منتديات بلاد ثمالة

منتديات بلاد ثمالة (http://www.thomala.com/vb/index.php)
-   الــمـنـتـدى الإسـلامــــــــي (http://www.thomala.com/vb/forumdisplay.php?f=12)
-   -   ماذا لو غرقت السفينة ؟! (http://www.thomala.com/vb/showthread.php?t=39871)

مناهل 03-20-2009 09:39 PM

ماذا لو غرقت السفينة ؟!
 
ضرب من الشقاء الذي لا يطاق وعجب طويل لا ينقضي أن تمر بالمجتمعات دروس وتجارب ، يفيد من نتائجها القاصي قبل الداني ، ويتعظ بها الأموات فضلاً عن الأحياء ، ثم تصر مجتمعات أخرى بجوارها على أن تمر بالتجارب ذاتها ، ظانة أنها ستقطف ثمارًا جديدة أو تعود بنتائج مختلفة .

لا يختلف الباحثون أنه لدى ضبط المتغيرات ، فإن النتائج لا يمكن أن تتغير ولا أن تتبدل ، ومن ظن غير ذلك فهو على جانب من الجنون يجب علاجه منه حتى يبرأ ويشفى ، وإن لم يكن علاج فليعزل وحده وليحجر عليه لئلا تنتقل العدوى منه لغيره ممن هم في عافية .

في الوقت الذي تنادي فيه كثير من المجتمعات من حولنا إلى تكوين لجان احتسابية وإنشاء أجهزة رقابة دينية ، بناء على التجربة الناجحة التي مرت بها المملكة ، وهي الدولة الوحيدة على مستوى العالم ـ فيما أعلم ـ التي يطبق فيها الاحتساب على مستوى الدولة وبإشراف ودعم مباشرين منها ، أقول في ذلك الوقت الذي ينادي إخوان لنا وبقوة إلى نقل تجربتنا الناجحة إليهم ، نرى من بني جلدتنا ومن المتكلمين بألسنتنا والكتاب في جرائدنا وممن ينسبون إلى الثقافة من يصر على تبديل نعمة الله كفرًا وإحلال قومه دار البوار ، بفتح نوافذ وإيجاد ثغرات لنقل تجارب الغرب والشرق إلينا ، وهي التجارب الفاشلة التي ينادي عقلاؤهم بالتحول عنها بعد أن قطفوا ثمارها المرة منكرات ظاهرة واعتداءات على الشرف سافرة ، ووأدًا للفضيلة وإحياءً للرذيلة ، بل وأمراضًا حسية مزمنة وأدواء لا علاج لها ، جزاء وفاقًا لانتشار الفواحش والإعلان بها ، و" لم تظهر الفاحشة في قوم قط حتى يعلنوا بها إلا فشا فيهم الطاعون والأوجاع التي لم تكن مضت في أسلافهم الذين مضوا "

لا يدري المرء بأي عقل يفكر هؤلاء الحمقى المأفونون ؟ ولا إلى أي واد سحيق يريدون أن يلقوا بالمجتمع ؟ أما العقل فلا أظنهم قد أفسحوا له المجال ليضبط تصرفاتهم ، ولكنه الهوى الذي سيطر على عقولهم وحب الشهوات الذي ملك ألبابهم ، فعموا عن سبيل الحق وصموا ، ووقعوا في حمأة الباطل وارتكسوا في أوحاله ، فصار الإفساد هو هدفهم شعروا بذلك أم لم يشعروا .


لم تزل الصحف تطالعنا في كل يوم بخبر ساحر قبضت الهيئة عليه ، أو بدعة حاربتها ووقفت لمحييها بالمرصاد ، أو مصنع للخمور قضي عليه ، أو فتاة أنقذت من براثن شاب حاول ابتزازها ، أو اجتماع رقص فضح أمره ، أو وكر دعارة تمت مداهمته ، أو خلوة غير شرعية ضبط مرتكبوها وحيل بينهم وبين ما يشتهون .

أما المؤمنون الذين يهمهم صلاح مجتمعهم ويحرصون على بقائه سليمًا نظيفًا طاهرًا ، خاليًا من أدواء الشبهات وأمراض الشهوات ، فمثل هذه الأخبار تبعث في نفوسهم تقدير الهيئات وإكبار رجالها وإعزازهم ، وتستميل قلوبهم وألسنتهم وأقلامهم إلى محبتهم والدعاء لهم والثناء عليهم والذب عن أعراضهم ، وأما أصحاب القلوب المريضة ومتبعو الشهوات ممن يريدون أن يميل المجتمع إلى الفساد ميلاً عظيمًا ، فتراهم يسارعون في نقد الهيئة وتحميلها نتائج أخطاء الهاربين منها ، وتلك شنشنة من أخزم معروفة ، إذ إن طالب الشهوة ومبتغي الفساد لا يجد في نفسه كرهًا أعظم من كرهه لمن يحول بينه وبين شهوته ، ومن ثم فالشهوانيون في مجتمعنا لا يرى أحدهم صورة أقبح من صورة رجل ملتح قد ارتدى عباءته ، وهو يركب سيارة شعارها بحر وسفينة ، لم يعلم ذلك الشهواني المسكين أنه سيكون أول الضحايا لو غرقت تلك السفينة في بحر الشهوات .


الحقيقة أني لم أجر إحصائية لما تبذله الهيئة من جهود في إنكار المنكرات ولا لما تم ضبطه من مخالفات شرعية على أيدي رجالها الأبطال ، لكني أرى كما يرى غيري أنه ما من يوم تشرق شمسه إلا وللهيئة فيه جهد مشكور ونجاح مذكور تسجله الصحف وتنقله الجرائد . ولو أن من يكتبون ضد الهيئة متأثرين بروايات ملفقة وشائعات مغرضة ، لو أن أحدهم كلف نفسه يومًا بزيارة أقرب مركز للهيئة في حيه أو مدينته أو منطقته لرأى بلغة الأرقام حجم تلك الجهود المبذولة ولما كاد يصدق النتائج الحاصلة ، والتي لا تقل عن جهود رجال الأمن في مراكزهم ومخافرهم .


وإذا كنا سنحارب كل من يحول بيننا وبين شهواتنا ، فلماذا لا نحارب جميع أجهزة الدولة وننادي بالإطاحة بها كلها، إذ ما من جهاز إلا ولديه أنظمة وتعليمات ، وله في تطبيقها طرق وممارسات تخالف أهواءنا وشهواتنا وتمنع من تحقيق مطالبنا ورغباتنا ، فالمرور ـ مثلاً ـ يمنع زيادة السرعة عن الحد المسموح به نظامًا ، ويسجن على ذلك ويصادر السيارة لمدة معينة ، والدوريات الأمنية تطارد اللصوص وتضيق على السراق ، وتقطع عليهم الخط قبل أن يعتدوا على أموال الآخرين ، والمدارس تحول بين المراهقين وكثير مما يشتهون ويتمنون ، فهل رأينا أحدًا ينادي بإلغاء كل هذه الأجهزة لأنها لم تمكن أولئك من شهوات نفوسهم ؟!


إنه لسوق للأمة إلى الهلاك أن تسيرها شراذم من أصحاب الشهوات ، ويملوا عليها بإلحاح غريب أن تلغي جهازًا يتولى عملاً من أخص الأعمال التي أمرت بالقيام به وجعلت فيه خيريتها وعزتها ، هذا الجهاز الذي يحمل عنها فرضًا لا يجوز بحال إسقاطه ولا التفريط فيه ، وإذا كانت الأمة الآن تتلمس لنفسها العذر في التقصير بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر لأن ثمة نُوَّابًا نصبهم الإمام لهذا الشأن العظيم ، فماذا عساها أن تفعل لو ألغي هذا الجهاز ؟ ماذا عساها أن تفعل إذا تعينت المسؤولية على كل فرد فيها بعينه ، واتسعت دائرة الواجب وعظم الحمل ؟ هل ستستنفر قواها إذ ذاك ويقوم كل فرد فيها بالواجب ، أم ستنتظر حتى يأتيها عذاب الله وهي مقيمة على تركها شعيرة من أعظم الشعائر التي وفرت لها سياجًا منيعًا وبنت لها حصنًا حصينًا من الهلاك والعذاب ، بوعد الله لها حيث قال : " وما كان ربك ليهلك القرى بظلم وأهلها مصلحون " وبوعد نبيه حين قال : " مثل القائم في حدود الله والواقع فيها كمثل قوم استهموا على سفينة فصار بعضهم أعلاها وبعضهم أسفلها ، فكان الذين في أسفلها إذا استقوا من الماء مروا على من فوقهم فقالوا لو أنا خرقنا في نصيبنا خرقا ولم نؤذ من فوقنا فإن تركوهم وما أرادوا هلكوا جميعًا ، وإن أخذوا على أيديهم نجوا ونجوا جميعا " ؟

ولو كانت القضية قضية أفضلية أو أولوية لهانت ، ولكان للمرء مندوحة أن يأخذ بالأولى والأفضل أو يكتفي بالمفضول ويترك الفاضل ، لكنها قضية نجاة أو هلاك ، قضية نصر من الله لمن قام بأمره ، أو خذلان لمن ولى ظهره ولم يرفع بأمر الله رأسًا ولم يتمعر وجهه فيه يومًا ..


فعن أبي هريرة ـ رضي الله عنه ـ عن النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ قال : " الإسلام أن تعبد الله لا تشرك به شيئًا ، وتقيم الصلاة ، وتؤتي الزكاة ، وتصوم رمضان ، وتحج ، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ، وتسليمك على أهلك ، فمن انتقص شيئًا منهن فهو سهم من الإسلام يدعه ، ومن تركهن فقد ولى الإسلام ظهره "

وعن عائشة ـ رضي الله عنها ـ قالت : دخل عليّ النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ فعرفت في وجهه أن قد حضره شيء فتوضأ وما كلم أحدًا ، فلصقت بالحجرة أستمع ما يقول ، فقعد على المنبر فحمد الله وأثنى عليه وقال : " يا أيها الناس ، إن الله يقول لكم مروا بالمعروف وانهوا عن المنكر قبل أن تدعوا فلا أجيب لكم وتسألوني فلا أعطيكم وتستنصروني فلا أنصركم " فما زاد عليهن حتى نزل .


وعن أبي بكر الصديق ـ رضي الله عنه ـ قال : يا أيها الناس ، إنكم تقرؤون هذه الآية " يا أيها الذين آمنوا عليكم أنفسكم لا يضركم من ضل إذا اهتديتم " وإني سمعت رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ يقول : " إن الناس إذا رأوا الظالم فلم يأخذوا على يديه أوشك أن يعمهم الله بعقاب من عنده "


يا أمة الإسلام ، لا مناص من الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ، ولا مفر من مسؤولية الإصلاح ، والحمل لا بد منه في الدنيا أو في الآخرة ، ومن الغباء والغش للنفس أن تتجاهل حملها في دار تقدر فيها عليه وتجد من يعينها ؛ لتلقاه كاملاً في يوم لا مفر لها منه ولا قدرة لها على حمله ولا معين لها ولا ناصر " وَلا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزرَ أُخرَى وَإِن تَدعُ مُثقَلَةٌ إِلى حِملِهَا لا يُحمَلْ مِنهُ شَيءٌ وَلَو كَانَ ذَا قُربى "


فيا معشر من أكرمهم الله انتبهوا وتمسكوا بالحق ؛ فإنكم إن تمسكتم بما أمرتم به فأبشروا بالعز والنصر والتمكين " وإن تتولوا يستبدل قومًا غيركم ثم لا يكونوا أمثالكم " وحذار حذار من الانسياق وراء متبعي الشهوات والمنحرفين عن الجادة ، فإنما يريدون لكم الجنوح إلى طرق نهايتها الهاوية ولو راق لكم السير فيها بادي الرأي " والله يريد أن يتوب عليكم ويريد الذين يتبعون الشهوات أن تميلوا ميلاً عظيمًا . يريد الله أن يخفف عنكم وخلق الإنسان ضعيفًا".


الشيخ / عبد الله بن محمد البصري

ابو عمر 03-20-2009 09:59 PM

رد: ماذا لو غرقت السفينة ؟!
 
بارك الله فيكم ... مقاله وموضوع رائع ومفيد .. كتب الله لكم عظيم الاجر

أبو عبدالرحمن 03-20-2009 10:20 PM

رد: ماذا لو غرقت السفينة ؟!
 
بارك الله في رجال الحسبة..وكان الله في عونهم...

وجزاكم الله خيرا على النقل المفيد

مواطن 03-20-2009 10:48 PM

رد: ماذا لو غرقت السفينة ؟!
 
يعطيكم العافيه وبارك الله فيكم

عبود على الحدود 03-20-2009 11:31 PM

رد: ماذا لو غرقت السفينة ؟!
 
الله يعطيك العافية
موضوع رائع .......

أبو عبيدة 03-21-2009 02:58 PM

رد: ماذا لو غرقت السفينة ؟!
 
جزاك الله خيرا


الساعة الآن 10:32 AM.

Powered by vBulletin® Version 3.8.7
Copyright ©2000 - 2024, vBulletin Solutions, Inc. Trans by