ظاهرة التمييز بين الأبناء
لعل الأبناء قرة عين الآباء ومكمن راحتهم وبهجتهم، ومصدر رزق غير منتظر، تسعد بسعادتهم النفوس، إلا أن الجدير بالطرح، هو أن جل الآباء لا يحسنون التصرف ولا المساواة بين أبناءهم فيصبحون مصدر نقمة من حيث هم مصدر نعمة، وبتصرفهم هذا يجعلونهم أعداءً لهم دون قصد أو تعمد، كيف ذلك وما السبيل إلى الاحتراز من هذه الظاهرة؟
التمييز والتشريع الإسلامي: مما لا اختلاف فيه أن الإسلام يكره الظلم ويعاقب عليه، والتمييز بين الأبناء جور غير معلن، وقد حث الرسول - صلى الله عليه وسلم - على العدل بينهم دونما تفرقة بين الجنسين ذكورا كانوا أم إناثا. وقد روى الشيخان عن النعمان بن بشير - رضي الله عنه - أن أباه أتى به رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقال إني نحلت ابني هذا غلاما كان لي، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: (يا بشير ألك ولد سوى هذا؟) قال: نعم، قال (أكلهم وهبت لهم مثل هذا) قال: لا، قال: (فلا تشهدني إذن فإنني لا أشهد على جور، ثم قال أيسرك أن يكونوا لك في البر سواء؟ ) قال: بلى، قال: (فلا إذن) متفق عليه. التمييز ألوان مختلفة: التمييز أنواع متعددة ومتنوعة، إلا أننا قد نجد الولد يعاني من نوع واحد أو أكثر بحسب نوعية الآباء وطبيعتهم. - من الناحية المادية: لعل الحديث السالف الذكر خير دليل على هذا النوع أي التمييز في النفقة والمأكل والملبس وواجبات التمدرس- ودليل على وجوب وضرورة تجاوزه، لما له من انعكاسات سلبية قد تؤثر على العلاقة بين الوالدين والأولاد مستقبلاً. - من الناحية المعنوية أو العاطفية: فالآباء من الواجب عليهم المساواة بين أبناءهم في الاهتمام والمداعبة والعطف والحنان بل حتى في القبل، فإعلان المحبة للأبناء دون تميز هي ترجمة لحب وحنان الوالدين ومحاولة منهم للوصول إلى أعلى درجة المساواة، إن لم ينجحوا في ترجمتها وتجسيدها على أرض الواقع عبر التصرفات الفعلية التي تفضح ما قد يخفيه الأب والأم على حد سواء. - التمييز في التأديب: يقول الدكتور عبد المجيد بن مسعود بأنه إذا عجزت جميع الوسائل الإصلاحية ملاطفة ووعظا وزجرا وهجرا، فلا بأس بعد هذا أن يلجأ إلى الضرب غير المبرح، عسى أن يجد المربي في هذه الوسيلة إصلاحا لنفسه وتقويما لسلوكه واعوجاجه. ومن الملاحظ أنه قد يلجأ الآباء إلى التمييز حتى في التأديب، حيث تسلك وتتبع هاته المراحل مع الابن المفضل فيتوقف التأديب عند الهجر في أصعب الحالات، في حين يتم خرق المراحل والبدء بالهجر مع الابن غير المفضل في أفضل الحالات. وللإشارة فإن المساواة من الناحية المادية دون المساواة المعنوية بين الأبناء تفضي إلى نفس نتيجة عدم المساواة في كلتا الناحيتين، لذا وجب المساواة في جميع الحالات. وفي هذا السياق تحكي الطالبة " ف. أ " معاناتها لتقول: (أبي غفر الله له يفرق بيننا وأمي كذلك، ويعلنون ذلك أمامنا دون تحفظ، وحصة الأسد مادياً ومعنوياً لأختي، بالرغم من سوء تصرفاتها مع الجميع فكلما اجتمعنا يحدثنا عن الرزق الذي جناه بعد ولادتها لدرجة أنني بعدما نفذ صبري قلت له: هل أصابك "السيزي" بعد ولادتي؟ فتفطن للأمر وقال: لا بل أصابني رزق مضاعف). اختلاف الطباع والجنس من مسببات التمييز. كثيرا من الآباء يعتقدون أن المسؤول الأكبر عن التمييز بين الأبناء هم الأبناء أنفسهم، فاختلاف الطباع وحسن التصرف واللباقة في استغلال نقط ضعف الآباء لتحقيق متطلباتهم، يحيد بالأب والأم عن المساواة دون قصد مسبق في أغلب الأحيان. سواء في الإنفاق أو العطف أو حق إبداء الرأي والاعتراض. فلا يحسب حساب للرأي الصائب بل للرأي الصادر من الابن المميز بحسب الطباع السالفة الذكر. وقد يكون الذكر في الأوساط الشعبية خاصة- مقبولاً في جميع تصرفاته عن الأنثى وتعطى له كل الصلاحيات وتنفذ له كل الرغبات ناسين أو متناسين قوله - تعالى -: (يهب لمن يشاء إناثاً ويهب لمن يشاء الذكور، أو يزوجهم ذكراناً وإناثاً، ويجعل من يشاء عقيماً إنه عليم قدير) [الشورى 50-94]. وقوله - عليه الصلاة والسلام -: (من كان له ثلاث بنات أو ثلاث أخوات اتقى الله فيهن، وأقام عليهن كان معي في الجنة هكذا، وأشار بأصبعه الأربع ) [رواه داود]. و هنا شهادة يعتد بها لأب يحكي ما عاناه من أبيه فيقول: ( لو رأيته في النار فلن أعتقه هو سبب محنتي، كان دائما يسمع رأي أخي الأصغر الذي ينفق عليه فأبي" فلايسي "). وأخرى حاصلة على الإجازة تعاتب نظرة بيئتها للأنثى: (رأي أخي الأصغر مقبول لا لكونه صائبا بل لمجرد أنه ذكر وأنا أنثى). التمييز سبب الحقد والضغينة: يقول الدكتور محمد علي الهاشمي (يترك التفضيل أثرا سيئا في نفس الولد الذي فضل عليه أخوه ذلك أن الولد الذي لا يشعر بالتسوية بينه و بين إخوته ينشأ معقدا حاقدا قلقا تأكل الغيرة والحقد والحسد قلبه. وعلى النقيض من ذلك ينشأ الولد الذي يشعر بالتسوية- بينه وبينهم- نشأة صحية نقية خالية من عقد النقص، بعيدة عن الحقد والحسد والضغينة والغيرة). وفي هذا المضمار يقول محمد 20 سنة: (لا أهتم بأخوتي ولا أحبهم لأن أبي أخذ حصتي من الحب والحنان والنفقة ومنحها لهم، أكره الجميع). وقد يؤدي هذا الإحساس بالأبناء إلى الإصابة بأمراض نفسية في حالات عديدة. هذه المسألة يوضحها الدكتور عمر محمد التومي الشيباني في كتابه الأسس النفسية والتربوية لرعاية الشباب بفكرة مفادها أن النتيجة الحتمية لفشل الشاب في تحقيق أهدافه وإشباع حاجاته الجسمية والنفسية والاجتماعية هو انحراف صحته النفسية والجسمية وضعف معنوياته وشعوره بالفشل والإحباط ووقوعه تحت وطأة التوتر والصراع النفسيين. وما حدث للطفلة (س-ب 14 سنة) التي عبرت بلسان الحال بدل لسان المقال عن حالتها ونفسيتها الرافضة للتمييز الممارس ضدها، حينما خدشت وجه أختها بالكامل - في الوقت الذي تحاول فيه الأخرى مداعبتها- لأنها كانت تحس بأنها السبب في تعاستها. فكثيرة هي الحالات المماثلة، إذ يستمر هذا الحسد وهذه الضغينة إلى ما بعد مرحلة الطفولة، وقد يتسبب في حقد ليس تجاه الإخوة و الآباء فقط بل تجاه الأبناء إذا ما تطورت بعض الحالات إلى عقد نفسية لم ينتبه إليها في مرحلة الطفولة. فغالباً ما نسمع عن أم أو أب يضرب أبناءه دون سبب أو يميز بينهم بجميع ألوان التمييز والسبب راجع إلى أبويه ليتسيب هو الآخر في إلحاق نفس المصير بأبنائه الذين يلحقون الضرر بأبنائهم وهكذا. منقوول |
جزاك الله خيرا اخي مطر الليل
نقل موفق وجميل |
abonayf .... الله يعطيك العافيه على الاطلاع....
|
وهنا تأتي مشكلة الابن الأكبر.وهي ظاهرة للأسف أصبحت وكأنها متوارثة .الاهتمام به دون اخوته
وهذا خطأ .فلا يدري الأب أين الصالح والنافع من ابناءه |
الساعة الآن 04:00 AM. |
Powered by vBulletin® Version 3.8.7
Copyright ©2000 - 2024, vBulletin Solutions, Inc. Trans by