مناهل
12-30-2008, 09:38 PM
قرأ الخليفة المتوكل يومًا، وبحضرته وزيره الفتح بن خاقان: (وما يُشْعِرُكُم أَنَّها إذا جاءت). فقال له الفتح: يا سيدي، (إنّها إذا جاءت) بالكسر . ووقعت المشاجرة، فتراهنا على عشرة آلاف دينار، وتحاكما إلى يزيد بن محمد المهلَّبي الشاعر ـ وكان صديقًا للمبرّد ـ فلما وقف يزيد على ذلك خاف أن يَسْقُطَ أحدهما،فقال: واللّه ما أعرف الفرق بينهما. وما رأيت أعجب من أن يكون باب أمير المؤمنين يخلو من عالم متقدم.
فقال المتوكل: فليس ها هنا من يُسأَل عن هذا؟
قال: ما أعرف أحدًا يتقدم فتى بالبصرة يُعرف بالمبّرد.
فقال: ينبغي أن يُشْخَص. فلما أُدْخِل المبّرد على الفتح بن خاقان،
قال له: يا بصريّ، كيف تقرأ هذا الحرف (وما يُشْعِرُكم إنها إذا جاءت لا يؤمنون) بالكسر،أو (أنها إذا جاءت) بالفتح؟
قال المبرد: (إنها) بالكسر. وذلك أن أول الآية: (وأَقْسَموا باللّه جَهْد أَيمانهم لئن جاءَتهم آية لَيُؤْمِنُنَّ بها، قُل إِنما الآيات عند اللّه وما يُشْعِرُكم)، ثم قال تبارك وتعالى: يا محمد .إنّها إذا جاءت لا يؤمنون) باستئناف جواب الكلام المتقدم)
قال الفتح: صدقت ثم ركب إلى دار أمير المؤمنين، وعرّفه بقدوم المبرّد، وطالبه بدفع ما تخاطرا عليه فأمر المتوكل بإحضار المبرد. فلما وقعت عينه عليه قال: يا بصريّ، كيف تقرأ هذه الآية: (وما يُشْعِرُكم إنها إذا جاءت) بالكسر، أو (أَنَّها إذا جاءت) بالفتح؟
قال المبّرد: يا أمير المؤمنين، أكثر الناس يقرأها بالفتح. فضحك المتوكل وضرب برجله اليسرى، وقال: أَحضر يا فتحُ المال. فقال: إنه واللّه يا سيدي قال لي خلاف ما قال لك.
فقال المتوكل: دعني من هذا. أحضر المال!
وخرج المبرّد، فلم يصل إلى الموضع الذي كان أُنْزِلَه حتى أتته رُسُل الفتح.فلما أتاه قال له: يا بصريّ، أوّل ما ابتدأنا به الكذب! قال المبرّد: ما كذبتُ. فقال: كيف وقد قلتَ لأمير المؤمنين إن الصواب: (وما يُشْعِرُكم أَنها إذا جاءت) بالفتح ؟
فقال: أيها الوزير، لم أقل هكذا،وإنما قلت: أكثر الناس يقرأها بالفتح. وأكثرهم على الخطأ. وإنما تخلَّصتُ من اللائمة، وهو أمير المؤمنين. فقال الفتح: أحسنت!
من كتاب "طبقات النحويين واللغويين" للزُّبيدي الأندلسي.
فقال المتوكل: فليس ها هنا من يُسأَل عن هذا؟
قال: ما أعرف أحدًا يتقدم فتى بالبصرة يُعرف بالمبّرد.
فقال: ينبغي أن يُشْخَص. فلما أُدْخِل المبّرد على الفتح بن خاقان،
قال له: يا بصريّ، كيف تقرأ هذا الحرف (وما يُشْعِرُكم إنها إذا جاءت لا يؤمنون) بالكسر،أو (أنها إذا جاءت) بالفتح؟
قال المبرد: (إنها) بالكسر. وذلك أن أول الآية: (وأَقْسَموا باللّه جَهْد أَيمانهم لئن جاءَتهم آية لَيُؤْمِنُنَّ بها، قُل إِنما الآيات عند اللّه وما يُشْعِرُكم)، ثم قال تبارك وتعالى: يا محمد .إنّها إذا جاءت لا يؤمنون) باستئناف جواب الكلام المتقدم)
قال الفتح: صدقت ثم ركب إلى دار أمير المؤمنين، وعرّفه بقدوم المبرّد، وطالبه بدفع ما تخاطرا عليه فأمر المتوكل بإحضار المبرد. فلما وقعت عينه عليه قال: يا بصريّ، كيف تقرأ هذه الآية: (وما يُشْعِرُكم إنها إذا جاءت) بالكسر، أو (أَنَّها إذا جاءت) بالفتح؟
قال المبّرد: يا أمير المؤمنين، أكثر الناس يقرأها بالفتح. فضحك المتوكل وضرب برجله اليسرى، وقال: أَحضر يا فتحُ المال. فقال: إنه واللّه يا سيدي قال لي خلاف ما قال لك.
فقال المتوكل: دعني من هذا. أحضر المال!
وخرج المبرّد، فلم يصل إلى الموضع الذي كان أُنْزِلَه حتى أتته رُسُل الفتح.فلما أتاه قال له: يا بصريّ، أوّل ما ابتدأنا به الكذب! قال المبرّد: ما كذبتُ. فقال: كيف وقد قلتَ لأمير المؤمنين إن الصواب: (وما يُشْعِرُكم أَنها إذا جاءت) بالفتح ؟
فقال: أيها الوزير، لم أقل هكذا،وإنما قلت: أكثر الناس يقرأها بالفتح. وأكثرهم على الخطأ. وإنما تخلَّصتُ من اللائمة، وهو أمير المؤمنين. فقال الفتح: أحسنت!
من كتاب "طبقات النحويين واللغويين" للزُّبيدي الأندلسي.