بيان من أهل العلم من قبيلة غامد عن ما سطره المدعو : أحمد قاسم الغامدي
بيان من أهل العلم من قبيلة غامد عن ما سطره المدعو: أحمد قاسم الغامدي حول موضوع الاختلاط الذي قامت بنشره صحيفة عكاظ بتاريخ 23-24 /12/1430هـ . بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على رسول الله الأمين وآله وصحبه أجمعين وبعد : فهذا بيان من أهل العلم من قبيلة غامد عن ما سطره المدعو: أحمد قاسم الغامدي حول موضوع الاختلاط الذي قامت بنشره صحيفة عكاظ بتاريخ 23-24 /12/1430هـ . ونقول ما يلي : أولاً :- أن الله تعالى أخذ العهد والميثاق على أهل العلم أن يبينوه ولا يكتموه إبراءً للذمة ونصحاً للأمة . قال الله تعالى{ إِنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ مِنَ الْكِتَابِ وَيَشْتَرُونَ بِهِ ثَمَنًا قَلِيلًا أُولَئِكَ مَا يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ إِلَّا النَّارَ وَلَا يُكَلِّمُهُمُ اللَّهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَلَا يُزَكِّيهِمْ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ أُولَئِكَ الَّذِينَ اشْتَرَوُا الضَّلَالَةَ بِالْهُدَى وَالْعَذَابَ بِالْمَغْفِرَةِ فَمَا أَصْبَرَهُمْ عَلَى النَّارِ } [البقرة:174]. ثانياً :- أن ما صدر عن المذكور في موضوع الاختلاط مشتمل على أغلاط وتخليط ، وجهل بأحكام الشرع ، ونقص في الأهلية في كيفية التعامل مع الأدلة واستنباط الأحكام ، كما أن فيه جرءةً وافتياتاً على أهل العلم ، ومصادرة لأقوالهم وآرائهم ، منذ زمن الصحابة رضوان الله عليهم حتى زماننا الذي نعيش فيه ، وقبل ذلك فيه تعد على الله تعالى إذ يقول سبحانه { وَلا تَقُولُوا لِمَا تَصِفُ أَلْسِنَتُكُمُ الْكَذِبَ هَذَا حَلالٌ وَهَذَا حَرَامٌ }[النحل:116] ، وقال تعالى { فَإِنَّهَا لا تَعْمَى الْأَبْصَارُ وَلَكِنْ تَعْمَى الْقُلُوبُ الَّتِي فِي الصُّدُورِ }[الحج:46] والأدلة على تحريم اختلاط الرجال بالنساء كثيرة تبلغ حد التواتر ونقتصر على بعض الأدلة من الكتاب ومن السنة والإجماع : • قال الله تعالى { وَإِذَا سَأَلْتُمُوهُنَّ مَتَاعًا فَاسْأَلُوهُنَّ مِنْ وَرَاءِ حِجَابٍ ذَلِكُمْ أَطْهَرُ لِقُلُوبِكُمْ وَقُلُوبِهِنَّ }[الأحزاب:153] وهذا في حق أمهات المؤمنين فغيرهن من باب أولى . • وقوله تعالى{ قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ ذَلِكَ أَزْكَى لَهُمْ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا يَصْنَعُونَ (31 ) وَقُلْ لِلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ وَيَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَى جُيُوبِهِنَّ }[النور] ، وفيها أمر صريح بغض البصر ، والاختلاط بين الرجال والنساء يفضي إلى الوقوع في النظر لبعضهم ومخالفة أمر الله عز وجل . • وفي الصحيحين من حديث عقبة بن عامر رضي الله عنه أن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ قال : إِيَّاكُمْ وَالدُّخُولَ عَلَى النِّسَاءِ . فَقَالَ رَجُلٌ مِنَ الأَنْصَارِ : يَا رَسُولَ اللهِ أَفَرَأَيْتَ الْحَمْوَ ؟ قَالَ : الْحَمْوُ الْمَوْتُ. • ولقد تنبهت أم المؤمنين عائشة رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا إلى خطر تساهل المرأة في خروجها من بيتها فقالت : ( لَوْ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ – صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ - رَأَى مَا أَحْدَثَ النِّسَاءُ لَمَنَعَهُنَّ الْمَسْجِدَ كَمَا مُنِعَتْ نِسَاءُ بَنِى إِسْرَائِيلَ ) أخرجه البخاري ومسلم في الصحيحين . • وكان النبي صلى الله عليه وسلم ينهى النساء أن يتوسطن الطريق ويأمرهن بلزوم حافاته حذرا من الاختلاط بالرجال والفتنة بمماسة بعضهم بعضا أثناء السير في الطريق ، فعن أبي أسيد الأنصاري رضي الله عنه أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول وهو خارج من المسجد وقد اختلط الرجال بالنساء في الطريق : (( اسْتَأْخِرْنَ ، فَإِنَّهُ لَيْسَ لَكُنَّ أَنْ تَحْقُقْنَ الطَّرِيقَ عَلَيْكُنَّ بِحَافَّاتِ الطَّرِيقِ )) ، فَكَانَتِ الْمَرْأَةُ تَلْتَصِقُ بِالْجِدَارِ حَتَّى إِنَّ ثَوْبَهَا لَيَتَعَلَّقُ بِالْجِدَارِ مِنْ لُصُوقِهَا بِهِ . رواه أبو داود في سننه في كتاب (الأدب)، باب (في مشي النساء مع الرجال في الطريق)، الحديث رقم (5272) ج4 ص369، وقد حسنه الألباني في (صحيح الجامع الصغير) برقم (942) ج1 ص317 تحققن الطريق: أي تتوسطنه. انظر: لسان العرب، مادة (حقق) . • والمتتبع لما ذكره أهل العلم يفيد أن علماء الأمة المعتبرين في كل عصر ومصر مجمعون على تحريم الاختلاط بين الرجال والنساء وخاصة في دور التعليم فمن خالف ذلك فهو خارق للإجماع وخارج عن الجماعة وقوله يعد شاذاً . ثالثاً :- مخالفته الصريحة لما أفتى به المفتون الرسميون للملكة العربية السعودية ، الذين لا يزن عندهم كاتب المقال مثقال ذرة ، في علمهم واجتهادهم في الفتوى ، ولا مكانتهم ، ولا منزلتهم التي عينتهم الدولة فيها كمفتين للبلاد : 1- فتوى سماحة المفتي الشيخ محمد بن إبراهيم آل الشيخ رحمه الله تعالى عندما سئل عن حكم اختلاط النساء بالرجال في المستشفيات قال رحمه الله : ( وذلك أن الرجال والنساء الذين يرتادون المستشفيات للعلاج ينبغي أن يكون لكل منهم قسم خاص من المستشفى ، فقسم الرجال لا يقربه النساء بحال ، ومثله قسم النساء ، حتى تؤمن المفسدة ، وتسير مستشفيات البلاد على وضع سليم من كل شبهة ، موافقاً لبيئة البلاد ودينها وطبائع أهلها ، وهذا لا يكلف شيئاً ، ولا يوجب التزامات مالية أكثر مما كان ، فإن الإدارة واحدة ، والتكاليف واحدة ، مع أن ذلك متعين شرعاً مهما كلف ) أهـ . ( فتاوى الشيخ 13/221) وكذلك فتواه المطولة في تحريم الاختلاط واضحة وجلية ونحيل للرجوع إليها ( فتاوى الشيخ 2/ 82-93) . 2- فتوى سماحة المفتي الشيخ عبد العزيز ابن باز رحمه الله حول توظيف النساء في الدوائر الحكومية وتحريمه للاختلاط بين الرجال والنساء وهي مطولة ويمكن الرجوع إليها في موقع الرئاسة العامة للبحوث العلمية والإفتاء ، (6/276) من فتاوى الشيخ ابن باز . وفتوى سماحته أيضاً في تحريم الاختلاط في الدراسة ونحيل للرجوع اليها .(فتاوى اللجنة الدائمة 17/54) 3- فتوى سماحة مفتي المملكة المعاصر الشيخ عبد العزيز بن عبد الله آل الشيخ حفظه الله سئل الشيخ ضمن اللجنة الدائمة عن الاختلاط فتوى ( رقم 17929 ) ونصها : ( الاختلاط بين الرجال والنساء في المدارس وغيرها من المنكرات العظيمة والمفاسد الكبيرة في الدين والدنيا ، فلا يجوز للمرأة أن تدرس أو تعمل في مكان مختلط بالرجال والنساء ، ولا يجوز لوليها أن يأذن لها بذلك ) أهـ . 4- فتوى اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء - الفتوى ( رقم 2922) ونصها : ( اختلاط البنين والبنات في الدراسة حرام ) . وقع عليها أصحاب السماحة والفضيلة الشيخ عبد الله بن قعود والشيخ عبد الله بن غديان والشيخ عبد الرزاق عفيفي والشيخ عبد العزيز بن باز . • الفتوى (رقم 6758) ونصها ( اختلاط النساء والرجال في التعليم حرام ومنكر عظيم) • الفتوى ( رقم 13947) سؤال عن حكم تدريس الرجال للفتيات ونصها : ( لا يجوز للرجال تدريس البنات مباشرة لما في ذلك من الخطر العظيم والعواقب الوخيمة ) . • الفتوى رقم ( 4945 ) س2: ما حكم المرأة التي تعمل وهي متزوجة ؟ ج2: لا يجوز للمرأة العمل مع الاختلاط بالرجال ، سواء المتزوجة وغيرها ؛ لأن الله -سبحانه- جبل الرجال على الميل إلى النساء ، والنساء جبلهن على الميل إلى الرجال ، مع وجود ضعف فيهن ، فإذا حصل الاختلاط وقعت الفتنة ، وصار سببا في وقوع الفساد ؛ لأن النفس أمارة بالسوء . لكن يجوز العمل في محيط ليس فيه اختلاط بالرجال بإذن زوجها، وبالله التوفيق، وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم. اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء . أصحاب السماحة والفضيلة الشيخ عبد الله بن قعود والشيخ عبد الله بن غديان والشيخ عبد الرزاق عفيفي والشيخ عبد العزيز بن عبد الله بن باز.انتهى. مع العلم أن الإسلام قد أكرم المرأة ،والتاريخ أكبر شاهد للنساء الصالحات اللاتي ساهمن في رقي المجتمعات ، وشاركن في نهضة الأمة ، مع المحافظة على المهمة العظيمة التي خُلقن من أجلها ، فجمعن بين أحكام الدين ، والقيام بمهام الدنيا ، فمنهن التاجرات العفيفات ، كخديجة بنت خويلد ، ومنهن المفتيات للأمَّة ، والحافظات للسنَّة ، كعائشة بنت أبي بكر رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا ، ومنهن الشاعرات الباهرات (كالخنساء) ، ومنهن المحدثات المسندات ككريمة المروزية ، وغيرهن كثيرات سلفًا وخلفًا ، فما نُقل عنهن أنهن تبرجن تبرج الجاهلية الأولى , أو تمردن على الحجاب , أو خرجن عن الحياء والحشمة والعفاف ، أوتعرضن للفتنة ، لأنهن جميعًا يعملن بما يعلمن من قول الله { وَإِذَا سَأَلْتُمُوهُنَّ مَتَاعًا فَاسْأَلُوهُنَّ مِنْ وَرَاءِ حِجَابٍ ذَلِكُمْ أَطْهَرُ لِقُلُوبِكُمْ وَقُلُوبِهِنَّ }, ويعملن بقوله تعالى { فَلَا تَخْضَعْنَ بِالْقَوْلِ فَيَطْمَعَ الَّذِي فِي قَلْبِهِ مَرَضٌ } رابعاً :- جهل أحمد قاسم بأنظمة المملكة والمراسيم الملكية السامية الصادرة من ولاة الأمر وتعليمات صاحب السمو الملكي وزير الداخلية التي صدرت في شأن اختلاط الرجال بالنساء ، أو علمه بها مع الإعراض عنها وتجاهلها ، خاصة أنه ملزم أولاً بتطبيقها ، ومسؤول ومحاسب على تنفيذها ؛ إلا أنه يخالفها ، وهذا خطر إداري فاحش . 1- جاء في نظام هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ولائحته التنفيذية الصادرة بالمرسوم الملكي رقم ( م / 37 ) وتاريخ 26/10/1400هـ المنشور في صحيفة أم القرى في عددها رقم (2853) في 17/3/1401هـ ما ورد بالفقرة الثالثة من المادة الأولى بالباب الأول : واجبات الهيئة والتي نصت : ثالثاً : مراقبة الأسواق العامة والطرقات والحدائق وغير ذلك من الأماكن العامة والحيلولة دون وقوع المنكرات الشرعية الآتية : 1- الاختلاط والتبرج المحرمين شرعاً . وجاء في اللائحة الداخلية لتنظيم أعمال هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر التفسير الآتي للمادة السابقة : ويقصد بالاختلاط التجمع بين الرجال والنساء الذي يؤدي إلى مفسدة ظاهرة . أهـ فما ندري هل أحمد قاسم وهو مكلف بالإنابة ليقوم بعمل مدير فرع الرئاسة بمكة قد أطلع على هذا النظام أو لا ؟!! ، والأصل أنه مطلع على ذلك ، وبدون شك ما ورد في مقاله رد للأمر السامي واعتراض عليه وعلى اللائحة المفسرة للنظام ، ونحن وبكل أسف نرى أن تعيين مثله في الهيئة سُبَّةٌ وعارٌ فضلاً عن تكليفه بإدارة الفرع ، ثم إن اختصاصه في دراسته الجامعية والعليا لا علاقة له بالعلم الشرعي ، المُؤَهِّلِ لِتَقلُدِ مثل هذا المنصب لا من قريب ولا من بعيد . 2- مخالفته الصريحة لما ورد في الأمر السامي من خادم الحرمين الشريفين رئيس مجلس الوزراء (( رقم 2966/م بتاريخ 19/9/1404هـ: ونصه : ((نشير إلى الأمر التعميمي رقم 11651 في 16/5/1403هـ المتضمن أن السماح للمرأة بالعمل الذي يؤدي إلى اختلاطها بالرجال سواء في الإدارات الحكومية أو غيرها من المؤسسات العامة أو الخاصة أو الشركات أو المهن ونحوها أمر غير ممكن ، سواء كانت سعودية أو غير سعودية ، لأن ذلك محرم شرعاً ، ويتنافى مع عادات وتقاليد هذه البلاد ، وإذا كان يوجد دائرة تقوم بتشغيل المرأة في غير الأعمال التي تناسب طبيعتها أو في أعمال تؤدي إلى اختلاطها بالرجال ، فهذا خطأ يجب تلافيه ، وعلى الجهات الرقابية ملاحظة ذلك والرفع عنه )) . وأكد ذلك بأمره السامي ( رقم 759/8 ) في 5/10/1421هـ 3- مخالفته للأمر السامي رقم (1631/8 ) بتاريخ 17/9/1400هـ ( والذي يقضي بمنع الاختلاط في المطاعم ، وعدم السماح للرجال بخدمة النساء في حفلات الزواج التي تقام في الفنادق ، ومنع المشتبه فيهم من دخول المطاعم ) . 4- مخالفته للأمر السامي الصادر من نائب رئيس مجلس الوزراء رقم ( 1960/8 ) في 27/12/1399هـ ( بشأن منع المرأة من الاختلاط بالرجال في مجال العمل ) 5- مخالفته لتعليمات وزارة الداخلية والتي تقضي بمنع اختلاط النساء بالرجال في الفنادق والأسواق والملاهي والشواطئ . خامساً :- إن المتتبع للمقال يلحظ جرأة الكاتب في تضعيف الأحاديث الصحيحة الثابتة ، والتقليل من شأن فهم الصحابة رضوان الله عليهم ، وانتقاء ما يراه بزعمه يؤيد ما توصل إليه في مقاله من إباحة اختلاط الرجال بالنساء الأجانب في جميع المجالات ، وتجاهله للأدلة الصريحة في حرمة ذلك ، من كتاب الله وسنة رسوله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ وإجماع علماء الأمة ، مما يخالف قوله وينقضه من أصله ، مما يستحق معه أن يلاحق قضائياً ، ويحتسب عليه في ذلك لو كان فرداً عادياً ؛ فكيف وهو من منسوبي جهاز الهيئة ، بل ومكلف بإدارة فرع منطقة مكة المكرمة . سادساً :- إن الذين عاشروا كاتب المقال ، وعملوا معه زملاء ، يذكرون أن أحمد قاسم مضطرب ومتناقض في قراراته ومن ذلك : 1- منع أولاده من دخول مدارس الدولة واستمر ذلك بضع سنين حتى أقنعه بعض المشايخ بالعدول عن رأيه المتطرف . 2- أنا لا نعلم له تخصصا شرعيا ولا يعرف بملازمة وثني ركب عند أهل العلم ، مع العلم أن تخصصه محاسبه وقد جاء للهيئة بوظيفة محاسب ، والشهادة التي حصل عليها في الدكتوراة ليست في العلم الشرعي وهي غير معترف بها أكاديميا في المملكة العربية السعودية . 3- كان متشدداً في قضايا الاختلاط وأصدر أوامر قبض وتحقيق ، مما ترتب على ذلك صدور أحكام في بعض الوقوعات ، والآن يفتح الباب على مصراعيه ، ويفتي بحله في أي مجال حتى في التعليم ، وعمله هذا يوقع أفراد المجتمع في أمر مريج ، فماذا يأخذون عنه كرجل هيئة ؟! أيأخذون بفعله القديم في الإنكار عليهم ، أم بقوله الجديد في إباحة وتحليل ما كان يؤاخذهم عليه ويأخذهم به ؟! . بل إن اختياراته المزاجية الشاذة توقع جهاز الحسبة والإفتاء والقضاء وأهل العلم في مواجهة مع الناس ، لاسيما أنه متقلد منصباً إدارياً عالياً في جهاز الحسبة . وقد شكى كثير من الناس ما أحدثه مقاله من البلبلة والتشكيك في حكم الاختلاط المحرم شرعاً بالمنقول والمعقول . سابعاً : ما نطالب به :- 1- نطالب الأخ أحمد قاسم بالتوبة والأوبة ، والرجوع إلى الله تعالى ، وإعلان ذلك في نفس الصحيفة التي نشرت مقاليه فيها ، وليس عيباً إذا تبين للرجل الحق أن يرجع إليه فالرجوع إلى الحق خير من التمادي في الباطل . 2- نطالب المسئولين عن الكتابة في الصحف خاصة ووسائل الإعلام عامة أن يحافظوا على الأمانة الإعلامية ، بأن يحسنوا الاختيار عند إرادة الحديث عن أمور الدين الإسلامي ، ولا يعطى السماح والإذن إلا لمن هو أهل لذلك ، وعدم الترويج للآراء الفردية والفتاوى الشخصية باسم المؤسسات الرسمية ؛ مما يحدث الفتنة ، ويثير البلية والتشويش على ما استقر عند الناس . 3- نطالب معالي رئيس الهيئات بالأخذ على يدي الكاتب ، وإذا كان هناك رغبة في بقائه فيعطى العمل الذي يناسب اختصاصه ، وإلا فإن تثبيته في عمل الحسبة من باب إسناد الأمر إلى غير أهله ، كما يجب محاسبته لمخالفته ومعارضته للأنظمة واللوائح المنصوص عليها أعلاه بناءً على ما نصت عليه الأنظمة الخاصة بمخالفة الموظفين ومحاسبتهم ، كما أنه من المعلوم أنه لا يُصَرِّحُ للصحف أي موظف قبل الرجوع وأخذ الأذن من رئيسه ، ولا يعقل أن معالي الرئيس قد سمح له بهذه التصريحات ، مع أن هذه التصريحات عند العامة محسوبة على جهاز الهيئة ورؤسائها . ثامناً :- ما صدر عن كاتب المقال المذكور إنما يمثل رأيه الخاص به ، وإن طلاب العلم والدعاة والمحتسبين من قبيلة غامد يبرؤون إلى الله من عمله وقوله ، حتى يظهر توبته ويرجع إلى الصواب ، ويتوب الله على من تاب . هذا ما جرى تحريره إبراءً للذمة ونصحاً للأمة وتحذيراً لمن تسول له نفسه أن يتعدى على ثوابت دين الإسلام والله الهادي إلى سواء السبيل . وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على سيد المرسلين . المـوقـعـو ن: 1-الشيخ : أ. د . علي بن سعيد الحجاج الغامدي رئيس قسم الدعوة والاحتساب بالمعهد العالي للدعوة الإسلامية بالمدينة النبوية والمدرس بالمسجد النبوي الشريف ( سابقا ) 2- الشيخ إبراهيم بن مسلم الحزنوي الغامدي تلميذ الشيخ محمد بن إبراهيم آل الشيخ ، والمدرس بالمعهد العلمي ببلجرشي ،وإمام وخطيب الجامع القديم ببلجرشي .(سابقا) 3- الشيخ محمد بن سعد الفقيه البركي الغامدي الفقيه المؤرخ ….وأستاذ الأجيال القدير . 4 - الشيخ الداعية المحدث: علي بن عبد الرحيم الغامدي مدير مركز الدعوة والإرشاد بجدة ( سابقا) 5 – الشيخ :د . عبد الله بن علي بن أحمد الغامدي رئيس قسم الكتاب والسنة بجامعة أم القرى ( سابقا ) 6 - الشيخ :ذياب بن سعدآل حمدان الغامدي الباحث الشرعي ، وصاحب المؤلفات المشهورة. 7 - الشيخ : د. مسفر بن دماس الغامدي أستاذ مشارك بمعهد إعداد الدعاة برابطة العالم الإسلامي ، وعميد كلية المعلمين سابقا بالباحة. 8- الشيخ : د. أحمد بن سعد الغامدي الداعية المعروف .والمربي الفاضل 9- الشيخ : د.حامد بن مسفر غرابان الغامدي رئيس قسم الدراسات القرآنية بجامعة الباحة. 10- الشيخ :د . احمد بن محمد بن علي العمودي الغامدي داعية بمدينة بلجرشي 11- الشيخ: عبد العزيز بن عبد الله غبيشة الغامدي رئيس مركز الهيئة في الرويس بجدة ( سابقا) وعضو لجنة الإصلاح بالمحكمة الكبرى بجدة. 12 ـ الشيخ : عبد الله بن أحمد العلاف الغامدي كاتب وداعية بمنطقة الطائف . 13 - الشيخ :د . سعيد بن احمد الافندي الغامدي الأستاذ المساعد بجامعة الملك عبدالعزيز 14- الشيخ : عبد الله بن سفر آل عبادة العبدلي الغامدي داعية وكاتب بمنطقة الطائف. 15 - الشيخ :عبد اللطيف بن هاجس الغامدي خطيب جامع الملك عبد العزيز بالبلد في جدة 16- الشيخ :عبدالله بن علي بن عبدالله الحوالي الغامدي. المدرس بالمعهد العلمي بالرياض 17 - الشيخ : محمد بن حامد آل عثمان الغامدي داعية وكاتب 18- الشيخ : :عبد الله بن محمد آل يحيى الغامدي إمام وخطيب مسجد خديجة بغلف بجدة. 19- الشيخ :خضر بن صالح بن سند الغامدي إمام وخطيب جامع الملك عبدالعزيز بمدينة الحجاج بجدة 20- الشيخ :عبدالرحمن بن عمر الفقيه الغامدي المشرف العام على موقع ملتقى أهل الحديث . 21- الشيخ: د . موفق بن عبدالله بن كدسة الغامدي الأستاذ المساعد بجامعة الملك عبدالعزيز بجدة. منقول من ملتقى أهل الحديث |
رد: بيان من أهل العلم من قبيلة غامد عن ما سطره المدعو : أحمد قاسم الغامدي
نسأل الله لنا و له الهداية
|
رد: بيان من أهل العلم من قبيلة غامد عن ما سطره المدعو : أحمد قاسم الغامدي
يعطيك العافيه,,,,,
|
رد: بيان من أهل العلم من قبيلة غامد عن ما سطره المدعو : أحمد قاسم الغامدي
الله المستعان .................................................
|
رد: بيان من أهل العلم من قبيلة غامد عن ما سطره المدعو : أحمد قاسم الغامدي
بيان جامع مانع
وفقك الله |
رد: بيان من أهل العلم من قبيلة غامد عن ما سطره المدعو : أحمد قاسم الغامدي
أخ مشارك , صادق الأحساس , ابن عزاب , ابو عبدالرحمن : الكلام الذي كتبه الشيخ الغامدي عجيب وجديد , والله أعلم بدوافع الرجل التي دفعته ليكتب ما كتب , وفي هذا التوقيت بالذات .
لكنني أثناء بحثي على النت , لم أجد من فند أدلته دليلا دليلا , بما في ذلك هذا البيان ( بيان أهل العلم من غامد) . سؤالي : من وجد منكم ردا شافيا على أدلة الرجل , فليتكرم بها علينا , فالحكمة ضالة المؤمن , أنى وجدها أخذ بها ؟ . |
رد: بيان من أهل العلم من قبيلة غامد عن ما سطره المدعو : أحمد قاسم الغامدي
اخي ابن ابي محمد
هذا رد على الغامدي من الشيخ المبارك عبدالعزيز الطريفي الاختلاط .. وأهل الخلط بسم الله الرحمن الرحيم فقد هاتفني أحد أفاضل التربويين، يحمل رسالة مباشرة من وزير العدل الدكتور محمد العيسى لمنتقديه طالباً منه البلاغ قائلاً: (أنا لا أقول بجواز الاختلاط، الاختلاط في التعليم كبيرة من كبائر الذنوب، كلامي يدور حول حداثة المصطلح، وقد استُغل، حسبنا الله على الليبراليين والعلمانيين) وهذا توضيح لا أكفره ولا أشكره، إذ للاعتذار والتوضيح مكان يليق به، (بل الإنسان على نفسه بصيرة ولَو أَلقى مَعاذيرهُ)، والعُتبى في ذلك لله وحده. وقوما فقولا بالذي قد علمتما ** ولا تخمشا وجها ولا تحلقا الشعر وقد رأيت كثيراً من يحيف بالكتابة نهاراً يعتذر ليلاً، وهذا أمر جُبل عليه الإنسان لِغلبةٍ نفسية تأطره على سلوكِ ما لا يرضاه لو تَجرَّد ورجع إلى فطرته، وهكذا فعل إخوة يوسف لما ألقوه في البئر نهاراً، (وَجاؤُوا أَباهُمْ عِشاءً يبكون) جاءوا عشاء ليكونوا أقدر على الاعتذار في الظلمة، ولذا قيل: "لا تطلب الحاجة بالليل، فإن الحياء في العَينين، ولا تعتذر بالنهار من ذنب فتتلجلج في الاعتذار"، وأما اعتذار الأنبياء فهو أعلى الاعتذار وأزكاه قال موسى عليه السلام: (فعلتها إذاً وأنا من الضالين) . وقد رأيت أن التعدي على الحرمات والفضيلة، والقطعيات الشرعية نهاراً يتفاقم، وليس لها من الحُرمة، ولا عليها من الحياطة ما يحفزُ أفراد العلماء للمراصدة دونها أن تمتهن أو تستباح، في زمن القلم فيه أمضى من الرماح، ومن كتم حق الله فقد طوى جوانحه على جذوة من نار جهنم، حتى رأيت آخرها مقالاً لِمكيٍ قد تكلف ما لا ينتفع به، وحشد نصوصاً لا يدري موضعها من الشرع ولا يعرف صدر معناها من عَجزه، فمنها جهله بالناسخ والمنسوخ والمتقدم والمتأخر، ومن لم يعرف الناسخ من المنسوخ أفضى إلى إثبات المنفي ونفي المثبت، وتولّد لديه شريعة غير شريعة محمد صلى الله عليه وسلم، ولذا حرم العلماء أن يتكلم أحد في دين الله وهو لا يعرف الناسخ والمنسوخ، ثم إن الإلحاد في الحرم قد رتب رب العالمين على إرادته العذاب الأليم. ولو أوردتُ نصوص شُرب الخمر قبل تحريمه، والمتعة قبل تحريمها، والربا قبل وضعه، والسفور قبل منعه، والصلاة قبل تمامها، والجهاد قبل فرضه، والاختلاط قبل حظره لجاءت شريعة جاهلية والنصوص محمدية. ففي الصحيح عن سلمة بن الأكوع قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " أيما رجل تمتع فعشرة ما بينهما ثلاثة أيام فإن أحبا أن يزدادا ازدادا وإن أحبا أن يتتاركا تتاركا". لكنه نص قبل النسخ بلا ريب، نُسخ بنصوص أخرى، ولو كان ثمة نصوص تحمل الوصف القطعي بإباحة الاختلاط بالنص مثله، لما أشكلت على منصِفٍ مع نفسه وربه. ولا فرق بين من يورد نصوص الاختلاط قبل تمام الشريعة وفي الناس بقايا جاهلية تستوجب الانتظار، وبين من يورد أحاديث المتعة وأكل الربا وشرب الخمر قبل تحريمها مساق الجواز، وهذا عكْسٌ للإسلام وقلبٌ لتاريخ التشريع، وكأني بمن يسلك هذا المسلك يأخذ تشريع العاشر من الهجرة وينقضه بالتاسع، والتاسع ينقضه بالثامن، والثامن ينقضه بالسابع، وتشريع المدينة ينقضه بتشريع مكة، وكأن الإسلام بساط يُطوى، وعُرى تُنقض، ليظهر تحته بساط الجاهلية . والإحاطة بمعرفة الناسخ من المنسوخ أيسر من السير في بطون أودية الهوى، التي هي مرتع للهوام ومضارب الدواب، وإن جهل شيئاً منها، سأل من يعلم، والعِلم الحق ليس مَلَكة العَقل، أو شهادات أو تسنم مناصب، فهذا غير مراد في عد العلوم والتحقيق فيها. والخلط في هذا الباب قديم بقدم الجهل في الإسلام، وقدم الدوافع النفسية والهوى، وقد روي عن على رضي الله عنه: أنه رأى في مسجد الكوفة خطيباً وهو يخلط الأمر بالنهي، والإباحة بالحظر، فقال له: أتعرف الناسخ من المنسوخ؟ قال: لا، قال: هلكت وأهلكت، ثم قال له: أبو من أنت؟ قال: أبو يحيى، قال: أنت "أبو اعرفوني"، ثم أخذ أذنه ففتلها، وقال له: لا تقص في مسجدنا بعد. فإذا كان هذا في زمن الخلافة الراشدة في نصف القرن الأول، وتوافر الصحابة وفي معاقل الفقه والعلم، وفي مساجد الله، فكيف يكون الحال في القرن الخامس عشر، وفي صحف تَنشرُ بلا رقيب. وإني لأرجو لهذه الآذان أن تُفتل، ممن له يدٌ تَصل كيد الخليفة علي رضي الله عنه من ولاة الأمر وهُداة الحق وهم في الأمة كثير. والكاتب أحمد بن قاسم قلب حقائق الأمور، وما من جهالةٍ إلا وهي تفضي بصاحبها إلى أخرى مثلها، وإذا كان في الذهن طلب قاصدٌ لأمر، واستحكم منه، فلا يرى الباحث في مقصوده إلا ما يطلبه ولو كان وهماً، كالظمآن يلتمس الماء فيتبع السراب، وأما المنصفون فهم أخلياء الذهن من كل قصد إلا قصد الحق، ومن قَصد غير ذلك، طلباً للحظوة وليتقدم في الدنيا خطوة، فهو في الآخرة يتأخر خطوات. ويكفي المُنصف أنه لا يُعلم عالم على مر قرون الإسلام الخمسة عشر قال بجواز الاختلاط في المجالس والتعليم، وكنت طالباً للإنصاف، وتحصّل لي أكثر من مائة عالم وفقيه عبر تلك القرون يقطعون بعدم الترخيص فيه، قال الحافظ أبو بكر محمد بن عبدالله العامري في كتابه " أحكام النظر " (287): ( اتفق علماء الأمة أن من اعتقد هذه المحظورات, وإباحة امتزاج الرجال بالنسوان الأجانب؛ فقد كفر, واستحق القتل بردته. وإن اعتقد تحريمه وفعله وأقر عليه ورضي به؛ فقد فسق, لا يسمع له قول ولا تقبل له شهادة )انتهى. ويكفي في ذلك نهي النبي صلى الله عليه وسلم بقوله: (إياكم والدخول على النساء) وضرب عمر الرجال على القرب من النساء، وقد سُقت الأدلة وأقوال الأئمة في رسالة مُستقلة . وإن من مواضع الخطأ عدم التفريق بين موارد النصوص وجعل المقامات الاتفاقية كالمعلومات اللزومية، وما ساقه الكاتب من أخبار هي من هذه الأنواع وسأجيب عنهبالتفصيل : أولاً: ما ذكره وهو قبل النسخ : يجب أن يعلم أن الحجاب فرض على مراحل، وقد عاش الصحابة زمناً قبل فرضه في المدينة، ولهم في ذلك مرويات وقصص، في كتب السنة والسير، وكان فرضه سنة خمس من الهجرة، أخرج البخاري عن أنس رضي الله عنه قال: نزل الحجاب مبتنى رسول الله صلى الله عليه وسلم بزينب بنت جحش رضي الله عنها. قلت: وذلك قريب سنة خمس من الهجرة، قال صالح بن كيسان قال: نزل حجاب رسول الله صلى الله عليه وسلم على نسائه في ذي القعدة سنة خمس من الهجرة.رواه ابن سعد. 1- قال الكاتب: (عن سهل بن سعد قال: لما عرس أبو أسيد الساعدي دعا النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه، فما صنع لهم طعاما ولا قربه إليهم إلا امرأته أم أسيد، بلت تمرات في تور من حجارة من الليل، فلما فرغ النبي صلى الله عليه وسلم من الطعام أماثته له فسقته تتحفه بذلك .. ثم عَقب بقوله: ومن لوازم ذلك نظر المرأة للرجال ومخالطته). أقول: وهذا قبل منع الاختلاط وفرض الحجاب: فإن الحجاب ولوازمه فرض في قريب السنة الخامسة، وهذا العرس كان قبل ذلك، فزوجة أبي أسيد هي سلامة بنت وهب وأولادها ثلاثة أسيد وهو الأكبر والمنذر وحمزة، كما نص عليه خليفة بن خياط في "طبقاته" (254، ط العمري)، وعمر أبي أسيد الساعدي حينما فرض الحجاب كان (67) سبعاً وستين سنة، وابنه الأكبر الذي أُمه سلامة المتزوجة كما في هذا الحديث ذكره عبدان المروزي في الصحابة، وكذلك ابن الأثير وغيرهم، ورسول الله صلى الله عليه وسلم توفي سنة 11 للهجرة، والحجاب فرض سنة خمس للهجرة يعني قبل وفاته بخمس سنين، فمتى تزوج أسيد وسلامة رضي الله عنهما؟ ومتى ولد لهما؟ ومتى أمكن أن يكون ابنهما أُسيد وأن يعد صحابياً في خمس سنين. وقال النووي عن هذا العرس في "المنهاج شرح مسلم" (13/177): ( هذا محمول على أنه كان قبل الحجاب). وقال العيني في عمدة القاري: (وكان ذلك قبل نزول الحجاب). وبهذا قال القرطبي في "تفسيره" (9/98). وقد أشار غير واحد من الشراح إلى قدم حادثة زواج أبي أُسيد أيضاً كابن بطال بقوله: (وفيه : شرب الشراب الذي لا يسكر فى العرس، وأن ذلك من الأمر المعروف القديم). 2- وأورد الكاتب حديث عائشة في الصحيحين في خروج سودة لحاجتها ليلاً، وقال معلقاً: (وفيه الإذن لنساء النبي صلى الله عليه وسلم بالخروج لحاجتهن وغيرهن في ذلك من باب أولى). أقول: هذا جاء في رواية البخاري أنه قبل الحجاب صريحاً، ففي البخاري (6240) كان عمر يقول للنبي صلى الله عليه و سلم: احجب نساءك فلم يكن رسول الله صلى الله عليه و سلم يفعل، فخرجت سودة بنت زمعة زوج النبي صلى الله عليه و سلم ليلة من الليالي عشاء وكانت امرأة طويلة فناداها عمر ألا قد عرفناك يا سودة حرضا على أن ينزل الحجاب فأنزل الله آية الحجاب. 3-وقال الكاتب: (عن عائشة أنها قالت: «لما قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة وعك أبو بكر وبلال رضي الله عنهما، قالت: فدخلت عليهما، فقلت: يا أبت كيف تجدك؟ ويا بلال كيف تجدك؟، ومعنى «كيف تجدك» أي كيف تجد نفسك، كما نقول نحن: كيف صحتك؟ قالت عائشة: فجئت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فأخبرته، فقال: «اللهم حبب إلينا المدينة كحبنا مكة أو أشد». قال معقباً: وهذا واضح أيضا في وقوع الاختلاط في عمل أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهم أعظم الناس تقوى وفهما لأحكام التشريع). قلتُ: النص صريح أن هذا كان لما "قدم النبي المدينة"، يعني قبل فرض الفرائض حتى الصلوات والحج والصيام وقبل فرض الحجاب بخمس سنين، وبين ذلك ابن بطال في "شرح الصحيح" (4/560) قال: (وكان ذلك قبل نزول الحجاب). وقد جاء في بعض روايات الحديث: (وكان ذلك قبل فرض الحجاب)، ذكرها بعض الشّراح كمحمد الشبيهي في "شرحه". والقلب حينما يبحث عن شبهة يُعمى عما بين عينيه من الحق، ومن أغمض عينيه عن نص أمامه في ذات الخبر، فهل سيبحث عن جمعِ أدلة الباب وتحري الحق فيها ليسلم له دينه ؟! 4- قال الكاتب: (عن عائشة رضي الله عنها، أنها قالت: «دخل علي رسول الله صلى الله عليه وسلم وعندي جاريتان تغنيان بغناء بعاث، فاضطجع على الفراش... الحديث. وقال معلقاً: (الحديث يفيد جواز الاختلاط، وجواز دخول الرجل على المرأة متى كان معها غيرها من النساء، وفيه جواز استماع الرجل لغناء النساء وضربهن بالدف). قلت: قال الحافظ البيهقي في "الآداب" (207) بعد إخراج الحديث: (وكان ذلك قبل نزول الحجاب) انتهى. وقال الحافظ ابن رجب في "الفتح": (6/73): (هذا كان قبل نزول الحجاب). وقال القاضي عياض مبيناً أنها قبل فرض الحجاب كما في "المعلم" (3/168): (مثل هذه القصة لعائشة وهى حينئذ - والله أعلم - بقرب ابتنائه بها، وفى سن من لم يكلَفُ) انتهى، وقد تزوجت وعمرها تسع سنين يعني قبل فرض الحجاب ببضع سنين . ثم إن العرب تُغلِّب إطلاق لفظ "الجارية" على الأمة غير الحرة، أو على الحرة غير البالغة فإذا بلغت تٌسمى امرأة، ولهذا قالت عائشة: إذا بلغت الجارية تسع سنين فَهِيَّ امرأة. ويبين أنهما إماء ويوضحه قوله في رواية أخرى: (وعندي جاريتان من جواري الأنصار) يعني من إمائهم، وكان الضرب والغناء من خصائص الموالي، قال الخطابي في "الغريب"(1/655): (والعرب تثبت مآثرها بالشعر فترويها أولادها وعبيدها فيكثر إنشادهم لها). وهي من دون البلوغ كما هو معروف، قال القرطبي في "المفهم": (الجارية في النساء كالغلام في الرجال، وهما يقالان على من دون البلوغ منهما). 5- وقال الكاتب: (وعن الربيع بنت معوذ أنها قالت: دخل علي النبي صلى الله عليه وسلم غداة بني علي، فجلس على فراشي كمجلسك مني، وجويريات يضربن بالدف، يندبن من قتل من آبائهن يوم بدر حتى قالت جارية: وفينا نبي يعلم ما في الغد، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: (لا تقولي هكذا، وقولي ما كنت تقولين) .. ثم استدل على ما به من وصف يتضمن اختلاطاً . أقول: الربيع خطبها زوجها إياس بن بكير قبل غزوة بدر في السنة الثانية للهجرة، ثم خرج هو وأخواه وبعد بدر تزوجت الربيع من إياس ودخل عليها زوجها، وأنجبت محمداً منها وقد أدرك زمن النبي صلى الله عليه وسلم كما قاله ابن منده، والحجاب فرض بعد ذلك فكيف يُستدل بذلك على حُكم نزل بعد . والربيع بنت معوذ بن عفراء، كانت عجوزاً معمَّرة، كما قاله الذهبي في "تاريخ الإسلام" (5/402) وتوفيت سنة سبع وثلاثين للهجرة، وزواجها كان قبل فرض الحجاب . 6- أورد الكاتب في حديث: (أن نفرا من بني هاشم دخلوا على أسماء بنت عميس، فدخل أبو بكر الصديق، وهي تحته يومئذ، فرآهم، فكره ذلك) قلت: هذا الاستدراك في الحديث: (وهي تحته يومئذ) يُشير إلى قدم الواقعة قريباً من زواجه بها وهذا قبل فرض الحجاب كانوا يدخلون على أسماء بنت عميس، فبعد الحجاب لم يكونوا يدخلون في هذه الحكاية ولا غيرها، قال الحافظ ابن حجر (7/256): (وكان دخول البراء على أهل أبي بكر قبل أن ينزل الحجاب قطعاً). وهذه ستة من أدلته وأصرحها أوردها وهي قبل فرض الحجاب، وأدلة شرب الخمر قبل النسخ أكثر منها وأصرح، وسيأتي يومٌ داعيها كما في الخبر: "ليكونن من أمتي أقوام يستحلون الحر والحرير والخمر والمعازف" . ثانياً: ما لا حجة فيه : 1-قال الكاتب: (في حديث عائشة في الصحيحين في خروج سودة لحاجتها ليلاً، ( وفيه الإذن لنساء النبي صلى الله عليه وسلم بالخروج لحاجتهن وغيرهن في ذلك من باب أولى). أقول: تقدم أن الواقعة قبل فرض الحجاب ثم أنه لا أحد من أهل الإسلام يمنع المرأة أن تخرج لحاجة، ثم ألا يعتبر الكاتب بقصدها الخروج ليلاً، وترك النهار، وهذا من حِشمة نساء الصدر الأول وحيائهن. أنشد النميري عند الحجاج قوله: يخمرن أطراف البنان من التقى ... ويخرجن جنح الليل معتجرات قال الحجاج: وهكذا المرأة الحرة المسلمة. 2- قال الكاتب : (وعن سهل بن سعد قال: كانت فينا امرأة تجعل على أربعاء في مزرعة لها سلقا، فكانت إذا كان يوم الجمعة تنزع أصول السلق فتجعله في قدر ثم تجعل عليه قبضة من شعير تطحنها، فتكون أصول السلق عرقه، وكنا ننصرف من صلاة الجمعة فنسلم عليها، فتقرب ذلك الطعام إلينا فنلعقه، وكنا نتمنى يوم الجمعة لطعامها ذلك. وقال: وفيه جواز مخالطة الرجال والنظر إليهم؛ فإنها كانت تقرب الطعام إليهم، وتخدمهم في دارها، كما يفيده الحديث). قلت: ولا أدري لم يحشر الرجال مع أكْلة الصبيان، وسهل ابن سعد الذي يحكي عن نفسه الحضور إلى هذه المرأة صبي صغير كان عمره دون البلوغ قطعاً، قال الزهري: كان له يوم توفي النبي صلى الله عليه وسلم خمس عشرة سنةً. كما رواه أبو زرعة في "تاريخه"، وكيف للكاتب أن يثبت أن من معه ليسوا حُدثاء مثله، ورفيق الصبي صبيّ !. وهذا الخبر سيق في مساق انتشار الصحابة بعد الجمعة وأنهم لا ينتظرون، وليس في هذا الخبر إلا أن المرأة تطبخ الطعام في مزرعتها ثم تدفع الطعام لهم ليأكلوا، كحال الآخذ والمُعطي، والفهم أبعد من ذلك ظنون . 4- قال الكاتب: (وعن أبي هريرة رضي الله عنه، أن رجلا أتى النبي صلى الله عليه وسلم، فبعث إلى نسائه، فقلن: ما معنا إلا الماء، فقال صلى الله عليه وسلم: من يضم أو يضيف هذا؟ فقال رجل من الأنصار: أنا، فانطلق به إلى امرأته فقال: أكرمي ضيف رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقالت ما عندنا إلا قوت صبياني فقال: هيئي طعامك وأصبحي سراجك، ونومي صبيانك إذا أرادوا عشاء، فهيأت طعامها، وأصبحت سراجها فأطفأته، فجعلا يريانه أنهما يأكلان، فباتا طاويين، فلما أصبح غدا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: ضحك الله الليلة، وعجب من فعالكما، فأنزل الله {ويؤثرون على أنفسهم ولو كان بهم خصاصة ومن يوق شح نفسه فأولئك هم المفلحون}. عقب عليه فقال: وفيه جواز الاختلاط، ووقوعه بإقرار النبي صلى الله عليه وسلم كافٍ في جوازه). أقول: قال الحافظ ابن بشكوال: إن الرجل الأنصاري هو عبدالله بن رواحة وعبد الله بن رواحة قتل بمؤتة سنة ثمان، والله أعلم، ثم إن هذا لا يثبت زمنه، والاستدلال بهذا بعيد، فتلك ضرورة شديدة، فقد جاء في أحدى الروايات - كما عند إسماعيل القاضي - أنه لم يطعم ثلاثة أيام، وإنقاذ رجل من الهلاك، لا يلتفت معه إلى وجود امرأة في مكان بليل دامس. 5- قال الكاتب: (وعن فاطمة بنت قيس، أخت الضحاك بن قيس، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: انتقلي إلى أم شريك، وأم شريك امرأة غنية من الأنصار عظيمة النفقة في سبيل الله، ينزل عليها الضيفان فقلت: سأفعل، فقال: «لا تفعلي، إن أم شريك امرأة كثيرة الضيفان، فإني أكره أن يسقط عنك خمارك، أو ينكشف الثوب عن ساقيك، فيرى القوم منك بعض ما تكرهين، ولكن انتقلي إلى ابن عمك عبدالله بن عمرو بن أم مكتوم... الحديث. وقال معلقاً: (وفيه أن أم شريك ينزل عليها الضيفان ومن لوازم ذلك الاختلاط). قلت: هذه المرأة التي تُسمى أم شريك وكانت من القواعد كبيرة صالحة واسمها على الصحيح غزيلة بنت داود بن عوف بن عمرو بن عامر بن رواحة، والقواعد لا يخاطبن بالحجاب والاحتراز من الرجال بنص القرآن قال تعالى: (والقواعد من النساء اللاتي لا يرجون نكاحا فليس عليهن جناح أن يضعن ثيابهن) . قال المفسرون من السلف كعطاء وسعيد بن جبير والحسن: هي المرأة الكبيرة التي لا تلد. قال ابن عبدالبر في "التمهيد" ( 19/153) معلقاً على قصة أم شريك: (ففيه دليل على أن المرأة الصالحة المتجالة لا بأس أن يغشاها الرجال ويتحدثون عندها ومعنى الغشيان الإلمام والورود. قال حسان بن ثابت يمدح بني جفنة: يغشون حتى ما تهر كلابهم ** لا يسألون عن السواد المقبل). وتجالت المرأة فهي متجالة وجلت فهي جليلة إذا كبرت وعجزت، وهذا حُكم الله فيهن، بنص القرآن فلا يدخل معهن غيرهن، إلا عند من لا يفرق بين أعمار الناس في الأحكام. وليس لعالم يُدرك مواضع النصوص، أن تمر عليه مثل هذه القصة، فيدع المحكم البيّن، إلى طريق التوى به التواءً يذهب بكل ما عمد إليه، ويورد قصة امرأة لا يدري هل هي من القواعد أم لا، وهل غشيان أصحاب النبي لها يلزم معه الدخول عليها أو تخدمهم في باحة بيتها، فإن بيوتهم كانت حُجراً مسقوفة، يتصل بها باحة صغيرة مكشوفة يجلس فيها الزوار، وهكذا كانت حُجرات أمهات المؤمنين، ومن ظن أن حجراتهم غُرف بلا باحات فقد غلطَ وجهل. 6- وقال الكاتب: (وعن سالم بن سريج أبي النعمان قال: سمعت أم صبية الجهنية تقول: ربما اختلفت يدي بيد رسول الله صلى الله عليه وسلم في الوضوء من إناء واحد). قال معلقاً: (وأم صبية الجهنية ليست من محارمه صلى الله عليه وسلم، ففيه جواز الاختلاط، وجواز وضوء الرجال مع غير محارمهم من النساء) . أقول: أم صبية محكومة بحكم الإماء، فهي جارية من جواري عائشة، كما رواه البيهقي في "الدعوات" (1/135) من طريق محمد بن إسماعيل عن عبدالله بن سلمة عن أبيه عن أم صبية الجهنية وكانت جارية لعائشة رضي الله عنهما. وجارية الزوجة لا تحتجب من زوجها، وبه ينتقض فهمه . وجاء عند الواقدي في السير قال: حدثني عمر بن صالح بن نافع حدثتني سودة بنت أبي ضبيس الجهني أن أم صبية الجهنية قالت: كنا نكون على عهد النبي وعهد أبي بكر وصدراً من خلافة عمر في المسجد نسوة قد تجاللن وربما غزلنا فيه فقال عمر لأردنكن حرائر فأخرجنا منه. وفي الخبر فائدتان : الأولى أنها متجالة يعني كبيرة . والثانية: أنها لم تأخذ حكم الحرائر إلا زمن عمر رضي الله عنه. وجزم مُغلطاي في شرحه لسنن ابن ماجه (1/217). في كونها من الموالي، والأمة ليست مأمورة بالحجاب في الإسلام، ومع ذا فقد قال الطحاوي بعد روايته للحديث (1/25): ( في هذا دليل على أن أحدهما قد كان يأخذ من الماء بعد صاحبه). 7- وأما احتجاجه بحديث: " كان الرجال والنساء يتوضؤون في زمان رسول الله صلى الله عليه وسلم جميعا" . فلا أدري كيف يفهم ذلك، فكيف يقول النبي عن الصلاة: "خير صفوف الرجال أولها وشرها آخرها وخير صفوف النساء آخرها .." وهو قد جمعهم قبل الصلاة يتوضؤون جميعاً، ثم يفرقهم وقت الصلاة، ولا ريب أن من فهم هذا الفَهم أساء بالنبي فهماً وتشريعاً، والمقصود به غير هذا المعنى. يُفسر هذا الأثر ما رواه عبدالرزاق في "مصنفه" وابن جرير الطبري في "تهذيب الآثار": عن ابن جريج، قال: سألت عطاء عن الوضوء الذي بباب المسجد، فقال له إنسان : إن أناسا يتوضئون منه، قال: لا بأس به، قلت له : أكنت متوضئا منه ؟ قال: نعم، فراددته في ذلك ، فقال: لا بأس، قد كان على عهد ابن عباس، وهو جعله، وقد علم أنه يتوضأ منه النساء والرجال، والأسود، والأحمر، فكان لا يرى به بأساً . يعني يتناوبون على أواني واحدة يتوضأ منها الجميع لا تتنجس المياه بكثرتهم، ولا باختلاف أجناسهم، كما يتناوب المتأخرون على الحمامات والصنابير، وليس في ذلك دلالة على اجتماعهم في ساعة واحدة، وإنما يتناوبون، والعلماء عند الاستدلال ينظرون إلى القصد من سياق الخبر وروايته، لأن الراوي إذا قصد بيان حكمٍ في حديث لم يحترز إلا له، ولهذا لم أجد أحداً من الأئمة ممن أورد هذا الحديث إلا ويورده في أبواب عدم تنجس الماء من بقايا المرأة وفضلها، لا يخرجونه عن ذلك، لأن ذلك هو الذي تسبق إليه أفهامهم عند سماع الخبر. وما جاء في لفظ: " (كنا نتوضأ نحن والنساء على عهد رسول الله من إناء واحد، ندلي فيه أيدينا) يعني لا نغترف اغترافاً بأواني بل الماء تنغمس الأيدي فيه يشير إلى أنه لا يتنجس بورود المرأة فيه قبلنا وهكذا يقررها الفقهاء في جميع المذاهب الأربعة . قال إمام المدينة الزهري مبيناً ذلك: تتوضأ بفضلها كما تتوضأ بفضلك. وعلى هذا فسره أئمة الإسلام في القرون المفضلة . 8- قال الكاتب: (عن الربيع بنت معوذ بن عفراء قالت: كنا نغزو مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، فنسقي القوم، ونخدمهم، ونرد الجرحى والقتلى إلى المدينة. قال معلقاً: ( وفيه جواز خروج المرأة في الغزو لخدمة القوم ومداواتهم، ورد الجرحى والقتلى). قلت: المقطوع به أن أزواجهم معهم، ولا يُتخيل أن أزواجهم في المدينة والنساء يخرجن، وإذا كان كذلك والمرأة حال السفر مع زوجها ترحل وتنزل، تُعين الجريح المثخن لا المعافى الصحيح، وما الضير في ذلك، ولا يعدو هذا كونه سفراً من الأسفار فالنساء يذهبن للحج والعمرة قوافل والنساء مع رجالهم. 9- وقال الكاتب: (عن أبي هريرة رضي الله عنه أن امرأة سوداء كانت تقم المسجد، ففقدها رسول الله صلى الله عليه وسلم، فسأل عنها بعد أيام، فقيل له: إنها ماتت، قال: «فهلا آذنتموني»، فأتى قبرها، فصلى عليها. قال: وفيه مشروعية عمل المرأة في المسجد ونحوه) . قلت: اليوم أربع وعشرون ساعة، والصلوات الخمس لا تخلص بمجموعها إلى أربع ساعات متفرقات، ومحاولة إيراد عمل المرأة في المسجد وحشرها في الأربع ساعات، وترك العشرين ساعة لا يليق بحامل قلم، ثم هي لا تعمل كل يوم قطعاً فمساجدهم كانت تراباً لا فراشاً، ولا يظهر فيها ما دقَّ كمساجدنا، أما أنها تنظف والرجال يصلون والنساء خلفهم وهي منصرفه تترك الصلاة وحدها تكنس فهذا محال، وأما في حال خلو المسجد وهو أكثر الوقت فلا حرج ثَمّ، فمسجد النبي صلى الله عليه وسلم لا أبواب تغلق فيه، كما ثبت عن ابن عمر في البخاري: قَال: كانت الكلاب تبول وتُقبل وتُدبر في المسجد في زمان رسول الله صلى الله عليه وسلم، فلم يكونوا يرشون شيئاً. 10- وقال الكاتب: (عن عائشة رضي الله عنها في قصة الإفك قالت: فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «من يعذرني من رجل بلغني أذاه في أهلي، فوالله ما علمت على أهلي إلا خيرا، وقد ذكروا رجلا ما علمت عليه إلا خيرا، وما كان يدخل على أهلي إلا معي... ) . قال معلقاً: (فيه جواز الاختلاط، وجواز دخول الرجل على المرأة إذا كان زوجها معها). قلت: وهذا من الجهل العريض والظن الفاحش، والهوى المُتبع، وعدم معرفة بحال الحُجرات النبوية، ولا بلسان العرب، فالحجرات غرف لها باحات صغيرة مكشوفة للضيفان والداخل إلى الباحة موصوف بالدخول، قال ابن حجر في الفتح: (9/286) في معنى الدخول: (لا يلزم من الدخول رفع الحجاب فقد يدخل من الباب وتخاطبه من وراء الحجاب) . ومثل هذا احتجاجه بلفظ (الدخول) في الحديث: (أن نفرا من بني هاشم دخلوا على أسماء بنت عميس، فدخل أبو بكر الصديق، وهي تحته يومئذ، فرآهم، فكره ذلك) هذا الاستدراك (وهي تحته يومئذ) يُشير إلى قدم الواقعة قريباً من زواجه بها وهذا قبل فرض الحجاب كانوا يدخلون على أسماء بنت عميس، فبعد الحجاب لم يكونوا يدخلون، قال الحافظ ابن حجر: (7/256) (وكان دخول البراء على أهل أبي بكر قبل أن ينزل الحجاب قطعاً) . 11- ثم أورد جملة من الأحاديث المتضمنة اختلاط النبي بالنساء، وفلي بعض النساء لرأسه، وإردافه لأسماء، وجهل أو تجاهل أن هذا من خصوصياته، فالرسول أبو المؤمنين، يزوج النساء بلا وليهم لو شاء، قال تعالى عن لوط وهو يعرض نساء قومه: (هؤلاء بَنَاتِى) أخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن مجاهد، قال: لم تكن بناته ولكن كنّ من أمته، وكل نبيّ أبو أمته. وبنحوه قال سعيد بن جبير . وقال عن نبينا محمد صلى الله عليه وسلم: « وأزواجه أمهاتهم – قال أبي بن كعب: وهو أبوهم». وبنحوه قال عكرمة مولى ابن عباس . والاختلاط حُرم درءاً للمفسدة وهي منتفية منه صلى الله عليه وسلم. ومن قال: (الأصل مشروعية التأسي بأفعاله صلى الله عليه وسلم، قال الله تعالى: (لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة)) فليتأسّ بزواج النبي تسعاً، وينفي الخصوصية، فالآية أباحت الأربع ولم تمنع من الزيادة، وإن رجع إلى نصوص أخرى تمنع وتُبين فذاك واجب في الحالين، في مسألة الاختلاط: "إياكم والدخول على النساء" وفي مس المرأة ثبت عن العلاء بن عبد الرحمن، عن أبيه عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "العينان تزنيان، واللسان يزني، واليدان تزنيان، والرجلان تزنيان، ويحقق ذلك الفرج أو يكذبه" 12- قال الكاتب: (وعن أبي موسى الأشعري رضي الله عنه قال: قدمت على رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو بالبطحاء، فقال: (أحججت)؟ قلت: نعم، قال: (بما أهللت)؟ قلت: لبيك بإهلال كإهلال النبي صلى الله عليه وسلم، قال: (أحسنت، انطلق، فطف بالبيت وبالصفا والمروة). ثم أتيت امرأة من نساء بني قيس، ففلت رأسي، ثم أهللت بالحج... الحديث» ) . قلت: لا يمكن أن يكون ذلك إلا من محرم قال النووي في "المجموع" (8/199): (هذا محمول على أن هذه المرأة كانت محرما له) . ولو ساغ أن أستدل بكل فعل مُجمل على ظاهره، دون الرجوع للمحكم، لأحللت الحرام القطعي بالظنون، ففي نصوص كثيرة يقال: (جاء فلان ومعه امرأة) وأستدل بذلك على جواز الخلوة واتخاذ الأخدان لأنه لم يرد في النص ذكر الرحم بينهما، والأصل في الشرع أن الرجل إذا وُجد مع امرأة تحمل على أنها من محارمه إلا لِظِنَّة وشُبهة، وهذا الأصل في المسلمين، وكيف بالصحابة الصالحين. 13- وأما احتجاجه بالطواف، وأن الرجال والنساء يطوفون جميعاً، فكلامه كلام من جهل الشرع والتاريخ، واتبع المتشابه، فأما جهله بالشرع، فذلك أن هذا من خصوصيات مكة بإجماع المُفسرين، قال تعالى: (إن أول بيت وضع للناس للذي ببكة) . فقد أخرج ابن أبي شيبة والبيهقي عن مجاهد قال: إنما سميت بكة لأن الناس يبك بعضهم بعضا فيها وأنه يحل فيها ما لا يحل في غيرها. وأخرج سعيد بن منصور وابن المنذر، وابن أبي حاتم عن عتبة بن قيس قال: إن مكة بكت بكاء الذكر فيها كالأنثى، قيل: عمن تروي هذا قال: عن ابن عمر. وعند البيهقي عن قتادة قال : سميت بكة لأن الله بك بها الناس جميعا فيصلي النساء قدام الرجال ولا يصلح ذلك ببلد غيره. وبنحوه قال سعيد بن جبير وغيره . بل يُعفى عن السُّترة في مكة ولا يُعفى عن غيرها، فروى ابن جرير عن عطاء، عن أبي جعفر قال: مرت امرأة بين يدي رجل وهو يصلي وهي تطوف بالبيت، فدفعها. قال أبو جعفر: إنها بَكَّةٌ، يبكّ بعضُها بعضًا. وأما جهله بالتاريخ: فإن النساء كن يطفن مجتمعات حجرة عن الرجال لا معهم، وهذا في زمن النبي وزمن عمر وكان عمر يضرب الرجل الذي يطوف وسط النساء كما رواه الفاكهي من طريق زائدة عن إبراهيم النخعي قال:" نهى عمر أن يطوف الرجال مع النساء، قال: فرأى رجلا يطوف معهن فضربه بالدرة. وبقي الأمر على هذا قروناً طويلة، قال ابن جبير في "رحلته" (63) عام 578هـ: (وموضع الطواف مفروش بحجارة مبسوطة كأنها الرخام حسناً، منها سود وسمر وبيض قد ألصق بعضها ببعض، واتسعت عن البيت بمقدار تِسْعِ خُطاً إلاّ في الجهة التي تقابل المقام، فإنها امتدت إليه حتى أحاطت به. وسائر الحرم مع البلاطات كلها مفروش برمل أبيض، وطواف النساء في آخر الحجارة المفروشة) انتهى . وأما قوله: (والحق أن مصطلح الاختلاط بهذا الاصطلاح المتأخر لم يعرف عند المتقدمين من أهل العلم .. لو بحثت عن مصطلح الاختلاط بهذا المعنى المستحدث لم تجده عندهم) فهو من الجهل البعيد، وقد بينت هذه الهفوة العصرية والشهوة الخفية، في "تعقيبي على الدكتور محمد العيسى" فلينظر . هذا؛ ولولا أن بعض مَن نحبهم في الله طلبوا إلي الرد على الكاتب المذكور لما سطرت سوداء في بيضاء، لأن مقالته عند أهل العلم والمعرفة مبنية على علم قليل وفهم ناقص واتباع للمتشابه وتركللمحكم، وقد قال الأول: لهوى النفوس سريرة لا تُعلم. رأى البرق شرقياً فحن إلى الشرق ** ولو لاح غربياً لحن إلى الغرب والله المبتغى وهو المرتجى،، |
رد: بيان من أهل العلم من قبيلة غامد عن ما سطره المدعو : أحمد قاسم الغامدي
وهذا رد على الغامدي من أحد علماء مدينة الطائف وهو
الشيخ بدر بن طامي العتيبي الإحباط لمكائد من أراد إباحة الاختلاط للشيخ بدر بن طامي [نقض لشبهات أحمد الغامدي] (لَقَدِ ابْتَغَوُا الفِتْنَةَ مِنْ قَبْلُ وَقَلَّبُوا لَكَ الأُمُورَ حَتَّى جَاءَ الحَقُّ وَظَهَرَ أَمْرُ اللهِ وَهُمْ كَارِهُونَ) (التوبة:48) الإحبـــــــــــاط لمكائــد مــن أراد إباحــة الاختـلاط (نقـض لشبـهـات الـدكتــور أحمد الغامــــدي) قال شيخ الإسلام ابن تيمية في "الاستقامة"(1 / 361): وهذا كله لأن اختلاط أحد الصنفين بالآخر سبب الفتنة فالرجال إذا اختلطوا بالنساء كان بمنزلة اختلاط النار والحطب. وقال الإمام ابن قيم الجوزية الحنبلي في "الطرق الحكمية"(ص407): ولا ريب أن تمكين النساء من اختلاطهن بالرجال : أصل كل بلية وشر ، وهو من أعظم أسباب نزول العقوبات العامة ، كما أنه من أسباب فساد أمور العامة والخاصة ، واختلاط الرجال بالنساء سبب لكثرة الفواحش والزنا ، وهو من أسباب الموت العام ، والطواعين المتصلة. وقال: فمن أعظم أسباب الموت العام كثرة الزنا بسبب تمكين النساء من اختلاطهن بالرجال والمشي بينهم متبرجات متجملات ولو علم أولياء الأمر ما في ذلك من فساد الدنيا والرعية قبل الدين لكانوا أشد شيء منعا لذلك، انتهى. بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين. أما بعد: فقد اطلعت على ما كتب الدكتور أحمد بن قاسم الغامدي في لقائه بجريدة عكاظ في عدديها الصادرين يومي الأربعاء 22 – 23 ذو الحجة 1430هـ، وقد رأيت عجباً من القول، وفساداً في فهم المنقول، وسقماً في تطبيق المعقول, ولي مع كلامه مقدمة ووقفات لعلها تكون دواءً لسقم فهمه، وشفاءً لقلوب المؤمنين، فأقول: أما المقدمة: لا غرابة أن يكون للحق خصوم وأعداء، وخاصة في زمن الغربة وفساد الزمان، وغلبة الجهل والهوى، وتكلم الرجل التافه في أمر العامة، وقد ركب الناس اليوم الصعب والذلول، وتكلم هَنْ بن مَنْ، وهيّان بن بيّان في شرع الله تعالى ومن بينهم الكافر الزنديق، والفاسق الحلّيق، والجاهل الغريق، وأمثال هؤلاء منزلتهم تأتي على مقالتهم، وحقيقتهم تنفّر الناس من طريقتهم، فلم يلتفت عقلاء المسلمين، وفضلاء الموحدين، إلى مقالاتهم التي يبثون فيها نفثات سمومهم كلّ يوم في المجالات الإعلامية المرئية والمقروءة، (وَمَنْ يُهِنِ اللهُ فَمَا لَهُ مِنْ مُكْرِمٍ إِنَّ اللهَ يَفْعَلُ مَا يَشَاءُ)(الحج:18) ، ولكن الخطر كلّ الخطر أن يمرق بمقالة الملحدين من يُحْسَب على الدين، فهذا وجنسه من الأئمة المضلين الذين خاف علينا منهم نبينا محمد صلى الله عليه وسلم فقال -فيما رواه الإمام أحمد- وغيره: (أخوفُ ما أخاف على أُمتي الأئمة المُضِلون). والأدهى والأمرّ من ذلك لو جاءت مقالة السوء على لسان من يَظهر منه الصلاح فعجله الله فتنة لمن في قلبه مرض، فصار سبباً للصدّ عن دين الله، والتجاسر على محارم الله، فإن هذا من أعظم ما ينقض عُرى الإسلام، كما قال عمر رضي الله عنه: (يَهْدِمُ الإِسْلاَمَ زَلَّةُ عَالِمٍ وَجِدَالُ مُنَافِقٍ بِالْقُرْآنِ وَأَئِمَّةٌ مُضِلُّونَ) رواه الدارمي وغيره. فيا (رَبَّنَا لَا تَجْعَلْنَا فِتْنَةً لِلَّذِينَ كَفَرُوا وَاغْفِرْ لَنَا رَبَّنَا إِنَّكَ أَنْتَ العَزِيزُ الحَكِيمُ) (الممتحنة:5) . وقد حاول العلمانيون وأذنابهم في بلاد التوحيد منذ عقودٍ مضت أن ينقضوا عدداً من ثوابت الشريعة الإسلامية بشبههم وتشكيكاتهم فما استطاعوا، حتى وجدوا أن أقوى سلاحٍ للتشكيك في الدين: الكلام بلسان الدين! وهي الشبهات التي ارتضاها زعيمهم الأول إبليس -أعاذنا الله تعالى منه- فدخل بها على قلوب الصالحين! كما جاء في الحديث عند ابن أبي عاصم وغيره أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (عليكم بلا إله إلا الله والاستغفار ، فأكثروا منهما فإن إبليس قال: أهلكتهم بالذنوب وأهلكوني بالاستغفار، فلما رأيت ذلك منهم أهلكتهم بالأهواء، فهم يحسبون أنهم مهتدون فلا يستغفرون). والدجال الأكبر الذي ما من نبي إلا وحذر أمته منه لن يأتي بشيء أخطر على الناس من الشبهات، كما روى أبو داود عن عمران بن حصين رضي الله عنهما عن الرسول صلى الله عليه وسلم أنه قال: (مَنْ سَمِعَ بالدَّجَّال، فَلْيَنْأَ منه، فوالله إِن الرجل ليأتيه وهو يَحْسِبُ أَنه مؤمن ، فيتبعُه ، مما يَبْعَثُ به من الشبهات ، أَو لَمَا يَبعث به من الشبهات). وجنود إبليس والدجال هم الذي يشبهون على الناس دينهم باتباع المتشابه، كما قال تعالى: (هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ عَلَيْكَ الكِتَابَ مِنْهُ آَيَاتٌ مُحْكَمَاتٌ هُنَّ أُمُّ الكِتَابِ وَأُخَرُ مُتَشَابِهَاتٌ فَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتَّبِعُونَ مَا تَشَابَهَ مِنْهُ ابْتِغَاءَ الفِتْنَةِ وَابْتِغَاءَ تَأْوِيلِهِ وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلَّا اللهُ وَالرَّاسِخُونَ فِي العِلْمِ يَقُولُونَ آَمَنَّا بِهِ كُلٌّ مِنْ عِنْدِ رَبِّنَا وَمَا يَذَّكَّرُ إِلَّا أُولُو الأَلْبَابِ) (آل عمران:7) ، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: (يا عائشة؛ إذا رأيتِ من سمى الله فاحذروهم) أي من الذين يتبعون المتشابه من نصوص الشرع ويلبسون على الناس أمر دينهم. فاتباع متشابه الأدلة هي مطية أهل البدع والأهواء، ولهذا كم أعقبوا حصن المسلمين كلّ بلية، وأوقعوا بينهم الفتن والقلاقل! مما عجز عنه الكافرون المحاربون؟ ولهذا كان أهل البدع والأهواء هم أشد نكاية على الإسلام وأهله من الكفار المحاربين. قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى في "مجموع الفتاوى"(28/231): ومثل أئمة البدع من أهل المقالات المخالفة للكتاب والسنة أو العبادات المخالفة للكتاب والسنة ؛ فإن بيان حالهم وتحذير الأمة منهم واجب باتفاق المسلمين حتى قيل لأحمد بن حنبل: الرجل يصوم ويصلي ويعتكف أحب إليك أو يتكلم في أهل البدع ؟ فقال : إذا قام وصلى واعتكف فإنما هو لنفسه وإذا تكلم في أهل البدع فإنما هو للمسلمين هذا أفضل. فبين أن نفع هذا عام للمسلمين في دينهم من جنس الجهاد في سبيل الله؛ إذ تطهير سبيل الله ودينه ومنهاجه وشرعته ودفع بغي هؤلاء وعدوانهم على ذلك واجب على الكفاية باتفاق المسلمين ولولا من يقيمه الله لدفع ضرر هؤلاء لفسد الدين وكان فساده أعظم من فساد استيلاء العدو من أهل الحرب ؛ فإن هؤلاء إذا استولوا لم يفسدوا القلوب وما فيها من الدين إلا تبعا وأما أولئك فهم يفسدون القلوب ابتداء، انتهى. ولنا مثل قريب توافق أحداثه ما يحصل عندنا اليوم في بلاد الحرمين! فبعدما فرض الاستدمار الإنجليزي سطوته على الديار المصرية لم يستطع الإنكليز تغيير مبادئ أهل مصر، ولا زعزعة ثوابتهم الدينية! حتى جاءوا بلسان الدين تحت عباءة الوعظ والإرشاد بلسان: رفاعة الطهطاوي (1216هـ - 1290هـ ) فبث في أهل مصر ثلاث مؤلفات وهي: "تلخيص الإبريز في تلخيص باريز" و" مناهج الألباب المصرية في مباهج الآداب العصرية" و"المرشد الأمين للبنات والبنين"، ففتن بها من لم يرد الله به خيراً، وطار بها فرحاً العلمانيون أدعياء التحرر! فدعا في تلك المؤلفات إلى أن الاختلاط لا يمكن أن يكون سبباً في الفساد، وحث على إقامة المسارح، وجوّز مراقصة الرجال للنساء. فيقول في مراقصة النساء في فرنسا: (ويتعلق في فرنسا كل الناس .. فلذالك كان دائماً غير خارج عن قوانين الحياء، بخلاف الرقص في أرض مصر، فإنه من خصوصيات النساء ، لأنه لتهييج الشهوات ، وأمّا في باريس فإنه نمطٌ مخصوص لا يشم منه رائحة العهر أبداً! وكل إنسان يعزم امرأة يرقص معها ، فإذا فرغ الرقص عزمها آخر للرقصة الثانية ، وهكذا وسواء كان يعرفها أو لا!)(1) . ثم جاءت نازلي فاضل في صالونها -وهو ميدان أدبي يحاكيه اليوم بعض الصحف والأندية الأدبية والجلسات الأسبوعية وخبايا الاستراحات - فاستضافت عددا من أدعياء التدين كمحمد عبده واللَّقاني ومحمد بيرم وقاسم أمين (2)، فتواطؤا على المكر والمكيدة بالمسلمات، فكتب قاسم أمين ( 1279هـ- 1326هـ) كتاباً سماه "تحرير المرأة" تناول فيه القضية الرئيسية للمرأة وهي (الحجاب) ومسائل أخرى، وتفوّه إفكاً عندما حاول أن يسقط الحجاب بساقط الكلام، وحاول أن يطوّع نصوص الوحيين لغريزة الغربيين! وسمّى الأمر بالحجاب جموداً من رجال الدين! فلقي كتابه معارضة شديدة من بعض أهل الغيرة، حتى اعتزل خوفاً من سيل الانتقادات على كتابه ذلك، حتى ناصره على الضلالة: سعد زغلول، الذي قال له: (امض في طريقك وسوف أحميك!!) وكذا ناصره شيخه: محمد عبده، زعيم المدرسة العقلانية! الذي شاركه في كتابة بعض نصوص كتابه "تحرير المرأة". حتى صارت فتنة نزع الحجاب وعمل المرأة واختلاطها بالرجال وذلك في:20 مارس - آذار عام 1919م في ميدان قصر النيل (ميدان الإسماعيلية) ولا زالت المرأة المصرية تعيش في ويلات تلك الفتنة وعواقبها، حتى عاد الكثير من النساء المصريات اليوم إلى الحجاب والقرار في البيوت بعد فساد التجربة بل الجريمة الطهطاوية العشراوية الاستدمارية! واليوم لا غرابة أن يُفتن فئام من ضعفاء القلوب بزلل مقالات أدعياء العلم والدين، كما حصل لمقال وزير العدل، وفتاوى بعض أدعياء العلم والصحوة، حتى وصل المطاف آخراً بالمحسوب على الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر فينادي بأقوى عبارة، وأخبث إشارة إلى اختلاط المرأة بالرجال مشبها وملبساً بنصوص شرعية، وعبارات علمية، كان لها بالغ الأثر، وأحدثت ضجة عارمة اجتاحت البلاد من مثله في مثل منصبه! ولكن قيض الله له من يرد مقالته، ويبطل قالته، فرد عليه جملة من الفضلاء، وكشفوا جهله وزيغه عن السبيل، وهكذا هو الواجب فلكل فرعون موسى! فالباطل لا يدلي على الحق إدلاءة كاملة، بل ينصر الله الحق، ويُزهق الباطل، (كَذَلِكَ يَضْرِبُ اللهُ الحَقَّ وَالبَاطِلَ فَأَمَّا الزَّبَدُ فَيَذْهَبُ جُفَاءً وَأَمَّا مَا يَنْفَعُ النَّاسَ فَيَمْكُثُ فِي الأَرْضِ كَذَلِكَ يَضْرِبُ اللهُ الأَمْثَالَ) (الرعد:17) وللحق قوة لا تدفعها كثرة الباطل وخطورته، قال تعالى (بَلْ نَقْذِفُ بِالحَقِّ عَلَى البَاطِلِ فَيَدْمَغُهُ فَإِذَا هُوَ زَاهِقٌ وَلَكُمُ الوَيْلُ مِمَّا تَصِفُونَ) (الأنبياء:18) . ولكن أكثر علي بعض المحبين وطلب كتابة ردٍّ مفصّل على كلام الغامدي، وذكر أن عامة الردود جاءت على وجه الاختصار، وأن الغامدي أورث شبها في قلوب بعض القاصرين، فاغتنمت فرصة حط عصا الترحال، وهدوء البال، فكتبت هذه الورقات، سائلا الله تعالى نصرة دينه، ورفعة شريعته، وعزة أوليائه، وذلة أعدائه، وحفظ بلاد المسلمين من كيد الكائدين ومكر الماكرين، والله ولي التوفيق. يتبع...... |
رد: بيان من أهل العلم من قبيلة غامد عن ما سطره المدعو : أحمد قاسم الغامدي
فصل في الوقفات مع كلام الغامدي الوقفة الأولى: من نظر إلى مبتدأ المقال وجد أنه عن فضيلة جامعة الملك عبدالله، وأهميتها في العصر الحاضر، وكانت هذه الإشادة في بضعة أسطر! ثم دخل في موضوع (الاختلاط) وكأنه أمرٌ عارض اقتضى ذكره المقام، إذ الشيء بالشيءِ يُذكر! فقال الغامدي: (بهذه المناسبة سأتطرق في حديثي هنا عن (الاختلاط).. ). فلا يُدرى عن أصل موضوعه: أهو جامعة الملك عبدالله أم لا الاختلاط؟! وعجباً لهذا الأمر العارض الذي استغرق حلقتين في صفحتين كاملتين، فكأنه الأصل، وأمر الجامعة هو الفرع، فيحق أن يقال: إنه أمرٌ قضي بليل! وأن منشأ الكلام كله إنما هو تقرير رأيه الفاسد في مسألة الاختلاط، والوصول إلى هذا المطلب تذرعاً بجامعة الملك عبدالله تجهيزاً لغطاء أمني وهمي! وفي إيراده مقاصد لا تخفى! الوقفة الثانية: مسائل الدين لا تبحث في مواطن السخافة والصحافة! إلا على وجه الرد على المخالفين لدين الله تعالى، وإلا فالعلم يجل ويصان طرحه أمام النوكى والحمقى والجهال، وفي صحيفة عرفت بتوجهها المناوئ لأبسط أبسط الأخلاق الإسلامية تحت أقلام كتابها الليبراليين المنافحين عن الليبرالية بالتصريح والتلميح. فهل تعذَّر على الغامدي أن يذكر أدلته في رسالة أو شريط كسائر مسائل الدين؟ أيبتغي العزة والشهرة بمثل هذه الصحيفة لأنها ستفرح بمقالته لموافقته لهواها؟ (أَيَبْتَغُونَ عِنْدَهُمُ العِزَّةَ فَإِنَّ العِزَّةَ للهِ جَمِيعًا) (النساء:139) حتى صدرت صورته، وعنوان خبره على الصفحة الأولى من صفحاتها كأهم خبر، وأقوى مقال!ّ سبحان الله العظيم. الوقفة الثالثة: لا أحد يجحد فضيلة العلم الطبيعي، وأهميته في ريادة الأمم، وحاجة الأمة إليه، ولكن لم تكن ريادة وسيادة الأمة الإسلامية بعلم الكيمياء ولا الفيزياء ولا الرياضيات ولا غيرها من العلوم الطبيعة بل ولا الفنون الحربية، وإنما ريادة الأمة وسيادتها بدين الله تعالى، وبه العلو والرفعة وقد قال تعالى (وَلَا تَهِنُوا وَلَا تَحْزَنُوا وَأَنْتُمُ الأَعْلَوْنَ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ) (آل عمران:139) ، فجعل شرط العلو والرفعة هو الإيمان بالله تعالى، وهذا العلو وصف دائم لأهل الإيمان على مستوى الفرد والمجتمع، وقد قال تعالى لموسى وهو على بلاط فرعون، والدولة دولة فرعون، وموسى فرد واحد، ليس معه إلا القليل من الناس، ومع ذلك قال الله تعالى له: (قُلْنَا لَا تَخَفْ إِنَّكَ أَنْتَ الأَعْلَى) (طه:68) . فلا نأسى على قصور المسلمين في علوم الطبيعة عن غيرهم، فغيرهم أوتوا ذكاء وما أوتوا ذكاء، وأعطوا فهوماً وما أعطوا علوما، وأعطوا سمعا وأبصارا وأفئدة (فَمَا أَغْنَى عَنْهُمْ سَمْعُهُمْ وَلَا أَبْصَارُهُمْ وَلَا أَفْئِدَتُهُمْ مِنْ شَيْءٍ إِذْ كَانُوا يَجْحَدُونَ بِآَيَاتِ اللهِ وَحَاقَ بِهِمْ مَا كَانُوا بِهِ يَسْتَهْزِئُونَ) (الأحقاف:26) . فهذه العلوم لا رفعة ولا عزة بها بذاتها، بل هي دليل على وبال من لا يؤمن بالله وسوء حاله كما قال تعالى (يَعْلَمُونَ ظَاهِرًا مِنَ الحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ عَنِ الآَخِرَةِ هُمْ غَافِلُونَ) (الرُّوم:7). وإنما الأسى كلّ الأسى -يا فضيلة الدكتور- عندما يتخلف المسلمون عن ركب الموحدين، وجيش المجاهدين، والتمسك بالدين، ويتجهون إلى التنكب عن سبيل المؤمنين، والتشكيك في ثوابت سنة سيد المرسلين. إنما الأسى كلّ الأسى؛ عندما نتراجع إلى الوراء، ونحكم الشرع إلى أهواء البشر، بدل أن نأطرُ أهواء البشر تحت شرع الله وأمره. إنما الأسى كلّ الأسى؛ عندما تزعزع الثوابت بلسان النوابت، ويُعرف ما كان منكرا، ويُنكر ما كان معروفاً. إنما الأسى كلّ الأسى؛ عندما نرى شباب المسلمين يتهافتون إلى تعظيم الغرب، والاغترار بحضارتهم الزائفة، وقد كانوا على هدى وصراط مستقيم. وإنما الأسى كلّ الأسى؛ عندما يركن البعض للكفار يريدون منهم العزة، فأذاقهم الله (ضِعْفَ الحَيَاةِ وَضِعْفَ المَمَاتِ) (الإسراء:75) ولم يجدوا لهم على الله نصيراً. هذا الذي يجب أن يحرك مشاعر الصادق في إسلامه، وهذا المجد الذي تحنُّ إليه قلوب الموحدين الصادقين المجددين. فعزة الدين، والسعي إلى تعزيزه، هو بساط المجد الذي من جلس عليه رفع الله ذكره، وأخلده بين العالمين. فلم تذكر الأمة اليوم مسلماً كيميائيا ولا فيزيائيا ولا حسّابا كما ذكرت زهد الحسن البصري وأويس القرني، وعلم أبي حنيفة ومالك والشافعي وأحمد، وإمامة ابن تيمية وابن القيم. فهذا هو المجد الذي تتطلع قلوب الموحدين إلى تجديده، والإكثار فتح الجامعات ودور العلم لإحيائه ونشره بين المسلمين. فإن تمّ لنا تمسكنا بدين الله تعالى، وتعظيم شرعه، والاقتداء بسنة النبي صلى الله عليه وسلم فنحن بحاجة إلى مثل جامعة الملك عبدالله في تقرير العلوم الطبيعية وتحقيق الاكتفاء الذاتي في هذا الباب. وأما قول الغامدي: (هنا نقف مع من ضاق بهم الأفق فأخرجوا من إرثنا الإسلامي هذه العلوم المادية فنقول: إن ذلك إرث أسسه علماء هذه الأمة آخذين بسنن الله الكونية التي جعلها الله تعالى موصلة لأسرار حكمته في الكون وسلما لعمارة الأرض وخدمة البشرية والدين) فلا يُدرى من يعني بهؤلاء! غير أنه لا يُعرف أحدٌ يُعتد بقوله أخرج الاهتمام بهذه العلوم من الشريعة الإسلامية، واهتمام (بعض) علماء المسلمين بها. وقلت (البعض) لأن الأمر بها (كفائي) إذا قام به من يكفي سقط عن الباقين، ولذلك فالقائمون بمهمة هذه العلوم الطبيعية قلة بالنسبة لعلوم الشريعة، فلا وكس ولا شطط، ولا إفراط ولا تفريط، فلا تهمل هذه العلوم، ولا يبالغ في التوجه إليها مقابل التفريط في دين الله تعالى، وتعظيم حرماته. وأما قول الله تعالى: (يَرْفَعِ اللهُ الَّذِينَ آَمَنُوا مِنْكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا العِلْمَ دَرَجَاتٍ وَاللهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ) (المجادلة:11) وقد استدل به الغامدي على رفعة من تعلم العلوم الطبيعة، فإن هذا لا يدل على ذلك، مع شرف العلم في الجملة على الجهل، وإنما يدل على أن الرفعة موكولة بالإيمان بالله تعالى، فلولاه لم تكن لعلوم الدنيا بأسرها فضيلة ولا مزية على الجهل. ومثله قول الله تعالى: (قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ إِنَّمَا يَتَذَكَّرُ أُولُو الأَلْبَابِ) (الزُّمر:9) ، فقد جاء تفسير الذين يعلمون في أول الآية فقال تعالى: (أَمْ مَنْ هُوَ قَانِتٌ آَنَاءَ اللَّيْلِ سَاجِدًا وَقَائِمًا يَحْذَرُ الآَخِرَةَ وَيَرْجُو رَحْمَةَ رَبِّهِ قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ إِنَّمَا يَتَذَكَّرُ أُولُو الأَلْبَابِ) (الزُّمر:9). فالعالم صدقاً وعدلاً هو القائم القانت الساجد الخائف من عذاب الآخرة، وما زاد على ذلك فهو من حلية الحياة الدنيا. الوقفة الرابعة: زعم الغامدي أن الاختلاط لفظ محدث! والحق أن الاختلاط لفظ معهود، والقول بجوازه هو القول المحدث، وإحداث الأحكام أقبح من إحداث الألفاظ، روى الخلال في كتاب السنة عن التابعي الجليل الحسن البصري أنه قال: (إن اجتماع الرجال والنساء لبدعة)(3). فالقول بالاختلاط هو البدعة في دين الله تعالى، بل في حياة البشرية! وقواعد الفطرة الإلهية، وقد جبل الخلق على التفريق بين مجالس النساء وحديثهن عن مجالس الرجال وحديثهم، والله تعالى يحكي عن صالحات نساء بني إسرائيل البعد عن مواطن تزاحم الرجال، فقال تعالى عن موسى عليه السلام: (وَلَمَّا وَرَدَ مَاءَ مَدْيَنَ وَجَدَ عَلَيْهِ أُمَّةً مِنَ النَّاسِ يَسْقُونَ وَوَجَدَ مِنْ دُونِهِمُ امْرَأتَيْنِ تَذُودَانِ قَالَ مَا خَطْبُكُمَا قَالَتَا لَا نَسْقِي حَتَّى يُصْدِرَ الرِّعَاءُ وَأَبُونَا شَيْخٌ كَبِيرٌ) (القصص:23) . ويقول تعالى (وَإِذَا سَأَلْتُمُوهُنَّ مَتَاعًا فَاسْأَلُوهُنَّ مِنْ وَرَاءِ حِجَابٍ ذَلِكُمْ أَطْهَرُ لِقُلُوبِكُمْ وَقُلُوبِهِنَّ) (الأحزاب:53) ، وبغية طهارة القلب فيمن هنّ أدنى من أمهات المؤمنين من سائر المسلمات أولى وأولى. فلم تكن المرأة تزاحم الرجل في ميدان عمله، ولا تدخل في معترك أكتاف الرجال، وإنما هي في معزل عن الرجال كما سيأتي بيانه بإذن الله. وأما لفظ (الاختلاط) فليس كما ذكر الغامدي أنه لم يرد في النصوص الشرعية، بل هو وارد كما روى البخاري وغيره عن ابن جريج أخبرنا قال: أخبرني عطاء إذ منع ابن هشام النساء الطواف مع الرجال، قال: كيف يمنعهن وقد طاف نساء النبي صلى الله عليه وسلم مع الرجال، قلت: أبعد الحجاب أو قبل؟ قال: إي لعمري لقد أدركته بعد الحجاب، قلت: كيف يخالطن الرجال، قال: لم يكن يخالطن، كانت عائشة رضي الله عنها تطوف حُجرة من الرجال، لا تخالطهم، فقالت امرأة: انطلقي نستلم يا أم المؤمنين، قالت: انطلقي عنك، وأبت، يخرجن متنكرات بالليل فيطفن مع الرجال، ولكنهن كن إذا دخلن البيت قمن حتى يدخلن وأخرج الرجال، الحديث. وروى أبو داود في "سننه" عن أبي أسيد -مالك بن ربيعة - رضي الله عنه: أنه سمعَ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم يقول وهو خارج من المسجد، وقد اختلط الرجال مع النِّساءِ في الطريق: (استَأْخِرْنَ ، فليس لَكُنَّ أن تَحقُقْنَ الطَّرِيق ، عَليكُنَّ بحافَّاتِ الطَّريق) فكانت المرأة تَلصَقُ بالجدار، حتى إِنَّ ثَوبَها ليتعلقُ بالجدارِ مِن لُصُوقِها بهِ. وهذا الحديثان ونحوهما يقضيان بثبوت هذا اللفظ، وأنه ليس دخيلاً على الفقه الإسلامي، وأن اشتقاقه كاشتقاق غيره من الألفاظ الفقهية، وقد أوردهما الغامدي في أدلة المخالفين له! ومرّ على ذلك مروراً سريعاً، وكأنه غفل أو تغافل! والمراد بالاختلاط اجتماع الرجال والنساء في مكان واحد على وجه تحصل به الفتنة، وتتحرك به الشهوة. والشهوة تتحرك بدوام النظر، وتلاقي الأبدان، وطول المجالسة، ونحو ذلك. والإذن باختلاط الرجال بالنساء من(المِذَاء)، وضده الغيرة، وقد جاء في الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (الغيرة من الإيمان، والِمذاء(4) من النفاق) رواه البزار والبيهقي وغيرهما بإسناد فيه ضعف، وقد حسَّنه المناوي وغيره. ونقل البيهقي في "شعب الإيمان" بعد إيراده لهذا الحديث عن الحليمي قوله في تفسيره: المذاء؛ أن يجمع الرجال و النساء ثم يخليهم يماذي بعضهم بعضا، وأخذ من المذي و قيل: هو إرسال الرجال مع النساء من قولهم مذيت فرس إذا أرسلتها ترعى(5). فجعل لفظ (الاختلاط) مصطلحاً منصرفا إلى اجتماع النساء بالرجال على الصورة المذكورة يوافق نصوص الشريعة ومقاصدها، والمخالفة لهذا من (المغالطة ممن لم يميز أو ممن أراد التلبيس) فالملبس هو من خالف الأصل بغير دليل شرعي، والأصل الشرعي الفصل بين الجنسين. وقول الغامدي: (لذلك لما ذكرت بعض الموسوعات الفقهية المعاصرة الاختلاط في قاموس ألفاظها، لم تستطع أن تشير إلى أن من معانيه اختلاط النساء بالرجال، بل ذهبت إلى معان أخرى: في الزكاة، والحيوان، والسوائل، وألمحت إلى معناه في مصطلح الحديث) قول لا قيمة له عند التحقيق، منقوض بما تقدم، وهذا العيني الحنفي يقول في كتابه "عمدة القارئ" عند شرحه لقول البخاري رحمه الله تعالى: (باب طواف النساء مع الرجال) فقال العيني: أي هذا باب في بيان حكم طواف النساء مع الرجال هل يختلطن بالرجال أو يطفن معهم على حدة من غير اختلاط بهم أو ينفردن، انتهى. وفي "حاشية ابن عابدين"(2/233) في فقه الحنفية، في ذكر ما يكره في المقابر: والكراهة فيها من وجوه عدم اللحد ودفن الجماعة في قبر واحد بلا ضرورة واختلاط الرجال بالنساء بلا حاجز وتجصيصها والبناء عليها، انتهى. قلت: وتأمل أن منع الاختلاط بين الجنسين حتى بعد الموت، تعظيما لجناب كلّ جنس. وقال الشاطبي المالكي في "الاعتصام" (1 / 397) : ومثله إيقاد الشمع بعرفة ليلة الثامن، ذكر النووي أنها من البدع القبيحة ، وأنها ضلالة فاحشة جمع فيها أنواع من القبائح . منها إضاعة المال في غير وجهه ، ومنها إظهار شعائر المجوس ، ومنها اختلاط الرجال والنساء والشمع بينهم ووجوههم بارزة ، ومنها تقديم دخول عرفة قبل وقتها المشروع، انتهى. وهذا ابن أبي شامة الشافعي في كتابه "الباعث على إنكار البدع والحوادث"(ص34) عن بدعة الاحتفال بليلة النصف من شعبان: ويجري فيه الفسوق والعصيان واختلاط الرجال بالنساء، انتهى. وقال(ص39) في إنكاره لاجتماع الرجال والنساء ليلة ختم القرآن: وأما إن كان على الوجه الذي يجري في هذا الزمان من اختلاط الرجال والنساء ومضامة أجسامهم ومزاحمة في قلبه مرض من أهل الريب ومعانقة بعضهم لبعض كما حُكي لنا أن رجلا وجد يطأ امرأة وهم وقوف في زحام الناس قال وحكت لنا امرأة أن رجلا واقعها فما حال بينهما إلا الثياب وأمثال ذلك من الفسق واللغط فهذا فسق فيفسق الذي يكون سببا لاجتماعهم، انتهى. وقال(ص94) في الكلام عن بعض البدع التي تحدث على جبل عرفات من بعض الحجاج: منها إيقاد النيران عليه ليلة عرفة واهتمامهم لذلك باستصحاب الشمع له من بلادهم واختلاط الرجال بالنساء في ذلك صعودا وهبوطا بالشموع المشتعلة الكثيرة وقد تزاحم المرأة الجميلة بيدها الشمع الموقد كاشفة عن وجهها وهي ضلالة شابهوا فيها أهل الشرك في مثل ذلك الموقف الجليل وإنما أحدثوا ذلك من قريب حين انقرض أكابر العلماء العاملين الآمرين بالمعروف والناهين عن المنكر وحين تركوا سنة رسول الله، انتهى. ومثل ما قال العيني سابقاً قال الحافظ ابن حجر الشافعي في "فتح الباري"(3/480): أي هل يختلطن بهم أو يطفن معهم على حدة بغير اختلاط أو ينفردن، انتهى. وقال الماوردي في "الحاوي"(2 / 148) في فقه الشافعية: وإن كان معه رجال ونساء، الإمام في الصلاة ثبت قليلا لينصرف النساء ، فإن انصرفن وثب لئلا يختلط الرجال بالنساء، انتهى. وقال البجيرمي في "حاشيته على الخطيب في حل ألفاظ أبي شجاع" في فقه الشافعية في كلامه عن الحالات التي يباح فيها عدم الإجابة لوليمة العرس: المرأة إذا خافت من حضورها ريبة أو تهمة أو قالة لا تجب عليها الإجابة وإن أذن الزوج وأولى ، خصوصا في هذا الزمان الذي كثر فيه اختلاط الأجانب من الرجال والنساء في مثل ذلك من غير مبالاة بكشف ما هو عورة كما هو معلوم مشاهد، انتهى. وفي "حاشية الشرواني مغني المحتاج على منهاج النووي " (1/497) في فقه الشافعية في الكلام عن الاجتماع يوم عرفة لغير الحاج، عند قول المصنف (ومن جعله بدعة لم يلحقه بفاحش البدع بل يخفف أمره) : أي إذا خلا من اختلاط الرجال بالنساء وإلا فهو من أفحشها، انتهى. وفي "الإقناع" (1/330) في فقه الحنابلة في حقوق المسجد: ويمنع فيه اختلاط الرجال والنساء. وفي "المغني" (1/632) لأبي محمد ابن قدامة الحنبلي في ذكر استحباب تأخر الإمام والمأموم في الانصراف من الصلاة، قال: ولأن الإخلال بذلك من أحدهما يفضي إلى اختلاط الرجال بالنساء، انتهى. وقال شيخ الإسلام ابن تيمية في "الاستقامة"(1 / 361): وهذا كله لأن اختلاط أحد الصنفين بالآخر سبب الفتنة فالرجال إذا اختلطوا بالنساء كان بمنزلة اختلاط النار والحطب، انتهى. وقال الإمام ابن قيم الجوزية الحنبلي في "الطرق الحكمية"(ص407): ولا ريب أن تمكين النساء من اختلاطهن بالرجال : أصل كل بلية وشر ، وهو من أعظم أسباب نزول العقوبات العامة ، كما أنه من أسباب فساد أمور العامة والخاصة ، واختلاط الرجال بالنساء سبب لكثرة الفواحش والزنا ، وهو من أسباب الموت العام ، والطواعين المتصلة . إلى أن قال: فمن أعظم أسباب الموت العام كثرة الزنا بسبب تمكين النساء من اختلاطهن بالرجال والمشي بينهم متبرجات متجملات ولو علم أولياء الأمر ما في ذلك من فساد الدنيا والرعية قبل الدين لكانوا أشد شيء منعا لذلك، انتهى. وذكر البصروي في "تاريخه" (ص 176) في أحداث عام 901هـ بشأن مسجد فتن به بعض الناس، وأفتى بعض العلماء بهدمه، فكان مما قال: ثم حضر إلى ابن خطيب المعضمية والشيخ محمد البصير إمام جامع منجك وذكر ما في هذا المكان بالبقاع من المفاسد واختلاط الرجال بالنساء في مكان ضيق بهم مسفرات عن وجوههن وقبائح أخرى كثيرة فلا قوة إلا بالله تعالى، انتهى. فهذه بعض النقول من كتب بعض علماء المذاهب الأربعة نصوا فيها على (الاختلاط) ومرادهم (بين الرجال والنساء) فدلّ على أنه مصطلح فقهي وارد، تناقله العلماء جيلاً بعد جيل، فكيف يزعم الغامدي أنه محدث مخترع، وأنه خارج عن قواميس الفقهاء قديماً وحديثاً؟! وأن (الاختلاط بهذا المعنى المعاصر مصطلح طارئ غير معروف بذلك المعنى عند المتقدمين في مباحث الفقه). وتأمل كيف يجزم بأن (الموسوعات الفقهية المعاصرة) لم تذكر هذا المعنى في كلمة (الاختلاط) بينما أقرب وأشهر الموسوعات "الموسوعة الكويتية" ذكرت هذا في بحث مفصل في حرف (الخاء) عند مادة (اختلاط) فليراجع (2/290). فأين الأمانة العلمية يا دكتور؟! الوقفة الخامسة: قال الغامدي فيما يرى أنه من المبالغة في المنع من الاختلاط: (ومثل ذلك لو بالغ الناس في التحذير من جلوس النساء والرجال ولو كان لمصلحة أو عادة، ولا خلوة ولا ريبة فيه). فلم يقتصر على إباحة الاختلاط لـ(الحاجة والضرورة!) بل اتسعت الدائرة عنده إلى أن وصل الاختلاط مباحٌ لتحقيق (المصلحة!) والمصالح أوسع من الضروريات، بل زاد الأمر إلى توسيع الدائرة إلى (العادة). و(الضرورات) و(المصالح) و(العادات) لا ينظر فيها إلا إذا كان الأصل خلاف ذلك، فيكون الأصل عند الغامدي هو المنع! ومع ذلك فقد زعم أن الأصل هو الاختلاط، فقال: (ولذلك كان الخلط في حكمه أكثر جناية حين قال بتحريمه قلة لم يعتبروا بالبراءة الأصلية في إباحته، ولم يتأملوا أدلة جوازه، ولم يقتفوا هدي المجتمع النبوي فيه). والبراءة الأصلية إنما هي بما يوافق الشرع لا بما يخالفه، والأصل في الشرع المفارقة بين الجنسين، والتحذير من كلّ ما يسبب الفتنة بينهما، فلا يُخرج عنه إلا بدليل شرعي، أو ما يسوغه الأصل الشرعي. أما (العادة) فلا يجوز أن تُخالف بها النصوص والأصول الشرعية، بل مخالفة الأصول والنصوص الشرعية بـ(العادة) من جنس دين المشركين الذين حكى الله قولهم: (إِنَّا وَجَدْنَا آَبَاءَنَا عَلَى أُمَّةٍ وَإِنَّا عَلَى آَثَارِهِمْ مُقْتَدُونَ) (الزُّخرف:23) . أما الضرورة والمصلحة، فلو وجدت فإنها تبيح الخروج عن الأصل للأفراد في القضايا العينية لا أن يعمم حكمها للمضطر وغير المضطر، بله أن يقال بأنها الأصل في حال الجنسين! الوقفة السادسة: قال الغامدي في جناية من جناياته: (قال بتحريمه قلة لم يعتبروا بالبراءة الأصلية في إباحته، ولم يتأملوا أدلة جوازه، ولم يقتفوا هدي المجتمع النبوي فيه). قلت: أهل العلم قاطبة على المنع من الاختلاط، والبراءة الأصلية هي الحظر من اجتماع الجنسين، والله تعالى يقول: (وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ وَلَا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الجَاهِلِيَّةِ الأُولَى) (الأحزاب:33) . وما ظنّ الغامدي فيما أورد من أدلة أنها تدل على الجواز كلها بعيدة كلّ البعد عن الدلالة على المطلوب كما سيأتي، وهدي المجتمع النبوي قضى بـ: الفصل بين الرجال والنساء في الصلاة، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: (خيرُ صفوفِ الرِّجالِ أوَّلُها ، وشرُّها آخِرُها ، وخيرُ صفُوفِ النِّساءِ آخِرُها ، وشَرُّها أوَّلُها) أخرجه مسلم وأبو داود والترمذي والنسائي. وفي صحيح ابن خزيمة عن عبدالله بن مسعود رضي الله عنه أنه كان إذا رأى النساء قال : (أخروهن حيث جعلهن الله). بل فصل النبي بين الرجال والنساء في الدخول في المسجد كما روى الإمام أبو داود في باب اعتزال النساء في المساجد عن الرجال من حديث ابن عمر رضي الله عنها قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (لو تركنا هذا الباب للنساء). وفضل النبي صلى الله عليه وسلم صلاتها في بيتها عن الصلاة في المسجد: (صلاةُ المرأةِ في بيتها أفضلُ من صلاتها في حُجرتها، وصلاتُها في مَخْدَعِها أفضل من صلاتها في بيتها) أخرجه أبو داود. والفصل بينهن في الجهاد، كما روى الإمام أحمد من حديث عمران بن حصين رضي الله عنهما: أن النبي صلى الله عليه وسلم صف الرجال، ثم صف النساء من وراء الرجال. والفصل بين الرجال في الطواف كما ثبت في الصحيح عن ابن جريج أخبرنا قال: أخبرني عطاء إذ منع ابن هشام النساء الطواف مع الرجال، قال: كيف يمنعهن وقد طاف نساء النبي صلى الله عليه وسلم مع الرجال، قلت: أبعد الحجاب أو قبل؟ قال: إي لعمري لقد أدركته بعد الحجاب، قلت: كيف يخالطن الرجال، قال: لم يكن يخالطن، كانت عائشة رضي الله عنها تطوف حُجرة من الرجال، لا تخالطهم، فقالت امرأة: انطلقي نستلم يا أم المؤمنين، قالت: انطلقي عنك، وأبت، يخرجن متنكرات بالليل فيطفن مع الرجال، ولكنهن كن إذا دخلن البيت قمن حتى يدخلن وأخرج الرجال، الحديث. وروى الفاكهي وغيره عن إبراهيم قال: نهى عمر رضي الله عنه أن يطوف الرجال مع النساء ، قال : فرأى رجلا معهن فضربه بالدرة. وفصل بين الجنسين في الطرقات، فعن ابن عمر رضي الله عنهما قال : (نهى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أن يمشيَ الرَّجُلُ بين المرأتين) أخرجه أبو داود والحاكم وصححه، وفي إسناد ضعف. وتقدم حديث الأمر بسيرهن على جنبات الطريق، وقوله صلى الله عليه وسلم: (استَأْخِرْنَ، فليس لَكُنَّ أن تَحقُقْنَ الطَّرِيق ، عَليكُنَّ بحافَّاتِ الطَّريق). وحذر من الدخول على النساء فقال صلى الله عليه وسلم: (إياكم والدخول على النساء) متفق عليه(6). وأخبر النبي صلى الله عليها وسلم أن المرأة إذا خرجت كانت محط نظر الشيطان، وجلب الأنظار إليها فتنة بها، فقال صلى الله عليه وسلم: (إن المرأة عورة، فإذا خرجت استشرفها الشيطان) رواه الإمام الترمذي وابن خزيمة من حديث ابن مسعود رضي الله عنه. وعن ابن مسعود رضي الله عنه قال: (احبسوا النساء في البيوت، فإن النساء عورة، وإن المرأة إذا خرجت من بيتها استشرفها الشيطان، وقال لها: انك لا تمرين بأحد إلا أعجب بك)، أخرجه ابن أبي شيبة. وروى ابن أبي حاتم عن أم نائلة رضي الله عنها قالت: جاء أبو برزة فلم يجد أم ولده في البيت، وقالوا: ذهبت إلى المسجد، فلما جاءت صاح بها فقال: (إن الله نهى النساء أن يخرجن، وأمرهن يقرن في بيوتهن، ولا يتبعن جنازة، ولا يأتين مسجداً، ولا يشهدن جمعة). كلّ هذه النصوص وأشباهها تدل على صورة الهدي المجتمع النبوي في معايشة الرجال للنساء، وأن الأصل الفصل بين الجنسين حسماً لمادة الشر، ودرءً للفتنة. قال شيخ الإسلام ابن تيمية في "الاستقامة"(1/359-361) : وقد كان من سنة النبي صلى الله عليه وسلم وسنة خلفائه التمييز بين الرجال والنساء والمتأهلين والعزاب فكان المندوب في الصلاة أن يكون الرجال في مقدم المسجد والنساء في مؤخره، وقال النبي صلى الله عليه وسلم: (خير صفوف الرجال أولها وشرها آخرها وخير صفوف النساء آخرها، وشرها أولها) وقال: (يا معشر النساء لا ترفعن رؤوسكن حتى يرفع الرجال رؤوسهم) من ضيق الأزر، وكان إذا سلم لبث هنيهة هو والرجال لينصرف النساء أولا، لئلا يختلط الرجال والنساء، وكذلك يوم العيد كان النساء يصلين في ناحية، فكان إذا قضى الصلاة خطب الرجال ثم ذهب فخطب النساء فوعظهن وحثهن على الصدقة، كما ثبت ذلك في الصحيح، وقد كان عمر بن الخطاب -وبعضهم يرفعه إلى النبي صلى الله عليه وسلم- قد قال عن أحد أبواب المسجد -أظنه الباب الشرقي-: (لو تركنا هذا الباب للنساء) فما دخله عبد الله بن عمر حتى مات، وفي "السنن" عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال للنساء: (لا تحققن الطريق وامشين في حافته) أي لا تمشين في حق الطريق -وهو وسطه-، وقال على عليه السلام: (ما يغار أحدكم أن يزاحم امرأته العلوج بمنكبها) يعني في السوق، وكذلك لما قدم المهاجرون المدينة كان العزاب ينزلون دارا معروفة لهم متميزة عن دور المتأهلين، فلا ينزل العزب بين المتأهلين، وهذا كله لأن اختلاط أحد المصنفين بالآخر سبب الفتنة فالرجال إذا اختلطوا بالنساء كان بمنزلة اختلاط النار والحطب، انتهى المقصود. الوقفة السابعة: قال الغامدي: (والحق أنه لم يكن الاختلاط من منهيات التشريع مطلقا بل كان واقعا في حياة الصحابة، ولقد استمر ذلك الحال على مر العصور حتى طرأ على ذلك الأصل ما غيره من العادات والتقاليد). قلت: (كَبُرَتْ كَلِمَةً تَخْرُجُ مِنْ أَفْوَاهِهِمْ إِنْ يَقُولُونَ إِلَّا كَذِبًا) (الكهف:5) وأين تذهب النصوص الشرعية المتقدم ذكرها؟ وفهم علماء الأمة لها؟ وتأمل يا طالب الحق فاسد استدلاله! وكيف يستدل بما تعاقب عليه الناس على مر العصور! مع أن عمل سائر أهل العصور على مر الدهور كان على الفصل بين الجنسين، وأن الاختلاط بلية حادثة. بل أول ما دخل النقص على الأمم السابقة كان به وبغيره، قال ابن القيم رحمه الله تعالى في "الطرق الحكمية" (ص409): ولما اختلط البغايا بعسكر موسى وفشت فيهم الفاحشة أرسل الله عليهم الطاعون فمات في يوم واحد سبعون ألفا والقصة مشهورة في كتب التفاسير، انتهى. ثم تأمل كيف أوحى كلام الغامدي إلى أن (منع الاختلاط) لا يجاوز أن يكون عادة وتقليداً لمن مضى! ويرى أن هذه العادة والتقليد غيرت الأصل المزعوم! سوى ما له ارتباط بشرع الله كالطواف والسعي والصلاة لتعذر التغيير في ذلك، فقال: (حتى طرأ على ذلك الأصل ما غيره من العادات والتقاليد، وبقي منه ما لا يمكن أن تمحوه تلك العادات والتقاليد، فظل كما هو؛ لأنه ارتبط بما شرع الله امتثاله من الطاعات على النساء والرجال كالطواف والسعي والصلاة فهم يؤدونها في مكان واحد). بل زعم أنه لا يوجد عالم من علماء المسلمين منع من (الاختلاط) وهذا زيف وكذب وزور، وينقضه كثير، ويكفينا صراحة ودلالة ما تقدم في شأن الطواف ما رواه البخاري عن ابن جريج أخبرنا قال: أخبرني عطاء إذ منع ابن هشام النساء الطواف مع الرجال، قال: كيف يمنعهن وقد طاف نساء النبي صلى الله عليه وسلم مع الرجال، قلت: أبعد الحجاب أو قبل؟ قال: إي لعمري لقد أدركته بعد الحجاب، قلت: كيف يخالطن الرجال، قال: لم يكن يخالطن، كانت عائشة رضي الله عنها تطوف حُجرة من الرجال، لا تخالطهم، فقالت امرأة: انطلقي نستلم يا أم المؤمنين، قالت: انطلقي عنك، وأبت، يخرجن متنكرات بالليل فيطفن مع الرجال، ولكنهن كن إذا دخلن البيت قمن حتى يدخلن وأخرج الرجال، الحديث. وتقدمت عدة أخبار في الفصل بين الجنسين في الصلاة في دخولهن، وفي صفوفهن، وفي انصرافهن، وكذلك جاءت الأخبار بالفصل بينهن وبين الرجال في جلوسهن في مصلى العيد وغير، بل جاء تفضيل صلاتها في بيتها على الصلاة في المسجد صيانة لها. وليكن هذا الاختلاط باقياً في هذه الحالات الثلاث لضرورة الحال، ولزوم المقام، فهل لدى الغامدي دليل واحدٌ على تزاحم و(اختلاط) جماعات الرجال بجموع (النساء) في غير الشعائر المقدسة؟! الوقفة الثامنة: ومن فاسد استدلال الغامدي قوله: (وهكذا الحال في كثير من شؤون حياتنا اليومية، وفي واقع بيوت الكثير من المسلمين -ومنهم المانعون للاختلاط- تجدها مليئة بالخدم من النساء يقدمن الخدمة فيها وهي مليئة بالرجال الأجانب عنهن، وفي مظهر قد يكون من أشد مظاهر الاختلاط في حياتنا اليومية لا يمكن إنكاره). وليتأمل الناقد العاقل سخف هذا الدليل، وأي دلالة فيه على المطلوب، كيف وأصل الدليل غير موافق للواقع، والقول به تحكم لا دليل عليه، فمن قال له بأن الخادمات يختلطن مع أصحاب البيوت؟ فكما ينزل على النساء ضيوف، فهي ضيفة مقيمة على نساء البيت، ولا يجوز بحال تبرجها وسفورها واختلاطها بصاحب المنزل، ولا بسائر الرجال، ومن فعل شيئاً من ذلك فلا شك أن المظنون به الاعتراف بالخطأ والتقصير، لا أن يجعله أمراً مباحاً يبيحه لنفسه ولغيره. الوقفة التاسعة: زعم الغامدي في فحوى كلامه أن منع الاختلاط بين الرجال والنساء إنما هو من فرط الغيرة، وأن هذا لا يجوز، فقال: (ويجب على كل مسلم منصف عاقل لزوم أحكام الشرع دون زيادة أو نقص، فلا يجعل من حماسته وغيرته مبررا للتعقب على أحكام الشرع، وقد أنكر النبي صلى الله عليه وسلم ذلك على سعد بن عبادة رضي الله عنه حين قال: (والله لأضربنه بالسيف غير مصفح)...). قلت: وهذا قلب للحقائق، واستدلال بالدليل في غير محله، فالنبي صلى الله عليه وسلم قَبِل غيرة سعد ولم ينكرها، وإنما عرّض بعدم الموافقة على القتل، وهذا مخالف للنص الدال على إقامة الشهداء على ذلك، ولكن هل أقر أصل الفعل المنكر من فعل الفاحشة؟ والمبالغة في العقوبة بما يخالف النص لا تقاس بالمبالغة في التحرز من الفتنة ولو لم يرد فيها النص، كيف والنص قد ورد؟! فالأولى مذمومة، والثانية محمودة، حيث حث الشرع عليها، وذم الدياثة، والرضى بالمنكر، وقد ثبتت العديد من الأخبار عن أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم في غيرتهم على النساء، وحسم مادة الفتنة. الوقفة العاشرة: ذكر الغامدي أدلته على إباحة الاختلاط! مصدراً ذلك بقاعدة كلية كاذبة خاطئة! يزعم فيها بطلان كل دليل يمنع من الاختلاط! فقال: (وليس مع المانعين دليل إلا ضعيف الإسناد، أو صحيح دلالته عليهم لا لهم) وهذا كلام مزيف مرفوض منقوض بما تقدم من أدلة وغيرها الكثير والكثير، بل قاعدته منه بدأت وإليه تعود، فهو المعنيُّ بها حتما لا محالة، كما سيتحقق ذلك قريباً، وقبل البدء في مناقشة ما أورده من أدلة أصدّر تمهيداً وطرفة! أما التمهيد: فالغامدي عمد إلى نصوصٍ في قضايا فردية حصلت من التقاء أحد الجنسين بالآخر، فجعله حكماً عاماً، وهذا فساد في الاستدلال، فليس الكلام عن لقاء رجل بامرأة، أو سيره في طريق وهي تسير فيه، وإنما الكلام في حث جموع الرجال والنساء على ذلك، والتزاحم في قاعات الدراسة والعمل والأسواق بهذه الحجج الممجوجة. فالغامدي نظر إلى اجتماع الرجل بالمرأة في غير خبر، فجعل ذلك أصلاً شرعياً يعمم على جنس الرجال وجنس النساء؟ وهذا ذكرني بطرفة تاريخية! وهي: (طـرفة) جاء في "أخبار القضاة" لأبي بكر البغدادي المعروف بوكيع (1/394) و"تاريخ ابن عساكر" (10/22) عن المستنير بْن أخضر، عَن إياس بْن معاوية؛ قال: إسماعيل، عَن عمه إياس؛ قال: شهدت دهقاناً أتاه، فقال: يا أبا واثلة ما تقول في المسكر؟ قال: حرام؛ قال: وما حرمه؟ وإنما هو تمر، وماء، وكشوت؛ قال: فرغت يا دهقان؟ قال: نعم؛ قال: أرأيت لو أخذت كفاً من ماء فضربتك به، كان يوجعك؟ قال: لا قال: أفرأيت لو أخذت كفاً من تراب فضربتك به، أكان يوجعك؟ قال: لا؛ قال: فأخذت كف تبن فضربتك به، أكان يوجعك؟ قال: لا؛ قال: فأخذت التراب، ثم طرحت عليه التبن، وصببت عليه الماء، ثم كمزته كمزاً، وجعلته في الشمس، ثم ضربتك به، أكان يوجعك؟ قال: نعم، ويقتلني؛ قال: فكذاك هَذَا؛ حين جمعت أخلاطه وخمر حرم. فكذلك الغامدي جاء إلى (مفترق) نصوص تدل على الإباحة (فجمعها) فأطلق القول بالإباحة المطلقة العامة في اجتماع الرجال بالنساء! كهذا الدهقان الذي جاء إلى (مفترق) النصوص الدالة على إباحة أجزاء الخمر! (فجمعها) فاستخرج بها إباحة الخمر! فتأمل! وبعد هذا أورد أدلة الغامدي دليلاً دليلاً، وأقف مع كلّ دليل بما يقتضيه ليرى طالب الحق مبلغ سوء فهمه واستدلاله. يتبع . . . |
رد: بيان من أهل العلم من قبيلة غامد عن ما سطره المدعو : أحمد قاسم الغامدي
فصل في مناقشة أدلة الغامدي على إباحة الاختلاط الدليل الأول: قال الغامدي: (عن عائشة رضي الله تعالى عنها قالت: خرجت سودة لحاجتها ليلا بعدما ضرب عليهن الحجاب، قالت: وكانت امرأة تفرع النساء، جسيمة، فوافقها عمر فأبصرها، فناداها: يا سودة إنك والله ما تخفين علينا، إذا خرجت فانظري كيف تخرجين، أو كيف تصنعين؟ فانكفت، فرجعت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، وإنه ليتعشى، فأخبرته بما قال لها عمر، وإن في يده لعرقا، فأوحى الله إليه، ثم رفع عنه، وإن العرق لفي يده، فقال: (لقد أذن لكن أن تخرجن لحاجتكن). قلت: أخرجه البخاري ومسلم، وفيه الإذن لنساء النبي صلى الله عليه وسلم بالخروج لحاجتهن وغيرهن في ذلك من باب أولى) قلت: وهذا فهم سقيم من وجوه: الوجه الأول: أن هذا دليل ينقض أصله السابق! فالأذن إنما هو من (الاستثناء) من الأصل العام وهو المنع، فصار الأصل هو المنع من الخروج والاختلاط. الوجه الثاني: أن سودة رضي الله عنها كانت تخرج ليلاً لا نهاراً طلباً في عدم معرفة الرجال لها. الوجه الثالث: أن عمر رضي الله عنها طلب من سودة أن تخفي ما تُعرف به حتى لا تعرف، فكيف بالتي تخالط الرجال ويعرفونها وتعرفهم؟! الوجه الرابع: أن سودة الطاهرة النقية رضي الله عنها ساءها معرفة الرجال لها، وتمييزهم لشخصها. الوجه الخامس: أن النبي صلى الله عليه وسلم أذن لهن في الخروج، وليس من لوازم الإذن بالخروج الإذن بـ(مخالطة) الرجال، كيف وخروج سودة وسائر النساء كان ليلاً للحاجة لا لمزيد المتعة، أو للطلب ولا لغيره. الوجه السادس وهو أقواها: أن هذه القصة كانت قبل نزول الحجاب، كما روى الإمام البخاري في "الصحيح" أن عمر رضي الله عنه كان يقول للنبي صلى الله عليه وسلم: احجب نساءك، فلم يكن رسول اللهصلى الله عليه وسلم يفعل، فخرجت سودة بنت زمعة زوج النبي صلى الله عليه و سلم ليلةمن الليالي عشاء، وكانت امرأة طويلة، فناداها عمر: ألا قد عرفناك يا سودة، حرضا على أنينزل الحجاب، فأنزل الله آية الحجاب. الدليل الثاني: قال الغامدي: (وعن سهل بن سعد قال: لما عرّس أبو أسيد الساعدي دعا النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه، فما صنع لهم طعاما ولا قربه إليهم إلا امرأته أم أسيد، بلت تمرات في تور من حجارة من الليل، فلما فرغ النبي صلى الله عليه وسلم من الطعام أماثته له فسقته تتحفه بذلك. قلت: أخرجه البخاري، وقد بوب عليه البخاري في صحيحه (باب قيام المرأة على الرجال في العرس وخدمتهم بالنفس) قال الحافظ ابن حجر: وفي الحديث جواز خدمة المرأة زوجها ومن يدعوه. قلت: ومن لوازم ذلك نظر المرأة للرجال ومخالطتهم). قلت: الجواب عن هذا من وجوه: الوجه الأول: أن صنع الطعام لا يلزم منه المخالطة، أما تقديمه فلم يخالف في مثل ذلك أحد، فليس في الخبر جلوسها معهم، وأكلها، وهذا ما ينادي به الغامدي، فلئن أبيح مثل ذلك بقيوده، فتجاوز الغامدي إلى ما هو أكبر من ذلك وأخطر لمن الغلو المفرط، الذي ذمه في أول كلامه! الوجه الثاني: أن هذا كان في بيتها، فأين هو عن الدعوة إلى الاختلاط في الجامعات والمدارس والأسواق وغيرها؟ الوجه الثالث: أن هذا جاء من امرأة لا من مجموعة نساء. الوجه الرابع: أن تقريب الطعام يتحقق بكامل الحجاب وعدم الاقتراب من الرجال، وأما السقيا فالوارد سقياها للنبي صلى الله عليه وسلم، وجاء في لفظ في غير "الصحيح": (تخصه بذلك)، والنبي صلى الله عليه وسلم له من شأن النساء ما لا يكون لغيره، لكمال دينه وفضله صلى الله عليه وسلم، حتى أبيح له رؤية وجوه نساء المؤمنين على الصحيح من كلام أهل العلم. الوجه الخامس: أن ابن حجر قيد هذا بقيد مهم لم يذكره الغامدي تلبيساً وتدليساً فقال (9/251): (وفي الحديث جواز خدمة المرأة زوجها ومن يدعوه ولا يخفى أن محل ذلك عند أمن الفتنة ومراعاة ما يجب عليها من الستر وجواز استخدام الرجل امرأته في مثل ذلك). الوجه السادس: قال الحافظ النووي في "شرح مسلم"(13/177): هذا محمول على أنه كان قبل الحجاب. ومثل ذلك قاله العيني في "عمدة القاري". الدليل الثالث: قال الغامدي: (وعن سهل بن سعد قال: كانت فينا امرأة تجعل على أربعاء في مزرعة لها سلقا، فكانت إذا كان يوم الجمعة تنزع أصول السلق فتجعله في قدر ثم تجعل عليه قبضة من شعير تطحنها، فتكون أصول السلق عرقه، وكنا ننصرف من صلاة الجمعة فنسلم عليها، فتقرب ذلك الطعام إلينا فنلعقه، وكنا نتمنى يوم الجمعة لطعامها ذلك. قلت: أخرجه البخاري، وفيه ما في الحديث السابق، وقد بوب عليه البخاري في صحيحه «باب تسليم الرجال على النساء، والنساء على الرجال»، يعني به جواز ذلك، وفيه جواز مخالطة الرجال والنظر إليهم؛ فإنها كانت تقرب الطعام إليهم، وتخدمهم في دارها، كما يفيده الحديث). قلت: وهذا استدلال باطل من وجوه: الوجه الأول: أن المرأة منهم، فهذا محمول على أنها من محارمهم. الوجه الثاني: أنه جاء في لفظٍ آخر أنها امرأة عجوز! الوجه الثالث: أن سهلاً لم يكن بلغ الحلم! فقد مات النبي صلى الله عليه وسلم وعمره خمسة عشر سنة كما قاله الزهري فيما حكاه عنه ابن حجر في "الإصابة" (3/200) فإن كان كذلك فلا كلام. الوجه الرابع: لفظ ترجمة الإمام البخاري يدل على مجرد السلام، ولا تلازم بين السلام والاختلاط! وطول المؤاخاة. قال ابن حجر في "فتح الباري"(11 / 34): وقال ابن بطال عن المهلب: سلام الرجال على النساء، والنساء على الرجال جائز إذا أمنت الفتنة، وفرق المالكية بين الشابة والعجوز سدا للذريعة، ومنع منه ربيعة مطلقا، وقال الكوفيون لا يشرع للنساء ابتداء السلام على الرجال لأنهن منعن من الأذان والإقامة والجهر بالقراءة، قالوا: ويستثنى المحرم فيجوز لها السلام على محرمها، قال المهلب: وحجة مالك حديث سهل في الباب، فان الرجال الذين كانوا يزورونها وتطعمهم لم يكونوا من محارمها، انتهى. ومثل السلام تقريب الطعام مهما كانت قرابتها، وكان عمرها، فإنه لا يدل على الجلوس معهم، وإطالة المكث بينهم، وإنما فيه مجرد التقريب، وهذا يتحقق بالمرور السريع، بل ربما من وراء حجاب، وهذا لا مانع منه شريطة الأمن من الفتنة، وهذا يحصل في قضية عينية فردية لا في حكمٍ جماعي يشمل جمعاً من النساء مع جمعٍ من الرجال كما هو حال الاختلاط الذي يجتهد الغامدي لإباحته. الدليل الرابع: قال الغامدي: (وعن أبي هريرة رضي الله عنه، أن رجلا أتى النبي صلى الله عليه وسلم، فبعث إلى نسائه، فقلن: ما معنا إلا الماء، فقال صلى الله عليه وسلم: من يضم أو يضيف هذا؟ فقال رجل من الأنصار: أنا، فانطلق به إلى امرأته فقال: أكرمي ضيف رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقالت ما عندنا إلا قوت صبياني فقال: هيئي طعامك، وأصبحي سراجك، ونومي صبيانك إذا أرادوا عشاء، فهيأت طعامها، وأصبحت سراجها فأطفأته، فجعلا يريانه أنهما يأكلان، فباتا طاويين، فلما أصبح غدا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: ضحك الله الليلة، وعجب من فعالكما، فأنزل الله ﴿ويؤثرون على أنفسهم ولو كان بهم خصاصة ومن يوق شح نفسه فأولئك هم المفلحون﴾. قلت: أخرجه البخاري، وفيه جواز الاختلاط، ووقوعه بإقرار النبي صلى الله عليه وسلم كافٍ في جوازه) قلت: وهذا استدلال فاسد من وجوه: الوجه الأول: أن هذا وقع من امرأة مع رجل بحضور زوجها، فكيف توسع دائرة الحكم إلى اجتماع عشرات النساء بعشرات الرجال، يجلس بعضهم مع بعض، وينظر بعضهم إلى بعض. الوجه الثاني: أن الرجل ضمن عدم الرؤية بإضعاف قوة المصباح، وفي رواية: (ثم قامت كأنها تصلح سراجها فأطفأته)، وهذا يزيل قوة النظر، فتؤمن بذلك الفتنة. الوجه الثالث: أن هذا محمول على أنه كان قبل فرض الحجاب. الدليل الخامس: قال الغامدي: (وعن عائشة أنها قالت: «لما قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة وعك أبو بكر وبلال رضي الله عنهما، قالت: فدخلت عليهما، فقلت: يا أبت كيف تجدك؟ ويا بلال كيف تجدك؟، ومعنى «كيف تجدك» أي كيف تجد نفسك، كما نقول نحن: كيف صحتك؟ قالت عائشة: فجئت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فأخبرته، فقال: «اللهم حبب إلينا المدينة كحبنا مكة أو أشد».قلت: أخرجه البخاري، وبوب عليه بقوله «باب عيادة النساء للرجال» قال: وعادت أم الدرداء رجلا من أهل المسجد من الأنصار. قلت: وهذا واضح أيضا في وقوع الاختلاط في عمل أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهم أعظم الناس تقوى وفهما لأحكام التشريع). قلت: وهذا لا دليل فيه لوجوه: الوجه الأول: مراد الإمام البخاري الكلام عن جنس الرجال وجنس النساء، لا عن الجماعة من الجنسين، وهذا جائز بضوابطه الشرعية من عدم الخلوة، وأسباب الفتنة من أفراد النساء مع الرجال، فلا ارتباط بين هذا وبين إباحة اختلاط الرجال بالنساء في محل البحث من دور العمل والدراسة والأسواق ونحوها. الوجه الثاني: أن الزائرة هي عائشة رضي الله عنها، تزور أباها، ومعه مولاه بلال،، وهما في القرابة لعائشة ما يباح لمثلها فعل فعلها. الوجه الثالث: أن هذا في عيادة مريضٍ من الأقارب في أمر صحيٍّ عارض، فهل يجوز لمسلم منصف أن يطرد هذا الحكم على كلّ الأيام، وفي كلّ الأحوال؟ الوجه الرابع: قال الحافظ ابن حجر في "فتح الباري"(10/118): وقد اعترض عليه –أي على البخاري- أن ذلك قبل الحجاب قطعا وقد تقدم أن في بعض طرقه (وذلك قبل الحجاب) وأجيب بأن ذلك لا يضره فيما ترجم له من عيادة المرأة الرجل فإنه يجوز بشرط التستر والذي يجمع بين الأمرين ما قبل الحجاب وما بعده الأمن من الفتنة، انتهى. قلت: فأين نزاهة الغامدي عن هذا التوجيه، وعن تلك الزيادة؟ نسأل الله العفو والعافية. الوجه الخامس: بخصوص زيارة أم الدرداء –الصغرى- للرجل الأنصاري في المسجد فإنه هذا لا يسمى اختلاطاً بالمعنى المذموم عند من ذمّه، فهو خارج عن محل النزاع، كما سبق الإشارة إليه مراراً ومنه الوجه الأول هنا. الدليل السادس والسابع: قال الغامدي: (وعن عائشة رضي الله عنها، أنها قالت: «دخل علي رسول الله صلى الله عليه وسلم وعندي جاريتان تغنيان بغناء بعاث، فاضطجع على الفراش... الحديث». قلت: أخرجه البخاري. وعن الربيع بنت معوذ أنها قالت: دخل علي النبي صلى الله عليه وسلم غداة بني علي، فجلس على فراشي كمجلسك مني، وجويريات يضربن بالدف، يندبن من قتل من آبائهن يوم بدر حتى قالت جارية: وفينا نبي يعلم ما في الغد، فقال النبي صلى الله عليه وسلم (لا تقولي هكذا، وقولي ما كنت تقولين). قلت: أخرجه البخاري، والجويريات تصغير جارية، وهي الفتية من النساء، والحديث يفيد جواز الاختلاط، وجواز دخول الرجل على المرأة متى كان معها غيرها من النساء، وفيه جواز استماع الرجل لغناء النساء وضربهن بالدف). قلت: وهذا استدلال فاسد لوجوه: الوجه الأول: أن الداخل هو رسول الله صلى الله عليه وسلم، والنبي صلى الله عليه وسلم مخصوص بمثل هذا، قال الحافظ في " الفتح " (9/ 118 ) : (والذي تحرر عندنا أنه صلى الله عليه وسلم كان لا يحرم عليه النظر إلى المؤمنات الأجنبيات بخلاف غيره). الوجه الثاني: أنهما جاريتان؛ فلم يبلغنّ سن التكليف، أو أنهما من الإماء، وهذا خارج عن معنى الاختلاط المحظور. الوجه الثالث: أن هذا في غير محل النزاع لأنه قبل فرض الحجاب، نص على ذلك البيهقي فقال في "الآداب" (ص207): وكان ذلك قبل نزول الحجاب. قال الحافظ ابن حجر في "فتح الباري"(9 / 203): قال الكرماني هو محمول على أن ذلك كان من وراء حجاب، أو كان قبل نزول آية الحجاب، أو جاز النظر للحاجة، أو عند الأمن من الفتنة، انتهى، والأخير هو المعتمد والذي وضح لنا بالأدلة القوية أن من خصائص النبي صلى الله عليه و سلم جواز الخلوة بالاجنبية والنظر إليها وهو الجواب الصحيح، انتهى. وبعد هذا فقول الغامدي: (والحديث يفيد جواز الاختلاط، وجواز دخول الرجل على المرأة متى كان معها غيرها من النساء، وفيه جواز استماع الرجل لغناء النساء وضربهن بالدف) كله من زيف القول، أما الاختلاط فمنقوض بما تقدم، وأما دخول الرجل على النساء فقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: (إياكم والدخول على النساء) وأما استماع الرجل لغناء النساء فإن أراد به عموم النساء فمنكر من القول وزور، وإنما الأمر مخصوص بغناء الجواري، بما يباح، في عرس أو عيد، وفي الكلام تفصيل لا يليق إطلاق إباحته ولا منعه، وبابه غير هذا الباب، وإنما القصد إيضاح تهور هذا المخذول، والله المستعان. الدليل الثامن: قال الغامدي: (وعن فاطمة بنت قيس، أخت الضحاك بن قيس، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: انتقلي إلى أم شريك، وأم شريك امرأة غنية من الأنصار عظيمة النفقة في سبيل الله، ينزل عليها الضيفان فقلت: سأفعل، فقال: «لا تفعلي، إن أم شريك امرأة كثيرة الضيفان، فإني أكره أن يسقط عنك خمارك، أو ينكشف الثوب عن ساقيك، فيرى القوم منك بعض ما تكرهين، ولكن انتقلي إلى ابن عمك عبدالله بن عمرو بن أم مكتوم... الحديث». قلت: أخرجه مسلم، وفيه أن أم شريك ينزل عليها الضيفان ومن لوازم ذلك الاختلاط). قلت: وهذا استدلال فاسد من وجوه: الوجه الأول: أن الضيوف كانوا من محارم أم شريك، حيث خاف النبي صلى الله عليه وسلم على فاطمة بنت قيس ما لم يخفه على أم شريك، وإلا لصارت أم شريك فيما خشيه النبي صلى الله عليه وسلم على فاطمة بنت قيس. وقد جاء في بعض ألفاظ الحديث في غير "الصحيح": (إن أم شريك يدخل عليها إخوانها من المهاجرين الأولين). الوجه الثاني: أنه ولو قيل بأنهم ليسوا من محارمها، كما جاء في بعض الألفاظ: (يغشاها أصحابي) فليس في الخبر دليل على المخالطة لإمكان الضيافة بغير ذلك، ويكون خوف النبي صلى الله عليه وسلم طلباً في الأكمل والأولى لها، والبحث عن المكان الأكثر ستراً. ومثل هذا محمول على ما يدفع الفتنة، قال الحافظ النووي في "شرح مسلم" (10/106): فيه استحباب زيارة النساء الصالحات للرجال بحيث لا تقع خلوة محرمة، انتهى. الوجه الثالث: أنه لو جاز الاختلاط بالقيود (الوهمية) التي يذكرها الغامدي ومن على شاكلته لأذن النبي صلى الله عليه وسلم لفاطمة بنت قيس بالمكث عند أم شريك، مع التحرز. الوجه الرابع: أن أم شريك رضي الله عنها؛ ذكر غير واحد من العلماء أنها من القواعد من النساء، والقواعد من النساء الأمر فيهن أسهل من غيرهن وإن كان الأولى لهن الحجاب كما قال تعالى: (وَالقَوَاعِدُ مِنَ النِّسَاءِ اللَّاتِي لَا يَرْجُونَ نِكَاحًا فَلَيْسَ عَلَيْهِنَّ جُنَاحٌ أَنْ يَضَعْنَ ثِيَابَهُنَّ غَيْرَ مُتَبَرِّجَاتٍ بِزِينَةٍ وَأَنْ يَسْتَعْفِفْنَ خَيْرٌ لَهُنَّ وَاللهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ) (النور:60) . قال ابن عبدالبر في "التمهيد" (19/153) معلقاً على هذه القصة: (ففيهدليل على أن المرأة الصالحة المتجالة لا بأس أن يغشاها الرجال ويتحدثون عندها). وقوله: (المتجالة) أي الكبيرة المسنة. الوجه الخامس: ما سبق ذكره مراراً وتكراراً أن هذا لو جاز في امرأة مع ضيوفها، فكيف يطلق الحكم على نساء المسلمين، ويباح لهن الاختلاط بالرجال في عموم أوضاعهن من دراسة وعمل وتسوق ونحوه؟! الدليل التاسع والعاشر: قال الغامدي: (وعن سالم بن سريج أبي النعمان قال: سمعت أم صبية الجهنية تقول: ربما اختلفت يدي بيد رسول الله صلى الله عليه وسلم في الوضوء من إناء واحد. قلت: أخرجه أحمد وأبو داود وابن ماجه، وإسناده صحيح، وأم صبية الجهنية ليست من محارمه صلى الله عليه وسلم، ففيه جواز الاختلاط، وجواز وضوء الرجال مع غير محارمهم من النساء، ولا يلزم منه رؤية ما لا يجوز من المرأة. ويشهد لذلك ما رواه ابن عمر قال: (كان الرجال والنساء يتوضأون في زمان رسول الله صلى الله عليه وسلم جميعا). قلت: أخرجه البخاري، وفيه جواز الاختلاط عموما، وأنه ليس من خصوصياته عليه السلام. وفي رواية بلفظ: (أنه ــ أي ابن عمر ــ أبصر إلى النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه يتطهرون والنساء معهم، الرجال والنساء من إناء واحد، كلهم يتطهر منه). قلت: أخرجها ابن خزيمة، وإسنادها صحيح. وفي رواية بلفظ: (كنا نتوضأ نحن والنساء على عهد رسول الله من إناء واحد، ندلي فيه أيدينا). قلت: أخرجها أبو داود، وإسنادها صحيح، والمعنى في هذه الألفاظ واحد، وكلها تفيد جواز الاختلاط عموما، وقد وجهه البعض بأن القصد هو وضوء الرجل وزوجه فقط، وهو توجيه باطل، يرده منطوق تلك الروايات التي تقطع بجواز الاختلاط عموما.) قلت: بل استدلالك هو الباطل! من وجوه: الوجه الأول: أن هذا محمول على ما قبل الحجاب، لأن أم صبية متقدمة الإسلام، حيث أسلمت وبايعت بعد الهجرة، قاله ابن سعد في "الطبقات" (8/295). الوجه الثاني: أن هذا خاص بالنبي صلى الله عليه وسلم، وسبق نقل كلام الحافظ ابن حجر. الوجه الثالث: أن هذا لا يدل على معنى الاختلاط محط الاختلاف، فلا مانع من اختلاف أيديهما في إناء واحد من وراء حجاب. الوجه الرابع: أنه قد جاء ما يدل على أن أم صبية جارية من جواري عائشة رضي الله عنها، كما روى البيهقي في "الدعوات الكبير" (ح71) من حديث عبد الله بن سلمة بن أسلم عن أبيه عن أم صبية الجهنية وكانت جارية لعائشة رضي الله عنها بحديث آخر. ويؤيد هذا ما رواه ابن سعد في "الطبقات" (8 / 295) عن أم صبية خولة بنت قيس قالت كنا نكون في عهد النبي وأبي بكر وصدر من خلافة عمر في المسجد نسوة قد تخاللن، وربما غزلنا، وربما عالج بعضنا فيه الخوص، فقال: عمر لأردنكن حرائر فأخرجنا منه. فدل على أنها من الإماء، وعلى أنها كانت من القواعد من قولها: (قد تخاللن) أي بلغن سناً كبيراً. وعجباً لقول الغامدي بأن في الخبر: ( جواز وضوء الرجال مع غير محارمهم من النساء، ولا يلزم منه رؤية ما لا يجوز من المرأة) وكيف أطلق حكم الأفراد على الجماعات؟ وأن هذا ممكن من غير رؤية شيءٍ من النساء ولا من الرجال؟ وهل هذا إلا سخف القول، الناتج عن سقم العقل بل سقم القلب، والله المستعان. الوجه الخامس: أن ما قاله ابن عمر رضي الله عنهما: (كان الرجال والنساء يتوضأون في زمان رسول الله صلى الله عليه وسلم جميعاً) وما في معناه، كله –جزماً- محمول على المحارم، وزعم الغامدي بطلان هذا القول تحكم مخالف للأصل، ومنه ما أثر من وضوء النبي صلى الله عليه وسلم مع بعض أزواجه، واغتساله معهن. قال الحافظ ابن حجر في "فتح الباري"(1/300): لا مانع من الاجتماع قبل نزول الحجاب وأما بعده فيختص بالزوجات والمحارم، انتهى. ولئن كان الشارع منع من اختلاط الرجال بالنساء فيما لا تكشف فيه، فكيف بإباحة الضوء المشترك بين الرجال والنساء، وفيه ما لابدّ منه من حسر اللباس عن الذراعين، ورفع القدمين وغير ذلك؟! كلّ هذا يدل على أن هذا القول محمول على عدة محامل؛ فإما أن يكون قبل نزول الحجاب، أو على خصوص المحارم، أو أن مراده من ماء واحد دلالة على جواز وضوء الرجل بفضل المرأة، والمرأة بفضل الرجل. الدليل الحادي عشر: قال الغامدي: (وعن الربيع بنت معوذ بن عفراء قالت: كنا نغزو مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، فنسقي القوم، ونخدمهم، ونرد الجرحى والقتلى إلى المدينة. قلت: أخرجه البخاري، وفيه جواز خروج المرأة في الغزو لخدمة القوم ومداواتهم، ورد الجرحى والقتلى). قلت: يجاب عنه من وجوه: الوجه الأول: تقدم ما روى الإمام أحمد من حديث عمران بن حصين رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم صف الرجال، ثم صف النساء من وراء الرجال في إحدى غزواته، فدل على أصل الفصل بين الجنسين. الوجه الثاني: أن النساء وإن كنّ يخرجن مع النبي صلى الله عليه وسلم في الجهاد فلا دلالة على (الاختلاط) المطلوب إباحته من الغامدي ومن شاكله، فسقاية المجاهدين، وخدمتهم بتقريب السلاح لا يلزم من ذلك كله دوام الاختلاط، ومزاحمة الرجال. الوجه الثالث: أن هذا محمول على ما قبل نزول الحجاب، أو محمول على المحارم، أو على الضرورة، والضرورة تقدر بقدرها، وتقيد بصورتها، ولا تصير حكماً مطرداً في كل الأحوال، قال الحافظ ابن حجر في "فتح الباري"(10 / 136): وإنما لم يجزم بالحكم لاحتمال أن يكون ذلك قبل الحجاب أو كانت المرأة تصنع ذلك بمن يكون زوجا لها أو محرما وأما حكم المسألة فتجوز مداواة الأجانب عند الضرورة وتقدر بقدرها فيما يتعلق بالنظر والجس باليد وغير ذلك، انتهى. يتبع..... |
الساعة الآن 03:44 AM. |
Powered by vBulletin® Version 3.8.7
Copyright ©2000 - 2024, vBulletin Solutions, Inc. Trans by