منتديات بلاد ثمالة - صحابي يبكي زوجته !!

صحابي يبكي زوجته !!

لا تتعجب أخي القارئ..

فالصحابة رضي الله عنهم وأرضاهم إذا ذكروا قفز إلى مخيلتنا معاني الإيمان الصادق ، والتضحيات الفريدة ، والشجاعة والعطاء ، والثبات والنصرة ، و.... و..... من الصفات والخصال التي تميزوا بها عن سائر الناس ؛ فكانوا خير القرون .

لكني سأقف معك أخي الكريم مع جانبٍ مشرق في حياتهم رضوان الله عليهم ، هذا الجانب له دلا لته القوية على توازن الشخصية المسلمة في حياتها وتكاملها ، وله دلا لته القوية على عظمة دين الإسلام بتشريعاته التي تسمو بحياة البشر إلى درجة الحياة الطيبة المطمئنة السعيدة.

فعن عائشة رضي الله عنها قالت : قدمنا من سفر ، فتلقونا بذي الحليفة - وكان غلمان الأنصار يتلقون بهم إذا قدموا - فلقوا أسيد بن حضير فنعوا إليه امرأته (1 )، فتقنع يبكي !! (2 ).

يا للعجب !! صحابي يبكي زوجته ! ومن يبكي ؟! أسيد ؟!! الذي كان من سادة الأوس رضي الله عنهم ، والذي أخبره النبي صلى الله عليه وسلم بأن الملائكة نزلت تستمع لقراءته ، حيث قال :(( تلك الملائكة دنت لصوتك ، ولو قرأت لأصبحت ينظر الناس إليها لا تتوارى منهم)) (3 ) .

ولما العجب ؟ وهو من أصحاب خير البرية عليه أفضل الصلاة وأزكى التسليم ، الذي كان يوصي بحسن العشرة مع الأهل ، وكان خير الناس لأهله .

تأمل معي توجيه رسول الله صلى الله عليه وسلم لجابر بن عبد الله ومن معه من الصحابة - رضي الله عنهم - لما فيه قطع أسباب النفرة بين الزوجين ، وغرس أسباب المحبة بينهما ، فعن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما : أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : (( إذا دخلت ليلا فلا تدخل على أهلك حتى تستحد المغيبة وتمتشط الشعثة )) (4 ) وهذا بعد القدوم من السفر.

فاقتدى به – صلى الله عليه وسلم أصحابه في ذلك فسعدوا وأسعدوا أهليهم ، فهذا زيد بن ثابت - رضي الله عنه - كان يملأ بيته بالسعادة والمرح ، فكان زيد بن ثابت - رضي الله عنه - من أفكه الناس في أهله (5 ).

لقد كانت حياة الصحابة مع أزواجهم – رضي الله عنهم أجمعين - تزينها حبال المودة المرصعة بحلي الحب والتقدير ، وهذا هو الأساس المتين الذي تقوم عليه الأسرة المسلمة ، ليعيش الرجل مع زوجته حياة سعيدة أركانها الرحمة والمودة ، وظلالها الاحترام والتقدير ، يزيد رباطها قوة قيام كلٍ بحقوق الآخر تجاهه بمودة ورحمة ، فتحصل السكنى التي أرادها الله تعالى بقوله : {وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُم مِّنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجاً لِّتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُم مَّوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ }الروم21، وليجد البنين والبنات البيئة الطيبة لتنبت النبات الحسن ، فيرضعون الحب من أم تعيشه مع زوج قدير ، ويجدون الحب في يد أبٍ حنون ذاق طعمه مع أمٍ قديرة ، فينشئ الجميع في جوٍ آمنٍ مستقر تذوب فيه الخلافات ، وتتبخر معه الهفوات ، وتتسامى فيه الأخلاق .

وهذا الصورة الوضاءة من حياة أسر أصحاب النبي – صلى الله عليه وسلم – هي ما تنشده كل أسرة مسلمة ؛ لتحصن الأبناء من كل خطر محيط بهم ، فيسلم الأبناء من الاستدراج ، ومن الانسلاخ والضياع ، ومن كل ألوان التغيير السلبي في زمن التغير والتحولات ؛ فيكونوا قرة عين لوالديهم ، وذخراً لأمتهم ، وصورة حسنة للإسلام في مجتمعاتهم .

ثم إن أسيداً – رضي الله عنه – يعلمنا درساً مهماً ، وهو أن الاقتداء بالنبي – صلى الله عليه وسلم – لا ينحصر في جانب دون جانب ، بل السعادة مرتبطة بشمولية الاقتداء به عليه الصلاة والسلام ، ولَكَم اختلت حياة أناس عندما أحسنوا الاقتداء في جوانب وقصروا في جوانب أخرى لم يشعروا بهجرانهم فيها لسنة خير الأنام عليه الصلاة والسلام .

وختاماً :

قال تعالى :{وَالَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا هَبْ لَنَا مِنْ أَزْوَاجِنَا وَذُرِّيَّاتِنَا قُرَّةَ أَعْيُنٍ وَاجْعَلْنَا لِلْمُتَّقِينَ إِمَاماً }الفرقان74 .

الكاتب : متعب الحارثي .
(زميل وصديق و عزيز ـ المشرف العام )

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــــ
1- هي أم يحي ،لها ذكر في بعض طرق حديث قراءة أسيد بن حضير لسورة الكهف ، وليس لها رواية . الإصابة (8/324).
2- رواه أحمد ( ح/19119 )وجاء في الموسوعة: مرفوعه صحيح لغيره ، وإسناده ضعيف لجهالة عمرو بن علقمة (ح/19019)، وحسنه الهيثمي في مجمع الزوائد (9/308 )، وصححه الحاكم ووافقه الذهبي في المستدرك ( ح/ 4927).
3- البخاري ، كتاب فضائل القرآن ، باب نزول السكينة والملائكة عند قراءة القرآن ( ح/ 4730 )، و مسلم ، كتاب صلاة المسافر، باب نزول السكينة لقراءة القرآن ( ح / 796).
4- البخاري ، كتاب النكاح ،باب طلب الولد (ح/4948).
5- مصنف ابن أبي شيبة ( 5/211 )، سير أعلام النبلاء للذهبي ( 2/439 ).