا يعدونه من الحكام " انتهى .
وعليه :
فالحكم في حق الأمير وغير الأمير على السواء ومن قال بالتكفير في أي صورة من صور هذه المسألة لزمه أن يكفر كل من وقع في تلك الصورة أميراً كان أو غير أمير .

القاعدة السادسة
" الإجمال سبب في كثير من الإشكالات والواجب التفصيل في المسائل التي فصلت الأدلة فيها "
قال شيخ الإسلام ابن تيمية – رحمه الله – ( منهاج السنة 2/217):
" وأما الألفاظ المجملة فالكلام فيها بالنفي والإثبات دون الاستفصال يوقع في الجهل والضلال والفتن والخبال والقيل والقال " انتهى .
وقال العلامة ابن القيم – رحمه الله – ( الصواعق المرسلة 3/925):
"إن هؤلاء المعارضين للكتاب والسنة بعقلياتهم – التي هي في الحقيقة جهليات – إنما يبنون أمرهم في ذلك على أقوال مشتبهه محتملة تحتمل معاني متعددة ويكون ما فيها من الاشتباه في المعنى والإجمال في اللفظ يوجب تناولها بحق وباطل فبما فيها من الحق يقبل من لم يحط بها علماً ما فيها من الباطل لأجل الاشتباه والالتباس ثم يعارضون بما فيها من الباطل نصوص الأنبياء وهذا منشأ ضلال من ضل من الأمم قبلنا وهو منشأ البدع كلها ... فأصل ضلال بني آدم من الألفاظ المجملة والمعاني المشتبهة ولا سيما إذا صادفت أذهاناً مخبطة " انتهى .
وقال العلامة عبد اللطيف بن عبدالرحمن بن حسن – رحمهم الله – ( عيون الرسائل 1/166 ) :
" والكلام يتوقف على معرفة ما قدمناه معرفة أصول عامة كلية لا يجوز الكلام في هذا الباب وفي غيره لمن جهلها وأعرض عنها وعن تفاصيلها فإن الإجمال والإطلاق وعدم العلم بمعرفة موانع الخطاب وتفاصيله يحصل به شئ من اللبس والخطأ وعدم الفقه عن الله ما يفسد الأديان ويشتت الأذهان ويحول بينها وبين فهم السنة والقرآن " انتهى .
وعليه :
فالواجب التفصيل في أي مسألة فصلتها الأدلة الشرعية فلا يصح إطلاق الأحكام على الأفعال دون اعتبار التفصيل الذي اقتضاه الدليل .

* أسير الصمت *
10-31-2008, 05:21 PM
جزاك الله خيرا . . .

صقر قريش
10-31-2008, 05:35 PM
جزاك الله خير سلمت يداك

@ بن سلمان @
10-31-2008, 06:47 PM
بارك الله فيك ونفع بما كتبت

خبرصحيح
10-31-2008, 09:03 PM
الأخ : أسير الصمت - والأخ الفاضل صقر قريش - والأستاذ القدير بن سلمان

أشكركم على ردكم الجميل وأسأل الله أن ينفع به

ابو عمر
10-31-2008, 10:36 PM
بارك الله في جهدك .. ونفتخر بوجود امثالكم .. تقبل مروري

خبرصحيح
11-01-2008, 01:09 AM
شكراً ياأبا عمر وأسأل الله لك التوفيق

خبرصحيح
11-01-2008, 01:46 AM
******

خبرصحيح
11-01-2008, 09:07 PM
الآن نتطرق للشبه والرد عليها


الدليل الأول
قوله تعالى: "ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الكافرون"،
وأوجه الدلالة ثلاثة:
1. أن الله تعالى علَّق الوصف –الذي هو الكفر- على الموصوف –الذي هو الحاكم بغير ما أنزل الله- بمجرد تلبُّسه بالصفة –التي هي الحكم بغير ما أنزل الله- دون النظر للاعتقاد.
2. أن الأصل في وصف الله له بأنه كافر الكفر الأكبر؛ لأن اللفظ إذا أُطلق في الشرع انصرف إلى كماله إلا بدليل.
3. أن شيخ الإسلام ابن تيمية استقرأ لفظ الكفر في الشريعة وتبين له أنه لا ينصرف إلا إلى الأكبر دون الأصغر.

والجواب عن هذا الاستدلال:أن هذه الأمور الثلاثة المذكورة كلها صحيحة مستقيمة، وبيانها على ما يأتي:
أولاً:صحيح أن الآية علّقت الكفر بالحاكم بمجرّد التحكيم؛ لكن الكفر المعلّق هنا هو أصغر لا أكبر، بدلالة أمرين اثنين:
أما أولهما: فهو الإجماع -الذي قدَّمتُ لك- أن الآية ليست على عمومها.
وأما ثانيهما: فهو تفسير ابن عباس وأصحابه الآيةَ بالكفر الأصغر، ولا مخالف لهم.

فائدة:جاء عن ابن عباس -رضي الله عنه- في هذا ألفاظ منها:
اللفظ الأول: "كفرٌ لا ينقل عن الملة" رواه ابن نصر المروزي (تعظيم قدر الصلاة، رقم:573) من طريق عبد الرزاق عن سفيان عن رجلٍ عن طاووس عن ابن عباس به، ففي إسناده رجل مبهم؛ فلا يصح.
واللفظ الثاني: "إنه ليس بالكفر الذي يذهبون إليه، إنه ليس كفراً ينقل عن الملة" رواه –أيضاً- ابن نصر المروزي (رقم:569) والحاكم (مستدركه2/313/3219) من طريق ابن عيينة عن هشام بن حجير عن طاووس عن ابن عباسٍ، وهشام ضعيف؛ فلا يصح.
واللفظ الثالث: "كفرٌ دون كفر" رواه الحاكم (2/313/3219) من طريق ابن عيينة عن هشام بن حجير عن طاووس عن ابن عباس، وفيه هشام؛ فلا يصح.
واللفظ الرابع: "هي به كفر" رواه عبد الرزاق (التفسير1/186/713) عن معمر عن ابن طاووس عن أبيه عن ابن عباس، وهذا سندٌ صحيح لا مطعن فيه.
واللفظ الخامس: "هي به كفرٌ وليس كفراً بالله وملائكته وكتبه ورسله" رواه الطبري (التفسير) من طريق سفيان عن معمر عن ابن طاووس عن أبيه عن ابن عباس؛ وهذا –كسابقه- سندٌ لا مطعن فيه.
ولكن هذين الأثرين الثابتين عن ابن عباس ليسا بصريحين في أنه فسّره بالكفر الأصغر؛ إذ قد يقال: يريد أنه كفر أكبر، لكنه أقل من رُتْبَةِ الكفر بالله وملائكته وكتبه ورسله.
وهذا كلامٌ محتملٌ لولا أنه صح عن اثنين من أصحاب ابن عباس وهما:
1. طاووس،
2. وعطاء؛
صرَّحا بأن المراد بالكفر في الآية الكفر الذي لا ينقل عن الملة، (انظر ما رواه المروزي 574، وابن جرير في تفسيره)،
كما لم يفهم أحدٌ من العلماء من كلام ابن عباس -رضي الله عنه- أنه يريد بهذه الرواية الكفر الأكبر.
فهذا يغلِّب إرادة الأصغر فإن أقوال أصحاب الرجل توضِّح قوله، ومذهب الصحابيِّ يؤخذ من مذهب أصحابه.

وثمَّ أمر آخر وهو:
أن ابن عباس -رضي الله عنه- أورد كلامه في مقابل قول الخوارج الذين يكفِّرون بالآية الكفر الأكبر؛ فلا وجه لكلام ابن عباس إلا أن يكون المراد عنده الكفر الأصغر.

ثانياً:
القول بأن الأصل في وصف الله له بأنه كافر الكفر الأكبر؛ لأن اللفظ إذا أُطلق في الشرع انصرف إلى كماله إلا بدليل لا ثمرة منه بعد بيان الصارف لهذا من إرادة الأكبر إلى الأصغر.

ثالثاً:
القول بأن شيخ الإسلام ابن تيمية استقرأ لفظ الكفر في الشريعة ونصّ على أنه لا يتّجه إلا إلى الأكبر صحيح؛ لكنّ استقراءه -رحمه الله- جاء على المصدر (الكفر) والآية اسمُ فاعل (كافر) وفرق بينهما إذ المصدر يدل على الفعل وحده أما اسم الفاعل فهو دالٌّ على الفعل والفاعل.
لذلك قال ابن تيمية نفسه -رحمه الله- (فتاوى7/312):
"وإذا كان من قول السلف: (إن الإنسان يكون فيه إيمان ونفاق)، فكذلك في قولهم: (إنه يكون فيه إيمان وكفر) ليس هو الكفر الذي ينقل عن الملّة، كما قال ابن عباس وأصحابه في قوله تعالى: (ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الكافرون) قالوا: كفروا كفراً لا ينقل عن الملة، وقد اتّبعهم على ذلك أحمد بن حنبل وغيره من أئمة السنة"ا.هـ.

ويليه الشبهة الثانية بعد تأمل هذه الشبهة

خبرصحيح
11-02-2008, 10:40 PM
الدليل الثاني
قوله تعالى: "فلا وربك لا يؤمنون حتى يحكموك فيما شجر بينهم…"

ووجه الدلالة:
أن الله نفى الإيمان عمّن لم يحكِّم الشرع، بل ولابدّ من ألاَّ يجد في نفسه الحرجَ والضِّيق، بل ويُسلّم بهذا التسليم التامّ؛ فيكون الحاكم بغير ما أنزل الله بمجرد تحكيمه كافراً كفراً أكبر لأنه حكّم غير شرع الله ولأن الإيمان قد نفي عنه.

والجواب عن هذا الدليل:

هناك دليلٌ دلّ على أن المنفيّ هنا كمال الإيمان لا أصله،
لأن الآية نزلت في رجلٍ أنصاريٍّ بدريٍّ، والبدريون معصومون من الوقوع في الكفر الأكبر ، حيث جرت خصومة بين الزبير --رضي الله عنه-- وذاك الرجل --رضي الله عنه-- فقضى النبي صلى الله عليه وسلم بقضاءٍ أغضبَ الأنصاري فقال: أن كان ابن عمّتك؟ والقصة أخرجها الستة إلا ابن ماجه .
فانظر كيف ضاق صدر ذاك البدريّ ولم يقع منه التسليمُ الكاملُ بقضاء النبي صلى الله عليه وسلم.
لذلك قال شيخ الإسلام ابن تيمية -رحمه الله- (فتاوى7/37):
"كل ما نفاه الله ورسوله من مسمى أسماء الأمور الواجبة كاسم الإيمان والإسلام والدين والصلاة والصيام والطهارة والحج وغير ذلك فإنما يكون لترك واجبٍ من ذلك المسمى ومن هذا قوله تعالى: (فلا وربِّك لا يؤمنون حتى يحكموك فيما شجر بينهم ثم لا يجدوا في أنفسهم حرجاً مما قضيت ويسلموا تسليماً) فلما نفى الإيمان حتى توجد هذه الغاية؛ دل على أن هذه الغاية فرض على الناس، فمن تركها كان من أهل الوعيد لم يكن قد أتى بالإيمان الواجب الذي وُعِدَ أهله بدخول الجنة بلا عذاب"ا.هـ.

وقال –أيضاً- -رحمه الله- (فتاوى22/350):
"فما جاء من نفي الأعمال في الكتاب والسنة فإنما هو لانتفاء بعض واجباته كقوله تعالى: (ثم ساق الآية)"ا.هـ.




الدليل الثالث
قوله تعالى: "ألم تر إلى الذين يزعمون أنهم آمنوا بما أنزل إليك وما أنزل من قبلك يريدون أن يتحاكموا إلى الطاغوت وقد أُمروا أن يكفروا به ويريد الشيطان أن يضلهم ضلالاً بعيداً"،
حيث صاروا منافقين لكونهم يريدون التَّحاكم إلى الطاغوت وجعل اللهُ إيمانهم مزعوماً فيكون من تحاكموا إليه أشدّ نفاقاً.

والجواب:
لا دلالة في الآية على مسألة البحث من أوجه:
الوجه الأول: أن الآية محتملةٌ في معناها لأمرين:
1. أن إيمانهم صار مزعوماً لكونهم أرادوا الحكم بالطاغوت وهذا ما يتمسّك به المُخالف.
2. أن من صفات أهل الإيمان المزعوم –المنافقين– كونهم يريدون التحاكم للطاغوت، ومشابهة المؤمن للمنافقين في صفةٍ من صفاتهم لا توجب الكفر.
فعلى هذا من حكم بغير ما أنزل الله فقد شابه المنافقين في صفةٍ من صفاتهم وهذا لا يوجب الكفر إلا بدليل آخر كمن شابه المنافقين في الكذب لم يكن كافراً فإذا ورد الاحتمال في أمرٍ بين كونه مكفِّراً أو غير مكفِّر لم يكفر بهذا الأمر لكون الأصل هو الإسلام فلا يصح التمسك بهذه الآية في التكفير لذلك الاحتمال.

والوجه الثاني: أن هؤلاء يريدون الحكم بالطاغوت لكن إرادتهم هذه ليست إرادةً مطلقةً بل هي إرادةٌ تنافي الكفر الإعتقادي به ومن لم يعتقد وجوب الكفر بالطاغوت فلا شك في كفره الكفر الأكبر قال تعالى: "فمن يكفر بالطاغوت ويؤمن بالله فقد استمسك بالعروة الوثقى"،

قال ابن جرير -رحمه الله- (5/96):
"يريدون أن يتحاكموا في خصومتهم إلى الطاغوت يعني إلى من يعظمونه ويصدرون عن قوله ويرضون بحكمه من دون حكم الله وقد أمروا أن يكفروا به يقول وقد أمرهم أن يكذبوا بما جاءهم به الطاغوت الذي يتحاكمون إليه فتركوا أمر الله واتبعوا أمر الشيطان"ا.هـ.




الدليل الرابع
قوله تعالى: "وإن الشياطين ليوحون إلى أوليائهم ليُجادلوكم وإن أطعتموهم إنكم لمشركون"؛
فطاعة هؤلاء في حكمهم بغير ما أنزل الله شركٌ فيكون المُطاعُ أظهر شركاً.

والجواب:
1. أن ظاهر الآية يقول بأن كل طاعة هي شرك، وهذا غير مراد قطعاً، فـ:
2. الطاعة المرادة هنا هي الطاعة في التحليل والتحريم؛ يعني أنه يوافقهم فيعتقد تحليل الحرام وتحريم الحلال،
قال الشيخ عبد اللطيف بن عبد الرحمن بن حسن (الرسائل والمسائل النجدية3/46):
"…حكم على أن من أطاع أولياء الشيطان في تحليل ما حرم الله أنه مشرك وأكـد ذلك بإن المؤكدة…"ا.هـ.

alsewaidi
11-03-2008, 12:18 AM
بارك الله فيك واجزل لك المثوبة
وجمعنا بك في جنات النعيم

خبرصحيح
11-03-2008, 05:06 PM
الله يبارك فيك أخي أبو ماجد

خبرصحيح
11-03-2008, 06:18 PM
الدليل الخامس
قوله تعالى: "أم لهم شركاءُ شرعوا لهم من الدين ما لم يأذن به الله…" فجعل الله المُشرِّع مُشارِكاً له في التشريع، ومن ثَمّ صار المُشرِّع مشركاً كافراً.

والجواب:
قال ابن كثير -رحمه الله-:
"إنهم لا يتبعون ما شرع الله لك من الدين القويم، بل يتبعون ما شرع لهم شياطينهم من الجن والإنس من تحريم ما حرموا عليهم من البحيرة والسائبة والوصيلة والحام وتحليل الميتة والدم والقمار…من التحليل والتحريم والعبادات الباطلة والأقوال الفاسدة"ا.هـ.
وقال ابن جرير -رحمه الله- (25/14):
"يقول تعالى ذكره: أم لهؤلاء المشركين بالله شركاء في شركهم وضلالتهم شرعوا لهم من الدين ما لم يأذن به الله، يقول: ابتدعوا لهم من الدين ما لم يُبحِ الله لهم ابتداعه"ا.هـ.
فالآية كفَّرتْ من جمع بين وصف التشريع (شرعوا لهم) والزعم أنه من الدين (ما لم يأذن به الله) وهذا هو المسمى بالتبديل -وتقدم- فهذا إذاً خارج محلّ البحث.




الدليل السادس
قوله تعالى: "ولا يشرك في حكمه أحداً" و الحاكم بغير ما أنزل الله قد جعل نفسه مشاركاً لله في حكمه فهو مشرك كافر.

والجواب:
1. أن الذي يحكم بغير ما أنزل الله ويقول (هذا حكم الله) أو يعتقد لنفسه الجواز؛ يكون مشاركاً لله في حكمه سبحانه وتعالى الذي هو من خصائصه؛ فإن كان كذلك فقد سبق أن هذا كفرٌ لا شك فيه وأنه خارج محل البحث؛ لأنه إما مبدَّل أو مستحِلّ،
2. وإن لم يكن كذلك بأن كان يرى أنه مخطيء وأنه لا يجوز له ذلك فلا يصح الاستدلال على كفره بالآية لأنه ليس مشاركاً لله تعالى في حكمه كسائر أهل المعاصي.




الدليل السابع
قوله تعالى: "إن الحكم إلا لله"، ومن وضع أحكاماً من عنده فقد نازع الله في أمر خاصٍ به فمن ثَمّ يكون شركاً.

والجواب:
تماماً كما قيل في الدليل الذي قبله؛
1. فالرجل الذي حكم بغير ما أنزل الله إن كان معتقداً لنفسه الجواز كان زاعماُ لنفسه مشاركة الله في حكمه وهذا لا نتكلم عنه،
2. أما إن لم يكن زعماً لنفسه ذلك -وهو محلّ البحث- فالآية لا تتكلم عنه، فالدليل إذاً خارج محل النزاع.



الدليل الثامن
قوله تعالى: "اتخذوا أحبارهم ورهبانهم أرباباً من دون الله"، فأهل الكتاب لما أطاعوا علماءهم وعبَّادهم في حكمهم بغير ما أنزل الله وَصَفَهُم الله بأنهم اتخذوهم أرباباً من دون الله؛ فالمُتَّخِذُ مشركٌ والمُتَّخَذُ أظهر شركاً.

والجواب:

أن طاعة هؤلاء لأحبارهم ورهبانهم لا تخرج عن حالتين:
1. طاعتهم في اعتقاد تحليل ما حرم الله وتحريم ما أحل الله؛ وهذا لاشك أنه كفر مخرجٌ من الملة -وتقدم في تحرير محل النزاع-.
2. طاعتهم في معصية الله بدون اعتقاد تحليل ما حرم الله ولا تحريم ما أحل الله؛ وهذا ليس بكفرٍ قطعاً وإلا للزم منه تكفير أهل الذنوب والمعاصي لأنهم أطاعوا هواهم في معصية الله سبحانه وتعالى ومثله لزوم تكفير من يطيع زوجته وأولاده في معصية الله.
وهذا عينُ ما قاله شيخ الإسلام ابن تيمية -رحمه الله- (فتاوى7/70):
"وهؤلاء الذين اتخذوا أحبارهم ورهبانهم أرباباً حيث أطاعوهم في تحليل ما حرم الله وتحريم ما أحل الله يكونون على وجهين:أحدهما: أن يعلموا أنهم بدّلوا دين الله فيتّبعونهم على التبديل؛ فيعتقدون تحليل ما حرم الله وتحريم ما أحل الله اتِّباعاً لرؤسائهم مع علمهم أنهم خالفوا دين الرسل؛ فهذا كفرٌ… والثاني: أن يكون اعتقادهم وإيمانهم بتحريم الحلال وتحليل الحرام ثابتاً؛ لكنهم أطاعوهم في معصية الله كما يفعله أهل المعاصي التي يَعْتَقِدُ أنها معاصٍ؛ فهؤلاء لهم حكم أمثالهم من أهل الذنوب…"ا.هـ.



الدليل التاسع
قوله تعالى: "وما اختلفتم فيه من شيءٍ فحكمه إلى الله"، حيثُ إن هؤلاء المُتحاكِمِيْنَ تحاكموا لغير الله سبحانه وتعالى فخالفوا ما أمر الله جل وعلا به.

والجواب:
الآية تدل على وجوب التحاكم إلى الشريعة ولا نختلف في ذلك كما لا نختلف في أن هؤلاء الُمحكِّمين بغير ما أنزل الله آثمون وواقعون في ذنبٍ عظيمٍ؛
فليس في الآية دلالة على مسألة البحث –في تكفير من حكم بغير ما أنزل الله على غير وجه الاستحلال.



الدليل العاشر
قوله تعالى: "أفحكم الجاهلية يبغون ومن أحسن من الله حكماً لقومٍ يوقنون" فوصف الله من يترك حكمه أنه مُريدٌ لحكم الجاهلية؛ وحكم الجاهلية كفرٌ، ومريده أظهر كفراً.

والجواب:
أن إضافةُ الشيء إلى الجاهلية أو وصفه بأنه من أعمال أهل الجاهلية لا يدل على الكفر، وقد قال الرسول الله صلى الله عليه وسلَّم لأبي ذر -رضي الله عنه- (خ:30، م:4289):
"إنك امرؤٌ فيك جاهلية"، ووصف أموراً بأنها من أعمال الجاهلية كالنياحة على الميت وغيرها،
فهل أبو ذر كافر؟
وهل النياحة على الميت كفر أكبر؟

وقد قال أبو عبيد القاسم بن سلام -رحمه الله- (الإيمان ص45):
" ألا تسمع قوله: (أفحكم الجاهلية يبغون)؟ تأويله عند أهل التفسير أن من حكم بغير ما أنزل الله وهو على ملة الإسلام كان بذلك الحكم كأهل الجاهلية وإنما هو أن أهل الجاهلية كذلك كانوا يحكمون"ا.هـ.


الدليل الحادي عشر
سبب نزول قوله تعالى (الطبري5/97): "ألم تر إلى الذين يزعمون أنهم آمنوا بما أنزل إليك…"، قال الشعبي كان بين رجل من المنافقين ورجل من اليهود خصومة فقال اليهودي نتحاكم إلى محمد –صلى الله عليه وسلم– لأنه عرف أنه لا يأخذ الرشوة وقال المنافق نتحاكم إلى اليهود لعلَّمه أنهم يأخذون الرشوة، فاتفقا أن يأتيا كاهناً في جهينة فيتحاكما إليه فنزلت الآية؛
فحكم الله عليهم بالنِّفاق لكونهم تحاكموا إلى الكاهن.

والجواب:
1. هذا الأثر منقطع لأن الشعبي من التابعين فهو ضعيف،
2. ثم الآية –لو صح الحديث- في منافقٍ ويهوديّ، وتحقق صفةٍ من صفات المنافقين في مسلمٍ لا يستلزم منه وصفه بالنفاق الأكبر،
3. ثم ليس هناك ما يدلّ –صراحةً- على أن وصف النفاق تحقق في الرجل بسبب هذا التحاكم.



الدليل الثاني عشر
سبب نزول آخر (الواحدي في أسباب النزول ص107، والبغوي2/242) وهو أن رجلين اختصما فقال أحدهما: نترافع إلى النبي صلى الله عليه وسلم وقال الآخر إلى كعب بن الأشرف ثم ترافعا إلى عمر فذكر له أحدهما القصة فقال للذي لم يرض برسول الله صلى الله عليه وسلَّم أكذلك قال نعم فضربه بالسيف فقتله.

والجواب:
أن هذا الأثر أشد ضعفاً من الذي قبله إذ هو من طريق الكلبي عن أبي صالح باذام عن ابن عباس به فقد جمع هذا السند بين كذاب ومتروك وانقطاع.


الدليل الثالث عشر
سبب نزول ثالث (الواحدي ص106، وغيره) عن ابن عباس قال كان أبو بردة الأسلمي كاهناً يقضي بين اليهود فيما يتنافرون إليه فتنافر إليه أناسٌ من المسلمين فأنزل الله تعالى: "ألم ترَ إلى الذين يزعمون..." الآية.
قال الهيثمي (مجمع7/6):
"رجاله رجال الصحيح"، وقال الحافظ (إصابة7/18): "إسناده جيد"،
وقال الشيخ مقبل الوادعي (الصحيح من أسباب النزول69): "شيخ الطبراني ما وجدت ترجمته لكنه قد تابعه إبراهيم بن سعيد الجوهري عند الواحدي" فيكون الله تعالى قد وصف هؤلاء الأناس المسلمين بأن إيمانهم مزعومٌ لأنهم تحاكموا إلى الكاهن، والحاكم أشدّ كفراً ونفاقاً ممن تحاكم إليه.

والجواب:
لا يُسلِّم بدلالته على محل البحث لأمور:

1. سياق الآيات يدل على أن هؤلاء الذين تنافروا للكاهن منافقون فالآية إذاً ذاكرةٌ صفةً من صفاتهم ولا دلالة فيها على أن تحاكمهم هو السَّبب في كون إيمانهم مزعوماً، بل إن إيمانهم مزعومٌ من قبل تحاكمهم للكاهن، فيكون من فعل كفعلهم مشابهاً لهم، ومن شابه المنافقين في صفةٍ لم يكن منافقاً.

2. أن هؤلاء النفر يريدون التحاكم إلى غير ما أنزل الله، وإرادتهم هذه خاصة، وهي الإرادةٌ المنافية للكفر بالطاغوت -وقد تقدم-.



الدليل الرابع عشر
ما رواه أهل السنن وغيرهم (د:4457، ت:1362، ن:3331 و3333، هـ:2607 و2608) عن البراء بن عازب قال:
مرّ بي عمي الحارث بن عمرو ومعه لواء قد عقده له النبي صلى الله عليه وسلم فقلت له: أي عم، أين بعثك النبي صلى الله عليه وسلم؟ قال: بعثني إلى رجل تزوج امرأة أبيه، فأمرني أن أضرب عنقه.
وفي بعض ألفاظ الحديث (وآخذ ماله) كما روي عن معاوية بن قرة عن أبيه وفيه (وخُمس ماله).
ففي هذا الحديث ما يفيد صراحة بأن الرجل قتل كافراً لأنه خُمِّسَ مالُه وهذا بمجرد عمل عمله، فالذي يحكم بغير ما أنزل الله مثله.

الجواب:
على فرض ثبوت الحديث فإنه في حق من استحل محرماً، فإن هذا الرجل المتزوج بامرأة أبيه قد استحل فرجها بعقد الزواج، وفرق بين الزنى بامرأة الأب -الذي هو مُحرَّمٌ- والعقد عليها؛ إذ الزواج بها وكتابة العقد ناتجٌ من استحلال فرجها؛ واستحلال فرجٍ مُحرَّمٍ كفرٌ.
لذلك
قال الطحاوي -رحمه الله- (المعاني3/149):
"...ذلك المتزوج فعل ما فعل، ذلك على الاستحلال كما كانوا يفعلون في الجاهلية؛ فصار بذلك مرتداً، فأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يفعل به ما يفعل بالمرتد" ا.هـ.
وقال الشوكاني -رحمه الله- (النيل7/131):
"والحديث فيه دليل على أنه يجوز للإمام أن يأمر بقتل من خالف قطعياً من قطعيات الشريعة –كهذه المسألة-، فإن الله تعالى يقول: (ولا تنكوا ما نكح آباؤكم من النساء) ولكنه لا بُدَّ من حمل الحديث على أن ذلك الرجل الذي أمر صلى الله عليه وآله وسلم بقتله عالمٌ بالتحريم وفعله مستحلاً؛ وذلك من موجبات الكفر"ا.هـ.

أقول: ( المؤلف )
وفي كلام الإمام الشوكاني -رحمه الله- ما يُشعِر بالأصل القائل:
(تُردُّ الأمور المتشابهة إلى المحكم من النصوص).



الدليل الخامس عشر
زعم الإجماع على كفر من حكم بغير ما أنزل الله وجعله قانوناً من كلام الحافظ ابن كثير -رحمه الله- حين قال (البداية والنهاية13/128): "فمن ترك الشرع المحكم المنزل على محمد بن عبد الله خاتم الأنبياء وتحاكم إلى غيره من الشرائع المنسوخة كفر فكيف بمن تحاكم إلى الياسق وقدمها عليه؟ من فعل ذلك كفر بإجماع المسلمين"ا.هـ.

والجواب:أن هذا النقل ليس بصريحٍ في المراد:
وقبل التوضيح لا بدَّ من النظر في حال التتار وما كانوا عليه،

قال شيخ الإسلام ابن تيمية -رحمه الله- عنهم (فتاوى28/523):
"يجعلون دين الإسلام كدين اليهود والنصارى وأن هذه كلها طرق إلى الله بمنزلة المذاهب الأربعة عند المسلمين ثم منهم من يُرجِّح دين اليهود أو دين النصارى ومنهم من يُرجِّح دين المسلمين"ا.هـ.

وبين ابن تيمية -رحمه الله- كيف أنهم يعظمون جنكيزخان ويقرنونه بالرسول صلى الله عليه وسلم،
ثم قال (فتاوى28/524):
"ومعلوم بالاضطرار من دين الإسلام باتفاق جميع المسلمين أن من سوغ اتباع غير دين الإسلام أو اتباع غير شريعة محمد صلى الله عليه وسلم: فهو كافر وهو ككفر من آمن ببعض الكتاب وكفر ببعض الكتاب"ا.هـ.

وقال ابن كثير -رحمه الله- (التفسير3/131):
"ينكر تعالى على من خرج عن حكم الله المشتمل على كل خير، الناهي عن كل شر وعَدَلَ إلى ما سواه من الآراء والأهواء والاصطلاحات التي وضعها الرجال بلا مستند من شريعة الله كما كان أهل الجاهلية يحكمون به من الضلالات والجهالات مما يضعونها بآرائهم وأهوائهم وكما يحكم به التتار من السياسات الملكية المأخوذة عن مَلِكِهِمْ جنكيزخان الذي وضع لهم الياسق وهو عبارةٌ عن كتاب مجموع من أحكام قد اقتبسها من شرائع شتى من اليهودية والنصرانية والملة الإسلامية وغيرها وفيه كثير من الأحكام أخذه من مجرد نظره وهواه فصارت في بنيه شرعاً متبعاً يقدمونه على الحكم، فمن فعل ذلك منهم فهو كافر يجب قتاله حتى يرجع إلى حكم الله ورسوله فلا يحكم سواه في قليل ولا كثير".ا.هـ.

فإن تأملت هذا الكلام وأمثاله بان لك ما يلي:
1. أن حالة التتار الاستحلال.
2. بل وتقديم أحكامهم على أحكام الله ورسوله.

فما المراد بكلام ابن كثير -رحمه الله- ؟
مراد الحافظ ابن كثير -رحمه الله- في حكايته الإجماع أن الإجماع منعقدٌ على تكفير التتار نظراً لحالتهم هذه التي سبق بيانها، وهذا مما لا نختلف فيه؛
فكأن عبارته -رحمه الله- هكذا:
(فمن ترك الشرع المحكم [ كالتتار] المنزل على محمد بن عبد الله خاتم الأنبياء وتحاكم إلى غيره من الشرائع المنسوخة كفر [لاستحلاله] فكيف بمن تحاكم إلى الياسق وقدمها عليه؟ [يعني: فكيف وقد قدموا الياسق] من فعل ذلك كفر بإجماع المسلمين [يعني: من استحلّ وقدّم حكم غير الله على حكمه تعالى]).
وبهذا يتّفق كلام الحافظ ابن كثير –رحمه الله- مع أئمة السنة في نقلهم الإجماع الثابت المتقرر في المُستحِلّ والمُفضِّل.
و المهمُّ هنا أن تعلم –أخي الكريم-:
أن هذا الإجماع مُنازعٌ في دلالته ثم هو في أناسٍ حالُهم مُكفِّرةٌ –كما علمتَ-؛
ولو كان في المسألة إجماعٌ لرأيتَ العلماء يتناقلونه ويُقرِّرونه سواء منهم من عاصر الحافظ ابن كثير -رحمه الله- أو من تقدموه.

الدليل السادس عشر
أن هذا الرجل الذي ترك حكم الله وحكّم حكم نفسه أو حكم غيره هو كافرٌ لوقوعه في أمرين اثنين:
أولهما: أنه معرِضٌ عن الشريعة، وكفرُ الإعراض معروف.
والآخَر منهما: أنه مستحلّ؛ إذ لو لم يكن مستحلاًّ لما ترك حكم الله.

والجواب:

أن كلا الأمرين لا يصح إلزام التارك لحكم الله بهما ولا بأحدهما؛
أما الأول:
فلأنه ليس كلّ إعراضٍ يكون مكفِّراً؛ وضابط الإعراض المكفِّر هو (الإعراضُ بالكلية عن أصل الدين) أو (تركُ جنس العمل).

وأما الإلزام لمن ترك الحكم بما أنزل الله بأنه مستحلٌ -وهو الأمر الثاني-:
فهذا إلزامٌ غير صحيح؛ لأن دِلالة الفعل الظاهر على الاستحلال في الباطن دِلالة مُحتمِلةٌ لا تقوى على دفع الإسلام الثابت للرجل باليقين؛ لأن من دخل الدين بيقين لم يخرج إلا بيقينٍ مثله.

ثم هذا يفتح باباً في تكفير أهل المعاصي؛ إذ كل من يستعظم معصيةً يحكم على صاحبها بأنه كافر لزعْمِهِ أنه مستحل لهذه المعصية.
خاتمة للقسم الأول من الكتاب

وبعدما تبيّن لك الراجح بدليله فأفيدك بأمرين اثنين:

1. أنه -بهذا الكلام عينه- أفتى أئمة العصر الثلاثة رحمهم الله وهم:
*المحدّث العلامة محمد ناصر الدين الألباني –رحمه الله- مجدّد العصر في علم الحديث الذي قضى عمره المبارك في خدمة حديث النبي صلى الله عليه وسلم وفي نشر العقيدة الصحيح في بلدٍ لم يكن فيه لأهل التوحيد صوت.*العلامة الإمام شيخي الشيخ عبد العزيز بن باز –رحمه الله- مفتي الديار السعودية ومرجع الناس في زمانه والذي قضى عمره المبارك زُهداً وورَعاً ودعوةً للتوحيد ونُصرةً للإسلام والمسلمين في كل أرجاء العالم .
* العلامة الفقيه محمد بن صالح ابن عثيمين –رحمه الله- فقيه زمانه والذي قضى عمره المبارك دعوةً ونشراً للتوحيد وإحياءاً للاجتهاد في الفقه وتبسيطاً لعلوم الدين كأصول الفقه واللغة .

2. أنه لم يقل أحدٌ من المتقدِّمين بخلاف هذا في صورة الرجل صاحب النزاع .


وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
أخوكم : خبرصحيح

عبدالصمد
11-08-2008, 07:01 AM
بارك الله فيك ونفع بك

واقعي جدا
11-09-2008, 05:01 AM
جزاك الله خير