منتديات بلاد ثمالة

منتديات بلاد ثمالة (http://www.thomala.com/vb/index.php)
-   منتدى التاريخ و التراث والموروثات الشعبية (http://www.thomala.com/vb/forumdisplay.php?f=34)
-   -   ذكريات عصية على النسيان ..! (http://www.thomala.com/vb/showthread.php?t=78483)

المقداد 12-26-2011 09:16 PM

ذكريات عصية على النسيان ..!
 
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته :

بعد أن بدأ قعر البئر تنحصر عنه المياه معلنة إنتهاء موسم الحصاد إنتهاءً كان حافلاً بما قسمه رب العباد وجادت به مزرعة المقداد الأعظم إذ لم تعد (النضبة) المتبقية في أسفل البئر أن تسعفة بسقاية حوضين أو ثلاثة مما تبقى له من عدة (قصبات) أسفل الركيب, أخذت آثارها تبدو عليه واضحة جلية إنعكست على حالته النفسية في تلك الليلة التي لم تكن مثل سابقتها من الليالي إذ كانت نبرات صوته حادة قليلاً مع والدتي رحمها الله تعالى , إلا أنها تفهمت الأمر وعزت تلك الحالة التي إنتابت المقداد الأكبر الى شح الماء في الوادي وتأخر هطول القطر, كم سمعته يردد هذا كثيراً ويدعو عند تجليه وهروعه الى الصلاة وأثناء نزولة الى الوادي بأن ينزل الله الغيث, أخذ في تلك الليلة يلملم أوراق (رجاع) وهي حصيلة ما جاد به واديه من خيرات خلال ذلك الموسم المنصرم والذي صادف أن يبيع محصوله في حلقة الخضار بجده ويعهد بترحيل بضائعه مع صديقه (الجمال) الذي كان لا يفارقه إلا لماماً ولا نكاد نسمع قهقهاته وتسطيحة ضحكاته الا بحضرة ذلك الصديق الجمال رحمه الله كان يمتلك سيارة ونيت هاف ذات لون أحمر قاني ومن أوائل سيارات النقل الثقيل التي دخلت القرية في تلك الحقبة .


بعد أن جمع المقداد رجاعه ورصها الى بعض وهو لا يعرف كم كانت من الارقام تحتويه ولا حتى كم له فيها من خير ومقسوم من رب العباد ..!
أحكم رباطها بقطعت قماش من فوقه مغاط وأخفاها في إحدى أدراج كمره ذاللون البني والذي أعتاد أن يرتديه ويحتزم به من تحت رداءه أثناء ذهابه للسوق أو بعض الإحتفالات الخاصة والعامة على حد سواء.
لم تكن ليلته تلك هانئة المنام سيما وجسمه منهكاً وتعباً بسبب يوم (حطيط)شاق وطويل , مسحاته التي عقد معها صداقة حتى أصبحت رفيقته في (قلع) الجزر من بعد ذلك اليوم عندما أتلف أخي ذات مرة من غير قصد وعدم دراية محصول الجزر وقرر بعدها المقداد توليه مهمة القلع بنفسه .
كان متملالاً في فراشه تلك الليلة يرقب نجمة الصبح وقدوم ذلك الصديق الجمال لشد هواري الجزر ولفائف الفجل العرائسي لمرافقته الى جده ومحاسبة رجاعه, لم يمضي وقت طويل حتى نهض من فراشه وتوضئ ثم صلى الفجر,إلتمس طريقه الى الوادي وجلس جانب هوارى الجزر سانداً ظهره اليها تارة ومتكئ تارة آخرى ينتظر قدوم الجمال الذي لم يتأخر عليه كثيراً .
ألقى عليه التحية وداعبه ببعض قفشاته وحملا البضاعة معاً داخل السيارة ثم سارا يرافقهما في رحلتهما شخص ثالث سنأتي بالحديث عنه في حينه, توقفوا بأحد مقاهي الطائف الشهيرة وتناولا جميعاً إفطارهم ثم أنصرفوا وعلى غير العادة كانت الصمت مطبقاً وسيد ذلك الموقف وعلامات الحزن والكدر واضحة على محيا صديقه الجمال إثر خبر غير سار تلقاه عند وصولهم للطائف يتعلق بمحيط أسرته, إستلموا طريقهم في رحلة الذهاب وبينما راح المقداد الاكبر في تفكير عميق أخذ يستعيد شريط حياته وذكرياته ويستعرض محطات العمر بين سعادة وشقاء واضعاً لنفسه ولأسرته الخطط المستقبلية والأمنيات والآمال وماذا عساه أن يتدبر بفائض المبلغ الذي سيتحصل عليه من ذلك التاجر (الدلال) بعد أن يقتطع منه جزءاً كان يمثل قيمة ماكينة (روبسون وارد باغانم) تم شراؤها عن طريقة بداية الموسم مع الوعد بسداد قيمتها له عند نهاية موسم الحصاد , (وهنا تتجلى الثقة والامانة بين ارباب المزارع وتجار السوق) ويبدو أن المقداد نسي نفسه وسرح بفكره بعيداً مع كل ما دار في مخيلته من أفكار ملحه وأحلام مؤجلة ولم يعد لواقعه الا عندما نبهه صديقه السائق الجمال في أن يتوخى الحذر ولا يرمي بثقله على الباب كي لا يفتح ويحدث مالا يحمد عقباه.
يقول المقداد وأثناء رحلتنا الى جده وعند وصولنا عصراً الى مكة المكرمة في جو قائض مشمس شديد الحرارة (سموم) حدث عطل بمحرك السيارة المحملة بالبضائع أدى ذلك الى توقفها والانتظار ما يقرب الثلاث ساعات لحين الانتهاء من إصلاح ذلك العطب ,
رحم الله ذلك الجمال كم كان حريصاً وخائفاً على بضائع القوم الذين أتمنوه عليها, كم رأيته بأم عيني وهو يرش ويسكب المياه الباردة فوق تلك الهواري واللفائف المليئة بالخضار والفواكه داخل صندوق السيارة كي لا تتعرض للتلف من الحرارة وملامحه تطفح بالسعادة والسرور .... رحمه الله رحمه الله ..


يتبع لا حقاً


المقداد

مراسل ثقيف 12-26-2011 09:36 PM

رد: ذكريات عصية على النسيان ..!
 
ما شاء الله عليك أخي المقداد
عدت والعود أحمد، الحمد لله على سلامتك
لا جديد وكالمعتاد تميّز منقطع النظير رحلة يوم شاقة عاشها
الأولين أبدعت في وصفها بأسلوبك الآسر وعايشنا طرفا منها
متابعون لا حرمنا الله هذا القلم الذهبي..

الراااقي 12-26-2011 09:40 PM

رد: ذكريات عصية على النسيان ..!
 
الله أكبر
وعاد للمنتدى بريقه بعودة صاحب الإبداع الخاص
إبداع له نكهة وطعم لا يوجد إلا بمنتديات بلاد ثمالة
إبداع يذكرنا بماضٍ جميل بكل ما يحمله من بساطة وشقاء معيشة
وتكاتف وتأزر وتعاون بين الناس....
متابعون مقدادنا ومتلهفون لكل ما يخطه بنانك
من عبارات ماركة المقداد

t3bt Ashtag 12-27-2011 04:07 AM

رد: ذكريات عصية على النسيان ..!
 
رائع وممتع ماطرحت

دمت بهذا العطاء المتميز

جزاك الله خير :rose:

أبو عبدالرحمن 12-27-2011 07:43 AM

رد: ذكريات عصية على النسيان ..!
 
المقداد جميل ولكن الأجمل منه مواضيعه والأجمل من مواضيعه اسلوبه الأدبي المشوق وبذائقة التاريخ والتراث


وليتني لحقت عليه عند طرحه وتطعيم الموضوع ببعض الصور في ثناياه

نبضها نادر 12-27-2011 08:40 AM

رد: ذكريات عصية على النسيان ..!
 
---المقداد---
يعطيك العافيه

ابو فهد 12-27-2011 02:06 PM

رد: ذكريات عصية على النسيان ..!
 
ماشاء الله تبارك الرحمن

مرحبا بصاحب الاسلوب الجميل

يعلم الله انني قرأت الموضوع وقد عشته بل عايشته وكأنني بتلك الحقبه من الزمن ولعلي لا ابالغ ان ذكرت انني احسست انني بداخل ( غمارة ) الهاف اشاهد مايجري

وفقك الله مقدادنا وكتب للمقداد الاكبر الصحة وطول العمر على طاعة الله ومرضاته

مثل هذا الكاتب ومثل هذه المواضيع هي مايجعلنا نتابع بشغف ونطالب بالمزيد

لاحرمك الله اجر ماتكتب ففي ثنايا هذه السيره الكثير والكثير من الحكم والعبر

دم بخير

سهيل2012 12-27-2011 02:52 PM

رد: ذكريات عصية على النسيان ..!
 
ما شاء الله تبارك الله ..

وأنا أقرأ هذا الموضوع ..رجعتُ بالذاكرة إلى الوراء ..

...............سنة وأكثر !!

وتذكرت أكثر الأشياء التي وردت في الموضوع ...

فقد عاصرتها مع والدي رحمه الله ..

وهي مفردات ليست غريبة على الفلاح سهيل ..إن صح التعبير !

(الركيب ..الشطي ..العضادة ..الفلج ..المقلاع ..خرص العنب ..القعيد ..سُقيا العنب على غب

وغب الغب ..الهواري :هواري ابن هوسا ذات الصليب الأخضر ..الأرباع : نصف الهورية ..الرجاع

ذات اللون المميز ..اللمامة : واحد ريال ..الجَمّال : اللي يرحل العنب ..وأشياء ..واشياء ..)

يقول المسعودي رحمه الله ..

ناصبين البيوت منقحين الأخلة ******** يأكلون العنب ويطششون الهواري

ولكن السؤال الكبير والذي (في كبر) إبداع المقداد ..

*هل أولادنا يعرفون هذه الأشياء..التي وردت في الموضوع ؟

* وهل كلف أحدكم نفسه وقرأ لهم شيئا من هذا الموضوع ؟


مراسل ثقيف 12-28-2011 01:23 AM

رد: ذكريات عصية على النسيان ..!
 
اقتباس:

المشاركة الأصلية كتبت بواسطة المقداد (المشاركة 574314)
توقفوا بأحد مقاهي الطائف الشهيرة وتناولا جميعاً إفطارهم ثم أنصرفوا وعلى غير العادة كانت الصمت مطبقاً وسيد ذلك الموقف وعلامات الحزن والكدر واضحة على محيا صديقه الجمال إثر خبر غير سار تلقاه عند وصولهم للطائف يتعلق بمحيط أسرته



أكرر شكري وتقديري لكاتبنا المبدع المقداد في مداخلتي الثانية على هذا النقش البديع في جدار الماضي الأصيل والذي مهما كانت حجم المعاناة فيه إلا أنه يفوق عذوبة هذه الأيام، عموما شدني كثيرا هذا الجزء بعاليه حيث أشار كاتبنا أن المقداد الأكبر وصحبه الكرام توقفوا بأحد المقاهي الشهيرة في الطائف وأظنه بل أكاد أجزم أنه يقصد قهوة الغربي وقد عرضنا لها سابقا على هذا الرابط http://www.thomala.com/vb/showthread.php?t=76980 سيما وأن الجمّال رحمه الله سمع خبرا كدره وفي ذاك الزمن لا يوجد وسائل إتصال فأجزم بأنه سمع الخبر في الصالون الأدبي للجماعة وهو قهوة الغربي، أكرر شكري وتقديري لكاتبنا الجميل،،

المقداد 12-29-2011 12:24 AM

رد: ذكريات عصية على النسيان ..!
 
مرحباً بالقوم من ثمالة ومن خارجها, ويبدو أن البرد والصقيع قد أقصى بعض الأقلام التى إعتدنا مشاهدتها, لكن لا بأس ريثما يفيقون من بياتهم الشتوي نكون قد شرعنا في موضوع آخر يتحدث عن ثقافة وموروث شعبي..

الأخ الكريم مراسل ثقيف .
حياك الله وبياك والمقداد يشكرك على ترحيبك وإشادتك. وحديث الأباء والأجداد ماهي الا رجع للماضي, رجع للأصالة, رجع للبداوة ,رجع للرجولة والجلد, ولنعرف نحن من بعد نظام معيشتهم وطرق تفكيرهم وتباين شعورهم وهم يكدحون في سبيل العيش كدحاً ! ولنا فيهم العبرة والأسوة الطيبة لا شك أيها المراسل الفتي .
وبخصوص سؤالك في مداخلتك الثانية فأنت على الحق المصيب وقهوة الغربي هي مركاز القوم قديماً .
أشكر تفاعلك مع الموضوع وتواصلك .



الأخ الكريم الراقي .
مرحباً بك وموقع ثمالة براق متوهج بكم أيها السامي وشكراً على إشادتك والتواصل ووفقت للخير ان شاء الله .

الأخ الكريم تعبت أشتاق .
دمت أيضاً وشاكراً تواصلك والإشادة .


مديرنا العزيز أباعبدالرحمن .
أشكر تواصلك وإشادتك ولا بأس إن شاء الله , وبودي أن أسألك عن الشيخ !! أرضوه بالغالي والنفيس أجبروا خاطره وسمحوه ولا تزعلونه فيزعل المقداد وأبو سيفين والبقية الباقية .. وأن كان بغيتوا حكمها تراها ثلاث منصوبة وعشرة الاف فيد الشيخ من تحت الطاولة وسمن وعسل وجاه وسلطان وذبايح مكسرة للثلاجة من الطليان ويستاهل أبو المناقيش كل خير ..


الأخت الكريمة نبضها نادر ومنتظم إن شاء الله , نشكر تواصلك والدعاء .


الاخ الكريم أبافهد .
مرحباً بك وحياك وجزيت خيراً على الدعاء والثناء, والشعور الذي خامرك وكأنك في مقصورة ونيت الهاف هو ما يجعلني في غاية السعادة كوني إستطعت نقلك من زمن لزمن ومن مدينة لمدينة ومن مركبة لمركبة ومن موقف لموقف وهكذا دواليك تستطيع المقارنة بين أشياء أخرى تنقل خلالها القارئ من ضيق لفسحة ومن هوان لعزم وحزم وصلابة .
بيد أني أجزم بأنك ستحزن وتتألم إذا ماعرفت النهاية المأساوية التي واجهة الثلاثة الراحلين بخضرتهم وأوراق رجاعهم !! ؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟
شاكراً تواصلك يا ابا فهد ولا تحرمنا تواصلك .


الأخ الشيخ الشاعر الماعر سهيل .
مرحباً بك وبإطلالتك وأحسنت فيما ذكرت وهو ما يهنهن عليه المقداد منذ فترة ويدندن, فالتعريف بماضي الأجداد من دواعي سروري وسرور الكثيرين فأولئك الاقوام تعبوا ونصبوا ليعيشوا وحتى نجد نحن الحياة الكريمة والعيش الرغيد , أفلا يستحقون أن نكتب عنهم ونمجد بطولاتهم ونشيد بمواقفهم !! فتلك الأيام المنصرمة جعلتهم ظاعنين غير مستقرين ومقيمين يتحرون مساقط الماء وما يجود به رب السماء , كدحوا فلاقوا وجدوا العنت مراراً فصبروا ونالوا يا لهم من شجعان يا لهم من أناس يستحقون الذكر..


المقداد


الساعة الآن 09:06 AM.

Powered by vBulletin® Version 3.8.7
Copyright ©2000 - 2024, vBulletin Solutions, Inc. Trans by