كلام ادبي
المقـامَــة الأدبـيّــة*
أَلَمْ تَرَى كَيْفَ ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلاً كَلِمَةً طَيِّبَةً كَشَجَرَةٍ طَيِّبَةٍ أَصْلُهَا ثَابِتٌ وَفَرْعُهَا فِي السَّمَاءِ أنظم الشعر ولازم مذهبي في اطراح الرفد فالدنيا أقل فهو عنوان على الفضل وما أحسن الشعر إذا لم يبتذل قال الراوي : سمرنا ليلة مع جماعة أبية ، لهم شوق إلى المقامات الأدبية ، والأشعار العربيّة ، فقالوا حدثنا عن الأدب ، فإنه ديوان العرب ، ومنتهى الأرب ، ونهاية الطلب . قلنا : حباً وكرامة ، وتحية وسلامة ، فقد رضعت الآداب ، وجالست الأعراب ، وحفظت الشعر من عصر الشباب ، فالشعر عندي سمير ، وهو لنفسي روضة وغدير . وحديثه السحر الحلال لو أنه لم يجن قتل المسلم المتحـرّزِ إن طال لم يملّ وإن أوجزته ودّ المحـدث أنه لـم يوجـزِ فقال أحد السُّمار ، من محبي الأشعار ، أفض علينا من القصائد الغراء ، التي قالها على البديهة الشعراء ، قلت : هذا فن طويل الذيل ، يأخذ في كل سبيل ، ولكن سوف أورد بعض الشواهد ، والشوارد ، والأوابد . فهذا أبو جعفر المنصور تحدى الشعراء بقافية ، قال : من أجازها فله الجائزة وافية ، إذ يقول ، وفكره يجول : وهاجرة وقفت بها قلوصي يقطع حرها ظهر الغطايَه فقام الشعراء على ركبهم جاثين ، كلهم يريد الجائزة من أمير المؤمنين ، فقال بشار بن برد ، وكان سريع الردّ : وقفت بها القلوص فسال دمعي على خدي واقصر واعظايَه فأخذ بردة أبي جعفر ، وكانت من خز أصفر . وهذا أبو تمام ، وهو شاعر مقدام ، مدح المعتصم ، فما تعثر وما وهم ، يقول : إقدام عمرو في سماحة حاتمٍ في حلم أحنف في ذكاء إيـاسِ فقال الحارث الكندي ، ما لك قدر عندي ، أما تخاف ، تصف أمير المؤمنين بالأجلاف ، فانهد أبو تمام كالسيل معتذراً عما قيل : لا تنكروا ضربي له من دونه مثلاً شروداً في الندى والباسِ فالله قد ضرب الأقل لنـوره مثلاً من المشكـاة والنبراسِ حكم النعمان ، على نابغة ذبيان ، بالإعدام ، بعد ما اتهمه ببعض الاتهام ، فأنشده البائيَّة الرائعة الذائعة : فإنك شمس والملوك كواكب إذا طلعتْ لم يبْدُ منهن كوكبُ فعفا عنه وحباه ، وقربه واجتباه . وأهدر البشير النذير ،دم كعب بن زهير، فعاد إليه ، ووضع يده بين يديه ،وأنشده : بانت سعاد فقلبي اليوم متبول متيم إثرها لم يُفد مقبولُ فحلم عليه وصفح ، وعفا عنه وسمح ، واستقام حاله وصلح . وأصدر حاكم اليمن ، قراراً بإعدام سبعين من أهل العلم والسنن ، والفقه والفطن ، فأنشده البيحاني ، قصيدة بديعة المعاني ، هزّ بها أعطافه ، واستدر بها ألطافه ، أولها : يا أبا المجد يا ابن ماء السماء يا سليل النجوم في الظلماء فأكرم مثواه ، وعفا عن السبعين من العلماء والقضاة . وكاد معاوية أن يفر من صفين ، يوم وقف بين الصفين ، فذكر قول ابن الأطنابة، فأوقف ركابَه : أقول لها وقد جشأت وجاشت مكانك تحمدي أو تستريحي وأوشك المتنبي الشاعر الهدّار ، أن يولي الأدبار ، ويجد في الفرار ، فكرر عليه غلامه ، أبياتاً ثبتت أقدامه ، حيث يقول : الخيل والليل والبيداء تعرفنـي والسيف والرمح والقرطاس والقلمُ فرجع مقبلا ، فقتل مجندلا . وقتل عضد الدولة الوزير ابن بقية ، ولم تردعه تقيّة ، فأنشد ابن الأنباري قصيدة كأنها برقية ، أو رواية شرقية ، اسمع مطلعها ، وما أبدعها : علو في الحياة وفي الممات بحق أنت إحدى المعجزات فسمعها عضد الدولة فتأسف ، وقال حبذا ذاك الموقف . ولما قتل محمّد بن حميد ، بكاه أبو تمام بذاك القصيد ، ورثاه بذاك النشيد : كذا فليجل الخطب وليفـدح الأمرُ فليس لعين لم يفض ماؤها عذرُ وسب أحد الأمراء ، المعري أبا العلاء ، وهجاه أشد هجاء ، وسب أستاذه سيد الشعراء ، فقال أبو العلاء : لا تسبه أيها الأمير ، فإنه شاعر قدير ، ولم يكن له إلا قصيدة، لك يا منازل في القلوب منازل أقفرت أنت و هن منك أواهل ففهم الأمير ماذا يريد ، لأنه قصد آخر القصيد ، وهي قوله : وإذا أتتـك مذمتي من ناقصٍ فهي الشهـادة لي بأني كامـلُ * مقامات القرني(المقامه الادبية) |
الساعة الآن 03:27 AM. |
Powered by vBulletin® Version 3.8.7
Copyright ©2000 - 2024, vBulletin Solutions, Inc. Trans by