منتديات بلاد ثمالة

منتديات بلاد ثمالة (http://www.thomala.com/vb/index.php)
-   الأسرة و الـتربـيـة (http://www.thomala.com/vb/forumdisplay.php?f=8)
-   -   اعترافات فتاة (http://www.thomala.com/vb/showthread.php?t=25105)

الدانه 04-22-2008 03:28 PM

اعترافات فتاة
 
بسم الله الرحمن الرحيم

أهدي إليكم .. تلك المجموعة القصصية

من مجلدات مجلة حياة
وهي احدى الزوايا القائمة في تلك المجلة المباركة ان شاء الله

الزاوية تحت مسمى: اعترافات فتاة / بقلم نوف الحزامي

أسأل الله تعالى أن يبارك فيه وأن يستفاد منه حق الفائدة.


سامحني يا أبي . .



كنت أشعر بحاستي . . أن هناك شيء ما سيحصل . .
كل ما يدور تلك الأيام كان يدل على ذلك . . أبي ترك المنزل . . وأمي تبكي طوال الوقت . .
وهمسات تدور هنا وهناك بين خالاتي . . واتصالات جدية بالهاتف . .
ولم يطل الوقت قبل أن أصدم تماماً بما لم أتوقعه أبداً . . طلاق أمي وأبي . .!
كانت الخلافات بينهما كثيرة جداً . . وقد تعودت على ذلك منذ طفولتي . . لكن لم أتصور يوماً أن يتم
الانفصال بينهما . .
لا أستطيع أن أصف شعوري لحظتها.. حين أخبرتني خالتي بذلك.. رغم أني كنت في المرحلة الثانوية.. إلا أني شعرت بأني عدت طفلة صغيرة.. لا تعرف كيف تتصرف ولا كيف تنحكم في مشاعرها..

أغرقتني نوبة طويلة من البكاء.. لم أعرف كيف أوقفها.. وبقيت أبكي طوال ليلتين متواصلتين..لم أكن قادرة على تصور فكرة أن ينفصل أبي وأمي عن بعضهما.. أن يتركنا أبي.. ويعيش بعيداً عنا..

لم أكن قادرة على تخيل مكانه الخالي على سفرة الإفطار كل صباح قبل ذهابنا لمدارسنا.. ولا قادرة على تصور المجلس خالياً منه حين يجلس كل مساء يحتسي ق***ه ويقلبَّ أوراق صحيفته..
كنت لا أعرف لمن أشعر بالرثاء..
لأمي المسكينة التي صبرت كثيراً.. وضحّت.. وتحمَّلت منه الكثير.. ثم تفاجأ الآن بأنه قد تركها وحيدة.
أم أشعر بالرثاء لأبي المسكين.. الذي لا أعرف أين سيذهب الآن.. من سيعتني به.. ومن سيصحبه..
لقد تحمَّل أيضاً هو الآخر من أجلنا..
لكن شيئاً ما كان يجعلهما غير قادرين على العيش معاً.. كانا مختلفين تماماً.. في كل شيء.. وكانت
حياتهما معاً كمزيج من الزيت والماء.. مهما امتزجا.. فإنهما لا يختلطان معاً.. أبداً..
كنت أشعر أني ضائعة ومشتتة بينهما..
لكن الطلاق.. لم أكن أفكر به أبداً أبداً..
* *
وفيما بعد.. بعد أن انفصلا تماماً.. عشنا فترة طويلة ونحن نشعر بفجوة كبيرة في حياتنا..
كنت أشعر بحزن كبير تجاه أمي.. وتعاطف تجاه أبي..
لكني أيضاً.. كنت أكن لوماً وعتباً كبيراً على أبي.. فقد انقطع عنا تماماً.. ولم يحادثنا أو يسأل عنا لمدة شهرين كاملين..
ولكن بعد فترة.. بدأنا نتأقلم شيئاً فشيئاً مع الوضع.. انشغلت أمي في دوامها.. وانشغلنا نحن بدراستنا
وهواياتنا..
ورغم أن الجرح كان لا يزال في قلبي.. لكني بدأت أعتاد على لفجوة التي خلَّفها غياب أبي عن البيت.
وذات مرة اتصل علينا أبي.. وحادثني..
فلم أستطع أن أتحدث.. كنت مشتاقة له جداً.. وأحبه كثيراً.. لكن.. كنت أيضاً عاتبة عليه.. إذ تركنا هكذا
ونسينا ولم يسأل عنا منذ عدة أشهر.. شعرت بشيء يخنقني، فلم أستطع أن أنطق حرفاً واحداً.. وأخذت
أبكي وأبكي حتى سقطت السماعة من يدي..
ولم أتذكر من نبرات صوته الدافئ سوى (ربا.. كيف حالك؟.. لقد اشتقت لكم)
لم أكن أعرف من ألوم على من ألقي ذنب هذا الطلاق.. ولم أجد سوى ربي لألجأ إليه بالدعاء أن يكتب لنا
كل ما فيه خيرنا..

* *

وفي المدرسة كنت أعاني من الداخل.. لم أكن قادرة على التركيز ولا المشاركة في الفصل.. لكن أي
معلمة لم تقدّر ظروفي.. لأني لم أجرؤ على مصارحتهن بما حصل.. ولم يسألنني بدورهن عن أية مشاكل
قد أواجهها..
ولم أعد أحب أن أجلس مع زميلاتي كثيراً.. بل أصبحت أؤثر الوحدة أو الجلوس بصمت بينهن.
كنت أشعر أن في داخلي.. تفكيراً أسود.. يجعلني أحقد أو أغار من كل زميلاتي حين يتحدثن عن آبائهن،
وعن نزهاتهن الأسرية. حين تقول إحداهن: (ذهبت مع أبي بالأمس إلى..) كنت أشعر بمس كهربائي يلسعني بقوة في صدري..

وكنت أقول لنفسي كثيراً.. ما هذا يا ربي.. هل أصبحت شريرة لهذه الدرجة؟ أيعقل أن تحقدي عليهن فقط

لأن لديهن آباء؟

وكنت أستغفر الله في سري دائماً.. لكن ذلك الشعور كان أقوى مني.. وكنت أشعر دون إرادتي أني أتمنى لو كنت مكان أي واحدة منهن.. أو.. أحياناً.. كنت.. كنت أتمنى لو يتطلّق آباؤهم وأمهاتهم كما حصل لي.. كنت أتمنى أن يذوقوا ما ذقته.. وأن يعيشوا مأساتي..

* *

بعد مدة.. اتصل أبي مرة أخرى.. وحاول محادثتي.. لكني رفضت.. كنت أتمنى في سري أن أحادثه وأعرف أخباره.. كنت أحبه كثيراً.. لكن.. كنت عاتبة عليه جداً.. لأنه تركنا هكذا.. بكل سهولة ورحل..


وحاول أبي عدة مرات زيارتي أو محادثتي.. لكني وبلا إرادة مني.. كنت أرفض بشدة..
وازداد تعنتي أكثر وأكثر حين علمت أنه سيتزوج..
شعرت بأنها الطعنة الأخرى التي يوجهها أبي لنا.. شعرت بأنه يفعل أمراً خطأ.. أمراً معيباً له..
كيف يتركنا ويتجاهلنا.. والآن ويذهب لامرأة أخرى؟
كان تفكيري متجمداً تماماً وغير قابل للتغيير
بدأت أشعر أن أبي هو سبب ما نعيشه من تشتت.. فصببت جام غضبي عليه..
لكن ذات مرة وبعد زواجه أصر على رؤيتنا وأخذنا معه في زيارة لرؤية زوجته الجديدة.. وحين رفضت هددنا
بأخذنا من والدتنا خاصة وأننا بنات..
وانصعت لأمره.. وكان لقاء جامداً..
تجاهلته فيه تماماً.. رغم أنه كان محملاً بالهدايا لنا.. وكان المسكين مشتاقاً جداً لنا..
كنت أشعر أني حانقة عليه بشدة..
شيء لا يمكن وصفه.. أحبه.. ومشتاقة إليه.. لكن عاتبة وغاضبة إلى أبعد حدٍ عليه.. لدرجة أني لا أريد
حتى رؤيته أو الجلوس بقربه..
كنت أشعر أنه لي.. أبي.. أبي لنا..
فلماذا يتركنا ويرحل.. نحو امرأة أخرى..
وحين رأيتها ومدت يدها للسلام عليّ.. أدرت وجهي عنها ومددت يدي ببرود.. وملامح وجهي تزدريها
بشدة..
حاولت أن تتحدث معنا بطيبة، وأن تستدرجنا في الحديث.. لكني كنت أصوب نظراتي الحادة تجاه أخواتي
الصغار حتى لا يتحدثن معها.. وكنت قد هددتهن قبل قدمونا حتى لا يتجاوبن معها ولا مع أبي..شعر أبي بخيبة أمل.. وأعادنا بهدوء بالسيارة دون أن نتبادل حتى كلمة واحدة..
وحين وصلت إلى المنزل.. أسرعت نحو غرفتي..
وأخذت أبكي بحرقة.. كنت أعلم أني أحبه ولا أود أن أعامله هكذا.. ولكن لا أستطيع..
لم أعرف لماذا كنت أبكي بالضبط.. لكني شعرت بحرقة في صدري.. وددت لو أصرخ بشدة حينها..
تمنيت لو أفتح عيني فأجد نفسي قد استيقظت من حلمٍ مرعب.. ويعود أبي إلينا.. هنا.. كما كان من قبل..
أبي الذي نحبه ويحبنا.. ولا يحب أحداً غيرنا..
لكن.. هيهات..

* *
وذات مرة.. سمعته.. كان شريطاً رائعاً.. عن بر الوالدين.. كنت عائدة من المدرسة.. وسمعته في سيارة
خالي.. شعرت بأنه هزني من الأعماق وأيقظني.. وفجأة أحسست بأني حقيرة.. وصغيرة جداً.. وأتفه من
أي مخلوق على الأرض.. أيعقل ما قمت به؟
فقط لأن الله لم يكتب لوالديَّ أن يعيشا معاً.. أقرر مقاطعة أبي ونسيان كل أفضاله عليّ؟.. هل لمجرد
كونه انسحب بهدوء من حياتنا فإنني أشن عليه حرباً شعواء..؟ إنه لم يسيء إلينا بأي شكل.. لم يقصر
في حقوقنا.. ولا تربيتنا ولم يبخل علينا يوماً بأي شيء نحتاجه – حتى بعد أن تركنا.. بل إنه يحاول أن يرانا
وأن يأخذنا لزيارته.. بينما أنا أرفض؟!! هل هذا عدل؟..
كم أنا غبية ومتعجرفة.. إنه السبب بعد الله في ظهوري لهذه الحياة.. وهو من سهر وقلق على راحتي
حين مرضت وهو من حرص على تدريسي ورعايتي في الصغر.. وبعد كل هذه الأفضال.. أعاقبه لمجرد
كونه اضطر لأسباب قاهرة أن ينفصل عن أمي؟!
بدأت أعيد حساباتي وأفكر من جديد..
وشعرت بحنين كبير لوالدي.. وخفت أن يقبض الله روحي قبل أن أرضيه عني.. نعم لابد أنه لا يزال متضايقاً
لما واجهته به من جفاء..
وما أن وصلت إلى المنزل.. حتى أسرعت ورفعت سماعة الهاتف واتصلت عليه..
- أبي.. أبي.. أنا آسفة.. أرجوك سامحني..
- ربا.. ماذا هناك.. ما بال صوتك هكذا.. هل حصل شيء؟
- أبي.. أنا أحبك.. أقسم بالله أني أحبك.. لكن.. لا أعرف لماذا..
وانقطع صوتي لأني لم أعد أعرف ماذا أقول وشهقات البكاء تخنقني.. فصمت قليلاً ثم قال..وأنا أيضاً أحبك يا ابنتي.. وأعرف تماماً لماذا كنت تتصرفين هكذا.. أعرف أن الأمر شديدٌ عليكن.. ولكن هذا
قدر الله.. ماذا أفعل.. أنا أحبكن يا ابنتي وسأظل أحبكن.. ثقي بذلك..
- هل أنت راض عني إذاً..
- نعم بارك الله فيك..
بعد ذلك.. تغيَّرت أشياء كثيرة في داخلي.. ولم أعد أشعر بذلك الحزن وتأنيب الضمير الذي كان يخنقني..
أصبحت حياتي أكثر إشراقاً وراحة.. أصبحت أحرص على بَّر أبي وصلة رحمه وأحاول إرضاءه عني بكل الوسائل..

*
قبل شهر أنجبت زوجة أبي طفلاً.. شعرت لوهلة بشيء من الغيرة لأنها أنجبت ولداً بينما نحن كلنا بنات..
لكن أبي قال لنا بالحرف الواحد وأمام زوجته..
- ثقي يا ربا.. أن أحمد لن يكون أغلى من أي واحدة منكن.. ووالله أني لن أفضله بأي شيء عليكن، فكلكم أبنائي ولا فرق بينكم..
فشعرت بارتياح جميل.. وكانت زوجة أبي طيبة جزاها الله خيراً حين سمحت لي بأن أضعه في حضني
وأحمله بكل ثقة..
لأبدأ مرحلة جديدة من حياتي وصفحة بيضاء صافية.. لا مكان فيها للحقد والكره إن شاء الله


**

مجلة حياة

مناهل 04-22-2008 10:02 PM

رد : اعترافات فتاة
 
[GRADE="00008B FF6347 008000 4B0082"]اختيار موفق , جزاك الله خيرا , ونفع بجهودك . [/GRADE]

محمود عادل 04-24-2008 12:51 PM

رد : اعترافات فتاة
 
مشكورين

الدانه 04-24-2008 02:48 PM

رد : اعترافات فتاة
 
جزاكم الله خيرا على الكلمات الطيبة

نفع الله بكم .

الدانه 04-24-2008 02:53 PM

رد : اعترافات فتاة
 
من المخطئ..؟



لظروف مبهمة تطلقت أمي من أبي.. وعشت مع أمي إلى أن تزوجت..
بعدها اصطحبني أبي إلى قريته لأعيش مع زوجته وإخوتي الذين أراهم لأول مرة..
في البداية كان أبي فرحاً جداً بي لدرجة أنه أحضر كل ما تتمناه نفسي..
لكن.. هي أيام معدودة.. و..
مرت لحظات السعادة سريعاً دون أن أشعر بها..
- منار.. منار..
- نعم أمي.. عفواً.. عمتي..
- اسمعي يا منار أنتِ قد كبرت ويجب عليك أن تعتمدي على نفسك!
- لكن.. لكن..
- لكن ماذا؟ إذاً ماذا كانت تعمل أمك طيلة التسع سنين الماضية؟ اسمعي.. أنا لدي أولاد ولن أستطيع تحمل مسؤوليتك ومسؤوليتهم.. أتفهمين؟
استنتجت من أول حوار لي مع زوجة أبي أني لن أعيش كغيري من الأطفال.. شعرت أني بحاجة إلى أمي.. طلبت من أبي أن أكلمها عبر الهاتف.. نهرني بقوة وقال.. (أمك.. أمك ماتت!)
التفت إلى زوجة أبي ملتمسة عطفاً منها أو حناناً.. لكنها رسمت كل ذلك في ابتسامة تحمل من الحقد معانٍ استطعت فهمها وأنا طفلة لا تتجاوز التاسعة..
علمتني أمي أن الابتسامة تعني الجمال والمحبة والصفاء..
هي باختصار معنى لكل شيء جميل.. لكن هذه الابتسامة مختلفة تماماً.. لا أعرف لماذا.. كل ما أعرفه أني لم أحبها ونفرت منها..
أين أنت يا أمي؟ لماذا لم تحكي لي أن هناك ابتسامة حقد وكراهية..؟
اتجهت حينها إلى مخدتي التي أصبحت أنيسة وحدتي.. لم أسأل لم كل هذه القسوة.. كل ما فعلته أني قبعت في ركن من الأسى يدعى الصمت..
وفي يوم النتائج.. أو يوم الشهادات – كما يحلو لطالبات الابتدائية أن يسمينه استلمت نتيجتي..ناااااااجحة!.. يا للفرحة.. لكن.. كيف لي أن أخبر أمي؟؟
مدت إليّ معلمتي هاتفها النقال قائلة: (خذي يا منار.. أخبري والدتك بنجاحك.. ستفرح كثيراً)وببراءة طفولتي ضممت معلمتي وأنا أبكي..
- شـ.. كـ.. ر.... اً ..
لم تكد أمي تفهم كلماتي المتقطعة.. فهي لم تكن تسمع سوى شهقاتي المتتالية..
أخذت معلمتي الهاتف وأخبرت والدتي بنجاحي.. وانتهى يومي بذلك..
اشتقت لأمي ولن تكفي هذه الكلمة لأعبر عما بداخلي.. اشتقت لأمي.. فسحبت هاتف بيتنا إلى إحدى زوايا الصالة.. واتصلت بها واشتكيت لها تعامل أبي
وزوجته وإخوتي معي.. ولم أكن أعلم أن أبي قد وضع جهاز تسجيل على هاتف المنزل.
وفي ذلك المساء الذي لن أنساه ما حييت.. جاء أبي والشرر يتطاير من عينيه..
- مع من تكلمت اليوم؟
لذت بالصمت..
وارتفعت يده بالعصا ليضربني.. وضعت يدي على وجهي لأقيه من الضربات التي انهالت عليّ وكأنها قذائف من نار.. بمن أحتمي؟ وإلى من أهرب؟
صعدت إلى غرفتي ثم ركضت نحو دار تحفيظ القرآن التي أداوم بها.. ذهبت قبل بداية الدوام ولم يكن هناك أحد سواي.. جلست أبكي بدموع تمنيت معها أن تنطفئ حرقة الأسى والحرمان التي تحرق قلبي..
أبي.. برغم كل القسوة التي ما زلت تعاملني بها.. لم أسألك يوماً ما هو خطأي؟
بقلم/ مي المفرج – تمير

الدانه 04-24-2008 03:05 PM

رد : اعترافات فتاة
 
لن أيأس يا أمي ..

مع حلول أذان العصر ..
بدأت أمي تحزم أمتعتها للسفر.. وكنت صغيرة لم أفهم ما تفعل.. كنت أخاطبها..
- أمي أين تذهبين؟ لماذا تحملين حقائبك؟
أمي لا ترحلي..
كان عمري آنذاك ثمان سنوات..
وقبيل أذان المغرب.. أخذت أصرخ وأبكي.. أمي.. أرجوك.. لا تتركيني..!
لكن أمي لم ترد..
قبلتني واحتضنتني.. ثم وضعت حقائبها في السيارة، وذهب بها أخي إلى المطار..
جلست في حديقتنا أعاني بعد أمي..
وفي ذلك الوقت.. بدأت أشعر بالمسؤولية.. أخذت أبكي.. وأفكر كيف سأعيش في هذه الحياة القاسية..
كيف سأنام وحدي بعد أن تعودت أن أنام بجانب أمي وفي حضنها الدافئ؟
نظرت إلى الشمس وهي تغرب وتختفي.. كما اختفت أمي عن عيني..
ولم أنم في تلك الليلة حتى آذان الفجر.. تذكرت أمي.. وتذكرت كلماتها..
(هيا إلى الصلاة) فالله يحب الصلاة..
عندها.. قمت وتوضأت وصليت.. ودعوت الله أن تعود أمي كما عادت الشمس وأشرقت..
أريد أن أنام.. ولكن لم أستطع.. لم أتعود النوم وحدي.. وما زلت أدعو الله أن تعود أمي.. وأملي بالله كبير..
حاولت النوم مرة أخرى لكن لم أستطع.. وبقيت يقظة حتى موعد الذهاب إلى المدرسة.. قمت وجهزت نفسي.. كان أول يوم أجهز فيه نفسي بمفردي
كان البرد قارساً.. أخذت معطفي، ولبست حذائي.. ومشطت شعري..
ثم نهض أبي من نومه ليذهب بي إلى المدرسة..
لاحظت زميلاتي حزني.. فأين تلك الطالبة المجتهدة التي كانت تملأ حياتها حباً ونشاطاً وحيوية؟؟
أقبلت زميلاتي عليَّ ليسألنني .. ما بك يا (جيهان)؟ .. لم أجب..
ثم قلت.. مجرد إرهاق بسيط..
فقلن لي.. تعالي والعبي معنا، فقلت لا.. فأنا متعبة..
لاحظت صديقتي المخلصة أنني أكذب ولأول مرة.. فقالت:
- ما بك يا (جيهان)؟ أنت لست متعبة.. أجيبي بصراحة .. وجهك شاحب وعيناك حمراوان، ثم ما هذا الذي ترتدينه؟ فالبرد قارس وعادة ما تلبسك أمك ما يدفئك...
فعاودت البكاء ثانية، فقالت: ألم أقل لك أنك تحملين هماً بداخلك.. ماذا يحزنك؟
حكيت لها الحكاية.. وخففت من همي وحزني.. ثم قالت لي.. لا داعي للبكاء فلن يفيدك في شيء..
وأخذت تشغلني لأنسى الأمر.. ولكن من الصعب ذلك..
عدت للبيت.. دخلت المطبخ أبحث عن أمي.. أتخيلها وهي تجهز طعامي..
واستمرت حياتي على هذا الحال.. وعانيت بعدها سنيناً وأياماً..
خلالها تدني مستواي الدراسي عن السابق ولكن ليس تماماً فقد كانت أمي مهتمة بي كثيراً خاصة وأني أصغر إخوتي..
بعد ذلك.. تزوجت أختاي.. وعشت بعدهم وحيدة في المنزل مع أبي..
وحيدة أصبحت.. فلا أجد من أشكو إليه همي أو أتحدث إليه..
لكني إلى الآن لم أفقد الأمل ولله الحمد فما زلت أدعو الله أن تعود أمي وتعود الحياة جميلة.. فأعود للفرح.. أعود الطفلة التي كانت تملأ البيت سعادة بصراخها ولعبها..
أريد أن أذكر كلمة (أمي) مرة أخرى..
(أمي) أنا جــائعــة! أمي لدينا حفل في المدرسة..
(أمي) ما أجمل هذه الكلمة التي تتمتع بها كل فتاة في مثل عمري..
وما زلت أدعو الله من كل قلبي وبكل الشوق أن تعود أمي إليَّ.. وأملي بالله كبير..
جيهان 13 سنة


**
مجلة حياة

بَنتْ الأصَآيلْ 04-29-2008 11:24 AM

رد : اعترافات فتاة
 
[grade="800080 Deb887 800080 Deb887"]••.•´¯`•.•• (يسلمووا ياقمر مجهودك) ••.•´¯`•.•• [/grade]

الدانه 04-29-2008 02:58 PM

رد : اعترافات فتاة
 
الأخت الفاضلة بنت الأصايل
أشكرك على حضورك وجزاك الله خيرا

الدانه 04-29-2008 03:09 PM

رد : اعترافات فتاة
 
حين قالت .. أنتِ بلا مخ!

حين كانت أستاذة منيرة تكتب درسها الممل على السبورة كنت أول من يقوم بقذف
الطائرات في اتجاهها . .
وكان هذا العمل يعد بطولياً بالنظر إلى عصبية أبله منيرة وحدتها . . لذا كانت
الطالبات يحاولن كتم ضحكاتهن التي لا تحتمل حين تضرب إحدى طائراتي الهدف مباشرة!
كانت تشتعل غضباً وصراخاً باحثة عمن قام بهذا لكنها عبثاً لا تملك أي دليل عليّ فقد
كنت ممثلة ماهرة جداً . .

لذا كانت تصب جام غضبها على الطائرات فتقطعها إرباً وهي تتوعدنا بنقص الدرجات التي كانت آخر ما يهمنا.. أو يهمني أنا شخصياً..

كنت الطالبة المهملة المثالية في تلك المدرسة الابتدائية.. وكان بالإمكان تقليدي وسام (أكسل) طالبة في المدرسة.. كل المدرسات كن يمقتنني وينفرن من تصرفاتي الهوجاء وإهمالي الدراسي.. كما أن أمي لم تكن تعتني بنظافتي وترتيبي كثيراً فاكتملت المأساة..

وفي كل مرة كانت المشرفة الاجتماعية تعطيني ورقة لأمي كنت أمزقها وأرميها في طريق عودتي للبيت.. أمي لم تكن تقرأ وحتى لو كانت تقرأ فهي لا تهتم أصلاً بهذه الأمور..

وذات يوم في حصة الرياضيات قالت لي أبله سلمى: (أنت لا تفهمين لأنك لا تملكين مخاً أصلاً مثل باقي البشر!!) كانت كلمتها قاسية جداً وجرحتني، لكني أبديت اللامبالاة ووقفت في صمت خلف باب الفصل لأكمل عقابي لعدم حل الواجب وأيضاً بسبب إضحاكي لزميلاتي طوال الوقت..

كنت مقتنعة تماماً أني لا أصلح لشيء.. وأن هذه المدرسة ليست لي ولا لأمثالي.. إنها للفتيات اللاتي يعشن مع أسرة طبيعية ويخرجن للنزهات مع أهاليهن.. إنها للفتيات المرفهات وليس المعذبات والمهمَلات أمثالي..

لذا لم أكن أهتم بأي شيء.. ورسبت للعام الثالث على التوالي في الصف السادس..

وفي السنة الأخيرة زاد شغبي وإهمالي حتى قررت المدرسة فصلي تماماً من المدرسة.. وعدت إلى البيت لأخبر أمي بأني يجب أن أذهب لمدرسة أخرى..

وبالطبع لم يكن لأمي أي تعليق حول ذلك.. فقد كان في مجلسها عدد من النساء وكانت مشغولة بالحديث والضحك معهن..

لذا طلبت من ابنة عمي المتزوجة أن تأتي معي لأسجل في مدرسة أخرى.. وذهبت معي وحاولنا.. لكن المديرة رفضت فقد كان سجلي حافلاً ولا يشجع على القبول بي في أي مدرسة..

ثم حاولنا في مدرسة أخرى وتم الرفض أيضاً.. ولم يكن أمامي سوى أن أعرض على والدي تسجيلي في مدرسة أهلية، لكنه رفض تماماً.. فقد كان مشغولاً بتكاليف زواجه المقبل.. ولم يكن يستطيع تحمل مصاريف جديدة..

عندها أيقنت أني يجب أن أجلس في البيت حتى يقضي الله أمره..

وبقيت في المنزل عامين كاملين.. لم أشعر خلالهما بأي شيء.. كنت أزور بنات عمي ويزرنني بدورهن أحياناً.. وفي الربيع كنا نخرج للبر.. ولم يكن هناك أشياء جديدة..

طوال تلك المدة كان هناك جرح يؤلمني رغم محاولتي لتجاهله.. إنه تيقني التام.. أني إنسانة فاشلة.. ولا فائدة لها في الحياة.. كانت كلمة أبلة الرياضيات لا تزال ترن في ذهني.. أنت لا تملكين مخاً مثل باقي البشر.. أنت لا تملكين مخاً..!

لذا برمجت حياتي كلها على هذا الأساس.. وهو أني انسانة بلا مخ.. بلا عقل.. همها فقط الضحك واللعب والحديث..

وكنت أعرف منذ طفولتي أني محجوزة لابن عمي مساعد.. صديق طفولتي.. والشاب العاقل الوسيم الذي تتمناه كل فتيات أسرتنا.. لكن لسببٍ لا أعرفه لم يتم الحديث حول هذا الموضوع أبداً رغم أني أصبحت أبلغ من العمر 17عاماً وهو عمر مناسب للزواج في نطاقنا العائلي..

وذات مرة سمعت همسات بين أمي وزوجة عمي، وبدت أمي غاضبة بعض الشيء.. ثم جاء دور أبي الذي ظهر غضبه جلياً.. وسمعت صراخاً بينه وبين عمي في المجلس.. لكن دون أن أعرف حول ماذا..

وبعد يومين.. عرفت الحقيقة من ابنة عمي.. لقد كانت المسألة كلها حولي أنا.. ومساعد..

فمساعد الذي بنيت أحلامي عليه.. لا يريدني.. مساعد الذي تخرج الآن من الكلية الأمنية لا يريد فتاة محدودة الأفق والتفكير مثلي.. إنه لا يريد فتاة ناقصة.. أو بلا مخ كما أخبرتني معلمة الرياضيات..!

وكانت هذه قاصمة الظهر بالنسبة لي..

لقد أصبت هذه المرة بشدة.. وفي صميم كبريائي..

استطعت تحمل الصدمة.. وتجاوزت الموضوع رغم الانقطاع الكبير الذي حدث بين أهلي وبين بيت عمي.. لكني أيقنت حينها أني يجب أن أتغير..
يجب أن أفعل شيئاً لنفسي..

واتخذت قراري بإكمال تعليمي عن طريق المنازل..

كان القرار صعباً في البداية.. وكنت مشتتة لأني أعود للدراسة بعد ثلاثة أعوام من نسيانها.. لكن عزيمتي كانت أقوى من أي صعوبات.. توكلت على الله.. وعزمت على التفوق وليس النجاح فقط في دراستي..

وبالفعل استطعت سنة بعد سنة اجتياز الصف الأول ثانوي وبتقدير جيد جداً.. وهو ما لم أحلم به في حياتي..

وبعد ذلك شعرت أني بحاجة لشيء يشغل وقت فراغي طوال العام.. فقررت الالتحاق بدار التحفيظ الجديدة التي فتحت قرب بيتنا..
وبالفعل التحقت بها وانسجمت مع المدرسات والطالبات وشعرت أني بدأت حياة جديدة.. فقد كان الجو ودوداً جداً.. وتحمست جداً لحفظ القرآن الكريم..

وذات مرة.. أشادت بي المعلمة وقالت أن لي حافظة قوية.. فطأطأت رأسي وقلت لها بخجل.. (أنت تجاملينني فأنا طوال عمري كسولة ولا أملك قدرات عقلية مثل غيري..)

نظرت إلي أبله هناء باستغراب وقالت.. (ومن قال لك ذلك؟)

قلت لها: (معلمة الرياضيات قبل ثمان سنوات)

عندها قالت لي وهي تبتسم : (على العكس تماماً أنت إنسانة ذكية ونبيهة جداً.. ربما كانت فقط ظروفك هي المؤثرة سلباً عليك، وحينما كبرت واستطعت تجاوز هذه الظروف؛ ظهرت قدراتك العقلية التي كانت خافية بسبب الإهمال وبسبب الظروف القاسية).

لم أستطع حبس دمعة ساخنة في عيني.. فطوال عمري لم أشكو لأحد معاناتي الحقيقية التي كنت أحاول اعتبارها أمراً عادياً.. لذا لم أشعر بنفسي إلا وأنا أسرد لمعلمتي شريط حياتي بكل آلامه..
حكيت لها عن قسوة أمي وعدم اهتمامها بي ولا بنظافتي ولا تعليمي وتربيتي منذ الطفولة، وحكيت عن أبي الذي لا نراه إلا نادراً بسبب انشغاله بزوجته الجديدة ثم طلاقه وزواجه من جديد.. حكيت لها عن تقتير أبي علينا وحرماننا من أبسط احتياجاتنا.. وعن أسرتنا حيث المشاعر لا أهمية لها ولا مكان سوى للقسوة والحدة في التعامل.. وحكيت كيف شاهدت أمي تضرب عدة مرات من قبل أبي.. وكيف سجن أخي عدة مرات بسبب العصابة الفاسدة التي يصاحبها، وعن الديون التي أغرقت كاهل أبي ودفعته لخلافات كثيرة مع إخوته.. حكيت لها كل ما كان يعتمر قلبي ويكبت أنفاسي منذ سنوات.. ثم حكيت لها عن قصة مساعد وكيف رفضني بسبب كسلي وغبائي..

وشعرت بالحرج.. كيف أخبرتها عن كل ذلك..

لكنها ابتسمت لي ربتت على كتفي وقالت.. (عزيزتي نفلة.. الإنسان هو ما يطمح أن يكون.. مهما كانت ظروفه.. أنت الآن على أعتاب طريقك الصحيح فاستمري به وسوف تصلين بإذن الله وتصبحين الإنسانة المحترمة التي تطمحين لأن تكوني إياها.. ثم.. انظري دائماً للجانب الأفضل.. أنت رغم كل تلك الظروف كنت وما زلت نفلة الطيبة المحبوبة التي يحبها الجميع لطيبتها ومرحها.. كما كنت نفلة الخلوقة الصالحة التي لم تنسق وراء المغريات أو تنحرف كما تعلل الكثيرات أسباب انحرافهن بظروف الأسرة.. أنت استطعت مقاومة كل ذلك.. وبالإضافة إليه طورت نفسك وشققت طريقك نحو النجاح في الدنيا والآخرة.. لقد نجحت في الدراسة ونجحت في حفظ نصف القرآن في سنة واحدة وهذا إنجاز كبير جداً ورائع يا نفلة.. أنت إنسانة رائعة وموهوبة ما شاء الله)

نظرت إلي مرة أخرى ثم قالت وهي تبتسم: (وسيعوضك الله من هو خير من مساعد فلا تقنطي من رحمة الله واستمري في طريقك).

انسابت كلمات معلمتي كالماء الزلال على الأرض العطشى المتشققة فتشربتها بعطش وارتاحت لها نفسي وشعرت أني أعطيت دافعاً قوياً للسير نحو النجاح..

والحمد لله بعد عام آخر تخرجت من الثانوية بتقدير لم يتوقعه أحد، كما أتممت ختم كتاب الله في نفس السنة. وفي نفس السنة أيضاً.. تقدم لخطبتي أحد أقاربنا الذي لم أتوقع يوماً أن يخطبني.. لقد كان مهندساً وقادماً للتو من الخارج بعد إكمال دراسته وكان يبحث عن فتاة صالحة.. لقد شعرت لوهلة أن هذا كثيرٌ عليّ.. بعد هذه السنوات كنت أتوقع أن أحظى بأقل من هذا بكثير.. لكن الحمد لله الذي وسعت رحمته كل شيء..

وتزوجت وعشت في سعادة ولله الحمد.. وشجعني زوجي على إكمال دراستي الجامعية بالانتساب..

وفي حفل تخريج الخاتمات لكتاب الله.. كنت أتهادى في سيري وأنا حامل في شهري الأخير.. وقد اجتزت السنة الجامعية الأولى في كلية الدعوة وبتقدير امتياز..

وفي لحظة تسلمي للشهادة شعرت بدموعي الساخنة تترقرق في عيني، وتمنيت لو ألتفت فأرى معلمتي في الرياضيات هنا بين صفوف الحاضرات..

**
مجلة حياة

ورد الجوري 04-29-2008 10:42 PM

رد : اعترافات فتاة
 
مشكوره اختي الدانه
دائما اختيارك مميز
يعطيك العافيه

الدانه 05-03-2008 04:14 PM

رد : اعترافات فتاة
 
الأخت الفاضلة ورد الجوري
أشكرك على حضورك وجزاك الله خيرا

الدانه 05-15-2008 01:37 AM

رد : اعترافات فتاة
 
كلمة لم أقلها.. بابا!

في صباح يوم مشرق وداخل مدرستي العزيزة.. أطلق اسمي في جنباتها..
(منى صالح) .. الطالبة المثالية..
كم كانت السعادة تغمرني في تلك اللحظة والأمنيات تتراقص أمامي.. فبادرتني (سمية) بقولها..

- هنيئاً لك يا منى.. وما أسعد أبيك بك...

كلماتها تلك ترددت عليَّ فأدمت جروحاً غائرة، فهي لم تكن تعرف أني لا أملك أباً كغيري من
الناس، وكم مرة تمنيت أن أقول (بابا).

أغمضت عيني فتذبذبت أمامي صور شتى بين الإغفاء واليقظة.. كنت أنزف حنيناً إلى أيام نائية
وآمنة أستعيد فيها طفولتي معه.. لكني أعود خالية اليدين.. فقد غابت السعادة عن حياتي لتغادر
معه عبر مسافات بعيدة تركني فيها وحيدة.. أعانق أحزان حياتي طوال تلك الليالي.. وحاولت
احتضان خياله والاحتماء به من قسوة الأيام..

القلق يسيطر على مخيلتي وأصبحت لا أملك سوى ملف ذكريات حزين.. أسترجعه كل يوم ورقة
ورقة.. فكل قطعة من جسدي تشتاق إليه.. فكم تمنيت لو استطعت أن أقاسمه عمري ليعيش
معي.. العجيب أن توقفي عند هذه الحقيقة استولى عليَّ حتى بلغت درجة الانشغال عن حالي
فشعرت كأن أبواب الحياة قد أغلقت في وجهي.. وعزفت عن المتع... وانعزلت حزينة زاهدة..
حيث قررت أن أضع ستاراً حديدياً بيني وبين أفكاري..

أعادت أمي عليَّ السؤال، وهي تربت على كتفي وتقول: منى ماذا بك؟

- أبي.. أين هو؟

فأجابتني وهي واجمة..
- ما الذي ذكرك به؟ وهو قد توفي منذ كنت رضيعة..

فرددت بلهجة باكية..
- وهل تتوقعين أني نسيته طوال هذه السنوات... إني أراه كل يوم.. أريد أباً..!

صعدت إلى غرفتي وألقيت بجسدي على سريري وعبراتي تنهمر بحثاً عن إجابة لما أنا فيه...
فشاهدت أمامي رجلاً يقول:
- السلام عليك يا ابنتي.. تبكين عليَّ؟.. لست أول من رحل.. ولا آخر من يودع الحياة الفانية..
لست الوحيد في العالم الذي سلم الروح إلى بارئه بصمت.. ولست أنت الوحيدة التي فجعت
بوفاة والدها.. ولست وحدك من تبكي على عزيز افتقده بل هناك الكثير.. والكثير ممن يمتحن الله إيمانهم في هذه الدنيا..

ثم تابع يقول..
- جففي دموعك.. ولا تحزني.. ولا تتأسفي.. أعلم يا ابنتي أن دموعك صادقة وعبراتك مخلصة..
وحزنك عميق.. فقد افترقنا منذ أن كنت في مهد الطفولة، ولم يخطر ببالك هذه الأحداث.. يا
بنيتي جففي دموعك فالدموع أوهن من أن تهدم شيئاً.. ولكنها تهدم صاحبها.. ولا تقولي سوى..
إنا لله وإنا إليه راجعون.. فتحن نموت ونندثر فننسى.. ولا يبقى منا سوى الذكريات وأعمالنا
الصالحة..

كان كلامه يدخل إلى أعماق قلبي العطشى فيرويها.. وأنا أنظر إليه بشوق.. فأكمل مبتسماً..
- أعلم أنك تحلمين بي.. وتودين رؤيتي.. إذاً أسرعي وتبتلي إلى الله بالدعاء ولكل مسلم
ومسلمة وافاهما الأجل أو هدهما المرض.. بنيتي.. لن أقول الوداع.. ولكن إلى اللقاء في يوم
لا ظل إلا ظله بمشيئة الله..

ثبت إلى وعيي بعد ذهول المفاجأة فشعرت بصدري يضطرم وبدمعي ينهمل.. وكل جوارحي تردد

(اللهم إني عبدك ابن عبدك ابن أمتك ماضٍ في حكمك عدلُ في قضائك.. أسألك بكل اسم هو لك

سميت به نفسك أو أنزلته في كتابك أو علمته أحداً من خلقك أو استأثرت به في علم الغيب

عندك أن تجعل القرآن العظيم ربيع قلبي، ونور صدري وجلاء همي وذهاب حزني).




= = =



مجلة حياة

سنا الهجرة 05-15-2008 03:04 AM

رد : اعترافات فتاة
 
(اللهم إني عبدك ابن عبدك ابن أمتك ماضٍ في حكمك عدلُ في قضائك.. أسألك بكل اسم هو لك

سميت به نفسك أو أنزلته في كتابك أو علمته أحداً من خلقك أو استأثرت به في علم الغيب

عندك أن تجعل القرآن العظيم ربيع قلبي، ونور صدري وجلاء همي وذهاب حزني).




الله يجزاك كل خير

الدانه 05-22-2008 02:17 PM

رد: اعترافات فتاة
 
جزاك الله خيرا .

الدانه 05-22-2008 02:21 PM

رد: اعترافات فتاة
 
بيت المشاكل

- عنيييييييييّد.. الحقي..
- خير؟ بسم الله.. ماذا هناك؟

- جدتي سوف تأتي غداً..
- ماذا؟ كاذبة!

- والله العظيم لقد سمعت أبي يقول ذلك وهو يكلم عمي على الهاتف.. والله العظيم!

سقط الكتاب الذي كنت أدرس فيه من يدي لا إرادياً.. ووقفت مصدومة لا أعرف ماذا أقول..
- لا يمكن.. إنها لم تمض هناك سوى شهراً واحداً فقط.. لماذا تعود بسرعة.. يا ربي!

أخرجت أريج كيساً من الشيبس من دولابها وبدأت تقرض فيه كالفأرة بصوت مقرمش مزعج وهي تبحث بين ملابسها عن شيء ما بلا مبالاة بينما كنت غارقة في دوامة من التفكير.. كان الحزن يتوشحني لدرجة أني لم أستطع حتى أن أتكلم.. فأنا أعرف جيداً ماذا يعني قدوم جدتي إلينا..
في المرة الماضية حدثت مشكلة كبيرة بين أبي وأمي بمباركتها.. وكادت أمي أن تطلق بسببها.. وعادت جدتي لمنزل عمي في جدة وقد حلفت ألا تدخل بيتنا مرة أخرى... فكيف الآن تعود.. يا الله..!
إن الاختبارات على الأبواب.. فما بالها تأتي الآن لتسحب معها المشاكل..

- عنود!! هل أخذت علبة عصيري؟
- اغربي عن وجهي.. هل هذا وقته..

- أقول هل أخذت عصيري؟
شعرت برغبة في أن أضرب أريج لكني تمالكت نفسي فلست في حاجة لمزيد من المشاكل في هذه الفترة..
تعوذت بالله من الشيطان الرجيم.. ثم قلت وأنا أضغط على أسناني..
- أريج!.. لم أر علبة عصيرك.. أحلف لك!.. أرجوك اتركيني لوحدي واخرجي من الغرفة فرائحة البطاطس بالكاتشب هذه تشعرني بالقرف..!
مدت أريج لسانها المليء ببقايا الشيبس عليّ وخرجت أخيراً.. فأغلقت الباب خلفها..

يا ربي.. والله.. لقد تعبت.. لا أحد يشعر بي ولا بألمي..
الجميع يعيش على أعصابه في هذا البيت المليء بالمشاكل..
أمي والخادمة.. مشاكل وصراخ..
أبي وأمي.. مشاكل وصراخ..
أمي وجدتي.. أبي وأخي.. أنا وأختي.. كلنا.. تسود علاقتنا المشاكل والصراخ..
لقد تعبت.. دائماً نعيش في خوف وقلق.. دائماً نترقب وقت دخول أبي بمنتهى الخوف والتوجس حتى لا تثار أية مشكلة من قبل أي طرف معه..
نموت خوفاً حين يبدو الغضب على أبي..
ونموت خوفاً حين تبدو الدموع في عيني أمي..
ونموت خوفاً حين نسمع جدتي وهي تصرخ على أبي..
يا الله.. متى.. متى أتزوج وأترك هذا البيت الكئيب وأرتاح.. لقد سئمت وتعبت.. أخذت أبكي بحرقة.. وفجأة سمعت الباب يطرق.. جففت دموعي وعدلت من هيئتي وأسرعت أفتح الباب.. كان أبي.. قال لي بلهجة صارمة..
- ماذا تفعلين؟
- لا شيء.. أدرس..
- اتركي دراستك الآن.. واذهبي لتجهزي غرفة جدتك.. نظفيها جيداً.. وأحضري منقلة جدتك من المخزن.. وجهزي لها الأغطية الصوفية.. هيا بسرعة.. فأمك مزاجها معكر اليوم..
ابتلعت ريقي بصعوبة.. كان غاضباً جداً.. وبدا أنه قد بدأت مشكلة بينهما قبل قليل.. لابد أن أمي تبكي الآن.. يا الله..!
نزلت بسرعة وأنا أشعر أني أحمل الدنيا على رأسي..
وأثناء تجهيزي للغرفة.. كنت أفكر.. يا ترى.. من هو السبب؟.. من سبب المشاكل التي نعيشها.. أهي أمي العنيدة الهادئة.. أم أبي العصبي الغضوب.. أم جدتي اللحوحة الكثيرة التذمر والشكوى.. أم.. من؟
لماذا لا نكون مثل الآخرين.. مثل بعض الأسر التي تعيش في سعادة وهناء وراحة.. تحيا في تناسق وانسجام ومحبة..؟
واستغفرت الله في سري.. فما كان لي أن أعترض على قضائه وقدره.. الحمد لله على كل حال..

× × ×

وفي المدرسة.. كان شبح المشاكل الرهيب يدور حولي طوال اليوم..
كنت أفكر في الفيض القادم من المشاكل والذي سيهطل كالعادة مع قدوم جدتي.. ولم أستطع أن أركز في أية كلمة قالتها أية معلمة..
- العنود.. يا دبة.. ألن تنزلي للفسحة معنا؟
- كلا شكراً.. أشعر أني متعبة.. سأجلس اليوم في الفصل..
- بلا سخافة!.. (تتدلعين) علينا؟!
كنت فعلاً متعبة نفسياً وأنا أفكر في تلك المشاكل الرهيبة القادمة.. فلم أرد على تهاني.. كنت أعلم أنها فتاة مزوح لا يمكن لأحد أن يجالسها ويتوقف عن الضحك.. وأنا لم أكن مستعدة لها اليوم..
توقعت أن تخرج بسرعة.. لكنها اقتربت مني.. ونظرت إلي بهدوء.. ثم جلست قربي..
- العنود.. ما بك؟ لست طبيعية اليوم..
- لا شيء.. متعبة قليلاً..
- كلا!.. عيناك تقولان أن هناك شيئاً في البيت..
- كيف عرفت؟
- أشعر أني أعرف هذا الشعور..
- أنت؟
- نعم أعرفه جيداً..
كانت تهاني تتكلم بهدوء لم أعهده منها من قبل.. لم أتوقع ذلك.. تهاني تعاني مثلي من مشاكل؟!
سكتت قليلاً.. ثم قالت بلهجة ساخرة..
- يوووووه.. بيتنا مليااااان مشاكل.. نفكر نبيع منها..
- تهاني.. أنت لا تعرفين.. أبي وأمي بينهما دائماً مشاكل وشجار.. أبي دائماً يثير الخوف والقلق فينا.. وجدتي.. لا تعرفين مشاكلها وجو القلق والحزن الذي تجعله يسود البيت بسبب كلامها هداها الله..
نظرت إلي طويلاً وكأنها تفكر فيما إذا كانت ستقول ما تقوله أم لا..
- طيب.. ما رأيك؟.. أنا أبي.. يضرب أمي.. هل يضرب أبوك أمك؟ .. أبي يضربني حتى الآن.. هل يضربك أبوك؟.. وخذي هذه.. أبي طرد أخي من البيت منذ شهرين ونحن لا نعرف عنه شيئاً حتى الآن.. ما رأيك؟ هل لديك مثل هذه المشاكل؟ لدي الكثير غيرها إن أردت..
صمت وأنا منذهلة تماماً مما قالته.. هل يعقل.. لا أصدق.. تهاني.. تعاني من هذه المشاكل.. ما أعرفه أن أمها هي وكيلة مدرسة.. وهي فتاة مرحة بشوشة.. لم أتصور أنها تعاني من كل هذا الحزن.. يا حبيبتي يا تهاني.. نظرت إليها بعطف وأنا غير مستوعبة لما قالته..
وحين شعرت أن الموضوع قد يأخذ طابع الحزن قالت فجأة بنبرة أعلى وهي تبتسم وتضرب على كتفي واقفة..
- لا يضيق صدرك..
عااااااااادي.. كل بيت فيه مشاكل من نوع مختلف.. احمدي ربك أنت أحسن من غيرك..
- الحمد لله..
- بعدين كل مشكلة فيها فائدة.. يعني شوفيني.. لو ما كان عندي مشاكل.. ما كان صار دمي خفيف عشان أضيع السالفة!!
- يا سلام؟!..
رن الجرس معلناً انتهاء الفسحة.. فابتسمت لها وأنا أحمل لها حباً كبيراً..
وأثناء الحصة كنت أفكر.. فعلاً.. صدقت تهاني.. أنا أحسن من غيري.. فوالدي رغم كل شيء لا يضربنا.. ولم يضرب أمي يوماً.. وهو لا يحرمنا مما يستطيع توفيره لنا.. الحمد لله.. حتى مشاكل جدتي تهون عند مشاكل غيرنا..

× × ×

حين عدت إلى البيت.. كانت أمي قد وضعت الغداء للتو وقد حضرت جدتي.. سلمت عليها وجلست آكل بينما بدأت جدتي لمزاتها..
- الأكل مالح.. ما تدرين أنه فيني ضغط..
فردت أمي..
- والله يا خالة ما حطيت ملح إلا شوي..
- يعني أنا كذابة؟.. أقول مالح.. ما ينوكل!
أكملت طعامي وقمت لغرفتي وأنا أردد.. الحمد لله.. مهما تكن من مشاكل.. فهي أهون من مشاكل غيري..!


**
مجلة حياة

الدانه 06-04-2008 07:10 PM

رد: اعترافات فتاة
 
وماذا لو كنا سبع بنات ؟

- ما شاء الله.. سبع بنات؟!!

لا أعرف لماذا كان وجهي يحمر خجلاً وأرد بحياء وبصوت أقرب للهمس..
نعم..

يا حلييييييييييلكم..

كنت أشعر أن نظرات زميلاتي وصديقاتي حين يعرفن عددنا تتجاوز الاستغراب نحو شيء من الاستطراف أو الاستهزاء.. رغم أني أحاول أن أقنعهم أن وضعنا عادي ولا غرابة فيه..

وكان السؤال الجارح الآخر..
- غريبة ما يتزوج أبوك على أمك..؟!

وأحاول أن أقنعهم مرة أخرى أن أبي يحبنا كثيراً وقد نسي الآن موضوع الولد.. ولم يعد يرغب بإنجاب المزيد..
لكن نظراتهم وأسئلتهم السخيفة أو تلميحاتهم نادراً ما تتوقف..

* * *

حين نستعد للذهاب لزواج أو لمناسبة اجتماعية كبيرة فإني أشعر بحرج كبير من الذهاب مع أخواتي.. فمنظرنا يثير نظرات الآخرين كثيراً.. كما يثير شفقتهم واستعطافهم المزعوم علينا..

أجلس على الطاولة محفوفة بأخواتي من مختلف الأعمار.. تمر ابنة عمي مها.. تسلم مع ابتسامة استهزاء..
ما شاء الله كالعادة!.. لوحدكم تملؤون طاولة كاملة..!

كم أكره أسلوبها النزق هذا.. تعاملنا بدونية وكأننا مخلوقات مختلفة.. وكأنها تعتقد أننا سعيدات بوضعنا هذا..

نضطر لمراقبة سلوكنا وتصرفاتنا كثيراً.. يجب ألا نسير معاً ولا نقف معاً وحين تذهب أمي لمكان ما علينا ألا نتبعها جميعاً فنبدو كقطار طريف.. بل نقوم على فترات زمنية متباعدة..

كنت أشعر بأخواتي كقيد يخنقني ويضطرني لأن أشعر بشيء من الدونية والحرج أمام الآخرين..
إنهن بريئات لا ذنب لهن.. لكني بت أشعر بشيء من المقت لهن لما يضعنه على كاهلي من ثقل وشعور بالخجل..

أقنعت أمي أن نضع لنا دوراً للذهاب لبعض الزيارات العائلية حتى لا نثقل كاهل من نزورهم أو نشعرهم بكثرتنا.. وجعلني هذا الأمر أقل حرجاً أمام الآخرين.. لكنه لم ينه مشكلتي التي تزداد كلما كبرت وأصبحت أكثر حساسية من نظرات الآخرين وتلميحاتهم..

بطريقة ما استطاعت نظرة مجتمعي الذي يحيطني أن تجعلني أشعر بالاكتئاب وعدم الرغبة في الخروج.. كنت أنظر لصديقاتي وطريقة حديثهن عن حياتهن فأشعر بالغبطة..
كل واحدة تتحدث عن أمها وكأنها وحيدتها.. خرجت مع أمي.. قلت لأمي.. نفكر أنا وأمي في موديل فستاني..
وهكذا..
وإن حصل كانت هناك أخت أو أختان أو بالكثير ثلاثة.. وهما أكبر بكثير أو أصغر بكثير..
لكن بالنسبة لي فالأمر مختلف..
أنا محاطة بستة أخوات يشاركنني كل شيء.. بدءاً من رعاية والديّ..
فأنا لم أحصل يوماً على انتباه أو اهتمام والديّ لذاتي.. دائماً أسمع الخطاب الجماعي.. أنتن.. سنأخذكن.. سنذهب بكن.. فنحن بالفعل قبيلة أو جيش نسائي كما يطيب لمها ابنة عمي أن ترمي بتلميحاتها السخيفة..

إذا أردت شراء شيء لي.. فيجب أن يتم شراء مثله للجميع.. وإذا أردت الذهاب لمطعم راقٍ مع والديّ فعلينا أن نذهب جميعاً بدءاً بي وانتهاء بجود ذات الأربعة أعوام.. وهنا يصبح المكوث في المطعم مستحيلاً في ظل القرقعة والإزعاج والبكاء والمشاجرات اللافتة للنظر..

أما حين ذهبنا للعمرة العام الماضي فقد كان منظرنا لافتاً بصدق ونحن نسير خلف والدي كالطابور..

كنت أتمنى لو يصبح لي أخ مثل غيري.. أخ أرسله للبقالة.. أو أجعله يخرج ليستلم طلبية التوصيل من المطعم.. يحدثني عن مدرسته ومشاغباته..
بل إنني أتمنى أحياناً أن يكون لي أخ ليراقب تصرفاتي وعباءتي فأضحك في سري عليه وأنا أطيعه بلذة عجيبة..
لكن هذا الأخ عبثاً لم يأتِ.. وبقي حبيس الأحلام كأشياء أخرى كثيرة..

كنت وثلاث من أخواتي قد وصلنا لسن الزواج.. لكن نصيبنا لم يأت بعد لأسباب لا يعلمها إلا الله..
لم يتقدم إلينا خاطب بصفات معقولة – ولا أقول ممتازة.. كانت أمي تنتظر اليوم الذي تزوجنا فيه وتشعرنا بالسعادة.. لكن شيئاً من ذلك لم يكن بيد أمي ولا أبي.. فهو بيد الله سبحانه وتعالى.
معظم القلة الذين تقدموا لي كانوا إما كباراً في السن أو لهم سوابق أخلاقية أو أنهم لا يصلون.. أو ليس لديهم عمل ثابت كعبد الله ابن عمي فكيف أغامر بحياتي معه؟

لكن زوجة عمي لم تتركنا في حالنا بعد أن رفضنا بأدب شديد ولدها الذي لم يكن عيبه الوحيد أنه لا يعمل.. ولا أنه لم يكمل دراسته، بل هو يدخن ومحاط برفقة السوء هداه الله.. فكيف تريدني هداها الله أن أوافق على ابنها هذا؟
لقد اتفقنا أنا وأمي وأبي على أنه لا يصلح للزواج.. وبقائي مكرمة في بيت أهلي أفضل من أغامر لأعود مطلقة أو أحمل في أحضاني طفلاً بريئاً لا ذنب له..
لكن زوجة عمي لم تقتنع بكل كلامنا وبدأت حرباً شعواء علينا.. أفرغت خلالها كل ما في جعبتها من عبارات حادة وجارحة بحقنا.. قالت إن أمي عليها أن تبدأ في تسويق هؤلاء البنات قبل أن يتجمعن على قلبها – كما تقول.. فهناك نصف دستة من البنات ينتظرن دورهن خلفي!!.. وقالت أن من لديه مثل هذا العدد من البنات عليه ألا يتشدد في شروط الزواج بل يعطيهن لأول طارق!
جرحتني هذه الكلمات أكثر مما فعلت مع أبي أو أمي.. ربما لأن لديهم شيئاً من الجلد وقوة التحمل.. أما أنا فلم تساعدني حساسيتي المفرطة على تحمل هذا الكلام.. وأخذت أبكي ليالٍ طويلة..

وكانت هذه الهجمة سبباً في أن أفكر في وضعي – أو وضعنا- جيداً.. وأعيد حساباتي جيداً.. لماذا علينا أن نتحمل كل هذه الإهانات ورأسنا منكس؟

نظرت لنفسي فإذا أنا فتاة خلوقة ولله الحمد.. مستقيمة بإذن الله.. متفوقة في دراستي.. محبوبة ممن حولي.. وكذلك أخواتي فهن جميعهن صالحات مؤدبات خلوقات.. يثرن إعجاب الجميع بنشاطهن وتفوقهن..
أي فخر هذا لأبي وأمي؟
لماذا نترك للآخرين الفرصة ليشعرونا بالنقص.. ونحن ربما أفضل منهم بكثير..

فكرت في بيت عمي.. ماذا لديهم ليشعرونا بالدونية؟
ثلاثة أبناء فاشلين في دراستهم عابثين متخرجين من مقاهي الشيشة.. وثلاث بنات مرفهات متعجرفات.. لا يعرفن لاحترام الآخرين قيمة.. جل وقتهن يشغلنه بأحاديث هاتفية مشبوهة.. وتبادل أشرطة الأغاني مع صديقاتهن..
سبحان الله..
زوجة عمي نفسها.. لم تحظ يوماً ببر أحد من أبنائها أو بناتها أو اهتمامهم وكثيراً ما اشتكت من سوء أدبهم وتعاملهم معها.. فلماذا تحاول أن تظهرنا نحن بمظهر الأضعف والأقل.. ألأن الله شاء ألا يكون بيننا أخ ذكر؟ فقط لهذا؟ يا للتفكير السطحي السخيف؟

وكأن الله شاء أن تكون هذه المصيبة فرصة لأن أشكر الله على نعمته علينا وأن نكسر قيد الضعف الذي كان يحني رقابنا..

شعرت بعد جدال طويل مع نفسي أني أولد من جديد وأزيل عن نفسي بقايا عالقة من تفكيري السابق وأتخلص من تلك الخيوط اللزجة التي كانت تحيطني وتقيدني عن الكثير وتمنعني من أن أرفع رأسي أمام الآخرين..

لم أكن أصدق إن إنساناً يمكن أن يتغير بين ليلة وضحاها لكني تغيرت هكذا.. لم أعد أشعر بذلك النقص من نظرات الناس لأخواتي.. بل انقلب هذا الشعور إلى فخر حين أنظر لأخواتي بمظهرهن الجميل وحديثهن المثقف المهذب الرقيق.. وتذكرت أنه لم يضر رسول الله صلى الله عليه وسلم أن كان كل نسله من البنات ولم يعش له ولد.. ويكفينا فخراً أننا نستر والديَّ عن النار لأنهما أحسنا تربيتنا بإذن الله..

استغربت أخواتي من التغير الذي طرأ علي فقد بدت الثقة في طريقة حديثي وتصرفاتي، وأنا التي كنت أزرع في نفوسهن الشعور بالنقص والدونية وأردد أمامهن دائماً أني أخجل من ظهورنا معاً وغير ذلك..

ربما ظهر هذا الشعور في داخلي كحاجة فطرية ماسة لمقاومة كل ذلك الهجوم من زوجة عمي وابنتها وغيرهن ممن يحاولن إهانتنا لإرضاء نفوسهن المريضة. لكنه كان شعوراً عارماً وقوياً وسرى في نفسي مثل نهر نبع فجأة في أعماق الصحراء.

أصبحت أشجع أخواتي على الظهور معاً ولا أجد في ذلك أدنى غضاضة، وأحاول أن أزرع فيهن الثقة بأنفسهن والحب والافتخار ببعضهن البعض، بدلاً من التقوقع حول ذاتنا ولوم بعضنا البعض على شيء قدره الله لنا..

وكلما نظرت لأسرتنا وتماسكها ومحبتها لبعضها البعض ورقيها الأخلاقي حمدت الله حمداً كثيراً.. لأن سعادة الإنسان تتبع من رضاه الداخلي وليس من نظرات الناس وأحاديثهم.. حتى لو كنا أكثر من سبع بنات..


**
مجلة حياة

الدانه 06-17-2008 09:26 PM

رد: اعترافات فتاة
 
الحلوى المرة!

حين كنت طفلةً في نعومة أظافرها لا تتجاوز نعومة أوراق الأزهار.. ويداها الصغيرتان تنبشان كل ما تقع تحتها..
لم أكن أدرك كل ذلك الكم الهائل من الأسئلة التي بدأت تتقافز خلسة إلى ذهني بعد أن تجاوزت السابعة..
فوالدي قد خلفا طفلة ذهب بها الفضول إلى متاهات عميقة.. إلى أعماق الحقائق..
حتى ارتمى ذاك السؤال في أحضان دهشة أمي بعد أن حدقت عيني التي تتم عن فضول مكبوت نحو عنوان على غلاف مجلة..
- ماما.. ما هو الطلاق؟!
بريق التردد والامتعاض يلوّح بنجلاوي أمي الطاهرتين..
وكأنها تريد الحفاظ على عالمي الصغير من جروح الحياة..
- إنه.. (حلوى) يا بنيتي!..
أمي.. يا برداً في لهيب الدنى.. ويا دفئاً في برد الحياة..
ليتك ترحمين رغبتي الماردة للوصول إلى تلك الحلوى..
رؤيتها.. تذوقها.. لكنك كنت تعلمين أنها حلوى من نوعٍ آخر.. ليست كتلك التي تجلبينها لي كل يوم آخر الدوام..
وكبرت..
وأصبحت فتاة في الخامسة عشرة من عمرها..
جمجمتي الصغيرة لم تمنع خلايا عقلي من فهم كل ما حولي.. حتى أمي!..
إننا مثل تفاحة انقسمت نصفين..
ذات يوم.. تفرست في هيكل أمي.. وجهها.. عينيها..
وشفتي ..
- أمي الحبيبة.. أعلم بما تكابدينه من أبي .. ولكن اصبري - .. خاطرتني نفسي بتلك العبارة .. خالجني شعور بالندم لعدم مجابهتها بها .. ولكن !!
أبى اللسان أن ينقض كل الخيوط التي غزلتها ..
لتلبسنا أجمل حلة خصنا بها الله وهي الحنان ..
وجدت نفسي في حجرتي .. لطالما تحملت كل آهاتي ودمعاتي العنيدة .. العنيدة جداً .. والتي تجابه عناد الجبال الصلبة أمام الرياح .. ولا ألوم نفسي لهذه الصفة .. فقد ولدت أنا وكبريائي في نفس اليوم .. ولا أذكر أني ذرفت يوماً دمعة محقونة بإرادتي ..
جلست أتبادل حديثي الصامت مع أوراقي .. وآنس بصرير أقلامي إلى أن تمزق الهدوء بصوتهما المعتاد..
ولكن هذه المرة كان مخترقاً لصلابة جدران حجرتهما.. هرعت مسرعة إلى باب الحجرة.. لم تحدد أذناي محور حديثهما الساخن.. ولكنها التقطت تلك الكلمة.. لينتهي الحديث في الهواء.. لم يكن الحديث وحده هو من أعلن نهايته الكاسحة.. بل كل شيء في هذا البيت بدا وكأنه يحتضر..
فؤادي.. وأفئدة أخوتي الصغار التي ذابت ألماً بعد تردد صدى تلك الكلمة في مخيلتنا جميعاً..
اقتربت ساعة الصفر.. عانقتها بشدة.. وامتزجت دموعنا على صدغيها الطريين..
والآن.. أحمل لقب اليتيمة السقيمة..
أبحث عن طيفها في حجرتها.. أتنفس رائحتها بين ملابسها ومناديلها.. سامحك الله يا أبي.. لقد جعلتنا وجبة لآلام الحياة..
وبينما أنا على سريرها يخيل إلي تلك اللحظة..
حينما كانت جالسة أمام مرآتها تكحل عينيها فباغتّها بسؤالي وأنا أنظر إلى غلاف مجلتها المفضلة حيث عنوانٌ عن الطلاق..
حينما أجابت بلغة الفرار المهيب..
- إنه حلوى يا بنيتي..
أماه صدقتِ أيتها الحبيبة.. لقد كانت حلوى.. ولكنها مرة..

جميلة الشهري

الدانه 06-22-2008 10:08 PM

رد: اعترافات فتاة
 
هل هذه أختك..؟
- معقول؟ أنت أخت نجلاء؟
- لااااا ..!! لا يمكن أن نصدق.. نجلاء أختك أنتِ؟
كنت أطأطئ رأسي بخجل وأتحدث بصوت عادي وأنا أحاول أن أتصنع لهم عدم الاهتمام..
- نعم.. ألم تكونوا تعرفون من قبل..؟
- لكن.. لكن.. نجلاء مختلفة تماماً.. إنها..
وتقاطع إحدى الفتيات الحديث قائلة لي..
- لحظة.. هل أنت متأكدة؟..نجلاء فهد التي في أول ثانوي؟.. التي تظهر في الإذاعة الصباحية.. هي أختك..؟؟ّ!
وأجيب والحرج يذيبني ومحاولاتي المصطنعة لعدم الاهتمام تبدو واضحة..
- نعم.. إنها أختي.. وماذا في ذلك؟
ثم أستسلم بألم وأعترف..
- أعرف أنها أحسن مني..
توقعت أن يشعروا بالخجل لكنهم تمادوا أكثر..
- لكن يا نورة نجلاء شكلها مختلف جداً.. فهي طويلة.. و.. جميلة.. ومتفوقة.. كما أنها جريئة وتظهر في الأنشطة والمسابقات أما أنت فعلى العكس!
- نعم.. أعرف ذلك..
- ثم.. مظهرها.. نعم.. مظهرها مختلف تماماً.. إنها تهتم بمظهرها جداً ما شاء الله..
ابتلعت هذه الغصة بألم لأني عرفت أنها تعني أن مظهري عادي أو سيء..
مرت إحدى الزميلات من بعيد فصاحت بها إحدى الجالسات من زميلاتي..
- سويّر.. سويّر.. إلحقي تعالي!!
وتأتي سارة مسرعة وخائفة..
- ماذا هناك..
- هل عرفت آخر مفاجآت الموسم؟!
- ماذا؟ خير إن شاء الله؟
- هل تعرفين نجلاء فهد التي تظهر في الإذاعة دائماً..
- نعم تلك الفتاة الجميلة الأنيقة..
- نعم.. تصوري.. إنها أخت نورة.. نورة هذه!!
- لاااااا!!.. لا يمكن.. احلفي!
- والله أقسم بالله.. اسأليها..
ويأتي دور سارة مرة أخرى.. كيف.. ولماذا .. ولا أصدق!
وأبتلع أنا غصاتي واحدة بعد الأخرى..

لم يكن أحد يعلم أني في الحقيقة لم أكن أر نجلاء في البيت.. فهي أختي من الأب، وقد عشت طوال حياتي مع أمي المطلقة.. أما نجلاء فهي ابنة الزوجة الثانية.. إنها الابنة المدللة لأبي رغم أنها لا تصغرني سوى بعامين.. لكن الفرق شاسع بيننا.. شاسع كما البعد بين دموع الفرحة والألم..

فوالدتي امرأة كبيرة نسبياً وهي تقريباً لا تقرأ ولا تكتب.. أما والدتها فلا زالت شابة وهي جميلة ومثقفة وتعمل في وظيفة مرموقة..

أنا تربت في بيت مشتت.. تربيت في بيت خالي.. حيث المشاكل المستمرة بين زوجته وأمي المسكينة.. وحيث الألم النفسي والبكاء والشعور بالضياع.. وحيث يموت الكبرياء ألف مرة كل يوم..
أما هي فقد تربيت في أحضان والدها ووالدتها.. تربت كطفلة مدللة هي الأولى والوحيدة لأمها والصغرى لأبيها..

عشت حياتي وأنا أعرف جيداً معنى الحرمان والفقر.. أعرف جيداً معنى أن أطلب مصروفي من خالي ونظرات زوجته تحرقني من شدة الغيظ.. فوالدي قد حرمني من المصروف مقابل أن أعيش مع أمي..
أما نجلاء فقد عاشت والمال لا معنى له لديها.. ووالدي يغدق عليها المال دون حساب وكذلك والدتها..

إذاً.. من الطبيعي أن أكون.. نورة.. الفتاة الخجولة.. المنطوية.. الكسيرة.. الفاقدة للثقة بنفسها والمهملة لمظهرها..
بينما هي.. نجلاء الفتاة الطموحة الواثقة المتفوقة والأنيقة..

ورغم كل ذلك.. لم أكن أشعر بأي حقد عليها ولا بأي غيرة تجاهها.. لكن في نفس الوقت.. لم أكن أحبها بصراحة..
كانت علاقتها بي عادية جداً وشبه فاترة.. فقد كانت تعاملني كإحدى قريباتها من بعيد.. السلام عليكم.. عليكم السلام..فقط!

إنه شعور محزن أن تشعر بأن هناك من ينتمي إليك.. من لحمك ودمك.. لكن روحك تختلف عن روحه.. ومشاعرك لا تجد لها عبثاً أي صلة بمشاعره..

حين كنت أراها تمر في المدرسة وأرى حذائها الرياضي الجديد .. وحقيبتها ذات الماركة العالمية.. وشعرها المقصوص بعناية بالغة.. بينما في يدها دفتر فاخر جداً.. كانت لسعة ساخنة تضرب قلبي كسوط قاسٍ.. وتترك حرارة تتوهج ألماً داخله لأيام طويلة..

وحين أستلقي على سريري في نهاية يوم متعب.. وأجيل نظري في غرفتي الضيقة التي تشاركني فيها والدتي.. أنظر لدولابنا القديم الذي سقط أحد أبوابه.. وللمرآة المشدوخة التي تنكسر فيها صورتي كل صباح.. ثم أنظر لكتبي التي وضعتها على الأرض حيث لا يوجد لي مكتب..
ثم أتذكر شكل غرفة نجلاء حين زرتها الصيف الماضي.. حيث المفارش الوردية.. والستائر الرقيقة.. والدمى الملونة.. والثلاجة المليئة بأنواع الحلوى..

حين أقارن لوهلة.. أشعر بغصة وألم في حنجرتي.. وأشتهي البكاء.. فأضع نفسي تحت الغطاء الخشن.. وأبكي بحرقة.. وأكتم صوتي حتى لا تشعر بي أمي.. ثم أبكي.. وأشهق وأنا أرتجف لكيلا يعلو صوتي في الظلام فأوقظ أمي..

هل نجلاء أختي؟ من لحمي ودمي؟.. كيف نحمل أنا وهي اسم أب واحد.. وكل تلك المسافات الشاسعة تفصلنا؟.. كيف؟

لم تكن زميلة من زميلاتي تعرف شيئاً من معاناتي.. ولا وضعي..
لم تكن واحدة منهن تتخيل مدى الألم الذي أتجرعه.. ولم تكن إحداهن تعرف معنى أن تشعر باليتم ووالدها حي كما أعرف أنا جيداً.. لم يكن أحد جرب معنى الظلم دون أن يكون له يد في ما يحصل كما جربته أنا..
كن ينثرن الملح على الجروح الغائرة بكل قسوة دون أن يعرفن..
لكنني كنت أصمت وأتظاهر بأن شيئاً لم يحدث..

لم أشعر بهذا المقدار من الألم في حياتي.. ليس قبل هذه السنة فقط.. حين أصبحت نجلاء معي في المدرسة الثانوية لأول مرة في حياتنا..

الأستاذة منيرة هي الوحيدة التي عرفت ذات بوم.. حين صارحتها بذلك في لحظة ضعف وبكيت أمامها..
عندها..حضنتني.. وربتت على كتفي بتأثر..
وقالت..
أعرف يا صغيرتي ما تعانين.. فهمت كل شيء..
وفقط رددت في هدوء وهي تربت على ظهري:
كان الله في عونك..
كان الله في عونك..


**
مجلة حياة

الدانه 06-22-2008 10:20 PM

رد: اعترافات فتاة
 
وأسمتها نعمة..

كانت عيناها تلمعان ببراءة وهي في فستانها الأبيض..
نظرت إلي.. فابتسمت وأنا أبكي..
حبيبتي.. أختي الصغيرة..
ها هي تترك منزل اليتم.. إلى عالم آخر..
تلفت في الحفل.. نظرت إلى الوجوه.. كنت أتمنى أن تحصل معجزة وأرى بين الوجوه وجه أمي التي لا أعرف عنوانها ولا بلدها.. أمي التي لم أرها منذ ثمانية عشر عاماً..
لكني لم أر شيئاً..

لا زلت أرى عينيها الغارقتين في الدموع.. وأشتم رائحة عنقها الدافئ..
- حبيبتي مها.. عمري.. مهّاوي..
حضنتني بقوة وأنا أستغرب هذا التصرف.. كانت ترتدي عباءتها.. وتسحب حقيبة سفرها.. وأنا أريد التنصل من يديها لأكمل اللعب مع ابنة جيراننا..
وقفت خلود تبكي.. وتعلقت بعباءة أمي قبل أن يدفعها والدي لتخرج بصعوبة من البيت.. بينما كانت رحاب الصغيرة نائمة..
حين اقتربت الشمس من المغيب عدت لأبحث عن أمي.. فلم أجدها.. وبقيت أصيح أمام غرفتها حتى نمت على الأرض..
وبعد فترة علمت أن أمي لن تعود.. أبداً..

* * *

عشنا في البداية حياة مليئة باليتم والوحدة ونحن ثلاثة أطفال أكبرنا لم تجاوز التاسعة وأصغرنا أكملت للتو عامها الثاني..
لا زلت أذكر معاناتي أنا وخلود في تنظيف رحاب وتغيير ملابسها والتعامل مع صياحها طوال الليل باحثة عن أمي.. وكان أبي يتعمد تجاهلنا حتى لا يشعر بتأنيب الضمير.. فكان يخرج من البيت كثيراً.. ولا نراه إلا قليلاً..
وحين بدأت المدارس.. كان علينا أن نعاني من هموم أخرى.. فعلينا الاستيقاظ باكراً.. لنأخذ رحاب لجارتنا أم خالد.. كانت خلود المسكينة هي أمنا.. فكانت توقظني.. وتغير ملابس رحاب ثم تأخذها وهي تصيح لبيت الجارة.. ثم نذهب لمدرستنا سيراً على الأقدام.. وكان ذلك عامي الأول في المدرسة..

* * *

لا أنسى.. يوم.. أن صرخت أبلة حصة على خلود في الطابور.. وأنبتها أمام الطالبات لأن مريولها غير مرتب..
شعرت يومها أن أبلة حصة تنتقص من أمي.. نعم.. فخلود كانت أمي..
المسكينة وقفت ولم تتكلم.. ولم يكن هناك مجال لأن تشرح شيئاً..
عيناها كانتا حمراوين يومها..

* * *

تزوج أبي.. وأحضر امرأة سليطة اللسان إلى بيتنا..
في البداية.. تقززت من البيت الذي كانت رائحته سيئة كما تقول.. وبدأت تلقي أوامرها.. ورضخنا لها..
كنا نراها تخرج وتذهب وتعود.. ونحن جالسون لوحدنا في البيت.. لا نتحرك..
ذات يوم سألتني رحوبة.. "ما هي حديقة الحيوان؟"
بدأت دموعي تنساب وأنا صامتة.. لم أستطع أن أشرح لها..
وسكتت خلود أيضاً..

* * *

مع زواج أبي.. بدأ يغضب علينا كثيراً.. ويصرخ.. ثم.. أخذ يضرب..
ذات مرة ضرب خلود بعصا المكنسة.. ومرة أخرى رماني بقدر وجده في المطبخ لأني حرقت الطعام.. وفي مرات كثيرة دعا علينا بالموت..
كنت فقط أشفق على رحاب المسكينة.. لم أكن أود أن ترى والدي في هذه الحالات فتصاب بالرعب..

* * *

كبرنا وكبرت همومنا..
كنا نرى إخوتنا من أبي يكبرون.. وهم يعيشون طفولة أخرى.. لكننا لا نجرؤ على الكلام..
خُطبت خلود..
وبكت كثيراً.. قالت أنها لا تريد ترك رحاب.. لكني أقنعتها أن رحاب لم تعد طفلة.. عمرها الآن عشر سنوات..
وتزوجت خلود.. دون حفل ولا فستان أبيض..
دعوت الله لها كثيراً.. وبكيت..
وتذكرت رائحة أمي..

* * *

أنجبت خلود..
لكنها بقيت في بيتها.. كانت تعلم أن زوجة والدي لا تريدها هنا..
فذهبت إليها..
كانت متعبة كثيراً.. ولم أعرف كيف أتصرف معها في البداية..
لكنها أصبحت أفضل فيما بعد..
طفلتها كانت لها عينان لامعتان جميلتان..
لم يرها والدي إلا بعد أن أكملت أسبوعاً..
- سأسميها نعمة..
نظر إليها والدي بغضب.. نظراته مرعبة..
- كلا! والله لا تسمينها هذا الاسم!
ابتلعت خلود غصتها.. وسكتت.. شعرت بطعنة في صدري.. وما يضرك يا أبي؟.. هل تحرمنا حتى من اسم أمي؟
حين خرج والدي قالت خلود..
- والله لولا أني أخشى عليكما من سطوته.. لأسميتها بهذا الاسم مهما فعل..
كانت رحاب صامتة.. فهي لا تعرف أمي.. ولا رائحتها.. ولا اسمها..

* * *

بعد فترة خطبت أنا أيضاً.. وتزوجت..
كان زواجاً سريعاً.. والرجل.. لا بأس به.. أفضل من والدي على أية حال..
ليت لي أماً أشكو لها.. ليت لي أماً أستشيرها..
بعد عام أنجبت طفلاً..
وتغير زوجي.. بدأ يصبح أفضل..
لكن.. كان هناك ألم كبير في حياتي.. ألم لم أستطع اقتلاع جذوره..
كان يخيم على حياتي بشكل رهيب..
كلما رأيت طفلي يلعب وأنا أجري خلفه أحميه وأداعبه.. أتذكر طفولتي.. وأتذكر أختي الصغيرة.. فتنساب الدموع من عيني.. كلما رأيت طفلي يتعلق بعباءتي حين أخرج.. أتذكر أمي في وداعها الأخير فأعود إليه..
وأنجبت طفلاً ثانياً وثالثاً..
وشعور اليتم يقتلني..

* * *

وهي تجلس بكامل زينتها على المنصة.. كنت أرى في عيني رحاب الطفولة المعذبة.. ومن بين أصوات الدفوف.. كنت أسمع بوضوح صوت بكائها ونحن نحملها صباحاً لبيت أم خالد.. وكنت أسمع صياحها وخلود تدور بها حائرة في ممرات المنزل فجراً.. كنت أسمع صوتها تنادي.. ماما.. ماما.. ونحن نبكي معها..
قرصتني خلود وهي تتهادى ببطنها الكبير..
- كفى بكاء!.. لا تحزنيها ليلة زفافها..
ابتلعت الغصة وسكت..
وبعد أسبوع.. أنجبت خلود..
أنجبت طفلة سمراء جميلة..
وهذه المرة فقط.. أسمتها.. نعمة..


**
مجلة حياة

مناهل 06-22-2008 11:55 PM

رد: اعترافات فتاة
 
الدانه :
جزاك الله خيرا .
اختيار جميل .
وقصة مؤثرة .

الدانه 06-23-2008 04:18 PM

رد: اعترافات فتاة
 
الأخت الفاضلة مناهل
أشكرك على حضورك وجزاك الله خيرا
رفع الله درجتك في الدنيا والآخرة .

الدانه 06-28-2008 03:45 PM

رد: اعترافات فتاة
 
وجه يلسع .. وورقة اختبار

- خلاص يا بنات؟.. غداً الاختبار.. ادرسوا جيداً.. من لا تحصل على درجة عالية الآن لن تستطيع الحصول على معدل جيد فيما بعد.. عشرون درجة على هذا الاختبار.. انتبهوا!!

بعد هذه التهديدات المرعبة من أبله حصة.. شعرت بقشعريرة تسري في جسدي وخوف بارد يشل أطرافي.. حتى معدتي انقبضت بقوة..
كم أكره الاختبارات.. كم أكرهها..
حين عدت للبيت.. كنت أشعر باكتئاب وضيق شديد..
توجهت نحو سريري بسرعة واستلقيت عليه قبل حتى أن أخلع عباءتي..
دفنت رأسي في الوسادة وأنا أكاد أبكي..
أريد أن أهرب..
بكل صدق.. أريد أن أهرب.. واختبئ بعيداً عن الاختبارات وما يتصل بها..
لا أريد أن أختبر.. لا أريد الخوف.. لا أريد قلق انتظار النتيجة..
كنت أشعر بالغثيان حين دخلت والدتي تدعوني للغداء.. لكن هذا كان آخر ما أفكر فيه..
- لا أريد شيئاً أرجوك يا أمي..
نظرت إلي أمي بحزن فقد عرفت أن هناك اختباراً في الأجواء..
- لا يصح هذا يا بنيتي.. إلى متى تشعرين بالرعب والخوف من الاختبارات.. لقد كبرت..
ليس هناك من يفهمني..
بكيت كثيراً وأنا أقول لهم.. أن خوفي من الاختبارات أمر خارج عن يدي.. شيء لا دخل لي فيه.. مرض قاتل أدعو الله أن يشفيني منه.. لكنهم يعتقدون أني أتحكم بحالتي ونفسيتي..
- أمي.. أرجوك.. أرجوك.. أريد أن أبقى لوحدي..
تنهدت أمي وأغلقت الباب ثم خرجت..

* * *

تعود بي ذاكرة سرابية لمشهد قديم تفوح منه رائحة الطباشير..
فصل صغير.. مقاعد متراصة.. طاولات مهترئة امتلأت بالرسومات وببعض قطع العلكة المتيبسة..
- يا الله يا بنات.. نتائج الاختبار..
تصرخ أبله منيرة بحدة على هذه الكائنات الغضة التي خرجت للتو من أحضان أمهاتها..
ثم تبدأ في سرد الدرجات مع التعليقات المناسبة
- في نظرها..
- ندى عبد المحسن..
وتنظر إلي نظرات أقرب ما تكون لنظرات النمر حين يلمح فريسته ويراقبها.. هكذا أتذكر.. ثم تهز فجأة رأسها باستهزاء..
- يا سلام يا ندى.. يا سلام على الدرجة الحلوة..
- تعالي هنا يا ندى..
من شدة خوفي منها مكثت في مكاني.. لم أملك القدرة على التحرك..
فزأرت بقوة..
- أقول تعالي ما تسمعين.. يا (حيوا..)..
كنت أرتعش وأنا أقوم من مكاني.. وكأني أتجه لمصيري المحتوم..
أوقفتني قرب السبورة أمام التلميذات وهن ما بين المتهامسات والضاحكات أو الخائفات من مصير مشابه لمصيري..
في تلك اللحظة أتذكر أني كنت أريد أمي.. أريدها بأية وسيلة.. أريد أن أهرب من الفصل إليها..
أخرجت المعلمة معي ثلاث طالبات.. ثم أخذتنا أمامها كالخراف الصغيرة نحو العقاب..
وكان العقاب.. هو..
أن تدور بنا على كل فصول المدرسة.. لتريهم أكسل ثلاث طالبات في اختبار الإملاء..
كان مشهداً مخزياً.. ونحن ندور منكسي الرؤوس خلفها وهي تشرح لكل فصل خيبتنا وفشلنا وتستهزئ بنا..
مرت على فصل بنات جيراننا.. وعلى فصل ابنة خالتي مشاعل.. وعلى فصل معلمتي الحبيبة نورة.. وكنت في كل مرة أشعر بخجل عظيم يكاد يذيبني.. لكني لا أستطيع الفرار أو الهرب..
كانت دموعي تنساب بخجل على وجهي المحمر.. وأنا أشهق بصمت.. وحزام مريولي يسحب خلفي.. وفجأة شعرت بالحاجة للذهاب للحمام..
قلت ذلك بخوف لأبله منيرة.. لكنها غضبت ورفضت.. كانت تعتقد أني أريد الهرب من مواجهة بقية الفصول..
تحملت قليلاً.. رغم السير الطويل في المدرسة والصعود بالدرج ثم النزول منه.. لكن.. صغر سني.. لم يساعدني أن أتحمل أكثر..
بكيت.. أرجوك معلمة منيرة.. أرجوك.. أريد الحمام..
لكنها رفضت وهي تسحبني بقوة من يدي..
وفي لحظة لا أنساها.. لم أستطع التماسك فيها أكثر..
وأحسست بنفسي فيها صغيرة جداً.. ومهانة لأقصى حد.. ومحتاجة لأمي أكثر من أي وقت آخر..
أحسست بالخجل يبلل ملابسي..
ثم.. لا أتذكر سوى الصراخ.. و.. أني كنت أريد أن أهرب..

* * *

أشعر بعطف شديد على تلك الطفلة البريئة التي لم تتجاوز السابعة..
التي تعتد بنفسها وبترتيب مريولها وبعطرها الطفولي كل صباح.. وتحرص على تسريحة مرتبة أمام زميلاتها..
أشفقت عليها بصدق من ذلك اليوم الذي غرقت فيها في أوحال الإهانة وتحطيم الذات أمام الجميع.. جميع من كانت تحبهم وتسعى لأن تكون الأفضل أمامهم..

قبل كل اختبار.. أصبحت أشعر بخوف برائحة الطباشير وطعم الدموع.. وأسمع أصوات صراخ من بعيد..
رعب قاتل يخنقني.. لا أعرف كيف أهرب منه.. ولا إلى أين..
ويزيد طيني بلة.. كلام أمي وأبي عن طموحهما بي..
تتباهى أمي أمام زوجة خالي..
- ندى.. ستدخل الطب بإذن الله..
- ما شاء الله..
- نعم.. وستصبح أول دكتورة في العائلة..
- لكن يا أمي..
أقاطعها بخجل..
- لكن ماذا؟
- المشكلة أن الطب يحتاج لمعدل عال جداً.. لا تتخيلي صعوبة ذلك..
- وما العائق أمامك.. أنت متفوقة ما شاء الله.. متفوقة جداً وذكية.. هل اللاتي دخلن الطب أفضل منك..
أبلع كلماتي بألم فمن المعيب أن نتناقش في ذلك أمام الحاضرات..
وتقطع أمي الحوار لتقول بثقة وصرامة..
- إنها ذكية.. لكنها تستحي أن تمدح نفسها..!
ويسكت الجميع.. وأنا أشعر بالحمل على عاتقي يزداد.. والهم في قلبي يكبر.. والخوف يخنقني أكثر فأكثر..

* * *

قبل الاختبارات النهائية أصبت بمغص شديد.. قيء.. فقدان شهية.. حرارة وهذيان.. كنت أبكي طوال الليل والنهار..
لم يبق أحد من أقاربي لم يتصل ويمنحني شيئاً من توجيهٍ ولوم كنت أشعر أنه يزيد مرضي ويثير غثياني أكثر..
كنت أشعر بأني كالغريقة.. في لجة لا قاع لها..
أريد أن أهرب.. أريد أن أبتعد عن الاختبار.. وعن رعبه المميت..
لكن.. حتى.. لو.. لو.. تركت الدراسة.. وقررت عدم الاختبار..
فإن الأمر الآخر الذي أغرق فيه ولا أستطيع الهروب منه.. هو طموح أهلي الذي أثقل ظهري وملأ قلبي هماً..
كيف أهرب من نظراتهم.. ومن طموحهم بي الذي سيتحطم تماماً..
تقول أمي أن أبي يفتخر كثيراً بي وبتفوقي – المزعوم- أمام زملائه.. وسيزداد فخراً إذا استطعت دخول كلية الطب.. وتقول.. أن علي أن أنجح بتفوق لكي ترفع رأسها أمام قريباتها..
- ستعرف موضي أن ابنتها ليست الأفضل لأنها دخلت الحاسب.. فأنتِ ستدخلين الطب بإذن الله!

وحتى في أقصى حالات مرضي وانهياري قبل الاختبار الأول بيوم واحد.. لم ترحمني أمي..
فبينما كنت في المستشفى وأنبوب المغذي يدفع شيئاً من الطاقة في جسمي المنهك الخائر..
اقتربت الطبيبة الشابة ومسحت على رأسي بعطف..
(لماذا يا حبيبتي كل هذا الخوف من الاختبار؟ لماذا هذا الاهتمام؟
فلتحصلي على نسبة منخفضة!! نعم.. ماذا في ذلك؟ النجاح يكمن في داخلك أنت.. وليس مرتبطاً بأرقام المعدل..
لتحصلي على أقل نسبة وحتى لو لم تدخلي أي كلية.. فماذا في ذلك؟ كل هذا لأجل درجات الدنيا؟
إن الأهم يا حلوتي هو درجات الآخرة .. وليست درجات هذه الدنيا الفانية)
كان كلامها مريحاً وكأنه دواء مسكن لنفسي الملتهبة.. لكن قبل أن تبدأ علامات السكينة والراحة بالظهور على وجهي قلبت أمي وجهها وقالت وهي تنظر للطبيبة بعتاب وضيق..
(لا داعي لهذا الكلام يا دكتورة.. فهي ذكية ومتفوقة وإن شاء الله تستطيع بقليل من الإرادة أن تحصل على أعلى النسب.. وتصبح طبيبة مثلك.. هي فقط مصابة بالعين حماها الله)
تحطمت آمالي بأن يقتنع والداي بمحدودية قدراتي.. وبأني إنسان.. ضعيف.. له قدرات محدودة مهما فعل..
ودخلت الاختبار..
لكني خرجت من المدرسة بعد يومين إلى المستشفى مباشرة..
حيث مكثت أسبوعين أعالج من انهيار عصبي حاد.. لا زالت آثاره معي حتى اليوم..
ولازلت أشتم رائحة الطباشير.. وأشعر ببلل الخجل..
ووجها أمي وأبي يلسعانني بسياط الألم..


**
مجلة حياة

مناهل 06-29-2008 02:09 PM

رد: اعترافات فتاة
 
الأخت الفاضلة : الدانة

مرة أخرى تتحفينا بجميل اختيارك ’ و حسن انتقائك .
وفقك الله , ورعاك .

الدانه 07-16-2008 04:23 PM

رد: اعترافات فتاة
 
ورأيت وجهها الآخر ..


أناس كثر نراهم في هذه الحياة..
لا نرى سوى أقنعة وجوههم الجميلة..
ثم ما نلبث أن نصدم بحقيقة قبحهم..
وآخرون.. على العكس تماماً..
تنضح أرواحهم الجميلة من أعينهم.. رغم الأقنعة..
رغم الألم..

* * *

كان يوماً عادياً من أيام دراستي في المعهد..
حين رأيتها تدخل علينا على استحياء في القاعة..
- عفواً أستاذة لمياء.. أنا الطالبة الجديدة في هذه الدورة.. أروى عبد الله.. هل يمكنني الدخول؟
نظر إليها الجميع باستغراب..
الطالبات.. المدرسة.. الكل يتفرس في وجهها الغريب..
لكن كان من الواضح.. أنها كانت مستعدة لهكذا
نظرات..
ابتلعت المعلمة ريقها بصعوبة وقالت هي تحاول أن تتماسك وتخفي نظرة استغرابها أو تخوفها المفاجئ..
- حسناً.. تفضلي يا أروى..
بقينا ننظر بغباء وكأننا نريد أن نشفي غليلنا من شيء ما.. نتفرس في الوجه المشوه الغريب..
كانت تسير بهدوء وثقة.. بينما أخذت الفتيات يبتعدن بكراسيهن المتحركة عن طريقها.. وكأنهن يشعرن بشيء من خوف أو ريبة من هذه الإنسانة المسكينة..
وقفت تبحث عن مكان تجلس فيه..
كانت معظم الأماكن مليئة.. لا يوجد سوى مقعدين فارغين فقط..
حين اقتربت من شيماء لتجلس قربها.. قالت بسرعة.. وعلى وجهها ملامح غريبة تجمع الشعور بالتقزز مع الشفقة مع الخوف مع أشياء أخرى..
- هذا الجهاز معطل.!
كنا نعلم أن الجهاز يعمل.. لكننا سكتنا..
علمت أنها شعرت بأنها غير مرحب بها..
شعرت بنسمة إنسانية تمر على قلبي.. ضغطت على نفسي ودعوتها لتجلس قربي..
- هذا المكان فارغ.. تفضلي..
أتت بهدوء.. وحين اقتربت.. شعرت أكثر بمدى غرابة وجهها..
لكني حاولت تركيز نظري على الجهاز حتى لا أنظر إليها..
في البداية كنت حين ألتفت فجأة لأنظر إليها.. أشعر بشيء من الخوف..
كانت بلا أنف تقريباً.. وبلا شفتين..
وعيناها بالكاد تظهران من فتحتين صغيرتين.. مع تجعدات كثيرة على جوانب وجهها..
وحين انتهى اليوم.. خرجت بهدوء وحدها..
فبدأت همهمات البنات وأصواتهن الحادة..
- يا الله.. مسكييييينة.. !
- يا حرااام...
لكن الأمر لم يتوقف عند هذا الحد..
إذ بدأ البعض بإبداء مشاعر التقزز والخوف منها..
قالت إحداهن..
- صراحة شكلها يخوف.. خفت منها مرة..
- فعلاً أنا بصراحة لا أستطيع التحمل.. أنا لم أدفع مالي لحضور دورة مع هكذا أناس..!
سبحان الله!
قلت في نفسي.. ألهذه الدرجة نتجرد من إنسانيتنا
أحياناً..

* * *

كانت تحاول دائماً أن تخفي وجهها عنا فتلفت إلى أحد الجانبين..
وكنت أحاول بدوري أن أعود نفسي على النظر إليها، حتى أتخلص من شعور الصدمة الذي يباغتني كلما التفت نحوها..
انسحبت شذى من الدورة فهي كما تقول لم تستطع الجلوس في المكان فقد كانت تشعر (بالخوف) والرغبة في البكاء كلما نظرت إلي أروى..
وعرفت كيف أن أقسى الناس قلوباً هم من يدعون أنهم الأكثر (رقة) وحساسية أحياناً..
البقية لم يوضحوا أي مشاعر، لكن تصرفاتهم كانت جامدة جداً وحذرة مع المسكينة.. وأحياناً كانوا يتفرسون في وجهها حين تتكلم بشكل واضح..
أما أنا فحاولت أن أكون طبيعية قدر الإمكان معها..
ويوماً بعد يوم بدأت أعرف الروح الجميلة التي في داخلها..
كانت أروى فنانة في الرسم..
وحين أبديت لها بعض الاهتمام..
وجدتها تحضر لي بعض رسوماتها الرائعة.. والتي وقفت مبهورة أمام جمالها وألوانها الرائعة التي تكاد تنضح بالحياة..
كل هذا الجمال في داخلها؟ سألت نفسي.. سبحان الله..
كانت دقيقة في عملها.. مرتبة..
وكانت أسرعنا تعلماً.. وأكثرنا مهارة في الحاسب..
وذات يوم سألتها..
- في أي مرحلة دراسية أنت يا أروى..؟
- أنا؟
ضحكت ثم قالت..
- ستفاجئين!
- لماذا..
- لا زلت أدرس في الصف الثالث المتوسط..
مسائي..
سكت.. فقد كانت بالفعل تبدو على الأقل في المرحلة الجامعية..
لكنها قطعت تعجبي وقالت..
- تركت الدراسة لمدة سبع سنوات بعد الحادث الذي شوه وجهي..
شعرت بالرهبة لأنها بدأت لأول مرة تتحدث عن هذا الأمر..
لم أعرف ماذا أقول.. لكني ابتسمت وأبديت اهتمامي.. فأخذت توضح..
(كنت قد أنهيت الصف الثاني المتوسط.. وفي أول أيام العطلة الصيفية.. حدث حريق كبير في بيتنا.. وكنت وحدي في غرفتي.. محاطة بالنيران..)
ابتلعت ريقها وقالت وهي تشير لوجهها وتتحاشى النظر إلي..
(طبعاً احترق ثلاثة أرباع جسمي.. بل إنهم حين أخرجوني لم يكن لي وجه..!
ابتسمت وكأنها قالت نكتة.. لتحاول أن تخفف من الشعور بالألم الذي بدا على وجهي..)
كانت تمسك بفأرة الحاسب وتحاول أن تشغل نفسها بفتح بعض الملفات وهي تتحدث..
(مكثت ثلاث سنوات وأنا تحت أيدي جراحي التجميل.. أتحمل الآلام المبرحة.. القاتلة لكي تظهر لي معالم وجه..! وبعد جهد جهيد.. ظهر هذا الوجه.. ولله الحمد.. أفضل من لا شيء!!)
استغربت من قوتها.. وكيف تتحدث عن الأمر بشكل عادي.. شعرت بإعجاب شديد بشخصيتها..
(في السنوات الثلاث الأولى كان تفكيري ودعائي منصباً على أن يرحمني الله بالموت.. وأتخلص من الألم القاتل.. ألم الحروق.. وألم فقدان وجهي الذي كان جميلاً.. وألم فقدان قدرتي على الذوق والبلع بسهولة.. على التحسس بأصابعي.. ألم فقداني لأنوثتي).
تنهدت وهي تبتسم بمرارة..
(فيما بعد.. بدأت أقتنع شيئاً فشيئاً أن هذا ابتلاء من الله.. وصبرت واحتسبت.. لكن الألم الأشد الذي بدأ يواجهني.. هو.. مواجهة الناس..
إنه أشد الآلام فتكاً يا نورة.. ألم لا تتصورينه.. ألم يحرقني أكثر مما أحرقتني النار نفسها.. نظراتهم.. شفقتهم.. تقززهم.. أو استهزاءهم أحياناً..
تخيلي أن تصرخ فتاة وتقول لزميلتها..
"انظري انظري! المسكينة.. انظري إلى وجهها كيف يبدو..!"
وبصوت تعلم جيداً أنه يصل لمسمعي..)
شعرت بالخجل الشديد أثناء حديثها.. لأن هذا هو ما يحدث بالفعل للأسف الشديد:
(انطويت في بيتي سبع سنوات كاملة.. لم أكن أريد أن أخرج لأحد أو أن يراني أحد..
حتى بنات عمي لم أكن أشعر بالراحة من رؤيتهن لي وهمساتهن الواضحة بعد قيامي..
كنت كمن ينتظر الموت البطيء..
فقط أصلي وأقرأ القرآن.. وأشغل وقتي بأي شيء..
لكن شاء الله أن تتوفى أمي.. رحمها الله.. وهي التي كانت تسندني وتدعمني وتشد من أزري..
توفت وأنا في أشد الحاجة إليها..
فهي التي تغدق علي بالحنان.. وتواسيني وتذكرني برحمة الله.. وهي التي كانت توفر لي ما أحتاجه..
شعرت بصدمة قوية بعد فراقها..
أصبحت الدنيا أكثر ألماً..
وانعزلت أكثر في غرفتي فترة أبكي)..
تنهدت بألم وبدا عليها التأثر وأكملت حديثها وكأنها لأول مرة تتحدث هكذا:
(بعد وفاتها بفترة.. عرفت أن علي أن أتحرك.. أن أفعل شيئاً.. أن أنفض غبار اليأس والحزن عني.. فالعزلة لن تنفعني..
ربما كانت أمي توفر لي حاجزاً يحميني من الناس..لكن بعد أن فقدتها كان علي أن أواجه الناس بشكل أو بآخر..
دعوت الله كثيراً أن يثبتني ويمنحني القوة..
وبدأت بالخروج شيئاً فشيئاً..
عدت بصعوبة لمقاعد الدراسة..
وبدأت أتعود على نظرات الحمقى والقساة..
أحاول أن أعزي نفسي بأن هذا قضاء الله وقدره.. وعلي أن أرضا به.. والحمد لله..
إذا كان الله قد أخذ وجهي في الدنيا فأسأل الله أن يمنحني وجهاً خيراً منه في الآخرة..
وإذا كان الله قد أذاقني ألم نار الدنيا فأسأل الله عز وجل أن يقيني نار الآخرة..)
كنت مبهورة بقصتها وبكلامها فقلت بهدوء..
- (ياااه.. ما شاء الله عليك..!)
- (الدنيا لا تستحق أن نحزن عليها يا نورة.. والله لا تستحق.. هذا ما تعلمته..
فلا شيء باق.. جمالك قد يذهب في أي لحظة.. وحياتك كذلك..
الأهم.. هو.. مصيرنا في الآخرة..)
شعرت بأني صغيرة أمام حكمتها.. قوتها.. جمال روحها.. وإيمانها..
ولأول مرة رأيت بالفعل وجهاً آخر لأروى..
وجهاً جميلاً.. رائعاً.. مشرقاً..


**
مجلة حياة

الدانه 07-16-2008 04:25 PM

رد: اعترافات فتاة
 
حتى هي .. كانت تتألم




- ماذا تريدين أن تطلبي..؟
- آآآ .. لا أعرف.. وجبة برغر دجاج.. كلا.. كلا.. برغر لحم..

- .. بدون جبن؟
- ممم.. لحظة.. كلا.. لا أريد برغر لحم.. أريد قطع الدجاج..

- يووووه.. هيفاء!! هيا بسرعة نريد أن نطلب الآن..
- طيب.. اصبري شوي.. خليني أفكر...

- أففففف.. استغفر الله.. الطلب معك مأساة..
- لماذا تصرخين علي هكذا ..؟ لم أقل شيئاً..

فصرخت أريج بقوة وهي تمسك بسماعة الهاتف:
- وأنا أيضاً لم أقل شيئاً.. هيا اطلبي.. ذبحتينا.. ألا يكفي أنني سأشتري لك على حسابي وأيضاً (تنفخين)؟!

شعرت بالكره لنفسي وأنا أهان لهذه الدرجة..
- خلاص.. لا أريد شيئاً.. تمنين بهذه الوجبة.. لا أريدها.. اهنئي بها.. لا أريد منك شيئاً..

اشتد الصراخ بيننا وخرجت غاضبة من غرفتها.. دائماً تنتهي لحظاتنا السعيدة بسرعة.. وتحل مكانها الشجارات والإهانات وجروح القلب العميقة..

كانت أريج تكبرني بعامين فقط..
وكان من المفترض أن نكون صديقتين.. لكن بدلاً من ذلك أجدنا نتحول لندتين على الدوام..

كانت أريج ذات شخصية قوية باهرة.. فهي دائماً في مركز القوة..
في المدرسة.. كانت دائماً الأكثر تفوقاً..
وفي الاجتماعات الأسرية.. كانت محط الأنظار بحديثها.. وبالكلمات التي تلقيها والمسابقات التي تعدها..
بل وحتى بالأطباق اللذيذة التي تعدها..

أمام أريج.. كنت لا شيء..
كنت الأخت الصغيرة التي تظل دوماً طفلة مقارنة بأختها الناضجة..
حتى قي المدرسة..
أينما أذهب كان شبح أريج يلاحقني..
ما أن تدخل الفصل إحدى المعلمات في أول أيام الدراسة.. حتى تبادر بسؤالي: أخت أريج؟؟
لا يتم تعريفي بهن إلا بأخوة (أريج) المتفوقة..
حتى لو فكرت أن أكون متفوقة وحاولت بقدراتي – المختلفة عن قدرات أريج – أن اجتهد.. فأنا لا شيء مقارنة بأريج..
لو حاولت أن أظهر في الإذاعة المدرسية وألقي موضوعاً بشكل عادي كما تفعل البنات.. فسأبدو ركيكة ومضحكة مقارنة بأريج ذات الإلقاء المبهر..

ضعفت شخصيتي يوماً بعد يوم تحت ثقل شخصية أختي..
حتى أصبحت أكره الاجتماعات الأسرية.. أكره المدرسة..
أكره أي مكان تتواجد فيه أريج..
وذات مرة قررت أن آخذ دورة في معهد للغة الانجليزية..
كنت فقط أريد أن أجرب الحياة في مكان لا توجد فيه أريج.. وشبحها الذي يحطمني..
وافقت أمي.. وكذلك أبي..
وبدأت في الدراسة خلال الصيف..
كانت المعلمة لطيفة.. ومجموعة الطالبات متناسقة رغم اختلاف أعمارهن..
بدأت أنسجم وأحب المكان.. وبدأ نجمي بالبزوغ بين هذه المجموعة..
كنت أعلاهن مستوى.. وكانت المدربة تحفزني كثيراً..
اعتبرتني نجمة الفصل.. وعينتني مساعدة لها كي أساعد الطالبات على فهم بعض المعاني..
وكانت هذه المرة الأولى في حياتي التي أشعر بها بأنني مميزة.. و.. فتاة جيدة..
لاحظت أمي تغير نفسيتي.. وفرحتي بالمعهد والدراسة فيه..
لكنها لم تكن لتعرف السبب.. ولا لتشعر به أصلاً..

وذات يوم فوجئت بأريج تدخل علي في غرفتي فرحة.. وتخبرني أن والدي وافق على أن تسجل هي أيضاً معي!!!
نزل الخبر على رأسي كالزيت الحار..
لاااا.. حتى هذا!.. حتى المكان الوحيد الذي شعرت فيه بالتميز ستأتي لتنافسني فيه.. ليس هناك فراغ واحد في حياتي يخلو منها؟؟!!
هل سيلاحقني شبحها حتى هناك..
رددت عليها بابتسامة صفراء باهتة.. دون أن أقول لها شيئاً..
لم يكن هناك من داع لأن أتكلم..
فأنا أعلم أنها هي أيضاً لا دخل لها بما يحصل.. فهي والحق يقال طيبة.. وأنا أعرف ذلك جيداً.. لكني سئمتها.. تعبت من المقارنة بها.. تعبت من محاولة الوصول لمستواها..
لا أحد يهتم بي حين تكون موجودة.. ولا أحد يحادثني باهتمام حين تتحدث..
فماذا أفعل..
أقفلت غرفتي علي وبدأت أبكي.. وأبكي..
أبكي لأن أحداً لا يشعر بي.. ولا يهتم بمشاعري
أنا.. لا أمي.. لا أبي.. لا أخوتي.. ولا معلماتي.. أنا أمامهم لا شيء..
لقد تعبت من التحطيم.. من التهميش.. إلى متى.. إلى متى يستمر ذلك..
سمعت طرقاً للباب.. وبغضب صرخت..
- من؟

- هيفاء.. ممكن تفتحين؟

- لا أريد أحداً.. أنت بالذات لا أريدك.. اذهبي.. أيتها الأفعى..!

سكتت أريج تماماً..

لا أعرف كيف خرجت تلك الكلمات من فمي عليها.. كنت أشعر بالغضب الشديد وأشعر أنها هي السبب في تعاستي.. كنت أتخيلها كأفعى تلتهم كل أشيائي الجميلة..

ساد الصمت.. حتى اعتقدت أنها ذهبت..
فإذا بصوتها ينساب من خلف الباب بأسى..
- خلاص.. خلاص يا هيفاء.. أنا لن أسجل في الدورة..

يا إلهي.. هذا معناه أنها سمعت بكائي قبل قليل.. وسمعت كلامي وتذمري.. مسكينة...
لكنني لم أحاول أن أتراجع أو أبدي أي انكسار.. فتحت الباب لها بقوة.. ووجهي أحمر.. والدموع لا يزال أثرها على وجهي..
- ماذا تريدين؟

- هيفاء أنا آسفة.. لم أعتقد أن تسجيلي سيضايقك..

- ما شاء الله؟! الآن.. الآن فقط أحسست بذلك؟.. للتو تحسين بنفسك وأنت تلاحقيني طوال عمري..؟!

فجأة رأيت الدموع في عينيها..
- حرام عليك يا هيفاء.. لماذا تعاملينني هكذا؟.. لماذا أنت قاسية علي؟.. دائماً أشعر أنك تكرهينني.. تحتقرينني.. كل الناس يحبونني إلا أنت.. دائماً تشعرينني بنظراتك بأن من العيب أن أكون متفوقة أو نشيطة.. نظراتك الحادة دائماً تربكني وتشعرني أني تافهة وغبية.. حتى أمام زميلاتي.. كثيراً ما أحرج حين أحادثك في المدرسة فأجدك تردين علي بكل برود ولا مبالاة.. لماذا تعاملينني بكل هذه القسوة.. أنا.. أنا .. لم أفعل شيئاً لك..
كانت دموعها وعبراتها تسبقها وهي تتحدث..

شعرت بعطف شديد عليها.. هل فعلاً كنت أعاملها بقسوة وكأنها تافهة جداً؟.. نعم.. لقد كنت أفعل ذلك.. لكن لم أعرف أنها تشعر بذلك.. مسكينة..
جلست تبكي على سريري وقد وضعت رأسها بين كفيها.. فاقتربت منها ومسحت على كتفها..
- لا بأس.. يمكنك أن تسجلي في المعهد..

نظرت إلي باستغراب.. وابتسمت..
- أي معهد أي بطيخ.. لقد نسيته أصلاً..

فابتسمت وضحكت..

منذ ذلك اليوم قررنا أن نبدأ صفحة جديدة من علاقتنا ببعضنا.. وتحولنا من ندتين إلى صديقتين.. أصبحت أصارحها بكل ما أشعر به تجاهها وهي كذلك.. ولم تعد هناك الكثير من الآلام المحبوسة في القلوب.. ولا تلك الرسميات والمشاعر الحساسة..

- ماذا ستطلبين؟
- برغر دجاج.. كلا لحم..
- بسرعة ذبحتينا..
- طيب.. خلاص.. وجبة قطع دجاج..
- حرام عليك هذه الوجبة غالية.. تعرفين أني سأدفع..
- لا بأس ادفعي.. فأنا أشتهيها اليوم.. لن يضيع المال الذي تضعينه في بطن أختك..
- يااااااااالله تستاهلين ولا يهمك.. لكن ترى إذا نقصت الفلوس تدفعين.. طيب؟


**
مجلة حياة

الدانه 07-16-2008 04:40 PM

رد: اعترافات فتاة
 
بيتي ليس هنا

يا الله يا عيال.. يالله.. سنذهب للبيت الجديد..
هكذا كان أبي ينادينا فنتقافز فرحاً ونسرع لنحضر عباءاتنا ونتسابق نحو السيارة.. بينما أمي تصرخ..
- دلييييييييييّل.. عندك اختبار.. وين تروحين؟
فأعود أدراجي وعباءتي تطير خلفي لأمسك بكتابي وأحضره معي حتى تكف أمي عن تأنيبها، فأشير إليها به (سأدرس هناك!).

ولا يخلو زحامنا في السيارة طبعاً من المعارك والصراخ.. لكن أكثر ما كان يغيظني هو حين تقوم شوق الصغيرة بسحب (غطوتي) لتثير غضبي.. فقد كنت لا أزال في الصف الأول المتوسط وكنت فرحة جداً بارتداء غطاء الوجه لأعلن أني أصبحت كبيرة ومثل بقية النساء..

- يبه.. شوف شويق الـ (..) ذبحتني تسحب (غطوتي)!

- الله يصلحكم.. هل تسكتون أم نعود للبيت؟!

- لاااااااااااااااا.. خلاص... نسكت.. نسكت..

كانت رحلتنا الأسبوعية للبيت الجديد الذي نبنيه هي أشبه برحلة خيالية نطل منها على عالم أحلامنا الجميل.. كنا ننتظرها على أحر من الجمر لننطلق في جوانب البيت وروائح رطوبة الاسمنت تعبق أنوفنا.. نصعد الدرج أو ننزل ونتراكض نحو غرفنا المستقبلية لنتناقش ونتجادل..

- هنيّد.. اسمعي.. شوق سوف تكون معك في غرفتك..

- يا سلام؟!.. لا.. شوق معك أنت..

- لا.. أنت الكبيرة.. يجب أن تكون شوق معك حتى تعتنين بها..

- بالعكس أنا الكبيرة يجب أن تكون لي غرفة لوحدي..

- يعني تريدين أن تكون شوق مع كل ألعابها وملابسها و(حوستها) في غرفتي.. حرام عليك.. غرفتي صغيرة.. انظري غرفتك أكبر..

- ليس من شأني..!

- حسناً سوف أقول لأبي..

وأذهب لأبي لأجده يتفقد نوافذ بعض الغرف ويتأكد من جودة البناء..

- يببببببببببه.. اسمع..

- بسم الله! ماذا هناك؟

- اسمع.. هنيّد تقول أن شوق يجب أن تكون معي في غرفتي.. وأنا لا أريد.. حرام غرفتي صغيرة أريدها لي وحدي.. هند غرفتها أكبر.. ممم.. ثم.. هند هي الكبيرة.. هي التي تعرف كيف تتعامل مع شوق أما أنا فبالتأكيد سأتضارب مع شويّق طوال الوقت.. أرجوك يا أبي..

- إممم..

ويلتفت أبي نحو النافذة ليتحسسها ثم يقول..
- لم يثبتوا الإطار جيداً..!

- يببببببببه!

- اصبري..

ويخرج خارج البيت ليحادث الحارس.. ويتركني أغلي من شدة الغضب على هند..

* * * *

كنا نسكن في بيت قديم جداً في حارة قديمة.. وكان ذلك أمراً يضايقنا بشدة.. نفسياً واجتماعياً.. فقد كان البيت قديماً لدرجة وجود العديد من التصدعات فيه.. كما أن المياه كانت تتسرب من الحمامات – أعزكم الله.. وكانت الصبغة - رغم كل محاولات التجديد – تتقشر بشكل قبيح على الجدران..

وكنا نشعر بالحرج من دعوة أي شخص لبيتنا.. حيث كل شيء يوحي بالقدم.. كما كان الحي سيئاً وشعبياً حيث الشوارع المليئة بالمياه المنتنة وبراميل القمامة الملقاة على الأرض.. والجيران سيئوا الأخلاق لا يراعون حقاً للجيرة.. فطالما نالنا من شرهم وأذاهم الشيء الكثير..

كنا نبكي أحياناً حين نشعر بالحرج من بيتنا.. خاصة حين نشعر بالحاجة لدعوة صديقاتنا أو لعمل حفلة بسيطة لكننا لا نستطيع لأن بيْتنا لم يكن ملائماً..

لذا كان البيت الجديد بالنسبة لنا الحلم المنقذ.. وقصر المستقبل الذي ننتظره.. وكنا نعد الأيام لنخرج من بيتنا المهترئ للبيت الجديد الذي يبنيه والدي.. وكنا نتحادث كثيراً حوله في ليالي الانتظار الطويلة حين نخلد لأسرتنا.. فتقول هند..

- حين نسكن بيتنا الجديد إن شاء الله سأدعو كل صديقاتي..

- نعم.. وسأجعل صديقتي مروة تصعد لغرفتي لتراها.. أريد أن تكون غرفتي شقة متكاملة..
سأضع فيها أريكة للضيوف.. وثلاجة أضع فيها كل ما أحب من حلويات.. ممم.. وسأضع مسجلاً لأسمع أشرطة أناشيدي المفضلة دون أن أزعج أحداً معي في الغرفة.. يا سلاااااااام..

- ومن أين لك المال اللازم يا حلوة؟

- إنني أوفر منذ عامين.. لدي الآن.. ثمانمائة ريال.. وخلال سنة إن شاء الله سيصبح لدي ألف ومئتين أو ألف وخمسمائة حسب غزارة العيديات هذه السنة..

* * * *

كان من المفترض بإذن الله أن ينتهي بيتنا خلال سنة.. لكن فجأة.. ألمت بوالدي أزمة كبيرة.. فقد كان قد أعطى مبلغاً كبيراً للمقاول.. وإذا بالمقاول يهرب بالمال.. دون أن يعطي العمال ولا أصحاب المواد حقهم.. كان من المفروض أن يكفي هذا المال حتى إكمال البيت.. لكن هروب المقاول واختفاءه سبّب أزمة هائلة فأصبح الجميع يطالب أبي بالمال.. حيث أن المقاول قد خدع أبي بطريقة ما وجعله المسؤول عن دفع الحق للجميع.. وقد وصل الأمر لدرجة استدعاء أبي من قبل الشرطة عدة مرات..

بدا أبي متماسكاً في البداية.. أو حاول أن يكون كذلك رغم قوة الصدمة.. لكنا فوجئنا ذات يوم بصراخ ماجد الذي كان لا يزال في السادسة من عمره وهو يدخل علينا في المطبخ..

- يمممممممممه.. الحقي.. أبوي مات!

لا أزال أذكر هذه العبارة ترن في أذني.. أذكرها جيداً..

أسرعنا نجري نحو الفناء وأمي غير مصدقة..
فوجدنا أبي قد وقع أرضاً قرب الباب وهو يمسك قلبه.. اتصلنا على خالي الذي أتى مسرعاً ونقل أبي للمستشفى.. وعلمنا أنه أصيب بجلطة..

كان أبي المسكين يكابد الألم والمرارة بسببنا..
فالحل الوحيد أمامه للخروج من هذه الأزمة كان هو بيع البيت.. لكنه لم يرغب أن يحطم أحلامنا التي كنا نعيش ونتنفس عليها.. لم يشأ أن يضيع في لحظة كل ما تمنيناه في حياتنا.

لم يعلم أبي أنه كان أهم بالنسبة لنا من كل هذه الأحلام، وأن كل شيء يهون ويصغر أمام صورة أبي الحبيب..

وبعد أن تحسنت حالة أبي.. أقنعناه ببيع البيت برضانا.. وبالفعل.. باع أبي البيت.. ليسدد ديونه..

في تلك الليلة التي أخبرتنا بها أمي أن أبي باع البيت فعلاً.. صليت صلاة الوتر.. ثم أطفأت الأنوار وألقيت نفسي في سريري.. وأخفيت رأسي تحت الوسادة وأخذت أبكي.. وأبكي بكل حرقة.. لقد فقدت أجمل أحلامي.. فقدت البيت الذي كنت أرسم صورته منذ أعوام في ذهني.. فقدت الغرفة الوردية الجميلة التي كنت أعيد ترتيبها كل ليلة في مخيلتي.. فقدته للأبد.. لم يعد هناك بيت جديد جميل.. سنبقى هنا بقية عمرنا، سنبقى في هذه الغرفة الضيقة التي تتسرب المياه من سقفها، حيث ثلاثة أسرة ومكتبة قديمة ودولاب تساقطت أبوابه..

بكيت وبكيت كثيراً حتى ابتلت وسادتي ونمت..

وفي المنام.. رأيت رؤيا لم أرى مثلها في حياتي.. لا تزال بكل صورها وأصواتها عالقة في ذهني وكأني أراها الآن.. رأيت كأني واقفة في مروج عظيمة خضراء تمتد إلى الأفق.. وبينما أنا أنظر إلى تلك المروج.. شعرت بمن يناديني باسمي.. دلال.. وإذا بشخص لم أره.. أحسست فقط بشبح أبيض أمسك يدي.. وقال لي تعالي أريك.. وإذا بي أرى بيتاً صغيراً جميلاً على جسر بين جبلين.. كان بيتاً صغيراً لكنه يقع بشكل غريب على جسر متحرك يهتز بين جبلين وكنت أشعر في كل لحظة أن ذلك البيت سيقع وينزلق من على الجسر نحو الهاوية وكأنه موضوع هنا بشكل مؤقت.. شيء غريب..
قال لي.. هل تريدين هذا؟ فسكت لأني كنت محتارة.. البيت جميل لكن مكانه خطر سينزلق ويذهب في أي لحظة..
فقال هو.. كلا.. تعالي أريك.. فإذا بي كأني أطير لأعلى وأرى من بعيد في أقصى المروج قصراً رائع الجمال.. لا أستطيع أن أصف ولا حتى جزءاً من جماله.. به حدائق خضراء ومسابح وزهور.. ولا أعرف كيف أصبحت أنظر إلى داخله من بعيد فإذا بي أرى الصالات الرائعة والأرضيات اللامعة والنوافذ الكبيرة والشرفات التي تطل على الحدائق الخضراء والغرف الجميلة.. بهرت وأنا غير مصدقة..
وسمعت الصوت يقول لي.. هذا بيتك.. لكن ليس الآن..

واستيقظت على صوت أمي توقظني لصلاة الفجر..

كنت أتنفس بشدة وكأني كنت أطير فعلاً قبل قليل..

- دلال؟! ما بك؟..

- يمه.. يمه..!

من شدة فرحتي بذلك الحلم الجميل كنت أتنفس بصوت عال.. حتى خافت علي أمي.. لم أعرف ماذا أقول.. وبلا وعي مني رميت نفسي على أمي أحضنها.. كنت أبكي بانفعال حتى كادت أمي أن تبكي معي وأخذت تذكر اسم الله علي وتعيذني بالله من الشيطان..

- اسم الله عليك.. ماذا هناك.. بم حلمت؟

سكت لفترة وأنا أفكر ماذا أقول.. وفي لحظات بسيطة.. قررت أن يكون هذا الأمر سراً خاصاً بي..
- لا شيء.. حلم مخيف فقط.. الحمد لله لا شيء..

ومنذ تلك اللحظة.. لم أبك على بيتنا الذي فقدناه.. أصبحت أنظر لكل هذه الدنيا كذلك البيت المتزحلق فوق الجسر.. إنها مجرد دنيا فانية ستزول في أي لحظة.. إننا لا نعرف متى نموت ونغادر هذه الدنيا تاركين كل متعها..
لكن النعيم الحقيقي والمنزل الحقيقي الذي علينا أن نبنيه ونخطط له هو هناك.. في الدار الآخرة.. حيث النعيم الأبدي..

ومنذ تلك الليلة أصبحت أسترجع شكل ذلك القصر الباهر الذي رأيته فأنسى كل أحلامي وآلامي في هذه الدنيا، وأسأل الله بيتاً في الجنة.

**
مجلة حياة
[/B][/CENTER][/SIZE]

الدانه 07-22-2008 03:34 PM

رد: اعترافات فتاة
 

ذهبت.. ولن تعود

كنت في الصف الثاني الابتدائي..
أضع في فمي المصاصة الحمراء وأسحب حقيبتي الثقيلة منتظرة وصول حافلتي مع صديقاتي..
وفجأة سمعت صوت والدي في الميكرفون ينادي على اسمي عدة مرات.. (منال خالد.. منال خالد).. خرجت مسرعة.. ويا لفرحتي! رأيت والدي وهو يقف قرب الباب مرتدياً نظارته السوداء.. أسرعت إليه.. فربت على كتفي وحمل عني حقيبتي..
كنت مستغربة وفرحة جداً في نفس الوقت لأني عدت مع والدي لأول مرة ولم أرجع في الباص المزدحم كالعادة..
لكني لم أسأله لماذا أتى ليأخذني من مدرستي..
وأخذت أسرد عليه ماذا قالت المعلمة أسماء وماذا فعلت صديقتي روان بدفترها وأريته الحلوى الغريبة التي اشتريتها من المقصف..
كان صامتاً تماماً.. وحين توقف عند الإشارة نظر إلي نظرة غريبة ثم قال..
(خلاص حبيبتي منول.. أنا وماما ما راح نعيش مع بعض.. بتروح بيت خوالك..)..
قلت بثقة وببراءة..
(إيه.. بتروح وترجع..)
لكنه نظر بجدية..
(لا ما راح ترجع يا بابا.. خلاص.. حنا تطلقنا)..
ما راح ترجع؟ خلاص؟! تطلقنا؟!
لم أكن أقدّر معنى هذه الكلمات..
(ما راح ترجع؟.. يعني.. طوووووول عمرها؟)
(إيه..)
شعرت بالخوف.. ودق قلبي الصغير بعنف..
(يعني تخلينا وتروح عنا؟!!)
تنهد وأمسك المقود..
(لا حبيبتي.. بتروحين معها..)
(بس.. أنا أبيك.. ما أبي أروح.. ما أبي أخليك..)
شعرت بغصة في قلبه.. وهو يرد علي..
(وأنا أبيك حبيبتي.. بس.. مين يهتم فيك ويغير ملابسك؟.. مين يمشط شعرك للمدرسة؟.. لازم تروحين مع ماما..)..
سكتنا وأنا غير مصدقة لما يقوله والدي..
وحين وصلنا إلى منزل أخوالي..
حملني والدي على كتفه..
شعرت بأن الأمر حقيقي.. فتعلقت بعنقه بشدة وبكيت..
مسد شعري بأصابعه.. وضمني.. (خلاص حبيبتي.. بتشوفيني كل أسبوع.. يا الله صيري مؤدبة وطيبة)
أخرج من جيبه خمسين ريالاً..
وأعطاني..
(يا الله خذي هذي "الخضراء" واشتري فيها اللي تبين..)
(ما أبي الخضراء.. أبيك)
فُتح الباب.. فضممته بقوة.. ثم دفعني بلطف للداخل.. وأسرع نحو سيارته..
وكانت آخر لحظة دفء في حياتي من صدر والدي..

× × ×

عشت مع والدتي في بيت جدتي أنا وأخي الصغير..
وافتقدت مدرستي القديمة..
وصديقاتي.. وغرفتي الجميلة..
كنا نزور والدي أسبوعياً..
لكن.. بعد فترة.. بدأت أشعر بالملل من هذه الزيارة..
فوالدي لم يعد والدي.. والبيت أصبح كئيباً موحشاً.. بعد أن تركناه..
كنت أشعر بالملل لجلوسي شبه وحيدة هناك..
وكان والدي يحاول تعويضنا بالخروج بنا وشراء اللعب..
لكن دون جدوى..
وبعد فترة قطعنا الزيارات..
وأصبحت أكتفي بمحادثته بالهاتف..
كنت أسأل أمي كثيراً.. لماذا لا تعودين إلى أبي..
لماذا لا نعود كلنا إلى بيتنا مثل السابق؟..
لم أكن أشعر بأية صعوبة في ذلك؟
كان عقلي الصغير لا يرى أي عائق في ذلك؟!
وكانت أمي تقول.. إن أباك هو من لا يرغب بذلك..
وحين كنت أسأل أبي.. كان يقول.. أمك التي لا تريد..
ولم أفهم شيئاً..

× × ×

بعد فترة.. شعرت أن والدي لم يعد يسأل عنا.. ولا يخرج بنا ولا يهاتفنا..
علمت من أمي.. أنه تزوج..
لم أستوعب كيف يمكنه أن يتزوج امرأة غير أمي..!
وبعد عدة أشهر أخذنا والدي لنرى زوجته..
أمي كانت أجمل منها..
أعطتنا بعض الحلوى.. لكنها لم تضمني ولم تمتدح فستاني الجديد.. وكانت تشبه أبلة نورة في المدرسة..
كنت في الصف الرابع.. حين قالت لي والدتي أن علي أن أذهب للعيش مع أبي.. وزوجته..
سمعتها تقول لخالتي..
(على كيفه؟! هو يتزوج ويخلي العيال عندي.. لا والله.. أرميهم عليه وعليها.. وأشوف حالي..)
لم أفهم معنى كلامها جيداً..
لكني.. شعرت بالألم لأنها قالت عنا (أرميهم).. لماذا ترمينا أمي؟ ماذا فعلنا؟
ذهبت لبيت والدي..
وجدت أن غرفتي تغيرت.. أصبح جزء منها مكاناً لملابس الغسيل والكي.. لم أحب هذا..
وقلت لماما هدى.. لكنها قالت أنها لا تستطيع تغيير الغرفة..
يجب أن أصبر وأسكت..
حسناً.. لا بأس..
علمتني أن علي أن أجلس في غرفتي حين تجلس هي مع والدي في الصالة لمشاهدة التلفاز..
كنت أتمنى أن أذهب وأجلس معهم كما كنت أفعل مع أمي وأبي..
لكنها علمتني ألا أطلب ذلك
حتى..
كان والدي يناديني أحياناً وهو في الصالة..
- منولي.. تعالي بابا اجلسي معنا..
كنت أحترق لذلك.. لكني كنت أجلس في غرفتي بملل.. وأرد..
- ما أقدر.. عندي واجب بأحله..

× × ×

ذات يوم سألتني الأخصائية الاجتماعية عن زوجة أبي.. هل تضايقني أو تؤذيني؟..
لم أعرف ماذا أقول..
كلا.. لم تؤذني بالفعل.. لم تضربني.. ولم تصرخ علي.. ولم تحرمني من شيء.. ولم تدفعني لأن أعمل مثلاً..
كلا.. كانت تهتم بي وبنظافتي.. وبملابسي.. وبغرفتي.. وبدراستي أحياناً.. وتعطيني الحلوى إذا أطعتها..
لكن..
- لكن ماذا يا منال؟
- لا شيء..
لم أكن متأكدة أن الأخصائية الاجتماعية ستفهم..
فسكت..
كنت أفتقد أشياء كثيرة..
أفتقد الحب.. الحنان.. والأهم من ذلك.. الأمان..
الشعور بالأمان كما تشعرين مع أمك حين تشاغبين قليلاً أو تطلبين المزيد من الحلوى.. مهما غضبت.. فهي أمك..
هذا الشعور الرائع بالأمان معها وبالعفوية..
زوجة أبي.. كنت دائماً أشعر بأنها مثل المعلمة نورة إدارية الحضور والغياب..
أعاملها باحترام.. وتعاملني باحترام..
لكن لا أستطيع أن أرمي برأسي على صدرها.. أو أن أطلب منها أن تحك لي ظهري مثلاً!
لا أستطيع أن أرجوها بشدة أن أجلس معها ومع والدي لمشاهدة التلفاز في المساء..
لا أستطيع أن أطلب منها أن تجلس عند سريري في الليل أو تنام معي حين أشعر بالخوف..
كنت أكتفي بأن ألف نفسي بالغطاء جيداً.. وأبكي حين كابوساً مرعباً..
وكنت مجبرة على أن أتركها تقص شعري قصيراً للغاية لأنها لا تريد أن تمشط شعري كل صباح..
كنت.. أخاف منها.. أو من (زعلها)..
ومع كل هذا الألم كنت أقوم بدور الأم مع أخي الذي يصغرني بعامين..
فكنت أقرأ عليه القرآن حين يشعر بالخوف في الليل.. وأمشط شعره في الصباح.. وأقص عليه القصص..

× × ×

كان أجمل يوم عندي.. حين يأخذنا والدي لزيارة أمي شهرياً..
كنت أضحك طوال اليوم..
وأصر على أن أنام قربها في الليل..لأشم رائحة أنفاسها التي تبعث في نفسي الطمأنينة والدفء الذي افتقدته منذ سنوات..
وفي النهار.. كنت أستمتع بالأفعال التي لم أكن أستطيع فعلها مع زوجة أبي..
كنت أفتح أدراج أمي.. وألعب بكريماتها وبودراتها.. أرتدي أحذيتها.. وخواتمها..
وكنت أطلب منها أن تحك ظهري كلما سنحت الفرصة!
وأجعلها تقص علي القصص..
وكنت أجتر ذكريات هذه الزيارة لعدة أيام بعدها..
وحين ولدت زوجة أبي وبقينا لدى أمي لمدة شهر ونصف.. كانت تلك أسعد أيامي..
لكن.. لم أكن أعرف أن هذه القطيرات القليلة من السعادة مع أمي.. ستنضب.. وتتلاشى من حياتي.. إلى الأبد..
فبعد عدة أشهر.. عرفت أن أمي ستتزوج.. وترحل لمدينة أخرى..
أمي تتزوج؟.. وتسافر؟
لكن.. كيف سأراها وأزورها؟
بكيت وقلت لأمي..
(ليش تتزوجين؟ لا تتزوجين.. أنتي زوجك أبوي وبس..)
لم ترد علي أمي.. لكن جدتي أقنعتني أن هذا أمر ضروري.. وأننا سنراها كل صيف بإذن الله..
وافتقدت أمي طوال سنة كاملة..
ذهبت لمنزل جدتي عدة مرات.. لكنه كان خالياً دون أمي..
وجدتي لم تعد ترحب بنا كثيراً.. خاصة مع كبر سنها ومرضها ومع شقاوة أخي المتزايدة..
وفي الصيف.. جاءت أمي..
ضممتها وبكيت بشكل لم أتصوره..
أما أخي.. فرفض أن يسلم عليها إلا بصعوبة..
كنت أعرف حجم اللوم والعتاب في قلبه الصغير..
قلت لها كم افتقدتها وكم أتمنى أن تبقى هنا طويلاً..
لكنها لم تبق سوى عدة أيام وذهبت..
عرفت رقم هاتفها وأصبحت أتصل عليها وأحادثها..
وطلبت منها أن أزورها إن لم تكن تستطيع القدوم..
فتلعثمت.. وقالت لا أتوقع أن والدك سيوافق..
لكن مع إلحاحي عليها رحبت بي..
وبالفعل أقنعت والدي.. وفعلت المستحيل لأرضيه وأجعله يوافق على ذهابي في الصيف إلى أمي..
وحين وصلت.. ودخلت بيتها..
داهمني شعور غريب..
لم أشعر بـ.. الأمان..
لم أشعر بأني في بيت.. أمي..
بل في بيت رجل غريب..
سلمت عليه لأول مرة..
كان أكبر سناً من أبي.. وأقصر..
رحب بي.. لكن.. لا أعرف لماذا.. لم أشعر بأنه سعيد لوجودي..
حتى أمي كانت متوترة وشعرت أنها شبه محرجة من وجودي..
أرشدتني لغرفة الضيوف وبدأت تملي عليَّ التعليمات الكئيبة..لا تخرجي من الغرفة وتتجولي في البيت دون سبب.. استخدمي هذا الحمام فقط.. لا تجلسي في الصالة إذا كان موجوداً.. لا تقتربي من غرفة النوم.. لا تسببي أي إزعاج عند وجوده..
وبدأت أشعر بالوحدة والألم..
وحين ذهب للعمل جلست في الصالة.. نظرت لغرفة أمي.. كنت أتمنى أن أدخلها.. وأن أفتح أدراجها كما كنت أفعل سابقاً.. وأتقلب على سريرها.. لكني تذكرت تعليماتها فخفت.. وشعرت بأن أمي بعيدة عني جداً ولن تعود كما كانت..
ورغم أني كنت في الصف السادس.. لكني كنت ذات شعور مرهف.. وكنت شديدة التحسس.. وعرفت كم أن وجودي مؤذ في حياة أمي الحبيبة.. فقررت أن أنسحب بكل آلامي..
وعدت بعد أن أمضيت ثلاثة أيام فقط لديها.. بعد أن كنت أنوي البقاء لمدة شهر..
ولم تمانع أبداً في ذهابي..
وعرفت في هذه الرحلة أني أصبحت شيئاً مخجلاً لأمي وأن علي ألا أحاول الذهاب إليها مرة أخرى.. لا فائدة.. فأمي القديمة ذهبت.. ولن تعود..


**
مجلة حياة

دفء الحنين 07-22-2008 11:16 PM

رد: اعترافات فتاة
 
سلمت يداك ...وسلمت جهودك المبذولة ... ومشاركاتك الرائعة والمفيدة ....قصة مؤثرة بالفعل ...وهذا حال ملايين الأسر اللاتي تشتت شملهم ...

الدانه 07-23-2008 04:39 PM

رد: اعترافات فتاة
 
الأخت الفاضلة دفء الحنين
أشكرك على حضورك وجزاك الله خيرا

الدانه 07-24-2008 01:37 PM

رد: اعترافات فتاة
 
ليس ثمة بكاء تحت الباب

كانت منيرة تضع الحناء على رأسها حين دخلت غرفتي..
ـ (أفففففف .. شالريحة..؟!)
ـ حمد الله! أي ريحة؟ حناء..
ـ لا ! .. شكله فيه بلاوي..
ـ ما فيه شي .. بيضة وشوية ثوم بس..
ـ بسسسسسسسسس؟! يا سلام .. طيب تفضلي برا .. قبل لا..
فجأة.. دخل أطفالها خلفها.. وهجوووووم جنوني على غرفتي..
ـ أطلعوا برا.. عندي اختبار.. حرام عليكم الساعة واحدة وأنا ما خلصت.. براااا..
انطلق عزيزان نحو أدراج مكياجي مباشرة..
فأسرعت أهجم عليه.. وأسحب من يده أرواجي..
حين التفت كانت ريّوم قد قفزت على سريري وأمسكت بالقلم وبدأت ترسم على ملزمتي..
ـ منيييييييييييييييييييييييرة.. طلعي قرودك بسرعة..
مطت منيرة شفتها وأعطتني ظهرها دون أي اهتمام مبتعدة تاركة رائحة الثوم تفوح خلفها..
أمسكتهم من ياقة بيجاماتهم.. ورفعتهم لأعلى مثل جراء القطط ورميتهم خارج باب غرفتي وهم يبكون.. وأغلقت الباب..
وهنا .. بدأ الصياح .. والبكاء..
يا الله .. يا ربي .. ماذا أفعل الآن..؟
أصوات بكاء مزعجة .. وأنا أريد أن أدرس..
ريوم تضع فمها تحت فتحة باب غرفتي وتبكي..
ـ خالة حصووووص .. الله يخليك .. آآآآآآآآآ..
يتبعها صوت عزيزان الخشن..
ـ هالة هسوووووووس .. عآآآآآآ .. عااااااا...
ـ أقول .. الله ياخذكم..
وأفكر قليلاً فأستغفر الله ..
ـ أستغفر الله .. الله يهديكم ويصلحكم .. روحوا عند ماما نورة .. وإلا ماما منيرة يالله روحوا لا أذبحكم...
ـ لااااااااا .. نبي عندك..
أفففففففففف .. يا الله .. مشكلة .. يا لها من مشكلة..
أحاول حل مسألة بسيطة فلا أستطيع التركيز..
كم مول يوجد في 50 ملجم من نترات الصوديوم إذا علمت..
(هاااااالة هسووووووووس .. عآآآآآآآآآآآآآآآآآآ..)
كم مول يوجد في 50 ملجم من هسوس .. وجع!!
عزيزاااااااااان .. بس يا البعير!
منذ ستة أشهر وأختي منيرة تقيم لدينا بعد خصامها مع زوجها .. وهؤلاء القرود يعيثون في بيتنا فساداً..
لم أعد قادرة حتى على الدراسة لمدة نصف ساعة!
يا الله..
رغم شقاوتهم .. وأذاهم .. إلا أني أشعر بالعطف عليهم .. إنهم مثل الأيتام..
حسناً .. سأفتح لهم..
لا .. لا! .. يجب أن أدرس .. اختباري غداً صعب جداً .. سأتركهم يبكون إلى الغد..
كل هذا بسبب أمهم..
مهما قالت .. ومهما قالت أمي..
ما كان عليها أن تتخذ قراراً مصيرياً كطلب الطلاق .. لأسباب تافهة ..
(لا يخرج بي .. دائماً عند أهله .. لا يهتم بي ...!)

هل هذه أسباب تبرر لها أن تطلب الطلاق ولديها أطفال أبرياء..؟

فتحت باب غرفتي لأحضر بعض الماء .. فإذا .. بهم وقد ناموا عند الباب..
منظر مضحك .. ناموا وأفواهم عند فتحة أسفل الباب .. هه..
ناديت منيرة..
ـ منيييييييرة.. تعالي احملي أطفالك .. لقد ناموا على الأرض..
ـ احمليهم أنت..
ـ ماذا؟!
شعرت بالغضب من برودها..
ـ لن أحملهم.. سأدعهم هنا على السيراميك البارد..!
لم تهتم واستمرت تتابع مسلسلتها المفضلة .. يا للبرود!
ذهبت لأشرب الماء .. وعدت وهؤلاء المساكين على الأرض .. لكني كنت قد اتخذت قراراً بالـ (العناد)..
والمشكلة أن أمي قد نامت .. فمن يحملهم..؟
ـ منييييييييييرة .. حرام عيالك شيليهم..!
ـ اصبري شوي..
كانت تتابع التلفاز بمنتهى الاهتمام في الصالة..
وأردت أن أعرف نهاية هذا البرود .. فضغطت على قلبي .. ودخلت غرفتي .. تاركة إياهم على الأرض .. مساكين..
سبحان الله ..
هل هو برود أم عناد .. أم لا مبالاة ..
كيف تترك أطفالها هكذا ..

عرفت الآن ماذا كان يعني زوجها حين قال أنه سئم من تحمل برودها وعدم اهتمامها ..

أختي للأسف .. إنسانة فارغة .. ليس لديها أي اهتمام بشؤون التربية أو التعامل مع الآخرين ..
ليس لديها أي حس بالمسؤولية..
كل ما يهمها فقط هو خلطات شعرها وبشرتها .. وتعلم طرق وضع المكياج .. ومتابعة تمارينها في النادي..
حين علم الناس بأنها (زعلانة) لدينا قامت الدنيا ولم تقعد .. شهقت جارتنا أم خالد..
(منيييييييييييييييرة؟! المزيونة؟! مالت عليه .. وين يلقى أحلى منها .. صحيح الزين ما له حظ..)
كنت أعلم أن أختي مليئة بالعيوب لكني سكت على مضض ولم أبح لأحد ولا حتى لأمي بفداحة أخطائها في التعامل مع زوجها وأطفالها..
لا ترى إلا نفسها .. لا تريد أن تبذل أي شيء .. ولا تهتم بأي شيء ..
أطفالها ينامون جوعى .. ترتفع حرارتهم .. يجلسون مع الخادمة بالساعات.. لا يهم!! ..
زوجها يعود فلا يجدها في البيت .. لا مشكلة..! يطلب منها حضور مناسبة مهمة مع والدته.. غير ضروري!..
يمرض زوجها ويتغيب عن عمله.. بينما تذهب للنادي بمنتهى اللامبالاة..!
حاول المسكين أن يصبر عليها من أجل الأطفال .. تحمل من أجلها الكثير .. أصبح يهرب من البيت لمنزل أهله .. لكن دون جدوى ..
وحين ملت من هروبه .. سحبت أطفالها معها إلى بيتنا..
الساعة الرابعة فجراً .. صحوت على صوت أبي عند بابي وهو غاضب..
ـ حرام عليكم .. كيف تتركون هؤلاء الأطفال نائمين على الأرض تحت التكييف ..
منيييييييييرة!!
فتحت باب غرفتي فإذا بأبي الذي كان يستعد للذهاب لصلاة الفجر وهو يحمل عزوز..
ـ حسبي الله ونعم الوكيل على أمكم..

* * *

ـ منيرة..
ـ نعم..
كانت تضع قدميها في حوض ماء دافئ .. وتتابع التلفاز..
ـ لماذا لا تعودين إلى زوجك؟!
نظرت إلي بغضب .. واشمئزاز..
ـ ماذاااااااا؟! أعود لذلك الـ(خبل)؟!
صعقت .. كيف يمكن أن تتحدث عن والد أبنائها –بأي حال- بهذه الطريقة؟
ـ وما الذي تريدينه منه بالضبط..؟
حكت رقبتها باسترخاء ثم قالت..
ـ لن أعود له حتى يرجوني أن أقبل اعتذاره..! حين يعرف قيمتي..
ـ لكنه أتى وحدث الوالد أكثر من مرة .. وحاول إرضاءك بشتى السبل..
ـ لا يكفي .. أريد أن أذله أكثر..
ـ (تذلينه)؟! .. ما هذا الكلام يا منيرة..؟ حرام عليك.. ثم .. إن لك الآن ستة أشهر بعيدة عن بيتك .. ليست بالمدة الهينة .. ألا تكفي؟
ـ المشكلة أنه لا يفهم ولا يتعلم .. ولا يقدر من هي زوجته..
كنت أعلم أنها تحبه .. لكنها كعادتها .. لا تهتم بأحد أبداً..
بعد حديثنا ذلك بثلاثة أسابيع حدث ما لم نكن نتوقعه .. تم طلاقها..
حتى هي صعقت .. انهارت .. لم تتصور أن يتخلى عنها بهذه السهولة..
وشعرتُ بشماتة غريبة في سري .. رغم أنها أختي إلا أني كنت أريدها أن تتعلم درساً من غرورها ولا مبالاتها..
بعد طلاقها .. ازداد إهمالها لأطفالها .. وازداد اهتمامها بنفسها بشكل مقزز..
كانت تصرف راتبها كله على جمالها ورشاقتها.. دون أن تفكر ولو لوهلة في توفير شيء منه لأطفالها أو حتى لنفسها..
تعبنا أنا ووالدتي المريضة بالسكر والقلب .. من متابعة أطفالها الأشقياء..
وحين طلب والدهم حضانتهم منا .. وافقت أمي مباشرة .. لأنها لم تعد تستطيع السيطرة عليهم ..
حاولت ثني أمي عن القرار قلت لها أني سأحاول أن أكون مسؤولة عنهم .. لكنها رفضت ..
وقالت أنها تعبت من مسؤوليتهم ومن متابعة شؤونهم (في ظل لا مبالاة أمهم طبعاً)..
أما منيرة .. فلم تهتم بالأمر كثيراً .. بالعكس سمعتها تتناقش مع أمي حول أن هذا سيعطيها فرصة أكبر للزواج!
سبحان الله كيف تفكر بالزواج وصغيرها لم يجاوز الثلاث سنوات؟
حين أتى والدهم لأخذهم قبلتُهم وضممتهم إلى صدري وأخذت أبكي .. أما هي فكانت تتحدث بالهاتف كعادتها .. دون أدنى اهتمام ..
وكأنهم ذاهبون لمشوار قصير وسيعودون..!!
بعد ذلك .. لم يعودوا يأتون لزيارتنا إلا مرة في الشهر..
الساعة الواحدة ليلاً .. لدي اختبار مهم غداً ..
أقلب صفحات الملزمة..
أفتقد شيئاً ما .. لا أستطيع التركيز..
شيء يؤلمني ..
أقف عند باب غرفتي ..
أرهف السمع .. أبحث عن شيء..
لكن عبثاً..
ليس ثمة أصوات بكاء تتسلل تحت الباب..


**
مجلة حياة

الدانه 07-26-2008 03:26 PM

رد: اعترافات فتاة
 
كليمات من القلب

حسناً..
اليوم... لن أبدأ برواية حكاية..
ولن أترك الفتاة تعترف قبلي.. لأني أريد أولاً أن أتحدث معكم قليلاً.. عن بعض القصص الأخيرة.. وعن ردود فعل بعضها..
وعندي كليمات دارت في عقلي وقلبي وأحببت أن تشاركوني بها..

يسألني الكثيرون دائماً هل هذه القصص التي تروينها حقيقية..؟

وأنا أقول.. كل قصصي هي من رحم الواقع.. من أرض الحياة الحقيقية.. لكنها ليست بالضرورة صوراً أصلية..
هذه الاعترافات هي لقطات من حياة حقيقية لطالبات وزميلات وصديقات.. قصص عايشت أطرافاً منها.. أو سمعتها شخصياً من أصحابها مباشرة.. ثم أضفت لها لمسة من خيال..
هي قصص ترتكز على جذع من الواقع.. وربما أضفت لها بعض الأوراق وشذبت لها بعض الأغصان..

أهدي قصصي لكل من تعني لها شيئاً.. وما أردت قوله دائماً هو.. أننا جميعاً عانينا ونعاني من الآلام في حياتنا..
ليس هناك من شخص يعيش السعادة الكاملة في هذه الدنيا..
السعادة الحقيقية هي في الإيمان بالله والرضا بواقعك مهما كان.. والأروع هو شكر الله وحمده بصدق على ذلك الواقع سواء أكان ابتلاء أم نعمة..

لن أطيل كثيراً..

فالحديث في غير القصة لا يروق لكن كثيراً.. أعرف ذلك.. لكن.. لا يزال هناك شيء هام أريد قوله اليوم..

قبل فترة.. كتبت قصتين عن حالات طلاق..
إحداهن.. (ذهبت ولن تعود)..
والأخرى.. (ليس ثمة بكاء تحت الباب)..

وقد تلقيت العديد من الرسائل حولهما..
الأولى عن زوج يشكو من سوء خلق زوجته وإهمالها.. يقول أنه كان على وشك طلاقها.. لكن قراءته للقصة الأولى جعلته يتخيل أن (منال) هي ابنته الصغيرة.. جعلته يتخيل ألمها ووحدتها وفراقها عن أمها حين تكبر..
ويقول أنه أبعد فكرة الطلاق عن رأسه تماماً بعدها.. وهو مستعد لتحمل كل شيء من أجل طفلته الصغيرة.. ويسأل الله أن يهدي زوجته العنيدة التي لا تحترم أحداً حسب قوله..


والرسالة الثانية.. هي من أب رحيم.. يتفطر قلبه على أبنائه الذين تركتهم أمهم لديه منذ عدة أشهر.. أشبه بالأيتام.. وهو لا يزال متردداً في اتخاذ قرار الطلاق حتى لا يهدم حياة أطفاله.. ويتمنى لو عادت أمهم إليهم.. لأنهم ضائعون دونها مهما حاول هو تعويضهم..
يقول.. بعد قراءتي للقصة أصبحت أنتبه حتى لطريقة تمشيطهم لشعورهم.. ولتعابير وجوههم.. وأخشى أن يتألموا كما تألمت (منال) في القصة دون أن أشعر بهم..


أما الحالة الثالثة فهي لفتاة يتفطر قلبها حزناً.. جاءتني وهي تبكي..
وتصف حال أختها كما هو في قصة (ليس ثمة بكاء تحت الباب).. والتي تركت بيتها وأولادها.. دون سبب يذكر.. وبتقصير كبير منها..
حيث إنها عنيدة ولا تقبل التفاوض في أي أمر.. وتريد تطبيق ما تريده دون نقاش..
تقول هذه الفتاة..
حين يأتي أبناء أختي كل أربعاء لزيارتنا نفرح بهم كثيراً.. لكن يوم الجمعة.. يصبح يوم البكاء والألم الأسبوعي.. الجميع يبكي.. أنا.. أمي.. أخواتي.. خاصة على الطفلة ذات الأعوام الخمس.. والتي تتشبث بأمها إلى آخر لحظة رافضة العودة لمنزل أبيها..
كلنا نبكي.. إلا أختي.. الأم..
تصوري!!..
إنها تبدي لا مبالاة عجيبة بأبنائها..
بل إنها تقول أنهم يذكرونها بوالدهم لذا فإنها لا تريد أن تتعاطف معهم!!
تخيلي أربعة أطفال يعيشون لوحدهم في البيت مع والدهم أكبرهم فتاة لم تجاوز الثالثة عشرة.. والصغيرة ذات خمس سنوات.. يعانون الألم والمسؤولية عن أنفسهم بلا أم.. ولا جدة ولا حتى خادمة..
ابنة أختي الصغيرة أصبح شعرها يتساقط بغزارة.. وحين نسألها لماذا يتساقط شعرك هكذا؟ تخيلي ماذا تجيب طفلة السنوات الخمس؟ إنها تقول.. شعري يتساقط من كثرة التفكير!!
طفلة لم تجاوز عامها الخامس تفكر؟
في ماذا يا حبيبتي تفكرين؟
فتجيب ببراءة.. أفكر في أمي.. وأبي.. ثم تبكي بكاء حاراً مثل الكبار..
والكل يبكي معها.. إلا أمها.. التي تجمدت مشاعرها تماماً.. ولم يعد يهمها سوى نفسها فقط.. ولا تريد تقديم أي تنازل أو تفاوض..

دعونا نتأمل قليلاً..

هذه الطفلة من يهتم بها؟ من يرحمها إن لم تفعل أمها؟
وأختها الكبرى.. هل ترحمها معلمتها القاسية.. هل تشفع لها إن لم تنجح بسبب سهرها مع أختها المريضة طوال الليل..؟
هل ترحمها مديرة المدرسة؟ هل تقدم لها خدمة معنوية أو لمسة حانية؟ بل هل تعرف بوضعها أصلاً؟

أربعة أطفال يعيشون الألم والوحدة وجفاف المشاعر من الأبوين.. من يقدم لهم لمسة حنان؟

أعرف أننا نقف عاجزين أمام الكثير من الآلام التي نراها في حياتنا..
لكن أيضاً أمامنا الكثير لنفعله..

يبدو أني انتقلت من موضوع لآخر.. لكني أدعو كل فتاة أن تفكر ملياً قبل اتخاذ قرار الزواج.. لأن هذا القرار مصيري.. وعليها تحمل نتائجه لأنه لا يرتبط بمصيرها فقط بل مصير أبنائها الأبرياء.. وأن تعلم أنها لا تدخل نزهة في حديقة وتقرر الخروج منها متى شاءت بكل بساطة..

أدعو كل أم أن تفكر ألف بل مليون مرة قبل اتخاذ قرار الطلاق.. وأن تجرب كل الطرق ووسائل الإصلاح والإقناع والتغيير قبل أن تقرر.. وأن تحسب سلبيات وإيجابيات القرار جيداً.. بما في ذلك ما ستسببه لحياة أبنائها من تدمير وآلام لن يمسحها الزمن..

أدعو كل أم أن تعلم بناتها قيمة الحياة الزوجية.. وكيفية احترامها وتقديرها.. وفن التغاضي عن العيوب والهفوات والبحث عن الإيجابيات في شخصية كل زوج بدلاً من النبش في سلبياته..

أدعو كل معلمة ومربية أن تجعل التربية والإصلاح همها الأول قبل دفتر التحضير وتقييم المشرفة.. أن تمنح طالباتها الحب والحنان قبل المعلومة.. أن تمنحهم الدفء والأمان قبل الدرجات.. وأن تحتسب الأجر في ذلك..

أدعو كل معلمة أن تنظر في وجوه طالباتها.. وتبحث عن المتألمة.. الكسيرة.. الحزينة.. المحتاجة لمسحة على الرأس أو الكتف.. فبينهن اليتيمة.. والوحيدة.. والمسؤولة.. والمتألمة..

لا أعرف ما الذي دفعني لكتابة هذا الكلام..
هي كلمات فقط أحببت أن أشارك قارئاتي الحبيبات بها..

دعونا نمنح الحب لمن حولنا.. لنكن أكثر اهتماماً.. ولنراعي مشاعر الآخرين.. لا أنفسنا فقط..


**
مجلة حياة

دفء الحنين 07-26-2008 07:20 PM

رد: اعترافات فتاة
 
سلمت على قصصك المؤثرة والسلسلة الرائعة ....

الدانه 08-04-2008 02:01 PM

رد: اعترافات فتاة
 
بارك الله فيك أختي الغالية وحفظك الله ورعاك وجعل الجنة مثواك


الساعة الآن 07:48 AM.

Powered by vBulletin® Version 3.8.7
Copyright ©2000 - 2024, vBulletin Solutions, Inc. Trans by