منتديات بلاد ثمالة

منتديات بلاد ثمالة (http://www.thomala.com/vb/index.php)
-   الديوان الأدبي (http://www.thomala.com/vb/forumdisplay.php?f=30)
-   -   الفصاحة في اللغة .. (http://www.thomala.com/vb/showthread.php?t=57437)

المقداد 02-15-2010 12:17 AM

الفصاحة في اللغة ..
 
بسم الله الرحمن الرحيم
الأخوة الأعضاء والزوار الكرام , عليكم السلام ورحمة منه وبركه ..
سيكون بمشيئة هذا العنوان أمتداد لسلسة من الحلقات حول اللغة العربية الفصحى والصور البلاغية , وسأسعى جاهداً لإنتقاء ما شغل العلماء والأدباء منذ القدم ببيان وصف الإبداع الجميل سواءاً كان ذلك من الشعر أو النثر وما عكفوا عليه لإستخراج أماراته وشاراته ..

وسأبدأ بنموج لأولئك الكتاب
( ابو اليسر ابراهيم بن محمد المدبر , فيقول
" ارتصد لكتابك فراغ قلبك , وساعة نشاطك , فتجد ما يمتنع عليك بالكد والتكلف , لأن سماحة النفس بمكنونها , وجود الأذهان بمخزونها , إنما هو مع الشهوة المفرطة في الشر , والمحبة الغالبة فيه , أو الغضب الباعث منه ذلك "

ويقول سهل بن وهب الكتابة نفس واحدة تجزأت في أبدان مفترقة , ومن لم يعرف فضلها , وجهل أهلها , وتعدى بهم مرتبتهم التي وضعهم الله بها , فإنه ليس مع الإنسانية في شيء .


وقيل لمنقاش لماذا لا تقول الشعر ,, قال كيف اقوله وانا لا أغضب ولا أطرب .




ويقول ابن المقفع .. كلام الرجل وافد عقله .

وهذا العتبي يقول .. عقول الناس مدونة في كتبهم .


المقداد 02-15-2010 12:24 AM

رد: الفصاحة في اللغة ..
 
من أولئك الأدباء يا سادة أديب بلغ الذروة في البيان وفصاحة اللسان، إنه

إسحاق بن إبراهيم الموصلي

عاش في عصر الرشيد والمأمون ، كان يضرِب في كلِّ فنٍّ بسهم ، غير إن الغالب عليه الغناء ، ومع ذلك كان يكره أن يُنسب إلى الغناء ويقول : ودِدتُ أني أُضرب كلما أراد مني من يندُبني أن أُغنِّي ، وكلما قال قائل إسحاق الموصلي المغني عشر مقارع ! ولا أُطيق أكثر من هذا وأُعفى من الغناء والنسبة إليه .

وكان المأمون يقول : لولا ما سبق لإسحاق على ألسنة الناس وشُهر به من الغناء عندهم لولّيته القضاء بحضرتي ، فإنه أولى به , وأحقّ وأعفّ ، وأصدق أمانة وتديّناً من هؤلاء القضاة ..

يقول إسحاق : بقيت زماناً من دهري أُغلِّس إلى هُشيم فأسمعُ منه الحديث ، ثم أصير إلى الكسائي فأقرأُ عليه جزءاً من القرآن ، وآتي الفرّاء وأقرأ عليه جزءاً ، ثم آتي منصوراً زَلْزَل ، فيضاربني طريقين أو ثلاثة ، ثم آتي عاتكة بنت شُهْدة ، فآخذ منها صوتاً أو صوتين ، ثم آتي الأصمعي فأُناشدُه ، وآتي أبا عبيدة فأُذاكره ، ثم أصير إلى أبي فأُعْلِمه ما صنعتُ ، ومن لقيتُ ، وما أخذتُ ، وأتغدّى معه ، وإذا كان العشاء رحتُ إلى الرشيد .. !


ومن شعر إسحاق ، وكان الأصمعيُّ يُعجب به :



إذا كانتِ الأحرار أصلي ومنصبي


ودافِعُ ضيمي خازِمٌ وابن خـازمِ


عطستُ بأنفٍ شامـخٍ وتناولـتْ


يداي الثريّا قاعـداً غيـر قائـمِ




في مرة من المرار، سأل إسحاقٌ المأمونَ أن يكون دخوله إليه مع أهل العلم والأدب والرُّواة لا مع المغنين ، فإذا أراد الغناء غناه ، فأجابه إلى ذلك ، ثم سأله بعد ذلك بمدة أن يكون دخوله مع الفقهاء ، فإذن له في ذلك ، فكان يدخل ويده في يد القضاة ، حتى يجلس بين يدي المأمون وقال : ولا كلُّ هذا يا إسحاق ، وقد اشتريتُ منك هذه المسألة بمائة ألفِ درهم . وأمر له بها ..

وانظروا الآن إلى لطيفة من لطائف هذا الباقعة ، وكيف تخلّص من مأزقٍ كاد أن يودي برقبته !

كان إبراهيم المهدي وهو أخو الخليفة الرشيد يأكل المغنين أكلاً حتى يحضر إسحاق فيُداريه إبراهيم ، ويطلب مكافأته ومعاوضته ، ولا يدع إسحاق يكبتُه ، وكان إسحاق آفتَه ، كما أن لكل شيءٍ آفة ، وله معه عدة مشاهد ..

قال إسحاق : كنتُ يوماً عند الرشيد ، وعنده نُدماؤه وخاصته ، وفيهم إبراهيم المهدي ، فقال لي الرشيد : يا إسحاق تغنّ :




شربتُ مدامة وسُقيتُ أخرى


وراح المنتشون وما انتشيتُ




فغنيته ، فأقبل عليّ إبراهيم بن المهدي ، فقال : ما أصبتَ يا إسحاق ولا أحسنت ، فقلت له : ليس هذا مما تحسنه وتعرفه ، وإن شئتَ فغنِّه ، فإن لم أجدْك تُخطيء فيه منذ ابتدائك إلى انتهائك فدمي حلالٌ ، ثم أقبلتُ على الرشيد فقلت : يا أمير المؤمنين : هذه صناعتي ، وصناعة أبي ، وهي التي قرّبتْنا منك ، واستخدمتْنا عندك ، وأوطأتْنا بساطك ، فإذا نازعناها أحدٌ بلا علم ، لم نجد بُدّاً من الإيضاح والذبّ ، فقال : لا غرْو ولا لوم عليك ..

وقام الرشيد ليبول ، فأقبل عليّ إبراهيم وقال : ويلك يا إسحاق ، تجتريْ عليّ وتقول ما قلتَ يا ابن الزانية ، فداخلني ما لم أملك نفسي معه ، فقلتُ له : أنت تشتمني ولا أقدر على إجابتك ، وأنت ابن الخليفة وأخو الخليفة ، ولو ذلك لقد كنت أقول لك : يا ابن الزانية ، كما قلتَ لي يا ابن الزانية ، ولكن قولي في ذمِّك ينصرف إلى خالك الأعلم ، ولولاك لذكرتُ صناعته ومذهبه . قال إسحاق : وكان بيطاراً .

قال إسحاق: وعلمتُ إن إبراهيم يشكوني إلى الرشيد ، وأن الرشيد سيسأل من حضر عما جرى فيُخبرُه ، ثم قلت له : أنت تظن أن الخلافة تصير إليك ، فلا تزال تهدِّدني بذلك ، وتعاديني كما تعادي سائر أولياء أخيك ، حسداً له ولولده على الأمر ، وأنت تضعف عنه وعنهم ، وتستخفُّ بأوليائهم تشبّعاً ، وأرجوا أن لا يخرجها الله تعالى عن يد الرشيد وولده ، وأن يقتلك دونها ، وإن صارت إليك والعياذ بالله ، فحرامٌ عليّ العيشُ يومئذٍ ، والموت أطيب من الحياة معك ، فاصنع حنيئذٍ ما بدا لك .

فلما خرج الرشيد وثب إبراهيم فجلس بين يديه ، وقال يا أمير المؤمنين : شتمني وذكر أمِّي ، واستخفّ بي ، فغضب الرشيد وقال : ما تقول ويلك ؟ قلت : لا أعلم ، سل من حضر ، فأقبل على مسرورٍ وحسينٍ الخادم فسألهما عن القصة ، فجعلا يخبرانه ووجهه يربدُّ إلى أنِ انتهيا إلى ذِكْر الخلافة فسُرِّيَ عنه ورجع لونه ، وقال لإبراهيم : ما له ذنب ، شتمتَه فعرَّفك أنه لا يقدر على جوابك ، ارجع إلى موضعك وأمسك عن هذا .

فلما انقضى المجلس وانصرف الناس أمر ألا أبرح ، وخرج كل من حضر ، حتى لم يبقَ غيري ، فساء ظني وهمّتْني نفسي ، فأقبل عليّ وقال لي : ويحك يا إسحاق ، أتُراني لا أعرف وقائعك ؟ قد والله زانيتَه دَفَعاتٍ ، ويحك لا تعد ، ويحك حدِّثني عنك لو ضربك أخي إبراهيم ، أكنتُ أقتصُّ لك منه فأضربَه وهو أخي يا جاهل ؟ أتُراه لو أمر غِلمانه أن يقتلوك فقتلوك ، أكنتُ أقتله بك ؟ فقلت : قد والله قتلْتني يا أمير المؤمنين بهذا الكلام ، ولئن بلَغَه ليقتلنِّي ، وما أشكُّ في أنه قد بلغه الآن .

فصاح بمسرورٍ الخادم وقال : عليّ بإبراهيم الساعة ، وقال لي : قم فانصرف ، فقلتُ لجماعة من الخدم ، وكلهم كان لي محبِّاً وإليّ مائلاً : أخبروني بما يجري ، فأخبروني من غدٍ : إنه لما دخل عليه وبّخه وجهّله ، وقال له :لِمَ تستخفّ بخادمي وصنيعتي ونديمي وابن خادمي ، وصنيعة أبي في مجلسي ، وتُقدِمُ عليّ وتصنع في مجلسي وحضرتي ، هاه هاه ، تُقدِم على هذا وأمثاله ، وأنت مالك والغِناء ، وما يدريك ما هو ؟ ومَنْ أخذ لحنه وطارحك إياه ، حتى تظن أنك تبلغ منه مبلغ إسحاق ، الذي غُذِّي به وهو صِناعته ، ثم تظن أنك تُخطِّئه فيما لا تدريه ، ويدعوك إلى إقامة الحُجة عليك ، فلا تثبُت لذلك ، وتعتصم بشتمه ؟ أليس هذا مما يدلُّ على السقوط ، وضعف العقل ، وسوء الأدب ، من دخولك فيما لا يُشبهك ، ثم إظهارك إياه ولم تُحكِمْه ؟ أليس تعلم ويحك أن هذا سوء رأيٍ وأدب ، وقِلة معرفة ومبالاة بالخطأ ، والتكذيبِ والرد القبيح ؟

ثم قال : والله العظيم ، وحقِّ رسوله الكريم ـ وإلا فأنا نفيٌّ من أبي ـ لئن أصابه سوءٌ ، أو سقط عليه حجرٌ من السماء ، أو سقط من دابته ، أو سقط عليه سقفٌ ، أو مات فجأة ، لأقتلنّك به ـ والله والله والله وأنت أعلم ـ فلا تعرِض له ، قم الآن فاخرج .

فخرج وقد كاد يموت ، فلما كان بعد ذلك ، دخلتُ عليه وإبراهيم عنده ، فأعرضتُ عنه ، فجعل الرشيد ينظر إليّ مرة ، وإلى إبراهيم أُخرى ، ويضحك ، ثم قال له : إني لأعلم محبتك لإسحاق ، ومَيلك إليه ، والأخذ عنه ، وإن هذا لا تقدر عليه كما تريد ، إلا أن يرضى ، والرِّضا لا يكون بمكروه ، ولكن أحسِن إليه وأكرمه ، وبِرَّه وصِلْه ، فإذا فعلتَ ذلك ، ثم خالف ما تهواه ، عاقبتَه بيدٍ منبسطة ، ولسانٍ منطلِق . ثم قال لي : قم إلى مولاك وابن مولاك ، فقبِّل رأسه . فقمتُ إليه وأصلح بيننا ..اهـ

في الحقيقة يا سادة لقد آثرتُ أن أذكر هذه القصة بطولها لجمالها وللأساليب العربية الناصعة الكامنة فيها ..

وإسحاق هذا له شِعرٌ رائقٌ وجميل حتى إن أقطاب عصره من أهل اللغة يُعجبون به كالأصمعيِّ وابنِ الأعرابي ، يقول الأصمعيُّ : دخلتُ أنا وإسحاق بن إبراهيم يوماً على الرشيد ، فرأيتُه لقِس النفس ، فأنشده إسحاق :





وآمرةٍ بالبُخْل قلتُ لها اقصـري


فذلك شـيءٌ مـا إليـه سبيـلُ


أرى الناس خِلاّنَ الكرام ولا أرى


بخيلاً له حتـى الممـاتِ خليـلُ


وإني رأيت البخل يُزري بأهلـه


فأكرمتُ نفسي أن يُقـال بخيـلُ


ومِن خير أخلاق الفتى قد علمتُه


إذا نال يومـاً أن يكـون يُنيـلُ


فَعالي فَعَـال المُوسريـن تكرُّمـاً


ومالي كمـا قـد تعلميـنَ قليـلُ


وكيف أخاف الفقر أو أُحرَم الغِنى


ورأيُ أميـر المؤمنيـن جميـلُ




قال : فقال الرشيد لأكفيك إن شاء الله . ثم قال : لله درُّ أبياتٍ تأتينا بها ، ما أشدَّ أصولها ، وأحسن فصولها ! وأمر له بخمسين ألفَ درهم ، فقال له إسحاق : وصفك والله يا أمير المؤمنين لشعري ، أحسن منه ، فعلام آخذ الجائزة ؟ فضحك الرشيد وقال : اجعلوها لهذا القول مائة ألفِ درهم . قال الأصمعي : فعلمتُ يومئذٍ أن إسحاق أحذقُ بصيد الدراهم مني ..اهـ

نقلت لكم بتصرف عن اخبار ابراهيم لأنني اراه واحد من اروع ادباء عصره .

حسن عابد 02-15-2010 02:54 AM

رد: الفصاحة في اللغة ..
 
ايها المقداد
دمت مع الابداع صديقا وللاحبة رفيقا

أبو عبدالرحمن 02-15-2010 10:49 AM

رد: الفصاحة في اللغة ..
 
حقيقة ...استمتعت بعبق الموضوع..ولطافته مع فيه من ظرافة وفوائد..

ونتمنى مواصلة هذه الاختيارات الجميلة ... والأجمل هذه التعليقات من أديبنا المقداد..

النادر 02-15-2010 11:02 AM

رد: الفصاحة في اللغة ..
 
حقا ان للجمال هنا عنوان اسمه (المقداد) ما اجمل ماتكتب اخي

متابع بشغف لهذا الفيض



النادر

أبو رامز 02-15-2010 12:54 PM

رد: الفصاحة في اللغة ..
 
دام لنا ابداعك مقدادنا العزيز...
متابع لمواضيعك المميزة والشيقة

مخـــاوي الليل 02-15-2010 01:56 PM

رد: الفصاحة في اللغة ..
 
دمت فخرا لهذا السرح الجميل
مبدع بما تطرح من ابداعات
مهما تكلمت او قلت لايمكن ان اوفي هذا الابداع حقه

abonayf 02-15-2010 08:53 PM

رد: الفصاحة في اللغة ..
 
احسن الله اليك كاتبنا المبدع المقداد

موضوع ممتع وشيق
لانريد التداخل كثيرا فقد نتقدم بموضوع في غير أوانه وأورد فقط ماذكر في كتاب ( الايضاح في علوم البلاغه ) الجزء الاول
اقتباس:

وأما فصاحة الكلام فهي خلوصه من ضعف التأليف وتنافر الكلمات والتعقيد مع فصاحتها
متابعين معك ومستفيدين

دم بخير

ثماليه والعز ليه 02-15-2010 09:43 PM

رد: الفصاحة في اللغة ..
 
جميـــــــــــل ورائــــــــع مانثــــــــرته هنـــــــــــــآ
اعجبنـــــــي جداً ماوجدتـــه في متصفحــــــــــكـ
تميـــز وابـــــــدآآآآع لا حــــدوود لـــــه
يعطيكـ الف عاااااااافيه
ودمــــت بألف خيــــــر

abonayf 02-15-2010 10:52 PM

رد: الفصاحة في اللغة ..
 
شدني موضوعك هذا للبحث عن هذه الشخصية المختارة بعناية فائقة من قبلك وقد وجدت في رثائه الكثير اخترت بعض منها أمل أن لا أكون قد أثقلت بعودتي مرة أخرى ....

قال إدريس بن أبي حفصة يرثي إسحاق بن إبراهيم الموصلي
سقى اللهُ يابنَ الموصليّ بوابِلٍ ... من الغيث قبراً أنت فيه مقيمُ
ذهبتَ فأوحشتَ الكرامَ فمايَنِي ... بعَبْرته يَبْكي عليك كريم
إلى الله أشكو فقدَ إسحاق إنّني ... وإن كنت شيخاً بالعراق يَتيم

وقال محمد بن عمرو الجرجاني يرثيه

على الجَدَثِ الشرقيّ عُوجَا فسلِّما ... ببغداد لمّا ضَنّ عنه عوائدُهْ
وقُولاَ له لو كان للموت فِدْيةٌ ... فَداك من الموت الطَّريفُ وتالِدُه
أاِسحاقُ لا تَبْعَدْ وإن كان قد رمَى ... بك الموتُ وِرْداً ليس يَصْدُر واردُه
إذا هزَل اخضرّتْ فنونُ حديثه ... ورقّتْ حَواشِيه وطابت مَشاهدُه
وإن جَدّ كان القول جِدّاً وأقسمتْ ... مَخَارجُه ألاّ تَلينَ مَعاقِدُه )
فبَكَّ على ابن الموصليّ بعَبْرةٍ ... كما ارْفَضَّ من نَظْم الجُمَان فرائدُه


الساعة الآن 05:36 AM.

Powered by vBulletin® Version 3.8.7
Copyright ©2000 - 2024, vBulletin Solutions, Inc. Trans by