صقر قريش
08-14-2009, 05:27 AM
حرف الدال.. النكرة!
الجمعة, 14 أغسطس 2009
د. سلطان عبدالعزيز العنقري
جمعة 1430/08/23 هجري - 2009/08/14 ميلادي صحيفة المدينة
سبق وأن كتبتُ قبل عدة سنوات عن حمَلَة الدكتوراة من خريجي“جامعات الجبن منزوع الدسم”، وقلت إننا ابتلينا بهذه النوعية من البشر الذين يبحثون عن الأضواء والشهرة، والمكانة الاجتماعية المزيّفة في مجتمع يبحث عن كفاءات مؤهلة تأهيلاً راقيًا من أجل تطوير المجتمع، وتنميته وفق أحدث ما توصل إليه العلم الحديث والمخترعات والمكتشفات والثورة المعلوماتية المتسارعة. ولكن لنرى كيف أن الذين يحترمون أنفسهم ومجتمعهم الذي صرف عليهم يبحثون عن الجامعات التي تعطي علمًا، وتأخذ في المقابل أتعابها من الرسوم الدراسية، بعكس الجامعات التي تأخذ ولا تعطي، فلو أخذنا فرضًا جامعة أوهايو الأمريكية في مدينة آثنز أوهايو، على سبيل المثال، لوجدنا أن هذه الجامعة في مرحلة الدكتوراة تطلب اختبارًا متقدمًا في الكتابة باللغة الإنجليزية كمتطلب رئيس للحصول على الدكتوراة على جميع الطلبة الأمريكان والأجانب، ففرص التعليم متساوية للجميع، لا فرق بين أمريكي أو أجنبي، ثم عليه أن يأخذ 45 ساعة دراسية في أول يوم يبدأ فيه الدراسة لمرحلة الدكتوراة، على ثلاث فصول ربعية متتالية، كل فصل ربعي 15 ساعة.
كل “كورس” مقرر دراسي فيه: ورقتان علميتان، وتقديم بحث مصغر أمام الطلاب، ونقد لأبحاث سابقة، واختبار نصف الفصل، والاختبار النهائي، كما أن عليه البقاء في المدينة حتى تكملة تلك الـ 45 ساعة، ثم بعد انتهاء المقررات الدراسية يأخذ ما يُسمّى بالاختبار الشامل، وهو جزءان؛ اختبار كتابة 16ساعة موزّعة على أربعة أيام، معدل كل يوم 4 ساعات اختبار كتابة “تحريري” للتخصص المراد الحصول فيه على شهادة الدكتوراة، ثم بعد اجتيازه تشكّل لجنة من خمسة أعضاء، الخامس يمثّل عميد الكلية من خارج الكلية، يشهد على نزاهة اللجنة المشكّلة، ثم يناقش الطالب لفظيًّا لمدة ساعتين بما كتبه في الاختبار التحريري، بما فيه إذا كان هناك أي ضعف في الكتابة التحريرية يسأل عنها، ويأخذ فرصته بالتحدّث عنها، ثم بعد اجتيازه يصبح مرشّحًا لنيل درجة الدكتوراة. بعدها يبدأ بتقديم خطة البحث كجزء مكمّل للحصول على درجة الدكتوراة، ثم تأتي اللجنة نفسها بمناقشة خطة البحث من أجل إجازته، ثم بعد إجازته يقوم الطالب بإجراء البحث في مجال تخصصه، وعند الانتهاء يناقش مناقشة نهائية من قِبل اللجنة نفسها، وعند اجتيازه المناقشة يمنح درجة الدكتوراة. ولكن قبل أن يمر الطالب بجميع المراحل السابقة، فإنه يوضع كل شهر تحت المجهر من قِبل أساتذة القسم، وهل هو بالفعل طالب جاد على مستوى مرحلة الدكتوراة أم لا؟ أو يطلب منه مغادرة الجامعة. وبعد أن انتهينا من جامعات الجبن كامل الدسم نعود إلى جامعات الجبن منزوع الدسم التي تأخذ ولا تعطي، وهي جامعات البعض منها موجود على سطح الأرض للعيان، والبعض الآخر موجود في الشقق والدكاكين، تعطيك تلك الشهادات المزخرفة والمنقوشة، وإذا أردت مع النياشين والأوسمة، ومراتب الشرف العليا، فإنها جاهزة، المهم تدفع مبلغًا من أجل الحصول عليها. البعض من الجامعات الموجودة على سطح الأرض سجّل موضوعًا، وأذهب إلى بلدك، وإذا انتهيت من كتابته تعالَ لتناقش رسالتك. والبعض الآخر من الجامعات تمنح درجة الدكتوراة في كل التخصصات، فتجد توجهها دراسات شرعىة، ولغة عربية، ثم تجدها تمطرنا كل يوم بحملة الدكتوراة في معظم التخصصات، في حين جامعات أخرى أقدم منها لا تمنح تلك الشهادات؛ لأنها تحتاج إلى إمكانات بشرية ومادية وتقنية إلى غيرها. فتجد فجأة زميلاً لك في العمل، أي أنك تشاهده يوميًّا في العمل، يحصل على الدكتوراة وهو على رأس العمل!!
حرف الدال الذي أطلقنا عليه حرف نكرة، وهو بالفعل كذلك، عندما يوضع أمام اسم شخص لا يستحقه، بل يستخدمه جسرًا لكي يعبر عليه لتحقيق مآرب ومكانة اجتماعية مزيّفة، حتى رجال الأعمال الذين لديهم زينة الحياة الدنيا “المال والبنون” انتقلت إليهم حمّى حرف الدال، فإلى جانب الشيخ، ورجل الأعمال، لقب الدكتور، ولو هناك ألقاب أخرى لحصلوا عليها؛ المهم اجعل يدك منبسطة كل البسط لتحصل على مراتب الشرف العليا!!
بالطبع يجب أن لا نفهم خطأ، بل نريد محاربة هذه الظاهرة التي انتشرت في مجتمعنا كانتشار النار في الهشيم، وإعطاء كل مَن يستحق هذه الدرجة حقوقه الكاملة التي من حقه، ونفرّق ما بين عاشقي حرف الدال والباحثين عن الأضواء والشهرة، والوجاهة الاجتماعية، والمناصب مع أناس تغرّبوا وتعبوا وبذلوا جهودًا مضنية من أجل أن يتعلّموا وينفعوا ناسهم ومجتمعهم، فنحن مازلنا بأمسّ الحاجة لحملة حرف الدال؛ لأن لدينا عشرين جامعة وغيرها من الكليات، إلى جانب الجامعات والكليات الخاصة، وإلاَّ فإن مخرجات التعليم سوف تظل ضعيفة جدًّا. حرف الدال للذين تعبوا في الحصول عليه حرف ثقيل جدًّا.. لماذا؟ لأن حامله عليه أن يكون في مستوى كبر وعظم هذا الحرف؛ لأن المجتمع يطالبه بأن يكون مرجعًا وخبيرًا وأستاذًا ومستشارًا ومنتجًا وفاعلاً إلى غيرها من الأمور التي يطلبها المجتمع، إضافة إلى أن الحصول على حرف الدال هو بداية الطريق وليس نهايته؛ لأن مَن يحصل عليه يجب عليه الاطّلاع على المستجدات في مجال تخصصه من خلال المجلات البحثية الدورية العلمية التي تصدر بشكل دوري فيها نتائج أبحاث ودراسات، وخلاصة فكر ومعرفة، إلى جانب حضور مؤتمرات وملتقيات وندوات، وحلقات علمية، وورش عمل إلى غيرها ممّا يطلق عليه التعليم المستمر. نخلص إلى القول إن لجنة معادلة الشهادات في وزارة التعليم العالي عليها مسؤولية إيقاف هذه المهازل التعليمية بدون مجاملات، وعدم ترك الحبل على الغارب لكل مَن هب ودب يبحث فقط عن حرف الدال النكرة.
الجمعة, 14 أغسطس 2009
د. سلطان عبدالعزيز العنقري
جمعة 1430/08/23 هجري - 2009/08/14 ميلادي صحيفة المدينة
سبق وأن كتبتُ قبل عدة سنوات عن حمَلَة الدكتوراة من خريجي“جامعات الجبن منزوع الدسم”، وقلت إننا ابتلينا بهذه النوعية من البشر الذين يبحثون عن الأضواء والشهرة، والمكانة الاجتماعية المزيّفة في مجتمع يبحث عن كفاءات مؤهلة تأهيلاً راقيًا من أجل تطوير المجتمع، وتنميته وفق أحدث ما توصل إليه العلم الحديث والمخترعات والمكتشفات والثورة المعلوماتية المتسارعة. ولكن لنرى كيف أن الذين يحترمون أنفسهم ومجتمعهم الذي صرف عليهم يبحثون عن الجامعات التي تعطي علمًا، وتأخذ في المقابل أتعابها من الرسوم الدراسية، بعكس الجامعات التي تأخذ ولا تعطي، فلو أخذنا فرضًا جامعة أوهايو الأمريكية في مدينة آثنز أوهايو، على سبيل المثال، لوجدنا أن هذه الجامعة في مرحلة الدكتوراة تطلب اختبارًا متقدمًا في الكتابة باللغة الإنجليزية كمتطلب رئيس للحصول على الدكتوراة على جميع الطلبة الأمريكان والأجانب، ففرص التعليم متساوية للجميع، لا فرق بين أمريكي أو أجنبي، ثم عليه أن يأخذ 45 ساعة دراسية في أول يوم يبدأ فيه الدراسة لمرحلة الدكتوراة، على ثلاث فصول ربعية متتالية، كل فصل ربعي 15 ساعة.
كل “كورس” مقرر دراسي فيه: ورقتان علميتان، وتقديم بحث مصغر أمام الطلاب، ونقد لأبحاث سابقة، واختبار نصف الفصل، والاختبار النهائي، كما أن عليه البقاء في المدينة حتى تكملة تلك الـ 45 ساعة، ثم بعد انتهاء المقررات الدراسية يأخذ ما يُسمّى بالاختبار الشامل، وهو جزءان؛ اختبار كتابة 16ساعة موزّعة على أربعة أيام، معدل كل يوم 4 ساعات اختبار كتابة “تحريري” للتخصص المراد الحصول فيه على شهادة الدكتوراة، ثم بعد اجتيازه تشكّل لجنة من خمسة أعضاء، الخامس يمثّل عميد الكلية من خارج الكلية، يشهد على نزاهة اللجنة المشكّلة، ثم يناقش الطالب لفظيًّا لمدة ساعتين بما كتبه في الاختبار التحريري، بما فيه إذا كان هناك أي ضعف في الكتابة التحريرية يسأل عنها، ويأخذ فرصته بالتحدّث عنها، ثم بعد اجتيازه يصبح مرشّحًا لنيل درجة الدكتوراة. بعدها يبدأ بتقديم خطة البحث كجزء مكمّل للحصول على درجة الدكتوراة، ثم تأتي اللجنة نفسها بمناقشة خطة البحث من أجل إجازته، ثم بعد إجازته يقوم الطالب بإجراء البحث في مجال تخصصه، وعند الانتهاء يناقش مناقشة نهائية من قِبل اللجنة نفسها، وعند اجتيازه المناقشة يمنح درجة الدكتوراة. ولكن قبل أن يمر الطالب بجميع المراحل السابقة، فإنه يوضع كل شهر تحت المجهر من قِبل أساتذة القسم، وهل هو بالفعل طالب جاد على مستوى مرحلة الدكتوراة أم لا؟ أو يطلب منه مغادرة الجامعة. وبعد أن انتهينا من جامعات الجبن كامل الدسم نعود إلى جامعات الجبن منزوع الدسم التي تأخذ ولا تعطي، وهي جامعات البعض منها موجود على سطح الأرض للعيان، والبعض الآخر موجود في الشقق والدكاكين، تعطيك تلك الشهادات المزخرفة والمنقوشة، وإذا أردت مع النياشين والأوسمة، ومراتب الشرف العليا، فإنها جاهزة، المهم تدفع مبلغًا من أجل الحصول عليها. البعض من الجامعات الموجودة على سطح الأرض سجّل موضوعًا، وأذهب إلى بلدك، وإذا انتهيت من كتابته تعالَ لتناقش رسالتك. والبعض الآخر من الجامعات تمنح درجة الدكتوراة في كل التخصصات، فتجد توجهها دراسات شرعىة، ولغة عربية، ثم تجدها تمطرنا كل يوم بحملة الدكتوراة في معظم التخصصات، في حين جامعات أخرى أقدم منها لا تمنح تلك الشهادات؛ لأنها تحتاج إلى إمكانات بشرية ومادية وتقنية إلى غيرها. فتجد فجأة زميلاً لك في العمل، أي أنك تشاهده يوميًّا في العمل، يحصل على الدكتوراة وهو على رأس العمل!!
حرف الدال الذي أطلقنا عليه حرف نكرة، وهو بالفعل كذلك، عندما يوضع أمام اسم شخص لا يستحقه، بل يستخدمه جسرًا لكي يعبر عليه لتحقيق مآرب ومكانة اجتماعية مزيّفة، حتى رجال الأعمال الذين لديهم زينة الحياة الدنيا “المال والبنون” انتقلت إليهم حمّى حرف الدال، فإلى جانب الشيخ، ورجل الأعمال، لقب الدكتور، ولو هناك ألقاب أخرى لحصلوا عليها؛ المهم اجعل يدك منبسطة كل البسط لتحصل على مراتب الشرف العليا!!
بالطبع يجب أن لا نفهم خطأ، بل نريد محاربة هذه الظاهرة التي انتشرت في مجتمعنا كانتشار النار في الهشيم، وإعطاء كل مَن يستحق هذه الدرجة حقوقه الكاملة التي من حقه، ونفرّق ما بين عاشقي حرف الدال والباحثين عن الأضواء والشهرة، والوجاهة الاجتماعية، والمناصب مع أناس تغرّبوا وتعبوا وبذلوا جهودًا مضنية من أجل أن يتعلّموا وينفعوا ناسهم ومجتمعهم، فنحن مازلنا بأمسّ الحاجة لحملة حرف الدال؛ لأن لدينا عشرين جامعة وغيرها من الكليات، إلى جانب الجامعات والكليات الخاصة، وإلاَّ فإن مخرجات التعليم سوف تظل ضعيفة جدًّا. حرف الدال للذين تعبوا في الحصول عليه حرف ثقيل جدًّا.. لماذا؟ لأن حامله عليه أن يكون في مستوى كبر وعظم هذا الحرف؛ لأن المجتمع يطالبه بأن يكون مرجعًا وخبيرًا وأستاذًا ومستشارًا ومنتجًا وفاعلاً إلى غيرها من الأمور التي يطلبها المجتمع، إضافة إلى أن الحصول على حرف الدال هو بداية الطريق وليس نهايته؛ لأن مَن يحصل عليه يجب عليه الاطّلاع على المستجدات في مجال تخصصه من خلال المجلات البحثية الدورية العلمية التي تصدر بشكل دوري فيها نتائج أبحاث ودراسات، وخلاصة فكر ومعرفة، إلى جانب حضور مؤتمرات وملتقيات وندوات، وحلقات علمية، وورش عمل إلى غيرها ممّا يطلق عليه التعليم المستمر. نخلص إلى القول إن لجنة معادلة الشهادات في وزارة التعليم العالي عليها مسؤولية إيقاف هذه المهازل التعليمية بدون مجاملات، وعدم ترك الحبل على الغارب لكل مَن هب ودب يبحث فقط عن حرف الدال النكرة.