أبو عبدالرحمن
01-11-2009, 11:08 AM
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته............وبعد
فاستكمالا في البحث عن المؤرخين والرحالة الذين زاورا منطقة بلاد ثمالة ..ووقفوا على سد ثمالة (سد السملقي ) وقاموا بوصفه..
اليوم بين أيدينا ...نص وزيارة ووصف جميل من أديب ومؤرخ وصحفي وسياسي
قام بزيارة السد قبل 73 عامًا!!
هو: محمد حسين هيكل ، الذي ولد في عام 1888م بمدينة المنصورة بمصر .
و توفي في 1956 م عن عمر يناهز 68 عاما.
فهذا الكاتب قد زار الطائف وقد عُني بزيارة سد السملقي ، حيث سجل الانطباعات التالية عنه (من كتاب في منزل الوحي ) . ..
ملاحظة ( ما يكون بالخط الأزرق فهو من تعليقي ، فقط من أجل تصحيح خطأ أو توضيح )
***************************************
في منزل الوحى ـ 1939 م
و كنا إذا بلغناه قد تجاوزنا وادي صخيرة إلى وادي ثمالة .وتجاوزنا قسوة الطبيعة إلى ابتسامتها بالزرع النَّضر والخضرة الباسمة...
و لم نتردد في اختيار المكان ، فهذا السد أمامنا ضخم عريض السطح مرتفع يشرف على ما حوله ، و هو فيما يبدو من أمره أثر تاريخي كان له في حياة هذه البلاد أثر بالغ ، فلنصعد إليه و لنتخذ من سطحه مائدتنا ، و تسلقنا أحجاره الضخمة كما يتسلق الناس الأهرام في مصر حتى استوينا فوقه ، ثم سرنا حتى توسطنا سطحه ، و نظرت عن يميني فإذا مجرى أشبه بمجرى النهر قد حصر بين شاطئين و لا ماء فيه ، و عن يساري فإذا أرض مستوية استوت فيها الحنطة على سوقها و لما تحصد بعد ، ومن أمامي و من خلفي جبلان يحصران هذا الوادي الفسيح تتحدث أرضه بمعاني الخصب و قوة الإثمار ، و إن لم يكن به من زرع إلا هذه الحنطة التي أرى ، و جلسنا على الحجر ، و نشرنا عليه ما معنا من الزاد ، ما كان أحلاه و أشهاه على بساطته و بداوته ! استغفر الله ! لم يكن بدوياً و قد كان بعضه بسكوت .ومُرَبَّى مجلوبين من انجلترا . و اشتركنا جميعا في تناوله .
ومن ثم دار حديث عن القبائل المحيطة..
.... و هبطنا إلى مزرعة الحنطة و استقبلنا السد ، فأخذت بنظرنا الأحجار الضخمة التي شيد منها ، كما أخذ بنظرنا أحكام بنائه على عظمته و ضخامته ، فهو يبلغ نحو الثمانين متراً في طوله ( غير صحيح إطلاقا! فطول السد يقارب الـ 210 م ) ، و 11 متراً في في ارتفاعه ، أما عرض سطحه فيزيد على عشرة أمتار ،
و سألت عن تاريخ بنائه فقيل : إنه يرجع إلى عهد معاوية بن أبي سفيان في صدر الإسلام ، و إن الحجة في ذلك هذه الكتابة المنقوشة علي أحد أحجاره ، و التي لا تكاد تتضح ، فقد نقلها عبد الله باشا باناجي بالفوتوغرافيا في أوائل هذا القرن و بعث بها إلى مصر حيث حلت رموزها ، فإذا فيها : ( أمر ببنائه عمرو بن العاص بأمر أمير المؤمنين معاوية ابن أبي سفيان)
هو إذا يرجع إلى ثلاثمائة و ألف سنة خلت لم يكن بناة الأهرام وحدهم إذاً هم الذين عرفوا العظيم و الضخم في العمارة ، بل عرف أبناء بلاد العرب ما عرف قدماء المصريين ، فأقام أهل الطائف هذا السد كما أقيم سد مأرب في بلاد اليمن ، و أقيم هذا السد في مسيل الوادي بين السدين كما أقيم سد مأرب لينتفع الناس بالمياه و لا يدعونها تذهب هدراً . كانت الغايات الاقتصادية و العمرانية هي التي أدت إلى قيام هذا السد إذا كما أدت إلى إقامة سد مأرب . و هذه الغايات هي التي دعت بناته ليقيموه بالقوة و المتانة التي أقاموه بها من أحجار ضخمة كريمة يمسكها الملاط القوي على مجابهة الزمان . لا بد إذاً أن قد كان العرب في صدر الإسلام ينعمون بحضارة ننكرها اليوم عليهم ، لأن أبناءهم أنكروها عليهم بإهمالهم إياها . بل أراني أميل إلى الظن بأن هذه الحضارة كانت قائمة ينعم بها أهل هذه البلاد قبل الإسلام ، و أن الدين القيم قد نزل على قوم لهم من الحضارة هذا الحظ الأوفى .
و أدليت بما جال بخاطري من ذلك ، فذكر السيد صالح القزاز(أمين أموال الدولة في الطائف ) : أن هذا السد أضخم سدود الطائف المعروفة ، لكن بالطائف سبعين سداً غيره ، و منها ما كان يدانيه ضخامة و عظمة . من ذلك سد واقع في حمى سيسد المعروف بشرق الطائف ووادي محرم . و هذه السدود جميعها مخربة منذ أزمان بعيدة لا يعرف أحد من أبناء هذا الجيل عنها شيئاً ، و لم تخامرني ريب في أن تخريب هذه السدود هو الذي هوى بالطائف إلى حيث اليوم بعد أن كانت مضرب المثل في الخصب و المنعة ، فقد كانت هذه السدود جميعاً خزانات تحجز مياه المطر لفائدة الزراعة ، فكانت المساحات الواسعة تستغل مزارع الحنطة و الغلال و الفاكهة و ما إليها مما ترويه الكتب عن ثروة الطائف عن مكانتها الاقتصادية و كان ذلك سبباً في العمران و انتشار السكان في هذه الأودية الكثيرة التي مررنا بها و التي لم نمر بها . أما اليوم فأنت لا ترى في هذه الأودية أثراً ظاهراً للعمران و ما يذكرونه عن ثمالة و صخر و ثقيف و هذيل و أفخاذها و بطونها لا يزيد على أسماء تحيي في النفس ذكريات تاريخية ترجع إلى أيام الإسلام الأولى ، و ترجع إلى ما قبل الإسلام فإذا أردنا أن نلتمسها اليوم لم نجد إلا نجوعاً منثورة هاهنا و هناك يقيم فيها الأعراب من لا يزيدون عن البدو الرحل رقياً و لا تحضراً ، و من جنوا بتأخرهم على ما كان لهذه الحضارة الزاهرة في صدر الإسلام من مكانه لا ينكرها أحد .
و أردف السيد صالح : و لم تكن مياه هذه السدود مقصورة فائدتها على إمداد الزراعة المتصلة بها ، بل كان لها فائدة أخرى لا تقل عن حجز الماء و قد تربو عليه ذلك أنها ترفع مياه العيون و الآبار في المناطق التي لا تصلها مياه السدود ، فتجعل الري من هذه الآبار و العيون هيناً ميسوراً ، و العمران يزدهر حينما وجد الماء فجعل كل ما حوله حيا . لذلك كانت بادية الطائف عامرة كلها ، و كانت الدور و القصور قائمة في هذه الأماكن التي لم نسمع اليوم أسماءها و لا نجد لها أثراً . و سنرى مصداق ذلك اليوم حين نذهب إلى الهدة و غداً حين نذهب إلى الشفا ، إذ نسمع أسماء وردت في الشعر القديم على أنها موضع حضارة أو عمران ، و هي اليوم بادية ممتدة أمام النظر ليس فيها أثر لحضارة أو عمران ، إلا ما يكون من رسم دارس يثير بقاؤه في النفس الأسى و في القلب الحسرة .
علونا مزرعة الحنطة إلى الطريق لنستقل السيارة عائدين إلى الطائف في طريقنا إلى الهدة ، ووفنا إلى جانب السد ريثما يجتمع رفاقنا .
و سألني صاحبي عن هذا السد و رأيي فيه . و سألته بدوري عن صحة اسمه : أهو السد السملجي أم السد السملقي ؟ فهم ينطقونه جيم كجيم أهل القاهرة ، و قافاً كقاف أهل الريف في مصر، و كنت أميل إلى الظن بأنه السملقي ، لا أدري لم . و اختلف القوم و أصر أكثرهم على أنه السملجي .."(الاختلاف ما بين الكاتب ومن صحبه في هذه الرحلة )
و أيضاً قال هيكل : و فيما نشرب القهوة أغمضت و رحت أفكر فيما رأيت فهذه البادية التي جست خلالها أمس و اليوم بادية الخصب غزيرة الماء ، بديعة الهواء في الصيف غير قاسية القر في الشتاء ... و ما رأيت بها من سدود ضخمة لحجز لمياه كي ينتفع بها الزارع ، و ترتفع بها مياه الآبار يشهد بأن الذين عمروها و أنشئوا هذه السدود كانوا ذوي حضارة و فن يعرفان كيف يفيدان من خصب الطبيعة و قوتها على الإثمار
*************
وإلى لقاء قريب,,,
فاستكمالا في البحث عن المؤرخين والرحالة الذين زاورا منطقة بلاد ثمالة ..ووقفوا على سد ثمالة (سد السملقي ) وقاموا بوصفه..
اليوم بين أيدينا ...نص وزيارة ووصف جميل من أديب ومؤرخ وصحفي وسياسي
قام بزيارة السد قبل 73 عامًا!!
هو: محمد حسين هيكل ، الذي ولد في عام 1888م بمدينة المنصورة بمصر .
و توفي في 1956 م عن عمر يناهز 68 عاما.
فهذا الكاتب قد زار الطائف وقد عُني بزيارة سد السملقي ، حيث سجل الانطباعات التالية عنه (من كتاب في منزل الوحي ) . ..
ملاحظة ( ما يكون بالخط الأزرق فهو من تعليقي ، فقط من أجل تصحيح خطأ أو توضيح )
***************************************
في منزل الوحى ـ 1939 م
و كنا إذا بلغناه قد تجاوزنا وادي صخيرة إلى وادي ثمالة .وتجاوزنا قسوة الطبيعة إلى ابتسامتها بالزرع النَّضر والخضرة الباسمة...
و لم نتردد في اختيار المكان ، فهذا السد أمامنا ضخم عريض السطح مرتفع يشرف على ما حوله ، و هو فيما يبدو من أمره أثر تاريخي كان له في حياة هذه البلاد أثر بالغ ، فلنصعد إليه و لنتخذ من سطحه مائدتنا ، و تسلقنا أحجاره الضخمة كما يتسلق الناس الأهرام في مصر حتى استوينا فوقه ، ثم سرنا حتى توسطنا سطحه ، و نظرت عن يميني فإذا مجرى أشبه بمجرى النهر قد حصر بين شاطئين و لا ماء فيه ، و عن يساري فإذا أرض مستوية استوت فيها الحنطة على سوقها و لما تحصد بعد ، ومن أمامي و من خلفي جبلان يحصران هذا الوادي الفسيح تتحدث أرضه بمعاني الخصب و قوة الإثمار ، و إن لم يكن به من زرع إلا هذه الحنطة التي أرى ، و جلسنا على الحجر ، و نشرنا عليه ما معنا من الزاد ، ما كان أحلاه و أشهاه على بساطته و بداوته ! استغفر الله ! لم يكن بدوياً و قد كان بعضه بسكوت .ومُرَبَّى مجلوبين من انجلترا . و اشتركنا جميعا في تناوله .
ومن ثم دار حديث عن القبائل المحيطة..
.... و هبطنا إلى مزرعة الحنطة و استقبلنا السد ، فأخذت بنظرنا الأحجار الضخمة التي شيد منها ، كما أخذ بنظرنا أحكام بنائه على عظمته و ضخامته ، فهو يبلغ نحو الثمانين متراً في طوله ( غير صحيح إطلاقا! فطول السد يقارب الـ 210 م ) ، و 11 متراً في في ارتفاعه ، أما عرض سطحه فيزيد على عشرة أمتار ،
و سألت عن تاريخ بنائه فقيل : إنه يرجع إلى عهد معاوية بن أبي سفيان في صدر الإسلام ، و إن الحجة في ذلك هذه الكتابة المنقوشة علي أحد أحجاره ، و التي لا تكاد تتضح ، فقد نقلها عبد الله باشا باناجي بالفوتوغرافيا في أوائل هذا القرن و بعث بها إلى مصر حيث حلت رموزها ، فإذا فيها : ( أمر ببنائه عمرو بن العاص بأمر أمير المؤمنين معاوية ابن أبي سفيان)
هو إذا يرجع إلى ثلاثمائة و ألف سنة خلت لم يكن بناة الأهرام وحدهم إذاً هم الذين عرفوا العظيم و الضخم في العمارة ، بل عرف أبناء بلاد العرب ما عرف قدماء المصريين ، فأقام أهل الطائف هذا السد كما أقيم سد مأرب في بلاد اليمن ، و أقيم هذا السد في مسيل الوادي بين السدين كما أقيم سد مأرب لينتفع الناس بالمياه و لا يدعونها تذهب هدراً . كانت الغايات الاقتصادية و العمرانية هي التي أدت إلى قيام هذا السد إذا كما أدت إلى إقامة سد مأرب . و هذه الغايات هي التي دعت بناته ليقيموه بالقوة و المتانة التي أقاموه بها من أحجار ضخمة كريمة يمسكها الملاط القوي على مجابهة الزمان . لا بد إذاً أن قد كان العرب في صدر الإسلام ينعمون بحضارة ننكرها اليوم عليهم ، لأن أبناءهم أنكروها عليهم بإهمالهم إياها . بل أراني أميل إلى الظن بأن هذه الحضارة كانت قائمة ينعم بها أهل هذه البلاد قبل الإسلام ، و أن الدين القيم قد نزل على قوم لهم من الحضارة هذا الحظ الأوفى .
و أدليت بما جال بخاطري من ذلك ، فذكر السيد صالح القزاز(أمين أموال الدولة في الطائف ) : أن هذا السد أضخم سدود الطائف المعروفة ، لكن بالطائف سبعين سداً غيره ، و منها ما كان يدانيه ضخامة و عظمة . من ذلك سد واقع في حمى سيسد المعروف بشرق الطائف ووادي محرم . و هذه السدود جميعها مخربة منذ أزمان بعيدة لا يعرف أحد من أبناء هذا الجيل عنها شيئاً ، و لم تخامرني ريب في أن تخريب هذه السدود هو الذي هوى بالطائف إلى حيث اليوم بعد أن كانت مضرب المثل في الخصب و المنعة ، فقد كانت هذه السدود جميعاً خزانات تحجز مياه المطر لفائدة الزراعة ، فكانت المساحات الواسعة تستغل مزارع الحنطة و الغلال و الفاكهة و ما إليها مما ترويه الكتب عن ثروة الطائف عن مكانتها الاقتصادية و كان ذلك سبباً في العمران و انتشار السكان في هذه الأودية الكثيرة التي مررنا بها و التي لم نمر بها . أما اليوم فأنت لا ترى في هذه الأودية أثراً ظاهراً للعمران و ما يذكرونه عن ثمالة و صخر و ثقيف و هذيل و أفخاذها و بطونها لا يزيد على أسماء تحيي في النفس ذكريات تاريخية ترجع إلى أيام الإسلام الأولى ، و ترجع إلى ما قبل الإسلام فإذا أردنا أن نلتمسها اليوم لم نجد إلا نجوعاً منثورة هاهنا و هناك يقيم فيها الأعراب من لا يزيدون عن البدو الرحل رقياً و لا تحضراً ، و من جنوا بتأخرهم على ما كان لهذه الحضارة الزاهرة في صدر الإسلام من مكانه لا ينكرها أحد .
و أردف السيد صالح : و لم تكن مياه هذه السدود مقصورة فائدتها على إمداد الزراعة المتصلة بها ، بل كان لها فائدة أخرى لا تقل عن حجز الماء و قد تربو عليه ذلك أنها ترفع مياه العيون و الآبار في المناطق التي لا تصلها مياه السدود ، فتجعل الري من هذه الآبار و العيون هيناً ميسوراً ، و العمران يزدهر حينما وجد الماء فجعل كل ما حوله حيا . لذلك كانت بادية الطائف عامرة كلها ، و كانت الدور و القصور قائمة في هذه الأماكن التي لم نسمع اليوم أسماءها و لا نجد لها أثراً . و سنرى مصداق ذلك اليوم حين نذهب إلى الهدة و غداً حين نذهب إلى الشفا ، إذ نسمع أسماء وردت في الشعر القديم على أنها موضع حضارة أو عمران ، و هي اليوم بادية ممتدة أمام النظر ليس فيها أثر لحضارة أو عمران ، إلا ما يكون من رسم دارس يثير بقاؤه في النفس الأسى و في القلب الحسرة .
علونا مزرعة الحنطة إلى الطريق لنستقل السيارة عائدين إلى الطائف في طريقنا إلى الهدة ، ووفنا إلى جانب السد ريثما يجتمع رفاقنا .
و سألني صاحبي عن هذا السد و رأيي فيه . و سألته بدوري عن صحة اسمه : أهو السد السملجي أم السد السملقي ؟ فهم ينطقونه جيم كجيم أهل القاهرة ، و قافاً كقاف أهل الريف في مصر، و كنت أميل إلى الظن بأنه السملقي ، لا أدري لم . و اختلف القوم و أصر أكثرهم على أنه السملجي .."(الاختلاف ما بين الكاتب ومن صحبه في هذه الرحلة )
و أيضاً قال هيكل : و فيما نشرب القهوة أغمضت و رحت أفكر فيما رأيت فهذه البادية التي جست خلالها أمس و اليوم بادية الخصب غزيرة الماء ، بديعة الهواء في الصيف غير قاسية القر في الشتاء ... و ما رأيت بها من سدود ضخمة لحجز لمياه كي ينتفع بها الزارع ، و ترتفع بها مياه الآبار يشهد بأن الذين عمروها و أنشئوا هذه السدود كانوا ذوي حضارة و فن يعرفان كيف يفيدان من خصب الطبيعة و قوتها على الإثمار
*************
وإلى لقاء قريب,,,