صقر قريش
07-16-2009, 05:46 PM
إشراقة المحيّا
http://www.al-madina.com/files/imagecache/node_photo/files/rbimages/1246563250383901000.jpg (http://www.al-madina.com/node/155873)
الجمعة, 3 يوليو 2009
د. عائض القرني
كل من لاقيتُ يشكو دهره
ليت شعري هذه الدنيا لمن؟
هذه الدار مشوبة بالكدر، ممزوجة بالهم معروفة بالنّكد (لقد خلقنا الإنسان في كبد)، وكل عاقل وعالمٍ وأديب وفيلسوف يقدم لك وصفة في مواجهة أحزانها ومصائبها، فأبو الطيب المتنبي يقول لك:
لا تَلقَ دَهرَكَ إِلا غَيرَ مُكتَرِثٍ
مادامَ يَصحَبُ فيهِ روحَكَ البَدَنُ
فهو يدعوك لعدم المبالاة ومواجهة الأمور بعدم اكتراث، ولكن إيليا أبو ماضي يدلّك على التّبسم في وجه الحوادث:
قال: الليالي جرّعتْني علقما
قلتُ: ابتسم ولئن جَرعَت العلقما
إذاً ابتسم أمام كل أزمة وعند كل مصيبة ومع كل ألم؛ لأن التّحسر والبكاء والندم لا يجدي، لكن التّبسم إعلان للانتصار وإظهار للظفر وتعزية للنفس وإثبات للصبر ورضا بالقدر واعتراف بالواقع، يوم مات ابنك فبكيت هل عاد؟ يوم خسرت المال فتأسّفت هل رجع مالك؟ قهرك العدو فصرخت وضجرت فهل انتصرت عليه؟ إذاً لا تحوّل المصيبة إلى مصيبتين ولكن عند الأزمة (اصنع من الليمون شراباً حلوا)، وقد حفظ لنا التاريخ عظماء صارعوا الأحداث وعاركتهم الملمات وهم يتبسّمون في عين العاصفة ويضحكون في وجوه الخطوب، كما قال أبو الطيب لسيف الدولة:
وَقَفتَ وَما في المَوتِ شَكٌّ لِواقِفٍ
كَأَنَّكَ في جَفنِ الرَدى وَهوَ نائِمُ
تَمُرُّ بِكَ الأَبطـالُ كَلمـى هَزيمَةً
وَوَجهُكَ وَضّاحٌ وَثَغرُكَ باسِمُ
ولما مات ابن الفضيل بن عياض ضحك الفضيل، فقال له أصحابه مالك؟ قال: ليعلم ربي أني رضيتُ، ولما وقعت الهزيمة في أحد على المسلمين وكثر القتل والجراح في المؤمنين قال الرسول صلى الله عليه وسلم لأصحابه: «صفّوا ورائي لأثني على ربي» بل بعضهم كان يقابل النوائب بالنعاس وقد جعله الله حلاً للمؤمنين فقال عنهم في أحد: (إذ يغشّيكم النعاس أمنة منه) وكان مع الحجاج بن يوسف ثلاثة آلاف مقاتل ومع شبيب الخارجي ستون فارساً فأخذ شبيب من قوة قلبه ومضاء عزيمته ينعس على بغلته، ثم دارت الحرب فانتصر على الحجاج وهزم جيشه، وطاردت زوجته غزالة الحجاج بجند قليل معها حتى خرج من قصر الإمارة، فقال الشاعر يهجو الحجاج:
هَلاّ بَرَزتَ إِلى غَزالَةَ في الوَغى
بَل كانَ قَلبُكَ في جَناحَي طائِرِ
أَسدٌ عَلَيَّ وَفي الحُروبِ نَعامَةٌ
رَبـداءُ تجفلُ مِن صَفيرِ الصافِرِ
إذاً ليس لي ولك من حل أمام أي معضلة أو نكبة إلا التّبسم إذ لم تستطع النوم والنعاس.
إن في الناس عظماء وصابرين يتبسّمون عند كل ملمّة، ومع كل مصيبة وهم أهل الرضى والأمن الداخلي والإيمان القوي، إنهم أصحاب القلوب الكبيرة منهم المقعد على كرسيّه الذي يوزع البسمات على الجمهور، ومنهم المريض من سنوات على السرير الأبيض الذي تزين وجهه بسمة الرضى، ومنهم من خسر ثروته فسلّم للقدر وتبسّم أمام الأمر الواقع، أيها الراضون بقضاء الله، أيها المتبسمون عند الخطوب (سلامٌ عليكم بما صبرتم فنعم عقبى الدار).
http://www.al-madina.com/files/imagecache/node_photo/files/rbimages/1246563250383901000.jpg (http://www.al-madina.com/node/155873)
الجمعة, 3 يوليو 2009
د. عائض القرني
كل من لاقيتُ يشكو دهره
ليت شعري هذه الدنيا لمن؟
هذه الدار مشوبة بالكدر، ممزوجة بالهم معروفة بالنّكد (لقد خلقنا الإنسان في كبد)، وكل عاقل وعالمٍ وأديب وفيلسوف يقدم لك وصفة في مواجهة أحزانها ومصائبها، فأبو الطيب المتنبي يقول لك:
لا تَلقَ دَهرَكَ إِلا غَيرَ مُكتَرِثٍ
مادامَ يَصحَبُ فيهِ روحَكَ البَدَنُ
فهو يدعوك لعدم المبالاة ومواجهة الأمور بعدم اكتراث، ولكن إيليا أبو ماضي يدلّك على التّبسم في وجه الحوادث:
قال: الليالي جرّعتْني علقما
قلتُ: ابتسم ولئن جَرعَت العلقما
إذاً ابتسم أمام كل أزمة وعند كل مصيبة ومع كل ألم؛ لأن التّحسر والبكاء والندم لا يجدي، لكن التّبسم إعلان للانتصار وإظهار للظفر وتعزية للنفس وإثبات للصبر ورضا بالقدر واعتراف بالواقع، يوم مات ابنك فبكيت هل عاد؟ يوم خسرت المال فتأسّفت هل رجع مالك؟ قهرك العدو فصرخت وضجرت فهل انتصرت عليه؟ إذاً لا تحوّل المصيبة إلى مصيبتين ولكن عند الأزمة (اصنع من الليمون شراباً حلوا)، وقد حفظ لنا التاريخ عظماء صارعوا الأحداث وعاركتهم الملمات وهم يتبسّمون في عين العاصفة ويضحكون في وجوه الخطوب، كما قال أبو الطيب لسيف الدولة:
وَقَفتَ وَما في المَوتِ شَكٌّ لِواقِفٍ
كَأَنَّكَ في جَفنِ الرَدى وَهوَ نائِمُ
تَمُرُّ بِكَ الأَبطـالُ كَلمـى هَزيمَةً
وَوَجهُكَ وَضّاحٌ وَثَغرُكَ باسِمُ
ولما مات ابن الفضيل بن عياض ضحك الفضيل، فقال له أصحابه مالك؟ قال: ليعلم ربي أني رضيتُ، ولما وقعت الهزيمة في أحد على المسلمين وكثر القتل والجراح في المؤمنين قال الرسول صلى الله عليه وسلم لأصحابه: «صفّوا ورائي لأثني على ربي» بل بعضهم كان يقابل النوائب بالنعاس وقد جعله الله حلاً للمؤمنين فقال عنهم في أحد: (إذ يغشّيكم النعاس أمنة منه) وكان مع الحجاج بن يوسف ثلاثة آلاف مقاتل ومع شبيب الخارجي ستون فارساً فأخذ شبيب من قوة قلبه ومضاء عزيمته ينعس على بغلته، ثم دارت الحرب فانتصر على الحجاج وهزم جيشه، وطاردت زوجته غزالة الحجاج بجند قليل معها حتى خرج من قصر الإمارة، فقال الشاعر يهجو الحجاج:
هَلاّ بَرَزتَ إِلى غَزالَةَ في الوَغى
بَل كانَ قَلبُكَ في جَناحَي طائِرِ
أَسدٌ عَلَيَّ وَفي الحُروبِ نَعامَةٌ
رَبـداءُ تجفلُ مِن صَفيرِ الصافِرِ
إذاً ليس لي ولك من حل أمام أي معضلة أو نكبة إلا التّبسم إذ لم تستطع النوم والنعاس.
إن في الناس عظماء وصابرين يتبسّمون عند كل ملمّة، ومع كل مصيبة وهم أهل الرضى والأمن الداخلي والإيمان القوي، إنهم أصحاب القلوب الكبيرة منهم المقعد على كرسيّه الذي يوزع البسمات على الجمهور، ومنهم المريض من سنوات على السرير الأبيض الذي تزين وجهه بسمة الرضى، ومنهم من خسر ثروته فسلّم للقدر وتبسّم أمام الأمر الواقع، أيها الراضون بقضاء الله، أيها المتبسمون عند الخطوب (سلامٌ عليكم بما صبرتم فنعم عقبى الدار).