المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : في بحر الحياة.. عندما يتحرك قارب الزواج


الدانه
05-23-2009, 04:30 PM
في بحر الحياة.. عندما يتحرك قارب الزواج

كم كان ارتباطهما جميلا في بداية الزواج ،
لكأنهما كانا نجمان يتألقان ، تغمرهما فرحة
اللقاء , ينصتان لبعضهما باهتمام ، يدونان
أفكارهما ، يحفظانهامنقوشة بخاطرهما .


وتمضي بهما الساعات في
سعادة ، وأشياء كثيرة تسبح بداخلهما ،
تتقاذفها أمواج الحياة ، ثم تنطلق فتطفو على
السطح ، تتنفس عطر الكلمات ، تستجيب
لصوت يهتف بهما ، متناغما مع شهد الإحساس ،
تلك أحرف ضمتها الشفاه في عقد فريد , وحوار
يجري له صدى يتغلغل في الأعماق ، يغريهما
بمزيد من بوح الخواطر , ويزيد قربهما قربا بقدره
لقد كانا يكملان بعضهما ، يرسمان بنفس
الريشة صور حياتهما ، ويكتبان معا بحبر القلم
كلمات تحكي قصتهما من أول الميلاد , ويشيدان
معا البناء الأسري المبارك في تناسق عجيب ،
يزيده بهاء الإيمان بالله والرغبة في العمل له
ووحدة الاختيار ، وقوة الترابط ، وتشابك روحيهما
في انسجام..


كلاهما كان يلامس حقيقة أنه يحب من اختاره
شريكا لحياته ، وأحلامه ، وطموحاته اختيارا
يرضي ربه .. وأنه يشعر بوجوده ، وبشغف به
غير معتاد ، وبمودته التي كلها أسرار , كانا
يفهمان بعضهما ، وشفاههما مطبقة على
صمتهما ، لكن بريق أعينهما يترجم كل معاني
الكلمات ، ويفك ألغاز الإشارات , وتواصل بينهما
ذاك الشعور الزوجي الروحي الصادق فكانا
يحبان بعضهما حبا حقيقيا ، وصادقا مخلصا ،
تحدى اهتماماتهما المادية ، وانتصر على
طموحاتهما الثائرة ، وتجاوز أحلامهما المتمردة ..


إلا أن دوامة الحياة رحلت بهما عبر الزمان
والمكان ، فبدآ يشعران بغربة الذات والكلمات ،
واختلال ترتيب أحرف الهجاء ، وشحوب المعاني
بينهما، وتلعثم النبرات ، ما أضفى اغترابا على
الحديث بينهما , ونفورا توالد بينهما , تزايد عبر
الأيام , لكأنه الخرس قد أصاب الشفاه , والنفور
والانكماش قد أصاب حياة كل شخص وأخذها
بعيدة عن الآخر , فصارا يعيشان في بيت واحد
بروحين مغتربتين ..!

ماذا تبقى من ذكريات السعادة وفرحة الاختيار
وألوان العرس ، وزينة الفرح ؟ ليس إلا ذكريات
جميلة مضت ، تلاشت تدريجيا ، وهي تذوب
وتحترق كالشموع بين أنياب الخلافات اليومية
البائسة وكلمات العتاب الدائمة , وسلوكيات
الغضب الجارحة ..

ويوما بعد يوم تخر قواهما ، تتضاءل عزائمهما ،
تتبخر أحلامهما ، فتذبل وردة تزين مزهرية حياة
، وتنطفئ شمعة من شموعهما ، فيخيم بعدها
الظلام ، ويظل الأمل يحدوهما ، ليبحرا من جديد
بمنأى عن قصف العواصف ، وإعصار الاهتمامات
المادية ، وضغوط الحياة اليومية ..

وفي كل مرة كانا يواجهان معاناة جديدة ،
فيتحديان الأمواج الهائجة ، والغيوم السوداء
العاصفة بحياتهما ..

وعندما يضعف نضالهما ، تهزم فرحتهما ، فيصرخ
الألم ، يحط على الأغصان ، يصدح بالآهات ،
يفجر أدمعا من المآقي ، فتختنق الأنفاس
بالعبرات ..
لقد غيرتهما تقلبات الزمن ، وتكاثف المحن ،
وتراكم الشدائد ، وتزاحم النكبات واشتداد
الضربات ، ومعايشة يومية لأصناف شتى من
الناس ، تختلف أمزجتهم وطبائعهم ، ومواجهة
لألوان متناقضة من المواقف والصور والمظاهر
الاجتماعية و الاقتصادية و السياسية , لقد
خنقهما احساس التقصير , وأشعل النار بينهما
نفثات الشيطان , وبدأ شعور كل منهما بعدم
الرغبة تجاه الآخر في مشاركته آلامه وآماله , بل
حتى لمشاركته مجرد الكلمات اليومية
والحكايات العارضة.

اشتدت لهجتهما تجاه بعضهما ، وقست
عواطفهما ، وتبلدت مشاعرهما ، وضعفت
حكمتهما ومنطق عقلهما ، فتحولا رغما عنهما
من حالة هدوء عاطفي واتزان سلوكي ،
واعتدال مزاجي لحالة من التوتر العصبي ،
والإرهاق النفسي والفكري والجسدي , تحت
تأثير سلطان ما سبق وما اختزن بداخلهما .

وتأجج بركان من غضب ، وثورة انفعالات فجرت
أمورا ساكنة بداخلهما أزكاها الشيطان بينهما ,
وكأن الحقوق والواجبات بينهما قد صارت جامدة
جافة , تتجمد يوما وتضيع اياما ، وتكاثرت
الأنفعالات , فتطاير شظى لهيبها ، وسرى حمما
بشرايينهما ، فطمح كلاهما للتخلص من معاناته
وتخفيف ثورة قهره ، بمواجهة الآخر وحربه
انتصارا على ضعفه وفشله في ردع
طوفانه ..واعتبره عدوا له لا صديقا , وغريما له لا
محبا , وخصما من خصومه لا جزءا من أجزاء
حياته !

هنا يتبين هل ينتصر الحب الروحي الإيماني
الأسري بين زوجين أو ينهزم ، بحسب قوة
وضعف ارتباطهما بربهما وقيم نبيهما ، وبحسب
صدق إحساسهما ، والتزامهما بالمسؤولية
المشتركة بينهما في تحمل مشاق الحياة
والصبر عليها..

إن وجود حب حقيقي نقي شفاف وصادق بين
زوجين هو سلاحهما الذي يحاربان به ويتقويان
على ضعفهما , هو ضماد جراحهما ، وترياق
معاناتهما ، هو حصانتهما في مواجهة تيار
التحديات ومقارعة الصعاب ..

حين يدرك الزوجان أن حياتهما ووجودهما معا
روحا وجسدا واحدا ، يتشاركان معا الأفراح
والأتراح ، والابتسامات والدموع ، والصمت
والكلام ، والهدوء والغضب , ويواجهان تقلبات
الحياة بتناقضاتها بوعي ونضج فكري ، واتزان
نفسي ، والتحام عاطفي حينها سيظلان
يشعران بنفس الإحساس عند بداية زواجهما ،
وسيحتفظان بفرحتهما ، والأجواء المفعمة
بمشاعر الحب والتقدير والاحترام...


ومهما قويت شوكة التحديات ، وحجم الخسائر
والمعاناة , فهي قاصرة عن استنزاف توجهاتهما
وميولهما المعنوية ..
لكن حين يفرطان في النظر لبعضهما من
منطلق معادلة مادية أساسها الربح والخسارة ،
ويتعاملان وفق إيقاعات تحقيق المصالح
والمكاسب .. سيصارعان معا عوامل التصحر
والجفاف العاطفي والوجداني ، ويتجاهلان
اهتمامات ومصالح الآخر لدرجة يفقدان فيها
حتى الإحساس ببعضهما وجودا روحيا وجسديا
، حتى ساعات الزمن تتحول لديهما لأرقام
حسابية ، لا قيمة لصرفها ، أو تضييعها في
تبادل مشاعر الحب والمودة والرحمة والحنان
والمعاني الجميلة.

إن سر نجاح الحياة الزوجية ونمائها وقوتها -
بعون الله وتوفيقه- كامن في وجود عواطف
صادقة مخلصة ، لا ينضب فيض معينها ولا يفتر
عطاؤها ، فهي الماء العذب الزلال ، هي عطر
الحياة فواح ، هي زاد الروح ، وبلسم القلب ،
هي سر السعادة ينشدها الغرباء.

صفية الودغيري

موقع المسلم

مجنونها
05-23-2009, 05:38 PM
بارك الله فيك
دام للمنتدى عطاءك

الدانه
05-30-2009, 09:15 AM
جزاكم الله خيرا .