مخاوي منقاش
03-05-2012, 04:28 PM
تولد مجلس الشورى السعودي منذ 21 عاماً، ورغم أن ولادته كان يمكن أن تكون بشكل ووضعٍ أفضل، إلاّ أنه كان خطوة جيدة في زمانه. منذ ذلك الزمان وحتى اليوم دارت عجلة الحياة في جميع مكوناتها السياسية والاقتصادية والاجتماعية دوراناً سريعاً أصبحت معه الأمور والقضايا أكثر إلحاحاً وأكثر تعقيداً وتنوعاً، وأصبحت عملية ترشيد القرار والوصول به إلى مستوى يجعله ملامساً بشكلٍ مباشر للقضايا موضوع القرار ومتلمساً لحلول عملية لمشكلاتها، أمراً في غاية الأهمية. التحسن النوعي في صنع القرار الحكومي يتم من خلال المشاركة في صنع القرار من قبل من هم مؤهلين فكرياً وعلمياً وخلقياً للإسهام في تحليل القضايا ومعرفة أطرافها وأبعادها واقتراح الحلول الملائمة لها. الانتقال من مرحلة احتكار القرار إلى المشاركة في إعداد القرار عاملٌ أساسي وجوهري في عملية ترشيد القرار وهذه حقيقة منطقية وتاريخية.
من أسباب ثورات الربيع العربي الفساد المتراكم بسبب احتكار السلطة واحتكار القرار ولو هُيئ لهذه الشعوب العربية مجالس شعبية منتخبة انتخاباً حراً نزيهاً، لأوجدت رجالاً ونساء يقبل بهم الشعب، يشاركون في صنع القرارات السياسية والاقتصادية ويصبحون مسؤولين عن نتائجها، إن خيراً فخير وإن شراً فشر. أما وإن ذلك لم يحدث، فقد تحمّل الحاكم وحكومته كل الوزر والعبء والمسؤولية وأصبح المسؤول أمام الشعب عن الفساد وكل ما آلت إليه حال البلاد والعباد من بؤس.
كل الظروف والأحوال الوطنية والإقليمية والعالمية وما يتبعها من قضايا تتطلب قرارات حاسمة وفعالة لقيادة مسيرة هذه البلاد إلى بر الأمان والرقي والتقدم، تحتم ضرورة مشاركة الشعب للحكومة من خلال مجلس للشعب منتخب انتخاباً حراً نزيهاً، في اتخاذ وترشيد القرار ومتابعة تنفيذه حتى الوصول إلى نتائجه النهائية. ويبقى السؤال إذاً، هل شعب المملكة العربية السعودية مؤهلٌ فكرياً وقادرٌ مادياً على انتخاب مجلس للشعب يمثّله برجالٍ ونساء قادرين على مساعدة الحكومة في ترشيد القرار؟ وللإجابة على هذا السؤال دعوني أستعرض المتطلبات الأساسية والرئيسة لقيام مجلسٍ منتخب وهي كما يلي:
أولاً: عملية الانتخاب:
هل الشعب السعودي مؤهّل لإجراء عملية انتخاب حرّة ونزيهة؟ وإجابتي هي بالاستدلال التاريخي والقريب جداً. فالشعب اليمني والليبي والتونسي والمغربي والمصري وكلّها شعوبٌ عربيةٌ، لها مكونات سكانية واجتماعية بثقافات ومعدلات تعليم مختلفة من الأمية إلى الدكتوراة، تسكن المدن وتسكن القرى، منها الغني ومنها الفقير، فيها المتطرف وفيها المعتدل، لا تختلف مكوناتها جوهرياً عن المكون الاجتماعي والعلمي والثقافي والديني في المملكة العربية السعودية، بل إنني أعتقد أن الوضع في المملكة العربية السعودية أفضل في ما يتعلق بهذه الجوانب. لذا، إنني أقول إن الشعب السعودي في مختلف مدنه وقراه، قادرٌ على إنجاز عملية انتخاب حر ونزيه لمجلس الشعب إذا وضعت له الضوابط والإجراءات التي تضمن ذلك، حاله حال غيره من الشعوب العربية الّتي أتيت على ذكرها.
ثانيا: الإحصاءات والبيانات السكانية اللازمة لعملية الانتخاب:
إن لدى المملكة في مجال الإحصاء السكاني، وبيانات الأفراد من حيث بطاقات الهوية الوطنية، ما هو أفضل وأدق من الإحصاءات السكانية في الدول العربية التي أجريت فيها انتخابات ناجحة.
ثالثا: المعدات والأجهزة المتعلقة برصد البيانات الانتخابية وتدقيقها:
كذلك نجد أن قدرات المملكة في هذا المجال قوية ومتقدمة.
إذا كانت الظروف والقضايا الوطنية والإقليمية والعالمية السياسية والاقتصادية، تتطلب بإلحاحٍ وجود مجلس شعب منتخب انتخاباً حراً ونزيهاً لكي يقدم الدعم للدولة في إعداد وترشيد القرار ومتابعة تنفيذه، وإذا كانت الإمكانات الاجتماعية والتعليمية والمادية والإحصائية اللازمة لإجراء عملية الانتخابات متوفرة، بل ومتوفرة بشكلٍ أفضل من دولٍ شقيقةٍ إمكاناتها البشرية والمادية أقلّ، فما هو العائق؟
بكل بساطة وبدون لفٍ ودوران كما تقول العامة، فإن العائق الرئيس هو عدم توفر الإرادة السياسية لهذه النقلة الضرورية والمهمة من مجلس الشورى إلى مجلس الشعب. إذا حاولنا التعرف على أسباب غياب الإرادة السياسية، تقفز إلى الذهن المقولات التالية:
1 – إن الشعب غير مؤهل لعملية انتخابٍ حرة، بفعل تكويناته الاجتماعية والقبلية… إلخ: وهذا مردودٌ عليه كما ذكرت أعلاه من خلال التجربة العملية لدولٍ فيها المكوّنات الاجتماعية أكثر تعقيداً وتخلفاً.
2 – إن الانتخابات سوف تأتي بمتطرفين إسلاميين يعيدون عقارب الساعة إلى الوراء: إن تأتي الانتخابات بإسلاميين فهذا انعكاسٌ لواقع الحال الاجتماعي والفكري كما هي الحال في الدول المجاورة الّتي تمّت بها الانتخابات الحرة، وهذا أمرٌ لا بأس به فنحن شعبٌ مسلم وهناك قواسم كبيرة ومشتركة بين التيّار الإسلامي والتيارات الوطنية الأخرى، ليبرالية وغير ليبرالية، فجميعهم يقفون على قاعدةٍ واحدةٍ هي الإسلام وهذه التيارات جميعها أعضاء في منظومة ونادي الإصلاح. أما المتطرفون إن جاؤوا فأهلاً وسهلاً بهم، فطبيعة النظام الديمقراطي في مجلس الشعب كفيلة بتهذيب التطرف وكبح جماحه وإعادته إلى الوسطية أو أنهم سيفقدون مؤيديهم وبالتالي مقاعدهم في المجلس.
3 – وجود مجلس شعبٍ منتخب سيأخذ من النظام الملكي في الحكم بعضا من صلاحياته وسيطرته على مفاصل الحياة: نعم مجلس الشعب سيأخذ جزءاً من هذه الصلاحيات لكنه سيعطي النظام الملكي قاعدةً شرعية قوية وشعبية، داعمة ومجددة للبيعة أساسها مساهمة الناس ومشاركتهم بإرادة حرة في القرارات والسياسات التي تنتهجها الدولة. بالإضافة إلى ذلك فإن مجلس الشعب سيحمي النظام من أولئك المتسلقين على كتفه والمستخدمين لاسمه؛ ليجنوا من وراء ذلك ما يخدم مصالحهم الذاتية ويلقوا بسوءاتهم عليه.
مجلس الشعب هو حماية للنظام الحاكم وترشيد لقراراته وإصلاح لسياساته وتوجّهاته، وكلها أمور تصب في مصلحة الوطن والنظام.
وجّه جلالة الملك عبدالله، المعروف بتوجهه الإصلاحي، كلمةً إلى الشعب منذ عدة أيام قال فيها (إنني لست شيئاً بدون الشعب، أحتاج إلى مساعدتكم ودعمكم)، والشعب يقول له، أعطنا الوسيلة أيها الملك المصلح، ولك منا كلّ الدعم والمساندة والمحبة والتقدير.
د عبدالعزيز الدخيل
من أسباب ثورات الربيع العربي الفساد المتراكم بسبب احتكار السلطة واحتكار القرار ولو هُيئ لهذه الشعوب العربية مجالس شعبية منتخبة انتخاباً حراً نزيهاً، لأوجدت رجالاً ونساء يقبل بهم الشعب، يشاركون في صنع القرارات السياسية والاقتصادية ويصبحون مسؤولين عن نتائجها، إن خيراً فخير وإن شراً فشر. أما وإن ذلك لم يحدث، فقد تحمّل الحاكم وحكومته كل الوزر والعبء والمسؤولية وأصبح المسؤول أمام الشعب عن الفساد وكل ما آلت إليه حال البلاد والعباد من بؤس.
كل الظروف والأحوال الوطنية والإقليمية والعالمية وما يتبعها من قضايا تتطلب قرارات حاسمة وفعالة لقيادة مسيرة هذه البلاد إلى بر الأمان والرقي والتقدم، تحتم ضرورة مشاركة الشعب للحكومة من خلال مجلس للشعب منتخب انتخاباً حراً نزيهاً، في اتخاذ وترشيد القرار ومتابعة تنفيذه حتى الوصول إلى نتائجه النهائية. ويبقى السؤال إذاً، هل شعب المملكة العربية السعودية مؤهلٌ فكرياً وقادرٌ مادياً على انتخاب مجلس للشعب يمثّله برجالٍ ونساء قادرين على مساعدة الحكومة في ترشيد القرار؟ وللإجابة على هذا السؤال دعوني أستعرض المتطلبات الأساسية والرئيسة لقيام مجلسٍ منتخب وهي كما يلي:
أولاً: عملية الانتخاب:
هل الشعب السعودي مؤهّل لإجراء عملية انتخاب حرّة ونزيهة؟ وإجابتي هي بالاستدلال التاريخي والقريب جداً. فالشعب اليمني والليبي والتونسي والمغربي والمصري وكلّها شعوبٌ عربيةٌ، لها مكونات سكانية واجتماعية بثقافات ومعدلات تعليم مختلفة من الأمية إلى الدكتوراة، تسكن المدن وتسكن القرى، منها الغني ومنها الفقير، فيها المتطرف وفيها المعتدل، لا تختلف مكوناتها جوهرياً عن المكون الاجتماعي والعلمي والثقافي والديني في المملكة العربية السعودية، بل إنني أعتقد أن الوضع في المملكة العربية السعودية أفضل في ما يتعلق بهذه الجوانب. لذا، إنني أقول إن الشعب السعودي في مختلف مدنه وقراه، قادرٌ على إنجاز عملية انتخاب حر ونزيه لمجلس الشعب إذا وضعت له الضوابط والإجراءات التي تضمن ذلك، حاله حال غيره من الشعوب العربية الّتي أتيت على ذكرها.
ثانيا: الإحصاءات والبيانات السكانية اللازمة لعملية الانتخاب:
إن لدى المملكة في مجال الإحصاء السكاني، وبيانات الأفراد من حيث بطاقات الهوية الوطنية، ما هو أفضل وأدق من الإحصاءات السكانية في الدول العربية التي أجريت فيها انتخابات ناجحة.
ثالثا: المعدات والأجهزة المتعلقة برصد البيانات الانتخابية وتدقيقها:
كذلك نجد أن قدرات المملكة في هذا المجال قوية ومتقدمة.
إذا كانت الظروف والقضايا الوطنية والإقليمية والعالمية السياسية والاقتصادية، تتطلب بإلحاحٍ وجود مجلس شعب منتخب انتخاباً حراً ونزيهاً لكي يقدم الدعم للدولة في إعداد وترشيد القرار ومتابعة تنفيذه، وإذا كانت الإمكانات الاجتماعية والتعليمية والمادية والإحصائية اللازمة لإجراء عملية الانتخابات متوفرة، بل ومتوفرة بشكلٍ أفضل من دولٍ شقيقةٍ إمكاناتها البشرية والمادية أقلّ، فما هو العائق؟
بكل بساطة وبدون لفٍ ودوران كما تقول العامة، فإن العائق الرئيس هو عدم توفر الإرادة السياسية لهذه النقلة الضرورية والمهمة من مجلس الشورى إلى مجلس الشعب. إذا حاولنا التعرف على أسباب غياب الإرادة السياسية، تقفز إلى الذهن المقولات التالية:
1 – إن الشعب غير مؤهل لعملية انتخابٍ حرة، بفعل تكويناته الاجتماعية والقبلية… إلخ: وهذا مردودٌ عليه كما ذكرت أعلاه من خلال التجربة العملية لدولٍ فيها المكوّنات الاجتماعية أكثر تعقيداً وتخلفاً.
2 – إن الانتخابات سوف تأتي بمتطرفين إسلاميين يعيدون عقارب الساعة إلى الوراء: إن تأتي الانتخابات بإسلاميين فهذا انعكاسٌ لواقع الحال الاجتماعي والفكري كما هي الحال في الدول المجاورة الّتي تمّت بها الانتخابات الحرة، وهذا أمرٌ لا بأس به فنحن شعبٌ مسلم وهناك قواسم كبيرة ومشتركة بين التيّار الإسلامي والتيارات الوطنية الأخرى، ليبرالية وغير ليبرالية، فجميعهم يقفون على قاعدةٍ واحدةٍ هي الإسلام وهذه التيارات جميعها أعضاء في منظومة ونادي الإصلاح. أما المتطرفون إن جاؤوا فأهلاً وسهلاً بهم، فطبيعة النظام الديمقراطي في مجلس الشعب كفيلة بتهذيب التطرف وكبح جماحه وإعادته إلى الوسطية أو أنهم سيفقدون مؤيديهم وبالتالي مقاعدهم في المجلس.
3 – وجود مجلس شعبٍ منتخب سيأخذ من النظام الملكي في الحكم بعضا من صلاحياته وسيطرته على مفاصل الحياة: نعم مجلس الشعب سيأخذ جزءاً من هذه الصلاحيات لكنه سيعطي النظام الملكي قاعدةً شرعية قوية وشعبية، داعمة ومجددة للبيعة أساسها مساهمة الناس ومشاركتهم بإرادة حرة في القرارات والسياسات التي تنتهجها الدولة. بالإضافة إلى ذلك فإن مجلس الشعب سيحمي النظام من أولئك المتسلقين على كتفه والمستخدمين لاسمه؛ ليجنوا من وراء ذلك ما يخدم مصالحهم الذاتية ويلقوا بسوءاتهم عليه.
مجلس الشعب هو حماية للنظام الحاكم وترشيد لقراراته وإصلاح لسياساته وتوجّهاته، وكلها أمور تصب في مصلحة الوطن والنظام.
وجّه جلالة الملك عبدالله، المعروف بتوجهه الإصلاحي، كلمةً إلى الشعب منذ عدة أيام قال فيها (إنني لست شيئاً بدون الشعب، أحتاج إلى مساعدتكم ودعمكم)، والشعب يقول له، أعطنا الوسيلة أيها الملك المصلح، ولك منا كلّ الدعم والمساندة والمحبة والتقدير.
د عبدالعزيز الدخيل