منتديات بلاد ثمالة - من يوميات الرعاة في عصور خلت(ح2) .

بسم الله الرحمن الرحيم
والآن لابد لنا مما لا بد منه , لابد لنا من الدخول مباشرة في صلب وصميم الموضوع , وترك الفذلكات ألأنشائية والحشوات اللفظية كتلك التي جاءت في المقدمة التي طالت وأملت عندما استهلكت حلقة كاملة (ألأولى) بطولها وعرضها مع ما تلاها من مداخلات حتى نفذ صبر القراء وسألوا من الله قرب الفرج , فما هكذا تطول المقدمات , وما هكذا تتشعب المداخلات .
وهذا أدناه رابط الحلقة ألأولى لمن لم يطلع عليها :
http://www.thomala.com/vb/showthread.php?t=72411]
شيخكم منقاش الملقب ببدر الدجى وعرعرة المنتدى تحدث بأستفاضة عن عصر الرعاة في عدة حلقات متتابعه أثناء أستضافته على قناة الجزيرة في حوار حي على الهواء أجراه معه المذيع أحمد منصور في أحد برامجه(بلا حدود) , وكان عنوان الحلقات , ذكريات ما أنقرض من حياة الرعاة ونصها كالتالي :
أحمد منصور : أيها السادة المشاهدون في كل مكان من أنحاء وطننا العربي الكبير , السلام عليكم ورحمة الله وبركاته , واسعد الله مساءكم , وبعد :
ضيفي بهذه الليلة هو الرجل المخضرم الذي أدرك عصورا متعدده وعصرته الحياة كما تعصر الليمونة , لقد أكل الدهر وشرب على أبي نقشة الذي قضى بواكير حياته راعيا للغنم في مجتمع الرعاة ألأقحاح , وحفيت قدماه حتى دميت واستشافت (كثر فيها الشافات , جمع شافه) وهو يتتبع الماعز والشياه في بطون الأودية وشعاف الجبال بوادي جفن وعلق وعورش وضرايم والحفياء وورد وشث والنعامه وقواسي والمشارق والمظاحي والقلب والخبيثاء وجبل الدار وحمى ثمالة وغيرها من المواقع التي تشاهدونها معلمة على الخرائط المعروضة أمامكم على الشاشة .. .
ومد الله في عمر الشيخ حتى رأى بأم عينيه أقرانه من الحفاة العراة رعاة الشاه وهم يتطاولون في البنيان , بل أنه قد رأى البعض منهم وقد تطاولوا في البنيان قبل أن يشتروا الأحذية التي تقي بطون أقدامهم لهيب الرمضاء بهجير الصحراء , وها هو لازال واقفا أمامكم كالطود ألأشم لم ينل منه مر العصور ولا كر الدهور بعد أن أجتاز عصر مدرسة قرية المقداد كما أجتاز من قبله عهد الرعاة في العصور الوسطى .
وهاهو أليوم لا يزال يخوض معكم غمار عصر الهاي تك بعد أن تتكتك من عصر الى عصر ومن جرف الى دحديرة حتى أصبح قاب قوسين أو أدنى من عصر النانو تك الذي أدخر له ما أستطاع من النفائس والدريهمات التي طاف في سبيل جمعها الدنيا مشرقا ومغربا وجمعها من الحلال والحرام بكد اليمين وعرق الجبين لكي يحقق حلما طالما راوده حتى وأن بدا له أو لغيره بعيدا أن لم يكن مستحيل المنال , وذلك بشراء أحد الكواكب الزراعية الخالية من السكان في أحدى المجموعات الشمسية بمجرة درب التبانه , المجرة التي لا بد أن تكون زراعية كما يتصور الشيخ طالما وجد بها درب للتبانة الذين لا يستبعد أنهم أشتروا التبن لبهائمهم وتركوا الحبوب لغيرهم ..
بعبارة أخرى , لم يعاصر أحد مثل ما عاصر هذا الماثل أمامكم (ابو نقشه) من التحولات ألأجتماعية والثقافية والعلمية والمادية على مدار التاريخ , لذلك فأن الرجل تاريخ حي يمشي على ألأرض , وموسوعة حرة عز نظيرها في هذا الزمن الذي عزت به الموسوعات .
لذلك كان حتما ولزاما على قناة الجزيرة والحال كما ذكرنا أن تغتنم الفرصة السانحة , وتسابق الزمن لعلها تحضى بهذه المقابلة التلفزيونية لتختطف ولو شيئا يسيرا من بقايا ذكريات هذا الجهبل زعيم الجهابلة قبل أن تتقدم به الشيخوخة وتتبخر المعلومات من رأسه ...
فأهلا بك يا شيخنا , ونرحب بك بأسم مشاهديك على قناة الجزيرة , واسمح لي أن أفتتح أسئلتي معك هذه الليلة بالسؤال الذي طالما احرج الكثيرين من ضيوفنا الذين سبقوك خصوصا السيدات ,,, ألا وهو متى وأين ولدت , وكم عمرك أيها الجهبل؟؟ ...
الشيخ منقاش : (بالعاميه) , جهبلتك العافيه يا ولد منصور , والله يبقيك ومن الشر يذريك , ويكفينا ويكفيك شر عيال الحرام وبنات الحرام , ويرزقنا ويرزقك ويرزق المشاهدين بالزوجات الصالحات العاقلات اللي ما يكلفون أحد لا شبكات ولا دبكات حتى لو كانوا من اليهوديات المتصهينات والا من المسيحيات الأورثوذوكيات الأوكرانيات ..
بخصوص سعالك عن عمر فخامتنا , فهذا غيب غايب عني وعنك لأن الأعمار بيد الله , ولو فيه أحد من الناس يعرف عن عمره اللي ينتهي يوم منيته , كان ما زكى ماله ولا تصدق بقرش واحد من حلاله طيلة حياته , وكان خلى أحسن ما منه آخر ما منه .
يعني كان أخر الصدقه وزكاة المال وأجلها الى آخر ساعه من آخر يوم من حياته وأول يوم من آخرته , وان عز عليه ولا قدر يخرجها بنفس طيبه وهو حي يرزق , يقدر على أقل تقدير يوصي بها عياله من بعده حتى يطلعها من ذمته ويحطها في ذمة غيره , وينسل من حسرة أخراجها ومسئوليتها كما تنسل الشعره من العجين..
أما سعالك , متى ووين أنولدت ؟؟, فهذا جوابه مثل جواب سعالك ألأول , يعني أنه من الغيبيات اللي ما يعلمها أحد يا أحمد , ولا يسأل عنها عاقل شروايه وشرواك من الرجال وشروى المشاهدين من النسا والرجال .
لكني سمعت تلاطيش علوم يقول فيها القواله أن مكان وزمان ميلاد ابو نقشه كان في يوم من ألأيام تحت شجره في عز الربيع مع بداية تفتح الورود , وهذا كلام باين صحته وقابل للتصديق بدليل حبي للشجاري وهيامي بالحياه الفطريه , لأن العلم الحديث أثبت أن كل مولود يعيش مغرم ويموت متيم بالحياه اللي تفتحت عليها عيونه , وأن جاك ظني , فالأرجح أن سنة الدبى جات قبلي بقليل أو أنا جيت قبلها بشويه , يعني أن واحد منا جا قبل الثاني , أو قول أني أنا وسنة الدبى نتراوح , لا هي بعيده عني ولا أنا بعيد عنها.. .
وبالمناسبه , يا كثر الجماعه من جيلنا ومن خيار ربعنا اللي أنولدوا تحت الشجاري وبالأخص في سنين الدبى ودهر أبو جلود , ويا كثر المواليد اللي روحت بهم أمهاتهم تالي النهار وهم يحوشون في غنمهم ويحملون في مواليدهم اللي ولدوهم في المفالي (مفالي الغنم)..
كانوا ناس على الفطره يولدون في كل مكان , وبعد المرواح ما يحطون الجنوب على الفرش ألا بعد يشبون النار ويسون القهوه ويكملون كل ألأشطان اللي كانت تشطنهم كل يوم ...
أحمد منصور : مع الأسف تهربتم من أجابة سؤالنا ألأول , ولضيق الوقت سنتحول بكم حالا الى السؤال الثاني ....
ماهي أوجه الشبه والأختلافات في نمط معيشه الناس , بين عصر رعاة الغنم الذي عاصرتموه في العصور الوسطى, و عصرنا الحالي عصرالهاي تك ؟؟.
الشيخ منقاش : (بالعاميه) , ألأختلاف من كثرته وكبره ما أقدر أحصره , والشبه من قلته وصغره ما أقدر أتذكره , لكن عصر رعاة الغنم أكثر ما يميزه أن ألأسره فيه كانت منتجه بنسبة 99% , يعني تاكل من ما تنتج , وتلبس من ما تخيط وتصبغ , وتسكن في ما تنتج , وتفترش وتلتحف وتمعون حوايجها في ما تنتج .
أما في زمانك فالأسره أصبحت عاله على غيرها ومستهلكه 100% ولا تنتج لا قليل ولا كثير , ولو أحوجتها الظروف لا قدر الله على ألأعتماد على نفسها كان تسولت والا فطست في مكانها , ولا أقول ألا أن أهل هذا الزمان مساكين ويحسبون أنهم على شي وهم لا شي , ولا أدري ويش حيلتهم لو تسددت عليهم منافذ البحور , والا نضب عنهم البترول اللي قرب ينضب ؟؟؟ ..
أحمد منصور : لقد فتحت بأجابتك السابقة أسئلة كثيره سنسألك عنها واحدا واحدا , ولعلي أبدأها بالسؤال , كيف كان رعاة الغنم يسكنون فيما ينتجون ؟؟؟.
الشيخ منقاش : (بالعاميه) ,ما يخفى عليك ولا على المشاهدين , أن 95% من ثمالة العصور الوسطى كانت حرفتهم الزراعه الى جانب الرعي , وأذا حفت وأمحلت ديارهم رحلوا ورا الكلا والماء وتحولوا لرعاه 100% , وبعضهم كانوا يرحلون عن زمهرير شتاء الشفيان ويحودرون يم وادي علق وقواسي وغيرها , وينزلون بحلالهم وبعض عيالهم وينصبون خدورهم في جناب من جنبان هاك الديار مع فريق من الجيران قرب واحد من موارد الماء ....
الخدر اللي تسمونه اليوم ببيت الشعر , كان هو المسكن أذا رحل رعاة ثماله من ديارهم , بيت الترحال هذا اللي أسمه الخدر كانوا نسانا هم اللي يصنعونه من شعر الماعز , لأن الماعز شعرها أقوى وأفضل من شعر الضاينه وحتى البل بسبب متانته وطوله ولونه ألأسود اللي يتحمل ولا يحتاج لصباغ مثل شعر باقي الحلال من غنم والا غيرها ...
والعمليه تبتدي بغسيل الماعز بالماء على أطرف الغدران والا على جانب نجل منساب من النجول الجاريه في الوديان , وأذا جفت الماعز يثلون شعرها ثم تنتهي مهمة الرجال ويسلمون الشعر للنسا اللي يكردشونه بالكردايش (جمع كرداش)حتى ينعم ويصبح عهن منفوش , ثم يحطون عمايت العهن (العمايت جمع عميته وهي ملى الكفين من العهن) في راس الغزله ويغزلونه بالمغزل حتى يتحول من عهن الى خيوط مبرومه , ثم يدبلون الخيوط المبرومه ويكررون برمها بالمغازل حتى تحول الى خيط مدبول أقوى وأمتن من ألأول يسمونه البريم , ثم يلفونها على أشكال مكوره يسمونها الكبب (جمع كبه بضم الكاف وفتح وتشديد الباء) .

http://www.thomala.com/vb/imgcache/1...3388f55c2b.jpg

أعلاه صور للشوالق.

وفيه خطوه أضافيه ما يسونها للخدور لكن هذا مكان ذكرها, وهي خطوه تخص صناعة الشمال (جمع شمله) , يقومون فيها بلف خيوط الكبب في لفايف كبيره تمتد من القدم حتى ذراع اللي تلف الخيوط ويسمونها الشوالق (جمع شولق) , والغرض منها تسهيل صبغها من قبل الصباغين في مصابغ البنادر بألوان مختلفه وكثيره وطبيعيه (ماهي كيماويه مثل ألوان زمانكم) وكل شولق بلون واحد .
ثم يطرحون خيوط الكبب في فلجان طويله وعريضه (الفلجان في النسيج جمع فلج , وهي أجزاء الخدر الطوليه اللي كل جزء منها بكبر الشمله) , ويبتدون في نسيجها بأدوات النسيج مثل المدرا والمنسجه وغيرها من معدات النسيج اللي يتداخل ويدك فيها كل ثلاثه من خيوط البريم مع بعضها , وبعد ينتهون من الفلجان يخيطونها في بعضها بخيوط البريم حتى يكتمل بيت الشعر اللي يكبر أو يصغر حسب حاجة ووجاهة راعيه , لأن الرجل المضياف في هاك ألأزمان لا بد يكون خدره رفيع العماد وطويل وعريض يستوعب كثرة الضيوف ....
أحمد منصور : الوقت ألآن أوشك على النفاذ , ولم يتبق منه سوى دقيقتان نريدك خلالهما أن تعرف المشاهدين على معني كلمتي الفريق والجناب اللتين وردتا في أجابتكم السابقه ؟؟....
الشيخ منقاش : (بالعاميه) , الفريق مجموعة من بيوت الشعر والخيام والدبالة لنزلاء من أهل الحلال الرحل , ويفصلهم عن بعضهم مسافه تكفي لبقا قدر معقول من الخصوصية والحيلولة دون أختلاط الرعايا وبقية بهائمهم على بعضها في رواحها لممراحها أو مسراحها من مراحها ...
والجناب أرض مستوية في أحضان سفوح الجبال من مايلي حواف وضفاف ألأودية , لكنها مع قربها للأوديه تكون مرتفعة قليل عن مجاري السيول....
أحمد منصور : ألأخوة المشاهدون , لقد أنتهى وقت هذه الحلقة , وسوف نستكمل المقابلة مع سماحة الشيخ في الحلقة القادمة أن شاء الله وما يليها من حلقات , فشكرا لكم وشكرا لشيخنا دام ظله الشريف ...
أنتهى نص المقابلة بالحلقة ألأولى ..
والى هنا نستودعكم من لا تضيع ودائعه , ونود منكم الحرص على متابعة بقية الحلقات لعلكم تلموا بطريقة حياة قطاع عريض من أجدادكم يربطكم بهم النسب ويفصلكم عنهم هوة ثقافية ومادية عظيمة ما كانت لتحدث حتى بألف ولا عشرات ألألوف من ألأعوام لوبقيت الحياة على أيقاعها القديم , ولكنها أرادة الله الذي جعلها تحدث بهذه السرعة المهولة في بضعة عقود فقط تزامنت مع تناثر حمم براكين الثورة الصناعية , ودخول الحديد ذي البأس الشديد لمعترك الحياة ممثلا في الآلة , وتفجر ينابيع الطاقة البتروليه .
وأذا أراد الله بقوم أمرا فلا مرد له , وأمره سبحانه بين الكاف والنون , والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته...