حامل المسك
06-10-2009, 05:53 PM
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين , والصلاة والسلام على قائد الغر المحلجين , نبينا محمد إمام الموحدين , وسيد المتقين , وقدوة السالكين , وعلى اله وصحابته أجمعين , وعلى من سار على نهجه إلى يوم الدين , أما بعد .
فلقد دب في الأمة هذا المرض الخبيث , والداء العضال , ألا وهو العصبية القبلية , الذي فرق بين الإخوة في الدِّين , وباعد بينهم وأثار المشاكل من حولهم , ولقد رأيت أن من المناسب أن اكتب في هذا الموضوع , واجمع ما يتيسر لي من أحاديث في هذا الباب , مع بعض أقوال أهل العلم , المبيّنة لما قد يشكل من ألفاظه , وأقول والله المستعان وعليه التكلان .
قال النبي صلى الله عليه وسلم : " مثل الذي ينصر قومه بالباطل كبعير تردى في بئرٍ فهو يُجَرُّ بذنبه "(1) .
وقال صلى الله عليه وسلم : " من سمعتموه يتعزى بعزاء الجاهلية فأعضّوه بهن أبيه ولا تكنوا "(2) .
قال شيخ الإسلام ابن تيمية عن عزاء الجاهلية , كل ما خرج عن دعوة الإسلام , والقران , من نسب , أو بلد ا , أو جنس , أو مذهب , أو طريقة , فهو من عزاء الجاهلية . انتهى كلامه .(3)
قال الشيخ ابن عثيمين عن عزاء الجاهلية , يعني يدعو بدعوى الجاهلية , فينتخي بقبيلته .(4)
وفي شرح الحديث السابق قال الشيخ ابن عثيمين : هن " ,بالتخفيف لا بالتشديد " والهن : يعني الفرج , وإن شئت فقل الذكر , كما قال أبو بكر – رضي الله عنه – " امصص بظر اللات " , يعني فرجه , فالمعنى : أن الإنسان الذي يتعزى بعزاء الجاهلة , يستنصر بانتصارها , وما أشبه ذالك , فهذا يقال له : اعضض ذكر أبيك , قال " ولا تكنوا " أي : تأتوا بالكنية التي هي :"هن" بدل التصريح بالفرج , إهانة له , وبياناً بأن فعله قبيح , كما انه إذا قيل له , عض ذكر أبيك فهو قبيح .انتهى كلامه(5)
فانظر كيف أمرنا النبي صلى الله عليه وسلم , أن نهين ونذل من ابتغى العزة , في غير هذا الدين ,من نصرة قبيلة , أو قومٍ , أو دولة , أو غير ذالك , وانظر إلى أمير المؤمنين , عمر ابن الخطاب , عندما قال , نحن قوم أعزنا الله بالإسلام , فإن ابتغينا العزة , في غيره , أذلنا الله , فأين نحن من قول الفاروق .
هذا وقد جاء في الحديث الذي رواه مسلم , في صحيحه , عن جابر ابن عبدالله قال :" كنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم , في غزاه فكسع رجل من المهاجرين , رجل من الأنصار , فقال الأنصاري : ياللأنصار , وقال المهاجري , ياللمهاجرين , فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم " ما بال دعوى الجاهلية " فقالوا : يا رسول الله كسع رجل من المهاجرين رجل من الأنصار, فقال :" دعوها فإنها منتنة " (6)
قال الحافظ ابن حجر , كانوا يقولون : " يا آل فلان " فيجتمعون فينصرون القائل , ولو كان ظالما , فجاء الإسلام بالنهي عن ذالك. انتهى كلامه (7)
قال النووي :وأما تسميته , صلى الله عليه وسلم , ذالك دعوة الجاهلية , فهو كراهة منه لذالك , فإنه مما كانت عليه الجاهلية , من التعاضد بالقبائل في أمور الدنيا , ومتعلقاتها وكانت الجاهلية , تأخذ حقوقها بالعصبات والقبائل, فجاء الإسلام بإبطال ذالك انتهى كلامه .(8)
قال المباركفوري , في قول النبي صلى الله عليه وسلم " ما بال دعوى الجاهلة " قال أي ما شأنها , وهو في الحقيقة إنكار ومنع عن قول " يا آل فلان " , ونحوه وقوله " دعوها " أي اتركوا هذه المقالة "فإنها منتنة " من النتن أي أنها كلمة قبيحة خبيثة. انتهى كلامه (9)
قال النووي في قوله " دعوها فإنها منتنة " أي قبيحة كريهة مؤذية انتهى كلامه.(10)
قلت يا سبحان الله ما نهانا , الإسلام عن شيء إلى كان ضاراً لا خير فيه , ومن ما لا مرية فيه أن هذه , العصبيات بجميع أنواعها , هي من جملة ما لا نفع له , فلو وضعت في ميزان المصالح والمفاسد , لطاشت بها الكفة , ولما وجدنا فيها من المصالح , مثقال ذرة .
بل إن مما قرره بعض أهل العلم , أن من حاول تنمية هذه العصبية , وزيادتها والمساعدة على نشرها , فإنه يكون مستحقاً , للتعزير من الحاكم الشرعي ,
قال شيخ الإسلام , " أو يتعزى بعزاء الجاهلية , أ يلبي داعيها , إلى غير ذالك من المحرمات , فهؤلاء يعاقبون تعزيراً , وتنكيلاً , وتأديباً , بقدر ما يراه الوالي . انتهى كلامه(11)
وتأمل أخي المبارك, في قول النبي صلى الله عليه وسلم :" أربع في أمتي من أمر الجاهلية , لا يتركونهن , الفخر في الاحساب , والطعن في الانساب .... الخ" (12)
قال ابن حجر, في قول النبي صلى الله عليه وسلم " الطعن في الأنساب " أي القدح من بعض الناس في نسب بعض. انتهى كلامه(13)
قلت وقول النبي صلى الله عليه وسلم " لا يتركونهن " ليس إقراراً منه صلوات ربي وسلامه عليه , وإنما إخبار منه صلى الله عليه وسلم , بأن أكثر هذه الأمة لا تترك هذا الذنب العظيم , الذي هو من أمور الجاهلية ,إلا من رحم الله , وقد نهينا في مواضع كثيرة عن التشبه , بأهل الجاهلية , وهذا معلوم للجميع وليس هذا موضع لحثه.
والمتأمل في واقعنا , المعاصر يرى أن الطعن في الأنساب , قد فشا وانتشر , فمن طاعن في نسب أو قبيلة, أو جنسية أو بلد وغير ذالك من , أنواع الطعن ولا يحتاج ذالك , إلى دليل .
أما علموا بقول المصطفى صلى الله عليه وسلم :" يا أيها الناس , إن ربكم واحد , وإن أباكم واحد , ألا لا فضل لعربي على عجمي , ولا لعجمي على عربي , ولا لأحمر على أسود , ولا لأسود على أحمر , إلا بالتقوى , إن أكرمكم عند الله أتقاكم , ألا هل بلغت ؟ قالوا :بلى يا رسول الله , قال: فليبلغ الشاهد الغائب"(14)
وهذا الفاروق رضي الله عنه , فيما يرويه عنه جابر ابن عبدالله قال : كان عمر يقول : أبو بكر سيدنا وأعتق سيدنا . يعني بلال .(15)
فانظر إلى عظمة هذا الإسلام, الذي به رُفع بلال الحبشي, وبه وُضع أبو جهل القرشي .
قال علي بن أبي طالب رضي الله عنه(16) :
الناس في جهة التمثيل أكفاءُ ## أبوهم آدم والأم حوَّاءُ
نفسٌ كنفسٍ وأرواحٌ مُشاكِلةٌ ## وأعظُمٌ خُلِقت فيهِم وأعضاءُ
فإن لهُم من أصلِهِم حسبٌ ## يُفاخِرُونَ به فالطِّينُ والماءُ
ما الفضلُ إلاَّ لأهلِ العِلمِ إنَّهُم ## على الهُدَى لِمن استهدى أدلاءُ
وقَدرُ كُلِّ امرئٍ ما كانَ يُحسِنُه ## وللرِّجالِ على الأفعَالِ أسمَاءُ
والناظر بعين البصيرة , في سلفنا الصالح , يجد أن من أكثر من خدم الدين , هم العجم , وأكبر دليل على ذالك أن , أصحاب الكتب الستة, البخاري , ومسلم , وأبو داود , والترمذي , وابن ماجة , والنسائي , لم يكونوا من العرب ولم ينقص ذالك منهم شيئا . وهم لم يكونوا أصحاب أحساب ولا أنساب ,
ولعلي أسوق لكم قصة ذكرها ابن الصلاح في مقدمته تدل على أن الفضل ليس بالحسب ولا بالنسب ولا بالقبيلة ولا بالبلد : قال روينا عن الزهري , قال قدمت على عبد الملك بن مران, فسأله: من أين قدمت يا زهري؟. قال قلت: من مكة.قال: فمن خلفت يسود أهلها؟: قال قلت: عطاء بن أبي رباح. قال: فمن العرب أم من الموالي؟ قال قلت: من الموالي. قال: فبما سادهم؟ قال قلت : بالديانة والرواية. قال: إن أهل الديانة والرواية لينبغي أن يسودوا. قال: فمن يسود أهل اليمن؟ قال قلت طاوس بن كيسان. قال: فمن العرب أم من الموالي؟ قال قلت: من الموالي. قال: فمن يسود أهل مصر؟ قال قلت: يزيد بن أبي حبيب. قال: فمن العرب أم من الموالي؟ قال قلت: من الموالي. قال: فمن يسود أهل الشام؟ قال قلت: مكحول. قال: فمن العرب أم من الموالي؟ قال قلت: من الموالي عبد نوبي أعتقته امرأة من هُذيل. قال: فمن يسود أهل الجزيرة؟ قال قلت: ميمون بن مهران. قال: فمن العرب أم من الموالي؟ قال قلت: من الموالي. قال: فمن يسود أهل خرسان؟ قال قلت: الضحاك بن مُزاحم. قال: فمن العرب أم من الموالي؟ قال قلت: من الموالي. قال: فمن يسود أهل البصرة؟ قال قلت: الحسن البصري. قال: فمن العرب أم من الموالي؟ قال قلت: من الموالي. قال: ويلك فمن يسود أهل الكوفة؟ قال قلت: إبراهيم النَّخَعي. قال: فمن العرب أم من الموالي؟قال قلت: من العرب. قال: ويلك يا زهري فرّجت عني والله ليسودن الموالي على العرب في هذا البلد حتى يُخطب لها على المنابر والعرب تحتها. قلت: يا أمير المؤمنين إذا هو أمر الله ودينه , من حفظه ساد , ومن ضيعه سقط.(17)
فيا أيه الإخوة المباركون, ماذا نريد من هذه العصبية , وتذكيتها وتأجيج نارها , بعد ما رأيناه من نصوص , وأقوال لأهل العلم في ذالك , وإنني لأرى أن إقامة احتفال أو ملتقى , للتعريف بالقبيلة إنما , ينمي ويزيد من العصبية القبلية , وعند النظر فيها أي الملتقيات الخاصة , بالتعريف بالقبيلة لا الملتقيات للتعارف بين أفراد القبيلة , فإن الناظر لا يكاد بل لا يجد لها من المصالح , الدنيوية فضلا عن الدينية , شيئاً وإنما هي خسارة في المال , والجهد والوقت , لا مكسب من ورائها , فإني أخاطب أصحاب العقول النيرة , والنفوس الطيبة أن ينصرفوا عن مثل هذه الأفكار, فإن الله سبحانه وتعالى يعلم المصلح من المفسد وقد مات من لا حسب له ولا نسب , ولا يعرف بقبيلة ولا بغيرها وهو في الفردوس الأعلى من الجنة ونحن إخوتي ما خلقنا من أجل , التعريف بالقبيلة أو تسطير , الأمجاد لها أو التحدث عن ما حققوه من إنجازات في حقبٍ قد مضت, وإنما نحن مخلوقين من أجل عبادته سبحانه وتعالى , فلا تجعله يفقدك حيث أمرك أو يجدك حيث نهاك .
هذا والله أسأل أن يجعل ما قلته, زادا إلى حسن المصير إليه , وعتاداً إلى يمن القدوم عليه , إنه بكل جميلٍ كفيل , وهو حسبنا ونعم الوكيل , وصلى الله على سيدنا ونبينا محمد , وعلى آله وصحبه وسلم تسليما كثيرا .
كتبه
أبو عمر
حامل المسك
_____________________________
(1)صححه ابن حبان (5942) , وقال الشيخ أحمد شاكر (5/274)إسناد صحيح
(2)صححه ابن حبان (3153) , والألباني في الصحيحة (269)
(3)التعليق على السياسة الشرعية(269)
(4)التعليق على السياسة الشرعية(331)
(5)التعليق على السياسة الشرعية(268)
(6)مسلم كتاب البر والصلة, باب نصر الأخ ظالما أو مظلوما (6526)
(7)فتح الباري(6/668)
(8)المنهاج شرح صحيح مسلم ابن الحجاج(8/353)
(9)تحفة الأحوذي بشرح جامع الترمذي(9/269)
(10)المنهاج شرح صحيح مسلم ابن الحجاج(8/354)
(11)التعليق على السياسة الشرعية(331-332)
(12) رواه مسلم(934)
(13)فتح الباري(7/203)
(14)صحصه الألباني في السلسلة الصحيحة(2700)
(15)البخاري(3754)
(16)جامع بيان العلم وفضله لابن عبدالبر (1/218)
(17)مقدمة ابن الصلاح(199)
الحمد لله رب العالمين , والصلاة والسلام على قائد الغر المحلجين , نبينا محمد إمام الموحدين , وسيد المتقين , وقدوة السالكين , وعلى اله وصحابته أجمعين , وعلى من سار على نهجه إلى يوم الدين , أما بعد .
فلقد دب في الأمة هذا المرض الخبيث , والداء العضال , ألا وهو العصبية القبلية , الذي فرق بين الإخوة في الدِّين , وباعد بينهم وأثار المشاكل من حولهم , ولقد رأيت أن من المناسب أن اكتب في هذا الموضوع , واجمع ما يتيسر لي من أحاديث في هذا الباب , مع بعض أقوال أهل العلم , المبيّنة لما قد يشكل من ألفاظه , وأقول والله المستعان وعليه التكلان .
قال النبي صلى الله عليه وسلم : " مثل الذي ينصر قومه بالباطل كبعير تردى في بئرٍ فهو يُجَرُّ بذنبه "(1) .
وقال صلى الله عليه وسلم : " من سمعتموه يتعزى بعزاء الجاهلية فأعضّوه بهن أبيه ولا تكنوا "(2) .
قال شيخ الإسلام ابن تيمية عن عزاء الجاهلية , كل ما خرج عن دعوة الإسلام , والقران , من نسب , أو بلد ا , أو جنس , أو مذهب , أو طريقة , فهو من عزاء الجاهلية . انتهى كلامه .(3)
قال الشيخ ابن عثيمين عن عزاء الجاهلية , يعني يدعو بدعوى الجاهلية , فينتخي بقبيلته .(4)
وفي شرح الحديث السابق قال الشيخ ابن عثيمين : هن " ,بالتخفيف لا بالتشديد " والهن : يعني الفرج , وإن شئت فقل الذكر , كما قال أبو بكر – رضي الله عنه – " امصص بظر اللات " , يعني فرجه , فالمعنى : أن الإنسان الذي يتعزى بعزاء الجاهلة , يستنصر بانتصارها , وما أشبه ذالك , فهذا يقال له : اعضض ذكر أبيك , قال " ولا تكنوا " أي : تأتوا بالكنية التي هي :"هن" بدل التصريح بالفرج , إهانة له , وبياناً بأن فعله قبيح , كما انه إذا قيل له , عض ذكر أبيك فهو قبيح .انتهى كلامه(5)
فانظر كيف أمرنا النبي صلى الله عليه وسلم , أن نهين ونذل من ابتغى العزة , في غير هذا الدين ,من نصرة قبيلة , أو قومٍ , أو دولة , أو غير ذالك , وانظر إلى أمير المؤمنين , عمر ابن الخطاب , عندما قال , نحن قوم أعزنا الله بالإسلام , فإن ابتغينا العزة , في غيره , أذلنا الله , فأين نحن من قول الفاروق .
هذا وقد جاء في الحديث الذي رواه مسلم , في صحيحه , عن جابر ابن عبدالله قال :" كنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم , في غزاه فكسع رجل من المهاجرين , رجل من الأنصار , فقال الأنصاري : ياللأنصار , وقال المهاجري , ياللمهاجرين , فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم " ما بال دعوى الجاهلية " فقالوا : يا رسول الله كسع رجل من المهاجرين رجل من الأنصار, فقال :" دعوها فإنها منتنة " (6)
قال الحافظ ابن حجر , كانوا يقولون : " يا آل فلان " فيجتمعون فينصرون القائل , ولو كان ظالما , فجاء الإسلام بالنهي عن ذالك. انتهى كلامه (7)
قال النووي :وأما تسميته , صلى الله عليه وسلم , ذالك دعوة الجاهلية , فهو كراهة منه لذالك , فإنه مما كانت عليه الجاهلية , من التعاضد بالقبائل في أمور الدنيا , ومتعلقاتها وكانت الجاهلية , تأخذ حقوقها بالعصبات والقبائل, فجاء الإسلام بإبطال ذالك انتهى كلامه .(8)
قال المباركفوري , في قول النبي صلى الله عليه وسلم " ما بال دعوى الجاهلة " قال أي ما شأنها , وهو في الحقيقة إنكار ومنع عن قول " يا آل فلان " , ونحوه وقوله " دعوها " أي اتركوا هذه المقالة "فإنها منتنة " من النتن أي أنها كلمة قبيحة خبيثة. انتهى كلامه (9)
قال النووي في قوله " دعوها فإنها منتنة " أي قبيحة كريهة مؤذية انتهى كلامه.(10)
قلت يا سبحان الله ما نهانا , الإسلام عن شيء إلى كان ضاراً لا خير فيه , ومن ما لا مرية فيه أن هذه , العصبيات بجميع أنواعها , هي من جملة ما لا نفع له , فلو وضعت في ميزان المصالح والمفاسد , لطاشت بها الكفة , ولما وجدنا فيها من المصالح , مثقال ذرة .
بل إن مما قرره بعض أهل العلم , أن من حاول تنمية هذه العصبية , وزيادتها والمساعدة على نشرها , فإنه يكون مستحقاً , للتعزير من الحاكم الشرعي ,
قال شيخ الإسلام , " أو يتعزى بعزاء الجاهلية , أ يلبي داعيها , إلى غير ذالك من المحرمات , فهؤلاء يعاقبون تعزيراً , وتنكيلاً , وتأديباً , بقدر ما يراه الوالي . انتهى كلامه(11)
وتأمل أخي المبارك, في قول النبي صلى الله عليه وسلم :" أربع في أمتي من أمر الجاهلية , لا يتركونهن , الفخر في الاحساب , والطعن في الانساب .... الخ" (12)
قال ابن حجر, في قول النبي صلى الله عليه وسلم " الطعن في الأنساب " أي القدح من بعض الناس في نسب بعض. انتهى كلامه(13)
قلت وقول النبي صلى الله عليه وسلم " لا يتركونهن " ليس إقراراً منه صلوات ربي وسلامه عليه , وإنما إخبار منه صلى الله عليه وسلم , بأن أكثر هذه الأمة لا تترك هذا الذنب العظيم , الذي هو من أمور الجاهلية ,إلا من رحم الله , وقد نهينا في مواضع كثيرة عن التشبه , بأهل الجاهلية , وهذا معلوم للجميع وليس هذا موضع لحثه.
والمتأمل في واقعنا , المعاصر يرى أن الطعن في الأنساب , قد فشا وانتشر , فمن طاعن في نسب أو قبيلة, أو جنسية أو بلد وغير ذالك من , أنواع الطعن ولا يحتاج ذالك , إلى دليل .
أما علموا بقول المصطفى صلى الله عليه وسلم :" يا أيها الناس , إن ربكم واحد , وإن أباكم واحد , ألا لا فضل لعربي على عجمي , ولا لعجمي على عربي , ولا لأحمر على أسود , ولا لأسود على أحمر , إلا بالتقوى , إن أكرمكم عند الله أتقاكم , ألا هل بلغت ؟ قالوا :بلى يا رسول الله , قال: فليبلغ الشاهد الغائب"(14)
وهذا الفاروق رضي الله عنه , فيما يرويه عنه جابر ابن عبدالله قال : كان عمر يقول : أبو بكر سيدنا وأعتق سيدنا . يعني بلال .(15)
فانظر إلى عظمة هذا الإسلام, الذي به رُفع بلال الحبشي, وبه وُضع أبو جهل القرشي .
قال علي بن أبي طالب رضي الله عنه(16) :
الناس في جهة التمثيل أكفاءُ ## أبوهم آدم والأم حوَّاءُ
نفسٌ كنفسٍ وأرواحٌ مُشاكِلةٌ ## وأعظُمٌ خُلِقت فيهِم وأعضاءُ
فإن لهُم من أصلِهِم حسبٌ ## يُفاخِرُونَ به فالطِّينُ والماءُ
ما الفضلُ إلاَّ لأهلِ العِلمِ إنَّهُم ## على الهُدَى لِمن استهدى أدلاءُ
وقَدرُ كُلِّ امرئٍ ما كانَ يُحسِنُه ## وللرِّجالِ على الأفعَالِ أسمَاءُ
والناظر بعين البصيرة , في سلفنا الصالح , يجد أن من أكثر من خدم الدين , هم العجم , وأكبر دليل على ذالك أن , أصحاب الكتب الستة, البخاري , ومسلم , وأبو داود , والترمذي , وابن ماجة , والنسائي , لم يكونوا من العرب ولم ينقص ذالك منهم شيئا . وهم لم يكونوا أصحاب أحساب ولا أنساب ,
ولعلي أسوق لكم قصة ذكرها ابن الصلاح في مقدمته تدل على أن الفضل ليس بالحسب ولا بالنسب ولا بالقبيلة ولا بالبلد : قال روينا عن الزهري , قال قدمت على عبد الملك بن مران, فسأله: من أين قدمت يا زهري؟. قال قلت: من مكة.قال: فمن خلفت يسود أهلها؟: قال قلت: عطاء بن أبي رباح. قال: فمن العرب أم من الموالي؟ قال قلت: من الموالي. قال: فبما سادهم؟ قال قلت : بالديانة والرواية. قال: إن أهل الديانة والرواية لينبغي أن يسودوا. قال: فمن يسود أهل اليمن؟ قال قلت طاوس بن كيسان. قال: فمن العرب أم من الموالي؟ قال قلت: من الموالي. قال: فمن يسود أهل مصر؟ قال قلت: يزيد بن أبي حبيب. قال: فمن العرب أم من الموالي؟ قال قلت: من الموالي. قال: فمن يسود أهل الشام؟ قال قلت: مكحول. قال: فمن العرب أم من الموالي؟ قال قلت: من الموالي عبد نوبي أعتقته امرأة من هُذيل. قال: فمن يسود أهل الجزيرة؟ قال قلت: ميمون بن مهران. قال: فمن العرب أم من الموالي؟ قال قلت: من الموالي. قال: فمن يسود أهل خرسان؟ قال قلت: الضحاك بن مُزاحم. قال: فمن العرب أم من الموالي؟ قال قلت: من الموالي. قال: فمن يسود أهل البصرة؟ قال قلت: الحسن البصري. قال: فمن العرب أم من الموالي؟ قال قلت: من الموالي. قال: ويلك فمن يسود أهل الكوفة؟ قال قلت: إبراهيم النَّخَعي. قال: فمن العرب أم من الموالي؟قال قلت: من العرب. قال: ويلك يا زهري فرّجت عني والله ليسودن الموالي على العرب في هذا البلد حتى يُخطب لها على المنابر والعرب تحتها. قلت: يا أمير المؤمنين إذا هو أمر الله ودينه , من حفظه ساد , ومن ضيعه سقط.(17)
فيا أيه الإخوة المباركون, ماذا نريد من هذه العصبية , وتذكيتها وتأجيج نارها , بعد ما رأيناه من نصوص , وأقوال لأهل العلم في ذالك , وإنني لأرى أن إقامة احتفال أو ملتقى , للتعريف بالقبيلة إنما , ينمي ويزيد من العصبية القبلية , وعند النظر فيها أي الملتقيات الخاصة , بالتعريف بالقبيلة لا الملتقيات للتعارف بين أفراد القبيلة , فإن الناظر لا يكاد بل لا يجد لها من المصالح , الدنيوية فضلا عن الدينية , شيئاً وإنما هي خسارة في المال , والجهد والوقت , لا مكسب من ورائها , فإني أخاطب أصحاب العقول النيرة , والنفوس الطيبة أن ينصرفوا عن مثل هذه الأفكار, فإن الله سبحانه وتعالى يعلم المصلح من المفسد وقد مات من لا حسب له ولا نسب , ولا يعرف بقبيلة ولا بغيرها وهو في الفردوس الأعلى من الجنة ونحن إخوتي ما خلقنا من أجل , التعريف بالقبيلة أو تسطير , الأمجاد لها أو التحدث عن ما حققوه من إنجازات في حقبٍ قد مضت, وإنما نحن مخلوقين من أجل عبادته سبحانه وتعالى , فلا تجعله يفقدك حيث أمرك أو يجدك حيث نهاك .
هذا والله أسأل أن يجعل ما قلته, زادا إلى حسن المصير إليه , وعتاداً إلى يمن القدوم عليه , إنه بكل جميلٍ كفيل , وهو حسبنا ونعم الوكيل , وصلى الله على سيدنا ونبينا محمد , وعلى آله وصحبه وسلم تسليما كثيرا .
كتبه
أبو عمر
حامل المسك
_____________________________
(1)صححه ابن حبان (5942) , وقال الشيخ أحمد شاكر (5/274)إسناد صحيح
(2)صححه ابن حبان (3153) , والألباني في الصحيحة (269)
(3)التعليق على السياسة الشرعية(269)
(4)التعليق على السياسة الشرعية(331)
(5)التعليق على السياسة الشرعية(268)
(6)مسلم كتاب البر والصلة, باب نصر الأخ ظالما أو مظلوما (6526)
(7)فتح الباري(6/668)
(8)المنهاج شرح صحيح مسلم ابن الحجاج(8/353)
(9)تحفة الأحوذي بشرح جامع الترمذي(9/269)
(10)المنهاج شرح صحيح مسلم ابن الحجاج(8/354)
(11)التعليق على السياسة الشرعية(331-332)
(12) رواه مسلم(934)
(13)فتح الباري(7/203)
(14)صحصه الألباني في السلسلة الصحيحة(2700)
(15)البخاري(3754)
(16)جامع بيان العلم وفضله لابن عبدالبر (1/218)
(17)مقدمة ابن الصلاح(199)