منتديات بلاد ثمالة

منتديات بلاد ثمالة (http://www.thomala.com/vb/index.php)
-   الــمـنـتـدى الإسـلامــــــــي (http://www.thomala.com/vb/forumdisplay.php?f=12)
-   -   حسن الخطاب مع العزيز الوهاب (http://www.thomala.com/vb/showthread.php?t=74932)

بنت شيوخ 08-10-2011 05:07 AM

حسن الخطاب مع العزيز الوهاب
 
قال الامام ابن القيم رحمه الله في بيان تادب الانبياء مع الله سبحانه وتعالى :
وتأمل أحوال الرسل صلوات الله وسلامه عليهم مع الله ، وخطابهم وسؤالهم .
كيف تجدها كلها مشحونة بالأدب قائمة به ؟

قال المسيح عليه السلام (إن كنت قلته فقد علمته )
ولم يقل : لم أقله . وفرق بين الجوابين في حقيقة الأدب . ثم أحال الأمر على علمه سبحانه بالحال وسره . فقال :( تعلم ما في نفسي )ثم برأ نفسه عن علمه بغيب ربه وما يختص به سبحانه ، فقال ولا أعلم ما في نفسك ثم أثنى على ربه . ووصفه بتفرده بعلم الغيوب كلها . فقال إنك أنت علام الغيوب ثم نفى أن يكون قال لهم غير ما أمره ربه به - وهو محض التوحيد - فقال : ما قلت لهم إلا ما أمرتني به أن اعبدوا الله ربي وربكم ثم أخبر عن شهادته عليهم مدة مقامه فيهم . وأنه بعد وفاته لا اطلاع له عليهم ، وأن الله عز وجل وحده هو المنفرد بعد الوفاة بالاطلاع عليهم . فقال :( وكنت عليهم شهيدا ما دمت فيهم فلما توفيتني كنت أنت الرقيب عليهم ).
ثم وصفه بأن شهادته سبحانه فوق كل شهادة وأعم . فقال : وأنت على كل شيء شهيد ثم قال : إن تعذبهم فإنهم عبادك وهذا من أبلغ الأدب مع الله في مثل هذا المقام . أي شأن السيد رحمة عبيده والإحسان إليهم . وهؤلاء عبيدك ليسوا عبيدا لغيرك . فإذا عذبتهم - مع كونهم عبيدك - فلولا أنهم عبيد سوء من أبخس العبيد ، وأعتاهم على سيدهم ، وأعصاهم له - لم تعذبهم . لأن قربة العبودية تستدعي إحسان السيد إلى عبده ورحمته . فلماذا يعذب أرحم الراحمين ، وأجود الأجودين ، وأعظم المحسنين إحسانا عبيده ؟ لولا فرط عتوهم ، وإباؤهم عن طاعته ، وكمال استحقاقهم للعذاب .

وقد تقدم قوله : إنك أنت علام الغيوب أي هم عبادك . وأنت أعلم بسرهم وعلانيتهم . فإذا عذبتهم : عذبتهم على علم منك بما تعذبهم عليه . فهم عبادك وأنت أعلم بما جنوه واكتسبوه . فليس في هذا استعطاف لهم ، كما يظنه الجهال . ولا تفويض إلى محض المشيئة والملك المجرد عن الحكمة ، كما تظنه القدرية . وإنما هو إقرار واعتراف وثناء عليه سبحانه بحكمته وعدله ، وكمال علمه بحالهم ، واستحقاقهم للعذاب .

ثم قال : وإن تغفر لهم فإنك أنت العزيز الحكيم ولم يقل : الغفور الرحيم
وهذا من أبلغ الأدب مع الله تعالى . فإنه قاله في وقت غضب الرب عليهم ، والأمر بهم إلى النار . فليس هو مقام استعطاف ولا شفاعة . بل مقام براءة منهم . فلو قال : فإنك أنت الغفور الرحيم لأشعر باستعطافه ربه على أعدائه الذين قد اشتد غضبه عليهم . فالمقام مقام موافقة للرب في غضبه على من غضب الرب عليهم . فعدل عن ذكر الصفتين اللتين يسأل بهما عطفه ورحمته ومغفرته إلى ذكر العزة والحكمة ، المتضمنتين لكمال القدرة وكمال العلم .

والمعنى : إن غفرت لهم فمغفرتك تكون عن كمال القدرة والعلم . ليست عن عجز عن الانتقام منهم ، ولا عن خفاء عليك بمقدار جرائمهم ، وهذا لأن العبد قد يغفر لغيره لعجزه عن الانتقام منه . ولجهله بمقدار إساءته إليه . والكمال : هو مغفرة القادر العالم . وهو العزيز الحكيم . وكان ذكر هاتين الصفتين في هذا المقام عين الأدب في الخطاب .

وفي بعض الآثار حملة العرش أربعة : اثنان يقولان : سبحانك اللهم ربنا وبحمدك . لك الحمد على حلمك بعد علمك . واثنان يقولان : سبحانك اللهم ربنا وبحمدك . لك الحمد على عفوك بعد قدرتك . ولهذا يقترن كل من هاتين الصفتين بالأخرى . كقوله : والله عليم حليم وقوله : فإن الله كان عفوا قديرا .

وكذلك قول إبراهيم الخليل صلى الله عليه وسلم : ا
(لذي خلقني فهو يهدين والذي هو يطعمني ويسقين وإذا مرضت فهو يشفين )
ولم يقل : وإذا أمرضني . حفظا للأدب مع الله .

وكذلك قول الخضر عليه السلام في السفينة فأردت أن أعيبها . ولم يقل : فأراد ربك أن أعيبها . وقال في الغلامين : فأراد ربك أن يبلغا أشدهما .

وكذلك قول مؤمني الجن :
وأنا لا ندري أشر أريد بمن في الأرض
ولم يقولوا : أراده بهم . ثم قالوا :
أم أراد بهم ربهم رشدا .

وألطف من هذا قول موسى عليه السلام
رب إني لما أنزلت إلي من خير فقير)
ولم يقل : أطعمني .

وقول آدم عليه السلام
(ربنا ظلمنا أنفسنا وإن لم تغفر لنا وترحمنا لنكونن من الخاسرين)
ولم يقل : رب قدرت علي وقضيت علي .

وقول أيوب عليه السلام . مسني الضر وأنت أرحم الراحمين . ولم يقل : فعافني واشفني .

دموع الأقصى 08-13-2011 03:05 PM

رد: حسن الخطاب مع العزيز الوهاب
 
الله يعطيك العافية

بنت شيوخ 08-13-2011 05:31 PM

رد: حسن الخطاب مع العزيز الوهاب
 
اقتباس:

المشاركة الأصلية كتبت بواسطة دموع الأقصى (المشاركة 548678)
الله يعطيك العافية

:rose::rose::rose::rose:


الساعة الآن 04:33 PM.

Powered by vBulletin® Version 3.8.7
Copyright ©2000 - 2024, vBulletin Solutions, Inc. Trans by