المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : الحوار و علاقته بالمصطلحات المماثلة


مناهل
12-25-2008, 06:45 PM
إذا رجعنا إلى كتب اللغة ومعاجمها فإننا نجد فيها مصطلحات تتفق في جانب من مفاهيمها ومعانيها مع مصطلح الحوار ، وإذا أردنا أن نقف على مفهوم الحوار فإن ذلك يتطلب الوقوف على مفاهيم تلك المصطلحات التي لها علاقة وثيقة به وهي الجدل، والمناظرة، لأن هناك تداخلاً كبيراً في مستوى الدلالة بين هذه المصطلحات الثلاثة (الجدل - المناظرة - الحوار) وسنحاول هنا الوقوف على مفهوم كل مصطلح على حدة لنرى أوجه الاتفاق والاختلاف بينها.

مفهـوم الجـدل .
جاء في كتب اللغة أن الجَـدْل : شِدَّة الفَتْل, والجَـدَل : اللَّدَدُ في الخُصومـة والقدرةُ عليها، والجَدَل: مقابلة الحجـة بالحجـة( ). وفي الحديث عن رسـول الله أنه قال: «مَا ضَلَّ قَوْمٌ بَعْدَ هُدًى كَانُوا عَلَيْهِ إِلا أُوتُوا الْجَدَلَ»

ويتضح لنا أن كلمة الجدل تدور حول معنيين هما:

المعنى الأول:
الغلبة والقوة والصلابة، وهو مأخوذ من الجَدْل الذي هو شدة فتل الحبل، وإذا نقلنا هذا المعنى اللغوي المحسوس إلى الجوانب الفكرية والعقلية فسنجد بينهما تطابقاً واتفاقاً؛ لأن كل واحد من المتجادلين يحاول بقوته وفكره أن يجادل (الآخر) ويفتله «يثنيه» عن رأيه، ولا يمكن أن يتحقق ذلك إلا بقوة الدليل وصلابة الفكرة.

المعنى الثاني :
اللَّدَد في الخصومة مع القدرة عليها، وهذا المعنى اللغوي يتفق مع نوع من أنواع الجدل الفكري وهو اللجاج الذهني، الذي لا يكون الغرض منه الوقوف على الحقيقة أو الوصول إلى الصواب وإنما مجرد الجدل لأجل الجدل وهو ما يطلق عليه العلماء الجدل المذموم ومنه قوله تعالى: ((وَقَالُواْ ءأَالِهَتُنَا خَيْرٌ أَمْ هُوَ مَا ضَرَبُوهُ لَكَ إِلاَّ جَدَلاَ بَلْ هُمْ قَوْمٌ خَصِمُونَ)) (الزخرف:58).

أما في الاصطلاح :
فقد عرفه الجرجاني بأنه: القياس المؤلف من المشهورات والمسلمات، يكون الغرض منه إلزام الخصم، وإفحام من هو قاصر عن إدراك مقدمات البرهان، ودفع المرء خصمه عن إفساد قوله بحجة أو شبهة.

أما المعجم الوسيط فقد عرفه بأنه: طريقة في المناقشة والاستدلال صورها الفلاسفة بصور مختلفة، وهو عند مناطقة المسلمين قياس مؤلف من مشهورات أو مسلمات.

وقد قسم علماء المسلمـين الجدل إلى جدل محمود وجـدل مذموم..
أما المحمود فهو: ما كان من أجل تقرير الحق، وهو مهنة الأنبياء في الدفاع عن العقيدة، ومنه قوله تعالى: ((وَجَـٰدِلْهُم بِٱلَّتِى هِىَ أَحْسَنُ )) (النحل:125)، ذلك أن المجادلة بالتي هي أحسن هو الحوار، لأن الهدف منه هو الإقناع والتربية والتوجيه .

وأما الجدل المذموم فهو: الذي يتعلق في تقرير الباطل( ) ويراد به الجَدَلُ على الباطل وطَلَبُ المغالبة فيه. وقد أشار إليه القرآن الكريم في قوله تعالى: ((مَا يُجَـٰدِلُ فِى ءايَـٰتِ ٱللَّهِ إِلاَّ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ فَلاَ يَغْرُرْكَ تَقَلُّبُهُمْ فِى ٱلْبِلاَدِ)) (غافر:4) وقولـه تعالى: ((وَجَـٰدَلُوا بِٱلْبَـٰطِلِ لِيُدْحِضُواْ بِهِ ٱلْحَقَّ)) (غافر:5).


مفهوم المناظرة:
المناظرة لغة : من النظير، أو من النظر بالبصـيرة، فهي من النظر تفيد الانتظار والتفكير في الشيء تقيسه وتقدره، ومن التناظر تفيد التقابل، ومن النظير تفيد التماثل.

أما في الاصطلاح : فهي النظر بالبصيرة من الجانبين في النسبة بين الشـيئين إظهاراً للصواب، وهي بـهذا المعنى تفيد المحاورة بين شخصين أو فريقين حول موضوع معين، لكلٍ منهما وجهة نظر تخالف وجهة نظر الفريق الآخر، بحيث يريد إثبات وجهة نظره وإبطال وجهة نظر خصمه، مع توفر الرغبة الصادقة بظهور الحق والاعتراف به عند ظهوره.


مفهوم الحوار:
الحوار في اللغة:
ذكر علماء اللغة ل ( حَـوَرَ ) معاني متعددة تبعاً لتفعيلاتها الصرفية، فقد جاء أن الحَوْرُ: الرجوع عن الشيء وإِلى الشيء، يقال حارَ إِلى الشيء وعنه حَوْراً و مَحاراً و مَحارَةً رجع عنه وإِليه.
وكل شيء تغير من حال إِلى حال، فقد حارَ يْحُور حَوْراً، قال لبيد:

وما المَرْءُ إِلاَّ كالشِّهابِ وضَوْئِهِ = يَحُورُ رَماداً بعد إِذْ هو ساطِعُ

والمحَاوَرَةُ: المجاوبة. و التَّحاوُرُ: التجاوب، تقول أحرت له جواباً وما أَحارَ بكلمة والحَوْر: الجَواب، يقال كلّمته فما رَدَّ إلىَّ حَوْراً أو حَوِيراً.

واستحاره أَي استنطقه. يقال: كلَّمته فما رَدَّ إِليَّ حَوْراً أَي جواباً، وهم يَتَحاوَرُون أَي يتراجعون الكلام، و المُحَاوَرَةُ: مراجعة المنطق في المخاطبة.

والحواريون في اللغة الذين أُخْلِصُوا ونُقُّوا من كل عيب؛ وكل شيء خَلَصَ لَوْنُه، فهو حَوَارِي.

ويتضح لنا من خلال ما تقدم أن كلمة الحوار تدور حول المعاني التالية :
1- الرجوع إلى الشيء وعن الشيء، والمتحاورون قد يرجع أحدهم إلى رأي الآخر أو قولـه أو فكره رغبة في الوصول إلى الصواب والحقيقة، ومنه قوله تعالى: ((إِنَّهُ ظَنَّ أَن لَّن يَحُورَ)) (الانشقاق:14) أي لن يرجع مبعوثاً يوم القيامة.
2- التحول من حال إلى حال، فالمحاور يتنقل في حواره من حالة إلى أخرى، فمرة يكون مستفسراً، وأخرى يكون مبرهناً، وثالثة يكون مفنداً، وهكذا.
3- الإجابة والرد، وهو قريب من المعنى الاصطلاحي للحوار؛ لأن كلاً من طرفي التحاور يهتم بالإجابة عن أسئلة صاحبه، ويقدم مجموعة من الردود على أدلته وبراهينه.
4- الاستنطاق ومراجعة الحديث، فكل واحد من المتحاورين يستنطق صاحبه ويراجع الحديث معه لغرض الوصول إلى هدفه وقصده.
5- النقاء والتخلص من العيوب، والواقع أن طبيعة الحوار والمناقشة تؤدي بالنتيجة إلى التخلص من العيوب الفكرية، من خلال طرح الأفكار المتعددة واختيار الراجح منها.


الحوار في الاصطلاح:
وبعد هذا العرض للمدلول اللغوي يمكن لنا أن نحـدد المعنى الاصطلاحي للحوار بأنه: أسلوب يجري بين طرفين، يسوق كلٌ منهما من الحديث ما يراه ويقتنع به، ويراجع الطرف الآخر في منطقه وفكره قاصداً بيان الحقائق وتقريرها من وجهة نظره.

ومما لا شك فيه فإن كل واحد من المشتركين في الحوار لا يقتصر على عرض الأفكار القديمة التي يؤمن بها وإنما يقوم بتوليد الأفكار في ذهنه، ويعمد إلى توضيح المعاني المتولدة من خلال عرض الفكرة وتأطيرها وتقديمها بأسلوب علمي مقـنع للطرف الآخر، بحيث يظل العقل واعياً طوال فترة المحاورة ليستطيع إصدار الحكم عليها، سلباً أو إيجاباً.

وبعد هذا العرض الذي قدمناه لمدلولات المصطلحات المتداخلة (الجدل- والمناظرة - والحوار ) يتضح لنا أن الحوار وإن كان مناوبة الحديث بين طرفين إلا أنه لا يشتمل على الخصومة والمنازعة والمراء كما هو الجدل، وإنما هو أداة أسلوبية تستخدم لمعالجة موضوع من الموضوعات المتخصصة في حقل من حقول العلم والمعرفة أو جانب من جوانب الفكر والعقيدة، للوصول إلى حقيقة معينة بهذا الشكل من أشكال الأسلوب والمحادثة، وهو عملية تتضمن (طرحاً) من طرف، يتمثله الطرف (الآخر) ويجيب عليه فيحدث (تجاوب) يولّد عند كل منهما (مراجعة) لما طرحه الطرف (الآخر)، وهذه العملية هي التي يطلق عليها الحوار أوالمحاورة.


عبد الستار الهيتي ( كتاب الحوار .. الذات والآخر )

السَّمْهريّ
12-25-2008, 08:31 PM
يعطيكم العافية

فاعل خير
12-26-2008, 01:34 AM
بارك الله فيك وجزاك خير الجزاء

مناهل
12-28-2008, 03:14 PM
يعطيكم العافية

بارك الله فيك وجزاك خير الجزاء

جزاكما الله خيرا

النادر
01-01-2009, 01:39 AM
جميل هذا الطرح

الا اني اجد ان هناك مترادافات اخرى لم تتطرقي لها

مثال / النقاش ......

مناهل
01-01-2009, 04:07 PM
بارك الله فيكم
____________


النقاش

النقاش أو المناقشة تفاكر عفوي أقل انضباطاً وتبادل حر للآراء والحقائق وفحصها وتقييمها في محاولة للوصول لحل أو لرأي أو إنجاز عمل. يتمخض النقاش غالباً عن توصيات واقتراحات تطرح لاحقاً للتداول للتقرير فيها. وما يدور في أعمال اللجان والمجموعات الصغيرة وجلسات السماع نوع من النقاش.

والنقاش لعفويته قد ينقلب لجدال يشتد فيه اعتداد كل طرف بما هو عليه من قول أو رأي أو موقف. لذلك وضعت الخبرة الإنسانية صيغة منظمة ودقيقة لتستكشف بها المسائل بدلاً من الصراع حولها، وأسمت ذلك بالمداولة أو التداول.


المداولة
المداولة هي حوار بين مجموعة من الأفراد حول اقتراح مطروح أمامهم في اجتماع رسمي يتم وفق قواعد وإجراءات متفق عليها وبطريقة تتسم باللياقة واللطف ورحابة الصدر والاحترام المتبادل وذلك بغرض الوصول إلى قرار مناسب بشأنه قبولاً أو رفضاً.

وفي الواقع العملي، التداول هو كلمات الأعضاء الذين مع أو ضد ذلك الاقتراح، أو أي مداخلات محايدة تعطي أو تطلب معلومات عنه ولا تأخذ بالضرورة موقفاً معه أو ضده. ولكل عضو في الاجتماع الحق في أن يحاول عن طريق الحوار أن يقنع الأغلبية بالعقل والبرهان والدليل بأن تتبنى وجهة نظره أو تقف معه حتى يفوز اقتراحه.

والتداول تدبير مسبق وأسلوب منظم لمعالجة المسائل بانتقائها وعزلها لدراستها والتقرير فيها بطريقة منهجية. بالتالي، مهما كانت طبيعة المداخلات أثناء التداول، يجب أن تكون كلها من جنس موضوع الاقتراح ولا يخرج المتحدث فيها عنه ليتعرض لموضوع آخر لا يمت لها بصلة.

بهذا الفهم، المداولة تقصي ودراسة للمسائل التي تطرح على المجموعة من أجل فهمها أو اتخاذ قرار بشأنها، أو من أجل التخطيط أو حل المشكلات أو الحكم على الأشياء، أو للقيام بعمل ما. والتداول هو الطريقة المتبعة للتقرير في المسائل في المحاكم وفي الهيئات التشريعية وفي التنظيمات المختلفة في المجتمع وأجهزة الدولة.


التفاوض
التفاوض نوع من الحوار بين طرفين متنازعين لكل طرف أهدافه ومواقفه التي تختلف عن أهداف ومواقف الطرف الآخر، لكن تراضى الطرفان على اللقاء بأمل محاولة إقناع كل منهما للآخر بتغيير موقفه والوصول لحلول مرضية للطرفين أو لتسوية مؤقتة للنزاع الذي نشأ بينهما.

يفترض أن يخضع التفاوض مثله مثل أي حوار عاقل بين أي أطراف لآداب الحوار العامة، لكنه لا يخضع لطرق اتخاذ القرار المتفق عليها في قواعد المداولات السائدة. فقد يتطلب التفاوض حلولاً توفيقية يرتضيها الطرفان، وقد يحتاج لوساطة طرف ثالث يستمع لوجهات النظر المختلفة ويقترح بعض الحلول التي رغم أنها غير ملزمة لأي طرف إلا أنها قد تقرب الشقة بينهما. وقد يلجأ الفريقان في نهاية المطاف لتحكيم جهة محايدة تستمع لكل وجهات النظر وتقيمها وتقترح حلولاً ملزمة لكل الأطراف.

(

السَّمْهريّ
01-01-2009, 08:01 PM
وسنحاول هنا الوقوف على مفهوم كل مصطلح على حدة لنرى أوجه الاتفاق والاختلاف بينها.


أرى الوفاق بينها كبير إن لم تك مفهوم واحد و إن تعددت المصطلحات
النقاش حوار هاديء يفضي دائماً للتقارب
أما الجدال أو المجادلة فاقرب ما يكون عراك لفظي

كتب الله أجركم

مناهل
01-08-2009, 03:18 PM
جزاك الله خيرا