صقر قريش
11-27-2008, 02:49 PM
كل إنسان مكتوب عليه في هذه الحياة الدنيا أن يجرب الضغط النفسي والتوتر والقلق كقدر مؤكد، نتيجة وجوده في هذه الحياة الدنيا الفانية محدودة المتع مهما انخدعنا بتنوعها "ولقد خلقنا الإنسان في كبد"، وما يتفاوت فيه الناس ليس في انقسامهم إلى شخص واجه توترا وشخصا لم يواجه لأن الجميع واجه ذلك حتما في مسيرة حياته، لكن الاختلاف هو في شخص تمكن من التغلب على التجربة الصعبة وشخص غرق عميقا في دواماتها، وهذا الفرق هو ما يبحث فيه علماء النفس وخبراء السلوك والفلاسفة والمصلحين الاجتماعيين وفي الآليات التي تساعد ذلك الغارق على الخروج، وقد تعددت تفسيراتهم لكنهم اتفقوا جميعهم على أن جذر المشكلة لدى هؤلاء المحبطين والمرضى النفسيين ليس في طبيعة الأحداث التي تواجههم بل في طريقتهم في النظر إليها والتعامل معها، فالعديد من أشكال القلق والتوتر والاكتئاب تنشأ من طبيعة أفكارنا أو تفسيراتنا، فكثيرا ما تواجهنا مواقف مزعجة نعلم غالبا أنها لا تستحق ذلك الكم من الغضب والتوتر، وأنه يمكن إهمالها أو النظر إليها بطريقة مختلفة لكننا نفشل على الجانب الشعوري في تحقيق ذلك، ومع هذا يظل الموقف مزعجا بالنسبة لنا ويصعب علينا التخلص من هذه المشاعر السلبية رغم طمأنة الأحباء والأصدقاء، وذلك بسبب وقوعنا حينها في مصيدة مجموعة من الأفكار غير المنطقية، وكمثال على ذلك أننا جميعا نرتكب في يوم ما أو في مكان ما خطأ ما، فجميع بني آدم خطاءون وخير الخطائين التوابون، لكن بعض الشخصيات ينشط في داخلها حوار داخلي سلبي معنف للذات على النحو التالي: "لقد ارتكبت جرما عظيما اليوم، إنني أكرر ذلك عدة مرات، أنا فعلا إنسانا غير كفؤ ولأن معظم الناس يلاحظون ذلك فهم لذلك لا يحترمونني" وبهذه الطريقة يستمر الشخص في توسيع حفرته إلى أعمق فأعمق والنتيجة الطبيعية هي القلق والاكتئاب وبذلك يصبح متعبا وضعيف الفاعلية، لمبالغته في ردة فعله للموقف بسبب نظام معتقداته الخاطئ فهو ينتج نتيجة كارثية، لكن شخصا آخر إذا ارتكب الخطأ نفسه لا يشعر بهذه الدرجة من السوء لقدرته على النظر للأمر بلا سوداوية أو مبالغة ويتحاور مع ذاته داخليا بأسلوب مختلف: "لقد قمت اليوم بعمل غير جيد، حسنا نحن بشر أحيانا نحسن وأحيانا نسيئ وكل شخص تمر عليه أيام جيدة وأخرى سيئة وأنا أحد هؤلاء الناس، لا أحد مستثنى من ذلك والناجحون ليسوا من لا يخطئ أبدا ولكنهم من يستثمرون أخطاءهم في تعلم أشياء جديدة، حيث لكل تجربة قيمة إضافية في حياتنا إذا أنصتنا لدروسها، ولهذا فلأتأمل في الأمر ثانية: ما الذي أستطيع تعلمه من تجربة اليوم؟ كيف أستطيع أن أكون أفضل غدا؟" وهكذا فهو يخرج نفسه بنفسه ومن خلال حواره الإيجابي من دائرة المشاعر السوداوية بدون مهدئات وأطباء نفسيين من دائرة الاكتئاب والقلق، لأنه أدرك أننا كبشر نخطئ فلا نستطيع أن نتقن كل شيء نعمله ويجب ألا يتوقع أحد - بمن فيهم نحن – ذلك منا، وأننا خلال سعينا للإنجاز والنمو في هذه الحياة سنواجه العديد من الإخفاقات وسنتعرض للكبوات ولكننا سنفعل ما بوسعنا وما هو ضمن طاقتنا - فلا يكلف الله نفسا إلا وسعها - لتطوير أدائنا، وذلك كل ما يحق لأي شخص أن يتوقعه منا.