المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : ميزانية التعليم بين الضخامة وكفاءة المخرجات التعليمية


صقر قريش
12-25-2010, 02:10 PM
ميزانية التعليم بين الضخامة وكفاءة المخرجات التعليمية
أ.د. سامي سعيد حبيب
المدينة - السبت 19/1/1432 هـ 25/12/2010 م العدد : 17412


تعيش المملكة العربية السعودية هذه الأيام فرحةً وازدهاراً، الفرحة بسلامة والد الجميع خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز آل سعود حفظه الله الذي أجريت له عمليات جراحية ناجحة ولله الحمد في الولايات المتحدة الأمريكية إثر تجمع دموي بفقرات الظهر ألم به أثناء موسم حج 1431هـ والوطن كل الوطن في انتظار عودته الميمونة على أحر من الجمر. أما فرحة الازدهار فبمناسبة إعلان أكبر موازنة في تاريخ المملكة العربية السعودية والتي بلغت 580 مليار ريال للعام المالي1432هـ. تعكس حصة التعليم والتدريب البالغة 150 مليار ريال أي 26% من دخل المملكة مدى اهتمام حكومة خادم الحرمين الشريفين الرشيدة بل واهتمامه الشخصي وهو صاحب مشروع الملك عبدالله لتطوير التعليم بمستوى العلم والتعليم في المملكة، وللمقارنة فإن الإحصائيات المنشورة تظهر أن متوسط الإنفاق الحكومي العالمي على التعليم هو 15،7% ولا يتجاوز 4% من الدخل القومي للدول، وتتفاوت الدول حتى المتقدمة منها في الإنفاق فالولايات المتحدة الأمريكية مثلاً تنفق 6،1% من إجمالي ناتجها القومي وهو يساوي 17،1% من إنفاقها الحكومي على التعليم أي أنها تستثمر قرابة 2،684 دولارا للفرد من مواطنيها على التعليم، بينما يشكل إنفاق اليابان 10،5% من الإنفاق الحكومي، في حين تنفق ماليزيا النموذج الإسلامي الذي لم يزل واعداً 20،3% من إنفاقها الحكومي على التعليم ولا غرو فقد ارتبط ومنذ الثورة الصناعية في القرن الثامن عشر النمو الاقتصادي بتطور العلم والتقنية، والتعليم بدوره يوفر الفرصة للتطور الأسرع للعلوم والتقنية حتى للدول بل ويشكل الطريق الوحيد للدول التي بدأت متأخرة للحاق بالدول المتقدمة. فإذا اعتبرنا الإنفاق العام على التعليم والتدريب في العالم عموماً وفي المملكة خصوصاً أحد أهم المؤشرات على صحة مسار التنمية المستدامة في العالم لا سيما في ظل الأزمات المالية العالمية فإن وضع المملكة المقارن يبشر ولله الحمد بخير كثير وربما كان الأفضل على مستوى العالم. من بين المؤشرات بالغة الأهمية أيضاً في مسيرة التنمية المستدامة العالمية هي مخرجات التعليم الجامعي والعام، وفي هذا المؤشر بالذات يكاد يكون ثمة إجماع بوجود متسع ومساحة كبيرة جداً للتطوير والتحسين بالمملكة وضعف مستوى تأهيل القوى البشرية الوطنية وتراجع إنتاجيتها ومشاركتها في الاقتصاد الوطني، دون غمط لجهود إصلاح التعليم المتواصلة وللمنجزات التي تحققت على مدى العقود الماضية في المخرجات التعليمية من خلال الجهود المخلصة التي بذلتها وتبذلها كل من وزارتي التعليم العالي ووزارة التربية والتعليم. وبالإضافة إلى عناصر النهوض بالتعليم كمثل توفير البيئة المحفزة والتجديد الدائم للبنية التحتية، ووجود خطة وطنية متضافرة لمخرجات التعليم فإن النقاط التالية تشكل ركائز في عملية أي إصلاح للتعليم لابد من أخذها بعين الاعتبار لإحداث النقلة النوعية المنشودة في التعليم بالمملكة. 1 ) زرع روح وثقافة التحقق بالعلم والمعرفة في جميع عناصر ومراحل العملية التعليمية: فإن من أهم آفات العملية التعليمية في المملكة وفي جميع أرجاء العالم المعاصر على تفاوت ٍ في الدرجات هو انتشار قيم السطحية والمظهرية التعليمية إن جازت التسمية والمتمثلة في حرص الخريجين على الدرجات العالية والحصول على الشهادات التعليمية طلباً للوظائف دون إعطاء الأهمية البالغة للرسوخ وللتحقق باكتساب الملكات العلمية وصقل المهارات الشخصية والمهنية، التي هي جزء من تراثنا العلمي الإسلامي الأصيل التي بلغ من شأوها أن ربط الله بينها وبين الإيمان في قوله تعالى (إنما يخشى الله من عباده العلماء) وذلك يشمل العلماء الشرعيين ويشمل علماء العلوم الطبيعية، فالقرآن كتاب الله المنزل والكون من حولنا كتاب الإبداع الإلهي في الوجود. 2 ) التركيز على مخرجات تعليمية قوية في كل شيء لا سيما في مجال العلوم والتقنية: فمما لا ريب فيه أن تعليم وتدريب مختلف المستويات التعليمية على قدر أو لنقل الحد الأدنى من متطلبات العلوم الشرعية واللغة العربية والتراث العربي الأصيل شيء مطلوب لصقل الشخصية الاجتماعية المتدينة السوية والإيجابية المتوازنة، على أن يعزز ذلك ومن أجل أن تكون أجيالنا مهيأة لخوض غمار التنافسية العالمية من تميز مخرجات التعليم العام والجامعي في شتى مجالات العلوم الطبيعية والتطبيقية والرياضيات وسواها من أنواع العلوم الحديثة التي بها تتفاضل مخرجات التعليم في الدول المتقدمة كاليابان وألمانيا والولايات المتحدة.. الخ تلك الدول المتقدمة التي ترى في التعليم والتدريب سلاحها التنافسي الأول. 3 ) بناء المخرجات التعليمية على أسس التطبيق العملي know How Vs Know Why بهدف ترجيح كفة التعليم التطبيقي في مقابل التعليم النظري الذي يعاني منه عالمنا العربي، حيث تجد فيه الآلاف المؤلفة من الشباب والفتيات القادرين على التعامل مع معطيات التقنية دون أن يكونوا صناعاً لها فنحن نجيد قيادة الطائرات والسيارات مثلاً أو الاستفادة من الحاسبات والجوالات.. الخ لكننا لا نجيد صناعتها ولا تطوير أجيال جديدة منها، ولتغير أحوالنا من مستهلكي تقنية إلى صناعتها لابد من إعادة تشكيل العقل العربي ولا يتم ذلك إلا من خلال التعليم المبني على مبدأ التطبيق العملي أو كما يقال بالإنجليزية know How Vs Know Why 4) المقياسية العالمية في التعليم: لمضارعة مخرجات أفضل النظم التعليمية العالمية، وخير دليل على الوصول لذلك المستوى هو أن يستطيع خريجو التعليم بالمملكة اجتياز اختبارات النظم التعليمية العالمية بتفوق. 5 ) التغلب على البيروقراطية في العملية التعليمية من خلال تجديد نظم الإدارة التعليمية ومحاكاة أفضل تجاربها العالمية بما يتواءم مع بيئتنا المحلية، المهم هو الحد من عراقيل البيروقراطية في النظام التعليمي إلى أدنى حد ممكن وإحلال المرونة المنضبطة التي تتناسب مع إيقاع العصر مكان البيروقراطية. هذا غيض من فيض مما يمكن أن يتخذ من سياسات تعليمية منبثقة عن قرارات سياسية شاملة لكي ينعكس الإنفاق الحكومي على مخرجات التعليم بالمملكة العربية السعودية وفقاً لرؤية خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز في تشكيل مجتمع المعرفة والاستثمار في الإنسان أولاً، وهي رؤية صائبة فتطوير الإنسان والترقي به مهمة الأنبياء والمرسلين ومهمة أتباعهم من بعدهم، إذ أن رقي الإنسان هو ركيزة عمارة الأرض الأولى