المذاهب الأدبية الغربية ( رؤية إسلامية )
المذاهب الأدبية الغربية ( رؤية إسلامية ) عبد الملك الزميع تطالعنا في الكتابات النقدية الحديثة كثير من التسميات والمصطلحات الغربية في جميع فنون المعرفة الإنسانية ، تنهمر علينا كالمطر ، بلا تصريف ولا ( فلترة ) ، من ذلك تسميات لمدارس أدبية ظهرت في أوروبا في فترة معينة ، ثم انهارت أو تزيا قسم منها بأزياء أخرى ، منها تسميات لتيارات أو نزعات اجتاحت الفكر الأوروبي ، وبعد أن لاكها هذا الفكر تم تصديرها إلى الأدب العربي . ومن ذلك ما يسمى بـ(المذاهب الأدبية ) والتي منها : ( الكلاسيكية ، الرومانسية ، الواقعية ، البرناسية ، الرمزية ، السريالية ، الوجودية... ) إلى آخر ما ستجد من هذه المذاهب ، ولعل آخرها ( ما بعد البنيوية والألسنية ) وهذه المذاهب قد تسللت إلى نسيج أدبنا المعاصر ، وقاموس نقادنا ، وقد جذب اهتمام الدارسين ما ظهر في أدبنا العربي الحديث من أصداء لتلك المذاهب أو المدارس الأوروبية . فبعض نقادنا مازال يتكئ عليها ، وآخرون يرون أن الزمن قد تجاوزها، فأخذوا ينتظرون الجديد منهم . وكان للأحداث السياسية والاجتماعية والاقتصادية دور مهم في تكوين هذه المذاهب وتطورها وتعددها . ويمكن أن يُقسم تطور هذه المذاهب إلى ثلاث مراحل رئيسة : الأولى : منذ القرن الخامس عشر حتى منتصف القرن الثامن عشر ، وهي فترة المذهب الكلاسيكي . الثانية : أواخر القرن الثامن عشر حتى منتصف القرن التاسع عشر ، وهي فترة المذهب الرومانسي . الثالثة : من منتصف القرن التاسع عشر حتى الوقت الحاضر ، وهي فترةٌ تلاحقت فيها مجموعة من المذاهب الأدبية بدءًا بالواقعية وانتهاء الآن ( ما بعد البنيوية ) حسب علمي . ونحن نريد أن نستعرض هذه المذاهب أو أغلبها استعراضاً مختصراً يركز على المذهب وأصوله العامة التي تلتقي عليها معظم أتباعه ، مع إيجاز للقضايا الفنية لكل مذهب ، ثم الرؤية الإسلامية لهذه المذاهب ... وكل هذه المذاهب هي صناعة غير إسلامية , وجذورها غربية صرفة – كما ذكرت سلفاً - لذا قد يقول قائل فلم القراءة الإسلامية لها إذن ؟ أولاً : أننا لا نستطيع أن نغلق نوافذنا في وجه آداب الأمم الأخرى وليس من الحكمة أن نفعل ذلك حتى ولو استطعنا ، إذا لابد من نظرة هادئة فيما يفيد إلينا ، نظرة تحكمنا فيها عقيدة راسخة من جهة ، ورغبة أكيدة في الاستفادة من التجارب الإنسانية الفنية من جهة أخرى . ثانياً : أن هذه المذاهب تمد الأديب المسلم بكثير من التجارب الفنية والشكلية وهو بحاجة ماسة إليها ليصل أدبه إلى مستوى من الإبداع . والحكمة ضالة المؤمن . ( انظر : مذاهب الأدب الغربي ، رؤية إسلامية . د. عبد الباسط بدر ) . وقبل ذلك لابد أن يتكامل للأديب البصيرة المترعة بالمفهوم الصافي للعقيدة الإسلامية ، وتجارب الإسلام الواسعة . وقليل من النقاد من اعتنى بهذه المذاهب الغربية من خلال النظرة الإسلامية . وأجمل دراسة لهذه المذاهب دراسة الأستاذ الدكتور عبدالباسط بدر ، الأستاذ المساعد بالجامعة الإسلامية في المدينة المنورة سابقاً ، فقد ناولها في كتاب مستقل تحت عنوان : "مذاهب الأدب الغربي . رؤية إسلامية" .وجاء هذا العرض مستفادا من هذا الكتاب الرائع الفريد في بابه ... ( 1 ) المذهب الكلاسيكي . يعد الدارسون القرن السادس عشر الميلادي تاريخاً لظهور المبادئ الكلاسيكية في الأدب ونقده ، والقرنين السابع عشر والثامن عشر تاريخاً لازدهارها ، والقرن التاسع عشر تاريخاً لانسحابها أمام هجوم الرومانسية الساحق . وقد نشأت في إيطاليا واكتملت التجربة في فرنسا ، وانتقلت منها إلى إنكلترا وألمانيا . أهم الأسس التي يقوم عليها هذا المذهب : أولاً : يمجد الكلاسيكي الأدبين اليوناني والروماني ، ويعدونهما نماذج عليا للأدب الرفيع ، ولا سيما القواعد التي قررها ( أرسطو ) في كتابيه الشهيرين " فن الشعر " و" فن الخطابة " مع مراعاة ما يقتضيه العصر من فروق واختلافات . ثانياً : الدعوة إلى النزعة العقلية المتشددة ، فالعقل عندهم أساس فلسفة الجمال ، ويطبقون هذه النزعة على العمل الأدبي في ابتكاره وصياغته ونقده . ونتيجة لذلك يطالبون الأدباء بما يلي : أ – التقيد بالقواعد والأنظمة التي يقررها النقاد . ب- ضبط الخيال الأدبي وتقييده في حدود تتوافق مع العقل . جـ- احترام القوانين والأعراف والتقاليد الاجتماعية السائدة وعدم التعرض لها، أياً كانت مبادئها وآثارها على الناس . د – ربط الأدب بالمبدأ الخلقي وتوظيفه في الغايات التعليمية ، فعلى الأدب أن ينصر الخير على الشر دائماً ، وأن يعلم الناس شيئا يفيدهم . فهو مذهب عقلي ، وهذا لا يعني أنه تنقصه العاطفة ، لكنهم أخضعوها للعقل ، داعين إلى كبح جماح العاطفة وجيشانها والسيطرة عليها ثالثاًَ : التعبير عن العواطف الإنسانية العامة التي يشترك فيها سائر الناس كالحب والحقد والغيرة والحسد والكراهية والتضحية .... إلخ . رابعاً : الاهتمام بالطبقات العليا في المجتمع واختيار موضوعات الأدب من حياة القصور والنبلاء والقادة ، وقلة الاهتمام بالطبقات الشعبية والعامة . خامساً : العناية الكبرى بالأسلوب ، والحرص على فصاحة اللغة ، وأناقة العبارة ، ومخاطبة جمهورٍ مثقفٍ غالباً . سادساً : الاهتمام بالمسرح أكثر من الشعر الغنائي . من أشهر أعلام هذا المذهب (راسين ، كورني ، موليير ) وهذا الأخير اشتهر بمسرحياته الكوميدية وغيرهم. الرؤية الإسلامية للكلاسيكية : أولاً : الارتباط الشديد بالأدبين اليوناني والروماني ، واعتبارهما النموذج الأعلى للأدب . وهذان الأدبان – على ما فيهما من تصوير بارع للعواطف الإنسانية – إلا أنهما مرتبطان بالتصورات الوثنية ، ولذا تأثر أدباؤهم بالروح الوثنية ونظرتها إلى القدر ، وكان من نتيجة هذا التأثر أن صوروا القدر في صورة ظالم شديد يقوم على الكيد للإنسان وإيذائه ، وهذا مخالف كل المخالفة للتصور الإسلامي ورؤيته الناصعة للقدر . ثانياً : قلة اهتمامهم بمشكلات الحياة الاجتماعية والسياسية ، في حين أننا نريد من الأديب أن يهتم – فيما يهتم به – بهذه المشكلات ، ونرى أن الأدب للحياتين ، الدنيا والآخرة . ثالثاً : يوجه الكلاسيكيون اهتمامهم إلى الطبقات العليا في المجتمع ، ويجعلونها محور أدبهم ويختارون منها موضوعاتهم وأبطالهم . مغفلين الطبقة الأخرى ..... رابعاً : يربط الكلاسيكيون الأدب بالمبدأ الخلقي ، وهذا أمر يتوافق مع الاتجاه الإسلامي في عمومه ، ولكن مفهوم المبدأ الخلقي عند الكلاسيكي يختلف اختلافاًَ كبيراً عن مفهومه الإسلامي . فالأخلاق الفاضلة عندهم هي التي يأخذ بها المجتمع في زمان ومكان محددين . وهذا غير صحيح ، لأن ما يقره مجتمع ما هو نتاج عقل بشري ، تحكمه ظروف محددة ، وهو – من ثم – قابل للتغير حالما تتغير ظروفه وهذا لا يقره التصور الإسلامي ، فالمبدأ الخلقي في الإسلام ثابت ، ومنزه عن الخطأ والبطلان ، لأنه لا يتقيد بأعراف المجتمع السائدة ، ولا يعدها مصدر تشريع للأخلاق ، فلا تحدده رغبة بشرية – منفردة أو جماعية – في زمان ومكان محددين إنما تقرر أصوله حكمة رب العالمين . وبعد هذه الهيمنة للكلاسيكية انهارت قواعدها تحت مطارق التقدم الحضاري للمجتمع الأروبي وقيام الثورات ، ليقوم مذهب جديد على أنقاضها هو ( المذهب الرومانسي ) .وهذا ما سوف نتناوله في حلقة قادمة بإذن الله . |
رد: المذاهب الأدبية الغربية ( رؤية إسلامية )
اقتباس:
|
رد: المذاهب الأدبية الغربية ( رؤية إسلامية )
شكرا مناهل
|
رد: المذاهب الأدبية الغربية ( رؤية إسلامية )
ما أجملها في سلسلة
يعطيكم العافية |
رد : المذاهب الأدبية الغربية ( رؤية إسلامية )
اقتباس:
اقتباس:
اقتباس:
أشكر لكم المرور , جزاكم الله خيرا خلال بحثي في شبكة المعلومات عن ما كتب حول الرؤية الإسلامية لمذاهب الأدب الغربي وجدت ذلك المقال الذي أراه مميزا وإن كان مقتصرا على المذهب الكلاسيكي , فوددت نقله , ثم متابعة نقل ما أجد حول الرؤية الإسلامية لبقية المذاهب الغربية . |
رد : المذاهب الأدبية الغربية ( رؤية إسلامية )
المذهب الرومانسي * لمحة سريعة : نتيجة لتشدد المذهب الكلاسيكي في تطبيق القواعد المقررة .. ظهرت في أنحاء متفرقة من أوروبا دعوات إلى التمرد عليه / و التفلّت من قيوده العقلية الصارمة .. فظهرت أعمال أدبية لاتنضبط بقواعده ، و في أواخر القرن الثامن عشر كثرت الانتقادات الموجهة إليه / و تهيّأت عوامل أخرى تشجّع الاتجاه المناقض له ......... و أهمها عاملان : 1 - ظهور تيار فلسفي يدعو إلى الانطلاق في الفكر ، و التحلل من جميع الضوابط و المفهومات السابقة " كالتقاليد الاجتماعية و الدين ! " .. و يقود هذا التيار فلاسفة منتشرون في أوروبا .. أهمهم : ( جان جاك روسو ، هيجل ، شاتوبريان ، شليك ) . 2 - اضطراب الظروف السياسية و الاجتماعية .. و من أمثلة ذلك : حروب نابليون بونابرت . و كل ذلك ترك في الأوروبيين قلقاً شديداً / و شعوراً بالمرارة و خيبة الأمل / و انتشر فيهم ما يُسمّى بـ " مرض العصر " .. و هو إحساس حاد بالكآبة و الإحباط ، و ضيق شديد من الواقع ، و بحث عن مهرب منه . و قد تفاوتت آثار هذا الشعور بين بلد أوروبي و آخر بتفاوت ظروف كل منهما .. فظهرت رومانسيات مختلفة ، و لكنها تجتمع على عدد من الخصائص و المباديء المشتركة . .*.*.*.*.*.*.*.*.*.*.*.*.*. * أهم مباديء المذهب الرومانسي الأدبي : 1 - رفض المباديء الكلاسيكية في الأدب عامة و مخالفتها .. و من ذلك : أ - رفض تفوق الأدبين اليوناني و الروماني أو اعتبارهما النموذج الأعلى للأدب . ب - رفض الانضباط و التقيّد بالقواعد المقررة كقاعدة فصل الأجناس الأدبية . جـ - رفض النزعة العقلية و ما يترتب عليها . د - رفض الاسلوب الكلاسيكي المتأنق ، و الدعوة إلى الاسلوب السهل المسترسل . هـ - رفض ارتباط الأدب بالمبدأ الخلقي . 2 - ربط الأدب بالعاطفة و الوجدان .. و جعل مصدر الجمال الذوق بدلا من العقل . 3 - تعظيم شأن الخيال و إطلاق حريته في ارتياد الآفاق التي يريدها . 4 - الهروب من الواقع و مشكلاته السياسية و الاجتماعية . 5 - الافتتان بالطبيعة و العوالم الغريبة و الأحلام . 6 - التعلق بالحزن و التلذذ بالألم ، و نشر الاحساس بالكآبة " مرض العصر " ! 7 - التعلق بمعتقد " تأليهي " غامض .. يقلل من أهمية الاثم الفردي و يخفف المسؤولية الفردية و يحمّلها المجتمع .. و قد كثرت لهذا السبب في أدبهم صور : اللص الشريف ، المجرم الطيب السريرة ! .*.*.*.*.*.*.*.*.*.*.*.*.*. * أهم أعلام المذهب الرومانسي : لامرتين / الفريد دي موسيه / فيكتور هوغو ---> فرنسا كولردج / ورد زورث / ولتر سكوت ---> انكلترا الأخوان ( شليجل / هوفمان ) ---> ألمانيا .*.*.*.*.*.*.*.*.*.*.*.*.*. * الرؤية الاسلامية للرومانسية : 1 - يعيش الرومانسي - غالبا - حالة من " فقدان التوازن " ، و تنقصه الدعامة الدينية / و الفكرية / و الاجتماعية .. لأنه يغرق في ذاتيته . لذلك يعجز في أكثر الأحوال عن التكيف مع مجتمعه ، و يهيم على وجهه في بحر الشك و الحيرة و الكآبة . و هذه حالة لا نرضاها للفرد المسلم .. لأنه يملك رصيداً عقديا كبيرا .. و أهم ما يقدمه له الطمأنينة الكبيرة التي تحفظه من الحيرة و الشك . 2 - أن الرؤية الإسلامية للأدب لا تقبل أن يصطبغ دائماً بالحزن و الكآبة / و الآلام الرومانسية لا تنسجم مع الشخصية الاسلامية .. و الحزن دون سبب مرفوض في الإسلام . فالحزن في عُرف المسلمين : أزمة / و الكآبة : حالة نفسية عارضة .. غير أن المسلم مدعو إلى مواجهة ظروفه بشجاعة / و إلى التسليم لقضاء الله من جهة ، و تلمّس الأسباب للخروج من الأزمات من جهة أخرى .. و الرسول عليه السلام هو أعلى نموذج لمواجهة الظروف الصعبة .. و تاريخ المسلمين مليء بالفواجع و المحزنات و لكن دينهم لا يرضى لهم أن يستسلموا للحزن . و من هنا فالإسلام لا يرفض الحزن العارض و لا ينكره ، و لا يرفض التعبير عنه بالأدب و غيره ، و لكنه يرفض الاستغراق فيه . 3 - يأبى الرومانسيون ربط الأدب بالمبدأ الخلقي ، و هذا يُخالف وجهة النظر الإسلامية في الأدب . 4 - ينشغل معظم الرومانسيين بذواتهم و يستغرقون فيها و ينصرفون عن قضايا الأمة الاجتماعية و السياسية .. و نحن نريد من الأديب المسلم أن يستوعب في أدبه قضايا الحياة و الأمة .. و لا نريد له أن يكون " نرجسيا ! " لا يعرف إلا ذاته . 5 - لا نقبل في الإسلام المعتقد العاطفي الذي يهوّن الإثم و يخفف المسؤولية الفردية على الآثم أو يسقطها . فالإسلام عقيدة / و سلوك / و لا قيمة لطيب السريرة إذا كان السلوك خلافها ! و مع يقيننا بأن للظروف المحيطة بالفرد أثراً في تشجيعه على الجريمة ، إلا أن الرؤية الإسلامية للفطرة الإنسانية لا تعفي المُخطيء من جريمته إلا إذا بلغت الضغوط الموجّهة إليه حد الإكراه .. حيث تسقط حينها صفة الجريمة عن الفعل الذي يرتكبه المُكره ( كإيقاف عمر رضي الله عنه حدّ القطع عام المجاعة ) . المصدر / شبكة رواء للأدب وفنون العربيّة |
رد : المذاهب الأدبية الغربية ( رؤية إسلامية )
المذهب الواقعي * لمحة سريعة : نشأ بسبب انتشار الفلسفات : الوضعية / التجريبية / المادية الجدلية في أوروبا . و قد امتد تأثير هذه الفلسفات إلى الفنون و الآداب . و نتيجة لذلك اهتم عدد من الأدباء بتصوير الحياة الاجتماعية ، و بالطبقات الدنيا التي أعرض عنها الكلاسيكيون و نسيها الرومانسيون . و يتفق رواد هذا المذهب في مباديء رئيسة محددة ، و يختلفون في مباديء أخرى كثيرة .. الأمر الذي جعل الواقعية تتشعب إلى واقعيات عدة .. أهمها : الواقعية الانتقادية / الواقعية الطبيعية / الواقعية الاشتراكية . .*.*.*.*.*.*.*.*.*.*.*.*.*. * الواقعية الانتقادية : - تهتم هذه الواقعية بقضايا المجتمع و مشكلاته ، و تركز اهتمامها بشكل خاص على جوانب الفساد و الشر و الجريمة . - تميل هذه الواقعية إلى التشاؤم ، و تعتبر الشر عنصرا أصيلا في الحياة لذلك تبحث عنه و تجعله محور العمل الأدبي . - تُعد " القصة " مجال الواقعية الانتقادية الأكبر و تليها " المسرحية " ، فمعظم إنتاج الواقعيين الانتقاديين قصص و روايات و مسرحيات .. - و من أشهر قصاصها الأديب الفرنسي " بلزاك " / " شارلز ديكنز " / " تولستوي " / "دستويوفسكي " / " أبسن " / " إرنست همنغواي " . * الواقعية الطبيعية : - تتفق هذه الواقعية مع الواقعية الانتقادية في جميع مبادئها ، و تزيد عليها في تأثرها الشديد بالنظريات العلمية ، و دعوتها إلى تطبيقها في المجالات الإنسانية ، و إظهارها في العمل الأدبي . - الإنسان في تصور هذه الواقعية --> حيوان تسيّره غرائزه و حاجاته العضوية ، لذلك فإن سلوكه و فكره و مشاعره هي نتائج حتمية لبنيته العضوية و لما تقوله قوانين الوراثة .. و أما حياته الشعورية و العقلية فظاهرة طفيلية تتسلق على حقيقته العضوية . - يُعد القاص " إميل زولا " رائد هذه الواقعية .. و قد كتب قصته الشهيرة " الحيوان البشري " ليجسد مبادئها ، و ليطبق نظريات " دارون " في التطور ، و " مندل " في الوراثة ، و ليثبت أن سلوك الإنسان و فكره و مشاعره هي نتائج طبيعية لما تقوله هذه النظريات . - و من أشهر كتابها أيضا --> فلوبير صاحب قصة " مدام بوفاري . * الواقعية الاشتراكية : - تجسّد هذه الواقعية الرؤية الماركسية للأدب ، و تحمل مباديء الفلسفة المادية الجدلية التي تقوم عليها الشيوعية . - يرى أنصارها أن الأدب مبني على النشاط الاقتصادي ، و أنه يؤثر في المجتمع بقوته الخاصة .. لذلك ينبغي توظيفه في خدمة المجتمع وفق المفهومات الماركسية . - تقضي هذه المفهومات أن يهتم بالطبقات الدنيا ، و لا سيما طبقات العمل و الفلاحين ، و أن يصور الصراع الطبقي بينهم و بين الرأسماليين و البرجوازيين ، و يجعل الرأسمالية و البرجوازية مصدر الشرور في الحياة .. فيدينهما و يكشف عيوبهما . - من هذه الزاوية يعد الواقعيون الاشتراكيون مذهبهم متفائلا و مرجحا لجانب الخير ، و يتصورون أن ماركسيتهم ستحكم العالم ، و تحل تناقضاته ، و يطالبون الأدباء أن يبثوا هذا التصور في أعمالهم الأدبية . - أنهم يرفضون أية تصورات ترتبط بالعقائد السماوية .. لأنهم يرفضون العقائد السماوية ذاتها .! - أول من استخدم اصطلاح الواقعية الاشتراكية في كتاباته هو الأديب الروسي " مكسيم جوركي " ثم انتشر المصطلح في أنحاء العالم ، و قرر الاتحاد السوفيتي و الصين و بعض الدول الشيوعية الأخرى اعتباره المذهب الرسمي للأدب فيها . - كان ميدانه " القصة " ثم دخل إلى " المسرحية " .. و أخيرا إلى " الشعر " .. ثم عمّ الأجناس الأدبية كلها . - و من أشهر أدبائهم : مكسيم جوركي / شولخوف / ماياكوفسكي / حمزانوف / ناظم حكمت / لوركا / بابللو نيرودا / جورج لو كامش / و روجيه جاوروي قبل إسلامه . .*.*.*.*.*.*.*.*.*.*.*.*.*. * الرؤية الإسلامية للواقعية : أن الاهتمام بالواقع و عرض قضايا الحياة و مشكلات الإنسان فيها بقالب أدبي ناجح أمر يحبّذه الإسلام .. " من لم يهتم بأمر المسلمين فليس منهم " . و إذا نظرنا إلى الواقعيات الغربية و جدنا أنها تهتم بأمور الحياة و قضايا المجتمع أيضا .. و لكن بمنهج و تصورات مستمدة من فلسفات بشرية منحرفة ، تجعلها تتعارض مع المنهج الإسلامي و تصوراته في جوانب عدّة أهمها : 1 - أن الواقعيتين الانتقادية و الطبيعية تجعلان الحياة محكومة بالشر و الفساد ، و هذه نظرة سوداوية متشائمة - لعلها من آثار النظرة اليونانية للقدر - و الإسلام يرفض هذا التصور .. فليس ثمة ما هو محكوم عليه بالشر أو محكوم عليه بالخير ، و ليس ثمة ما يمنع فاعلية الإنسان من التأثير في الحياة و المجتمع . 2 - أن الواقعيتين الانتقادية و الطبيعية تبرزان صور الشر و الفساد في المجتمع لإضرام الثورة فيه و تغيير قيمه - كما تزعمان - غير أنهما في الحقيقة لا تقدمان أي بديل لهذه القيم ، و نحن المسلمين لا نقبل أن يكون الهدم وحده غاية العمل الأدبي فلا بد من التخطيط المسبق للبديل الذي يعوض عما نريد هدمه . 3 - أن الإنسان عند الواقعيين عامة ، و الطبيعين خاصة حيوان بشري ، يتكون من مجموعة عوامل مادية و غريزية و حسب .. و ليس للجانب الروحي أي اعتبار عندهم . أما الإسلام فيكرم الإنسان ، و لا يقبل أن يكون سلوكه و فكره و مشاعره استجابة آلية للغرائز و الغدد .. و الإنسان في التصور الإسلامي جسد و روح ، و لكل من الجسد و الروح حاجات ضرورية لا يجوز إغفالها ، و لا الاقتصار على إحداها دون الآخر . 4 - أن الواقعية الاشتراكية تناقض التصورات الإسلامية في جميع مبادئها : أ - فهي تبني الأدب على العامل الاقتصادي ، و نحن نرى أن الأدب ظاهرة إنسانية ضخمة لا يصح ربطها بعامل واحد . ب - أنها توجه الأدب إلى الاهتمام بالطبقات الدنيا و حسب ..! و نحن نريد من الأدب أن يهتم بالمجتمع كله . جـ - أنها تفسّر الحياة وفق النظرية المادية الجدلية .. و الإسلام يرفض هذا التفسير . د - أنها توجه الأدب إلى التبشير بالمجتمع الشيوعي ، و ترى أنه الحل الأمثل لتناقضات الأنظمة كلها .. و الإسلام يرفض المجتمع الشيوعي و يبشر بالمجتمع الإسلامي و يريد من الأدب أن يسهم في بنائه . هـ - أنها ترفض الجانب الروحي في الإنسان ، و توجّه الأدب إلى محاربته ... و الإسلام يبني الجانب الروحي في الإنسان و لا يهمل الجانب المادي ، و يوجّه الأدب إلى تعميق صلة الإنسان بالله عز وجل ، و تعزيز إيمانه . لذلك كله .. فإن الواقعية الاشتراكية تناقض التصورات الإسلامية ، و تنحدر بالأدب إلى المادية و الإلحاد و دنيا الغرائز .. و هي مرفوضة مهما تلونت أو اتخذت أسماء متغيرة . و خلال سنوات تطبيقها الماضية ظهرت مساوئها بوضوح .. حتى أن بعض النقاد الماركسيين هاجموا سيطرتها على الأدب و سفّهوا إنتاجها " كجورج لوكاتش " الذي كتب يقول : ( إن الأدب الذي أنتجته الواقعية الاشتراكية جدب يتميز بالجمود و ضيق الأفق ) و " كروجيه جاوروي " الذي تحوّل عن الاشتراكية كلها و اهتدى بهدي الإسلام . |
رد : المذاهب الأدبية الغربية ( رؤية إسلامية )
المذهب الوجودي * لمحة سريعة : يُعد هذا المذهب أحد نتائج اضطراب العقيدة في الغرب . و قد ظهرت فلسفات تحاول أن تُعيد للفرد سكينته ، و تشعره بوجوده في الحياة ، و تقنعه بأنه يستطيع أن يصنع ذاته و كيانه بإرادته . و قد عُرفت هذه الفلسفات باسم الوجودية . و الوجودية نوعان : وجودية نصرانية / و وجودية ملحدة . * الوجودية النصرانية : 1 - تمثلها آراء ( كير كجارد و كارل يسبرز و غبرائيل مارسييل ) . 2 - أنها تعتمد على نظرية " الإنسان الخاطيء " النصرانية ، و على عدد من آراء " مارتن لوثر " المتمرد على الكاثوليكيه و مؤسس البروتستانتية . 3 - أنها ترى أن الإنسان وارث لخطيئة أبيه " آدم " و أن الشعور بالإثم الذي يملؤه يدفعه إلى تحقيق وجوده أمام الله ، بالعمل النابع من إرادته الحرة فهو يتولى خلق أعماله ، و دون أن يُفرض عليه شيء من خارجه . * الوجودية الملحدة : 1 - زعماؤها ( هيدجر و سارتر والبير كامو ) . 2 - أنها ترى أن الإنسان في هذه الحياة هو الحقيقة الوحيدة ، و لا يوجد شيء سابق عليها و لا بعدها . و من ثم فلا يوجد إله و لا توجد ماهية ، و لا توجد مثل و لا قيم أخلاقية متوارثة لها صفة اليقين .، و إن كل القيم و العقائد و التقاليد تراث عتيق ينبغي التخلص منه ، ليستطيع الفرد أن ينطلق في الحياة دون قيود تعيقه ، و ليصنع بإرادته الحرة ما يشاء فتحمل ذاته ما كان يسميه السابقون الماهية . .*.*.*.*.*.*.*.*.*.*.*.*.*. * وقفات مع الوجودية : - يحصر الوجوديون قضاياهم و فلسفتهم في الأمور التي تدور بين الولادة و الموت " الوجود و العدم " و يقيمونها على ثلاثة محاور رئيسية هي : الحرية / و المسؤولية / و الالتزام . - أن المرء حر في أن يفعل ما يشاء و يختار ما يريد ، لأنه غير مرتبط بخالق أو بقيم خارجة عن إرادته . - اعتمد الوجوديون على الأدب في تجسيد أفكارهم ليدعموا به كتاباتهم الفلسفية ، و لا سيما الوجوديون الملحدون فكتبوا قصصا و مسرحيات و دراسات نقدية ، و صنعوا بهذه الكتابات مذهبا أدبيا وجوديا . و المذهب الأدبي الوجودي مكمل للفلسفة الوجودية ، و إطار يظهر قضاياها بوساطة الأدب ، و أهم القضايا الوجودية : 1 - الاغتراب الوجودي : حيث يشعر الأديب الوجودي - و ينشر هذا الشعور - بالغربة في مجتمعه ، لأنه لا يقتنع بالقيم المفروضة عليه من خارج ذاته ، و لأنه لا يدري من أين جاء ، و لماذا يعيش ؟؟ و ليس له هدف إلا أن يحقق وجوده في أن يعيش كما يريد . 2 - الثورة على القيم و التقاليد قضية مهمة عند الوجودي ، و تشمل التقاليد في مفهومه : العقائد و الأديان كلها . 3 - التأكيد على الحرية و المسؤولية و الالتزام و تحقيق الذات من خلالها . و ليس لمذهب الوجودية الأدبي آراء خاصة في شكل العمل الأدبي و قالبه لأن اهتماماتهم منصبّة على المضمون ، و همّهم أن يجعلوا الأدب ملتزما بعرضِ أفكارهم و خدمتها ، و قد استثنى " سارتر " الشعر من هذا الالتزام وعدّه بنية لغوية إيقاعية مجرّدة - كالموسيقا - لا تصلح بطبيعتها لحمل الأفكار و الدعوات ، أما القصة / و المسرحية فهما ميدان الالتزام الأكبر ، و هما اللذان جسّدا المذهب الوجودي الأدبي . و قد استطاع الوجوديون - بملكاتهم الأدبية و النقدية - أن ينتجوا قصصا و مسرحيات قوية في صياغتها و مشحونة بأفكارهم الوجودية و كانت وسيلة ذكية لنشر فلسفتهم و مبادئهم ، استطاعت أن تؤثر في آداب كثيرة منها الأدب العربي المعاصر ، و أشهر أدبائهم ( جان بول سارتر ) و له عدّة مسرحيات أهمها : الذباب - جلسة سرية - رجال بلا ظلال ، و أشهر رواياته : الغريب - الطاعون . .*.*.*.*.*.*.*.*.*.*.*.*.*. * الرؤية الإسلامية للوجودية : 1 - أن الإسلام يرفض الوجودية بجميع أشكالها فالوجودية النصرانية تستمد مبادئها من التصور النصراني المُحرّف ، و هو تصوّر يجعل الإنسان حاملاً للخطيئة الأبدية ، و يزعم أن " آدم " أورث أبناءه خطيئته ، و هذا مخالف تماما للتصور الإسلامي الذي يقرر أن " آدم " قد تاب من معصيته ، و أن الله قبل توبته كما يقول تعالى ( فوسوس إليه الشيطان ، قال يا آدم هل أدلك على شجرة الخلد و ملك لا يبلى ، فأكلا منها فبدت لهما سوءاتهما و طفقا يخصفان عليها من ورق الجنة ، و عصى آدم ربه فغوى ، ثم اجتباه ربه فتاب عليه و هدى ) ، و هذا التصور مخالف أيضا للقاعدة الإسلامية الكبيرة ( و لا تزر وازرة وزر أخرى ) . 2 - ترفض الرؤية الإسلامية زعم الوجودية النصرانية بأن الطريق إلى الله يبدأ من الشعور بالإثم و الخطيئة ، و تُقرر أن الطريق إلى الله ينطلق من المعرفة الصحيحة و المحبة و الشكر ، و أما الشعور بالإثم فيكون مع التقصير و اقتراف الذنوب . 3 - و الوجودية الملحدة مرفوضة لأنها ملحدة أولا و آخرا ، و كل ما تأتي به مرفوض و لو توهم الواهمون أن فيه إبداعا و براعة فنية و متعة كبيرة . 4 - أن القضايا الوجودية التي يزرعها المذهب الأدبي الوجودي مرفوضة إسلاميا ، فالاغتراب الوجودي بعيد عن المسلم ، لأنه يتصل بخالقه عبر العبادة ، و قد حدثنا القرآن كيف خلق ، و لِمَ خلق ، و ما سيؤول إليه ، و ليس هناك حيرة و لا ضياع . 5 - و أما قضايا الحرية و المسؤولية و الالتزام فتختلف معالجتها في الإسلام عن المعالجة الوجودية اختلافا هائلا : # فالحرية التي تدعو إليها الوجودية تبدأ بالتفلت من العقيدة ، و الحرية في الإسلام تبدأ من فهم الإنسان لموقفه من الله ، ثم من الآخرين ، و هي منظمة بقواعد شرعية تحفظها . # و المسؤولية عند الوجوديين هي مسؤولية مرتبطة بمفهوم الحرية الوجودي ، و موجهة إلى تنظيم الحياة وفق معطيات العقل البشري ، أما المسؤولية في الإسلام فهي مسؤولية - الخلافة في الأرض - وفق المنهج الإلهي ، يُحاسب عليها أمام الله أولا ثم أمام الكيانات البشرية الشرعية . # و أما الالتزام فيقترن عند الوجوديين بخدمة الإنسان من وجهة نظرهم ، و الأديب الوجودي يحمل - باقتناعه الكامل - واجب تحقيق الدعوة لمبادئه الوجودية ، و أما الالتزام في الإسلام فيختلف مضمونه تماما ، لأن الأديب الإسلامي ملتزم بالدعوة الإسلامية في أدبه ، لا يخرج عن إطارها من جهة و يدعو إليها بالوسيلة الأدبية المناسبة من جهة أخرى ، و التزامه مقترن بإيمانه ، فهو طوعي إلى أبعد حد . و كما نرى .. فقد تتفق العناوين في المذهب الوجودي و الرؤية الإسلامية ، و لكنها تختلف اختلافا شديدا في مضمونها و دلالاتها ، لأن الوجودية تبدأ بالكفر فتقطع الإنسان عن خالقه ، و الإسلام يبدأ بالإيمان فيربط الإنسان بخالقه ، و لا يمكن أن يلتقيا في أي من القضايا و لو كانت أسماؤها واحدة . |
رد : المذاهب الأدبية الغربية ( رؤية إسلامية )
المذهب الرمزي * لمحة سريعة : هو ناتج عن عوامل عقدية / و اجتماعية / و فنية / و ثقافية .. تعاونتْ على إنضاج هذا المذهب في فرنسا ، على يد جماعة من الشعراء أشهرهم : ( بودلير ، رامبو ، فيرلين ، مالا راميه ) . فأما العوامل العقدية .. فهي : 1 - الشعور الحاد بالفراغ الروحي الذي يعيشه الفرد الأوروبي . 2 - الصدمة التي أُصيب الفرد نتيجة إخفاق النزعة العلمية في سد فراغه الروحي و تعويضه عن العقيدة الغائبة . 3 - الشطط الذي بلغته الفلسفة الوضعية . و أما العوامل الاجتماعية .. فهي : 1 - التناقضات الكبيرة التي كان يعيشها رواد الرمزية في مجتمعاتهم . و أما العوامل الفنية .. فهي : 1 - البحث عن أسلوب جديد في التعبير . فقد كره رواد الرمزية التعبير المباشر الواضح ، و نفروا من أساليب الواقعيين و البرناسيين ، و ادعوا أنها تعجز عن نقل إحساساتهم و أن اللغة ذاتها عاجزة عن نقل التجرية الشعورية العميقة ، لذلك ينبغي أن إيجاد أسلوب يوحي بهذه التجربة و ينقل أثرها إلى القاريء . و أما العوامل الثقافية .. فهي : 1 - تأثّرهم بكتابات الأمريكي ( أدجار آلن بو ) و أسلوبه الرمزي المتميز . 2 - تأثّرهم - من جانب آخر - بالفكرة الفلسفية التي تتحدث عن عالم خلف عالم الطبيعة و الواقع ... هو عالم المُثل . و قد تعاونت هذه العوامل على إخراج المذهب الرمزي و كان ميدانه الأكبر هو الشعر الفرنسي ، ثم تأثّر به شعراء و قصاصون و مسرحيون في بلاد أخرى ، و الشعر هو الذي جسّد مباديء الرمزية الغربية و أصولها بشكل كامل و قوي . .*.*.*.*.*.*.*.*.*.*.*.*.*. * أهم مباديء المذهب الرمزي : 1 - رفض النزعة العلمية ، و الروح الواقعية اللتين تغلغلتا في الأدب آنئذ . 2 - الهروب من الواقع ، و التعالي عليه ، و عدم الاهتمام بمشكلاته السياسية و الاجتماعية . 3 - البحث عن عالم مثالي مجهول يسد فراغهم الروحي و يعوضهم عن غياب العقيدة و التعلق به ، و الإخلاص له . 4 - رفض التعبير المباشر و الوضوح ، و الدعوة إلى نبذها . 5 - الاعتماد على أساليب تعبيرية جديدة للإيحاء بالمعنى و الإحساس ، مثل : تراسل الحواس " حيث يُسمع المشموم ، و يُشمّ المسموع " ، و استخدام الصفات المتباعدة للتشخيص " الضوء الباكي " ، و الخروج على الأوزان و القواعد النحوية . 6 - الاهتمام بإيقاع الألفاظ و العلاقات بين الأصوات للإيحاء بالمعنى ، و ربط الشعر بالموسيقى ، لتوليد الأثر الجمالي من تناغم الحروف . 7 - الاتجاه نحو جمهور خاص و محدود ، و التعالي على بقية الشعب . .*.*.*.*.*.*.*.*.*.*.*.*.*. * الرؤية الإسلامية للرمزية : ينبغي أن نفرّق - أولاً - بين الرمزية مذهباً أدبياً ، و استخدام الرمز في التعبير .. فليس كل نص استخدم الرمز منتميا إلى المذهب الرمزي ، و قد يكون في قصيدة ما رموز عدة ، و لا نعدها في الرمزية المذهبية . و الفيصل في الأمر وجود خصائص المذهب الرمزي فيه ، و ارتباطه بالأصول الفلسفية التي اعتمد عليها المذهب . و اعتماده بشكل أساسي على أدواتها الفنية . لذلك تنصرف رؤيتنا الإسلامية إلى المذهب الرمزي الغربي ، و النصوص الأدبية المرتبطة به و المتأثرة بأصوله الفلسفية و أما التعبير بالرمز دون الارتباط بخصائص المذهب الأخرى فأمر لاغبار عليه البتة ، و قد سلكه عدد من الأدباء الإسلاميين قديما و حديثا ، و عبّروا به عن تجارب روحية عميقة تعجز الأساليب الأخرى عن نقلها بهذا التأثير و الجمال . و غني عن القول أنه لا حرج على الأديب المسلم أن يستخدم أسلوب التعبير بالرمز في نقل تجربته الشعورية ، بل ربما يكون هذا الأسلوب منفذه الوحيد في بعض المجتمعات . و أما المذهب الرمزي الغربي فهو نتيجة تمزّق الفرد الأوروبي و ضياعه ، بعد أن تزعزع إيمانه و اشتطّ في إلحاده ، فقد علّق آماله على العقل البشري ، و ما توصّل إليه من علوم ، و ظنّ أنه سيجد عنده الخلاص ، و لكنه - بعد خطوات قليلة - أحسّ بضيق العالم الذي حبس نفسه فيه ، و أحسّ بغياب " الروح " و طغيان عالم المادة ، فعاد يبحث عن الحقيقة الغائبة ..!! و لأنه هجر الكنيسة لتعسّفها التاريخي ، و لم يعد إليها ، و لو عاد لما وجد ما يُشبع خواءه الروحي . لذلك سلك دروب الجمال الفنّي و أغرق نفسه فيها علّه يجد عندها الخلاص . و اتخذها بديلا عن العقيدة . و لكن الجمال لن يكون أحسن حالا من الكنيسة و لن يسد فراغه الروحي .. الأمر الذي يجعلنا نسجّل على الرمزية الغربية المآخذ التالية : 1 - أن أساسها الفلسفي صادر عن فراغ روحي ، و إفلاس عقدي و ضياع في عالم المادة .. و هذا أمر لا يقع فيه الأديب المسلم ، إلا إذا انحرف عن فطرته . 2 - أن " عالم الجمال المثالي " الذي تعلقوا به قد صار بديلا للعقيدة عندهم ، و هو عالم مجهول استغرقوا فيه استغراق المتبتل في عبادته ، و هذا ولاء لا يعطيه الأديب المسلم إلا لله و رسوله . 3 - يترفّع الرمزيون عن الشعب و مشكلاته ، و ينصرفون عن قضايا الحياة التي يعيشونها ، و هذا هروب لا نرضاه للأديب المسلم . 4 - يستخدم الرمزيون - في بعض الحالات - أدوات فنية ترتبط بتصورات لا يوافق عليها الإسلام ، كرموز الصلب و الفداء و القربان و الخطيئة النصرانية ، و بعض الأساطير بمدلولها الوثني . و إذا لم تجرّد هذه الأدوات من ارتباطاتها العقائدية فإنها تنقل التصور المنحرف و تثبته و تُناقض التصورات الإسلامية . |
رد: المذاهب الأدبية الغربية ( رؤية إسلامية )
المذهب السريالي * لمحة سريعة : قامت خلال الحرب العالمية الأولى حركة احتجاج فوضوية سُمّيت " الدادية " نسبة إلى زعيمها " الدادا " و قادها بعض الشباب . و أعلن هؤلاء أن القيم التي وصلت إليها الحضارة الإنسانية هي المسؤولة عن هذا الدمار ، و لذا فإنهم يرغبون في العودة إلى الحياة الإنسانية الأولى . غير أن حركتهم انتهت بسرعة ، و انتحر زعيمها .. بسبب فوضويتها و جهل أصحابها بالطريق الذي يمكن أن يحقق أهدافهم . و على إثرها قامت حركة أخرى استفادت من أخطاء الدادية فتجنبتها ، و كان رائدها " أندريه بريتون " قد أعلن مع مجموعة من أصحابه عن تشكيل مذهب جديد ، و أطلقوا عليه اسم السريالية . - و تتفق السريالية مع الدادية في رفضِ ما وصل إليه الإنسان من قيم حضارية / و اجتماعية / و دينية ، و البحث عن قيم بديلة . - و تختلف عنها في أن رفضها منظم / و مُفلسف ، يعتمد على بعض المُعطيات الفلسفية ، و نظريات علم النفس التحليلي ، و لا سيما نظرية " فرويد " في " اللاشعور " . و قد لقيت السريالية أول ظهورها رواجا كبيرا ، و لكن ما لبث أن توقف مدّها بعد ربع قرن ، و أخذت في الانكماش و التقلص و شعر دعاتها بالعجز عن تحقيق أي هدف و بعقم ثورتها على القيم و المعتقدات و إخفاقهم في إيجاد " مسيحية جديدة " تخلص الإنسان من عذابه و ضياعه كما كانوا يظنون ، و تحول عدد منهم بعد الحرب العالمية الثانية إلى الشيوعية ، و جُنَّ بعضهم ، و سكتَ الآخرون . .*.*.*.*.*.*.*.*.*.*.*.*.*. * أهم مباديء المذهب السريالي : 1 - تجاوز القيم السائدة و المعتقدات و الأديان و التقاليد الاجتماعية ، و اللجوء إلى الإحساست الداخلية للإنسان " اللاشعور " و " الحلم " . لذا يهمل السريالي الواقع ، و يغوص في أعماق الإنسان ، و يتعلق بعالم الأحلام ، و يُطلق العنان لكل ما في نفسه من رغبات مكبوتة ، و قد يستعين بمؤثرات خارجية ، كالخمر و الأفيون ليصل إلى حالة الذهول و الغيبوبة و يعبر بصدق تام - كما يزعم - عن عالم اللاشعور في داخله ، و كثيرا ما يعتمد على التداعي المطلق للألفاظ و الأفكار لتسجيل كل ما يدور في نفسه . لذلك لا يهتم بأن تكون مشاعره واضحة ، و أفكاره مترابطة . و نتيجة لذلك نرى إنتاجا مفكك الأجزاء ، يحتاج إلى جهد كبير لفهمه و معرفة ما يريد أن يقوله صاحبه ، و قد يعجز صاحبه نفسه عن تقديم تفسيرٍ مقبولٍ له . .*.*.*.*.*.*.*.*.*.*.*.*.*. * الرؤية الإسلامية للسريالية : كان ظهور السريالية واحدا من ردود الفعل التي أحدثتها الحضارة الغربية في الإنسان الغربي . و لعل أكبر أسباب قيامها هو غياب العقيدة الصحيحة عن الفرد الغربي ، و ضياعه ، و الضلال الذي ساقته إليه النظريات العلمية المنحرفة ، و في مقدمتها نظرية " فرويد " عن عالم اللاشعور . و على الرغم من أن الذين تعلقوا بالسريالية كانوا يبحثون عن مخلص من تفسّخ حضارتهم و تناقضاتها فإن السريالية لم تزدهم إلا وبالا .. و بالإضافة إلى ذلك فقد أنتجت نصوصا أدبية مضطربة تزيد الضائعين ضياعا ، و تحوّل الأدب إلى هذيانِ محموم . و غنيٌ عن البيان أن أسس السريالية جميعها تتناقض مع الإسلام ، فالمسلم لا يهمل الواقع أبدا ، و لا يتجاوز عقيدته و عقله ، بل ينظم غرائزه و يتحكم بها وفق المنهج الإسلامي . بل إن السريالية تتعارض مع أبسط القيم الأخلاقية و الاجتماعية العامة لذلك لم تعمر طويلا ، فأخذت تذوب و تتلاشى تدريجيا و انفضّ عنها من أُعجب بها ، حتى لا نكاد نجد لها شواهد مهمة في عصرنا هذا . |
الساعة الآن 04:01 AM. |
Powered by vBulletin® Version 3.8.7
Copyright ©2000 - 2024, vBulletin Solutions, Inc. Trans by