تقرير مصرفي يتوقع انخفاض هوامش ربحية مصانع الإسمنت في السعودية
رجح احتمال نشوب «حروب أسعار» وظهور فوارق في الأسعار بين الأقاليم
دبي: «الشرق الاوسط»
توقع تقرير مصرفي تقلص هوامش الربحية لدى شركات الإسمنت السعودية خلال الاعوام الثلاثة المقبلة في رد فعل لانخفاض معدلات الاستخدام والانخفاض الكبير في الأسعار في عامي 2008 و 2009. إلا ان التقرير الذي صدر تحت عنوان «نمو كبير ومستقبل متفاوت للشركات المنتجة» من قبل البنك الاستثماري «المجموعة المالية ـ هيرميس» توقع ان تواصل شركات الإسمنت في المملكة تمتعها بهوامش ربحية معقولة مقارنة بالشركات الإقليمية والعالمية المناظرة بسبب هياكل التكلفة التنافسية لهذه الشركات.
هذا وتوقع التقرير أيضا أن تنخفض أسعار الإسمنت بنسبة 5% في عام 2008 و 6% في عام 2009 بعد ظهور التوسعات والمصانع الجديدة، متوقعا «نشوب حروب أسعار خلال الفترة التي نغطيها بتوقعاتنا طالما أن معدل الاستخدام يزيد على 80%، وظهور فوارق في الأسعار بين الأقاليم المختلفة لاختلاف القوى المحركة للعرض والطلب ودرجة المنافسة في كل إقليم».
وعلى الرغم من التقلص في الحصص السوقية توقع التقرير أن تستمر السوق المحلية في كونها مربحة لكافة الشركات، ولكن أيضا بدرجات متفاوتة، مؤكدا في هذا السياق «إذ نعتقد أن شركة الإسمنت العربية وإسمنت ينبع سوف تكونان الأقل تأثرا نظرا لقربهما من الأسواق النشطة في المنطقة الغربية، حيث معدلات النمو الأسرع والزيادة الأقل في الطاقات الإنتاجية. أما شركة إسمنت تبوك وإسمنت الجنوبية فسوف تستفيدان أيضا من ارتفاع مستويات الاستهلاك في الإقليم الغربي، إلا أنهما معرضتان لمنافسة أشد من الشركات الجديدة التي تقع في مواقع أفضل. أما التحدي الأكبر فسوف يواجه الشركات في المنطقتين المركزية والشرقية، حيث توجد أكبر التوسعات في الطاقات الإنتاجية الجديدة من الشركات الحالية والشركات الجديدة المنافسة، إلا أننا نعتقد أن أكبر انخفاض في معدلات الاستخدام سيكون في المنطقة الوسطى». واشار التقرير الى ان شركتي إسمنت اليمامة والقصيم ستواجهان منافسة شديدة من جانب ثلاث شركات جديدة من المتوقع ظهور إنتاجها خلال عامي 2008 ـ 2009. ومن جهة أخرى فإن شركة الإسمنت السعودية وإسمنت الشرقية تتمتعان بسهولة الوصول إلى أسواق التصدير، ما سيوفر لهما حماية في حالة تراجع الظروف الطيبة للسوق المحلي في الأجل القصير إلى المتوسط. «ونعتقد ـ كما يقول التقرير ـ أن خطط التوسعات الطموحة لشركتي إسمنت اليمامة والإسمنت السعودية لن تؤدي إلى معدلات استخدام صحية، ما يعزز من وجهة نظرنا بأن الخطط التوسعية للشركتين سوف تكون لاستبدال خطوط إنتاج قديمة».
وتعد السعودية من أكبر الدول المنتجة والمستهلكة للإسمنت في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا وهي الأكبر في هذا المجال بين دول مجلس التعاون الخليجي، فقد تمتعت المملكة بمعدلات نمو اقتصادية استثنائية نتيجة الارتفاع القياسي في أسعار النفط منذ عام 2002 ما أدى الى زيادة الإنفاق الحكومي على البنى التحتية والتوسعات السكنية والصناعية، وقد دفع ذلك بدوره نشاط الإنشاءات. واظهر التقرير ان نمو نصيب الفرد من استهلاك الإسمنت في السعودية ارتفع ليبلغ 1.17 طن في عام 2006 مقارنة بـ 0.83 طن في عام 2000، وهو مستوى يفوق كثيرا المتوسط العالمي الذي يبلغ حوالي 0.3 طن سنويا، ولكنه يتماشى مع متوسط دول مجلس التعاون الخليجي البالغ حوالي 1.2 طن.
كما ارتفع إجمالي استهلاك الإسمنت في المملكة ليبلغ حوالي 25 مليون طن في عام 2006 مقابل 18 مليون طن في عام 2001، بمعدل نمو سنوي مركب وقدره 7% . وفي السنوات الثلاث الماضية، فاق الطلب المحلي الطاقات الإنتاجية الحالية في المملكة ما أدى إلى ارتفاع متوسط أسعار الإسمنت.
«وتشير تقديراتنا إلى أن متوسط أسعار الإسمنت الحالية بلغت 265 ريالا سعوديا للطن (71 دولارا للطن) مقارنة بـ 190 ريالا سعوديا للطن 51) دولارا) في عام 2001. وقد أدى ذلك إلى خلق ظروف مواتية في السوق بالنسبة للمنتجين، فارتفعت معدلات الاستخدام وانخفض المخزون، الأمر الذي أسفر عن نمو هائل في الأرباح والعوائد».
ويتوقع التقرير انتعاش قطاع الإنشاءات السعودي في المستقبل مع زيادة عدد المشروعات السكنية والصناعية، تلك التي أعلن عنها والأخرى التي ما زالت في طور الاعداد. كما توقع استمرار زيادة الإنفاق الحكومي على التوسعات الصناعية والبنى التحتية، مدفوعة بتدفق إيرادات النفط، ما سيعزز من النمو الاقتصادي ويمهد الطريق لمشاركة القطاع الخاص في الأنشطة الاقتصادية غير النفطية. كما يعتقد التقرير أن قطاع العقارات السعودي لم يبلغ بعد درجة النمو التي هو مؤهل لها، فالتركيبة السكانية للمملكة تطغى عليها شريحة الشباب، كما ينمو عدد السكان بمعدلات سريعة ويتقلص حجم الأسر، بالإضافة إلى توقعات زيادة تدفق الأجانب المغتربين نتيجة النمو المتوقع في نشاط القطاع الخاص.
ويتوقع كذلك زيادة المشروعات السكنية والسياحية والتجارية نتيجة ارتفاع السيولة المحلية وتوفر بدائل وخيارات التمويل الميسرة والمنخفضة التكاليف وزيادة الدخل المتاح للإنفاق والتطورات الأخيرة في الأطر القانونية والتنظيمية التي فتحت شهية شركات التعمير المحلية والإقليمية على ضخ استثمارات ضخمة إلى قطاع العقارات السعودي.
ونظريا، قد تؤدي المشروعات العديدة والضخمة التي يعد لها الآن إلى زيادة استهلاك الإسمنت بأكثر من الضعف أو ثلاثة أضعاف الطاقة الإنتاجية الحالية في حالة تنفيذ طاقة المشروعات المعلنة، غير ان معدي التقرير اختاروا أن يكونوا أكثر تحفظا فيما يتعلق بقيمة هذه المشروعات وجداولها الزمنية، وذلك على ضوء الخبرات الماضية لدول أخرى في المنطقة.
لذا توقع التقرير نمو الاستهلاك المحلي بنسبة 7% في عام 2007 ليبلغ 27 مليون طن وبمعدل نمو سنوي مركب قدره 14% خلال الأعوام 2007 ـ 2010 ليبلغ حوالي 40 مليون طن في عام 2010.
وعلى جانب العرض فإن قطاع الإسمنت السعودي يتكون من 8 شركات منتشرة في كافة مناطق المملكة بمجمل طاقة إنتاجية للكلينكر تبلغ 28 مليون طن سنويا، أي ما يساوي 30 مليون طن سنويا من الإسمنت.
وهذا يعني زيادة بنسبة 26% في إجمالي الطاقة الإنتاجية عن عام 2006 حيث كانت 22.5 مليون طن كلينكر سنويا (23.7 مليون طن سنويا). والمنافسة قائمة بين الشركات الثماني على صعيد المناطق وليس على الصعيد القومي وذلك لبعد المسافات بين الأسواق الرئيسية في المملكة. وقد أنتجت الشركات الثماني في عام 2006 ما يقدر بـ 27 مليون طن إسمنت، طرح منها 25 مليون طن في السوق المحلية (92%) والباقي 2 مليون طن (8%) تم تصديرها للدول المجاورة.
وقد أدى انتعاش الاستهلاك المحلي إلى حدوث موجات ضخمة من التوسعات في الطاقات الإنتاجية من جانب الشركات الحالية التي من المتوقع أن يبلغ إجمالي طاقتها الإنتاجية 38 مليون طن سنويا في عام 2008، وهذه البرامج التوسعية الطموح أدت إلى قلق من احتمال زيادة العرض في المستقبل القريب.
ويساعد على تفاقم هذه المشكلة كمُّ الشركات الجديدة التي تتوق للمنافسة على قطاع الإسمنت المغري بأرباحه. فقد أصدرت وزارة التجارة خلال العامين الماضيين فيضا من تراخيص الإنتاج التي تزيد على 90 ترخيصا، وقد أدى ذلك إلى خلق مناخ سلبي حول قدرة القطاع على تعريف هذا العرض الهائل المتوقع في المستقبل القريب.
وقال التقرير «على الرغم من مشاعر القلق التي تساور الكثيرين، فإن زيادة الطاقة الإنتاجية لن تكون بالضخامة التي تعرقل نمو القطاع. ومع ذلك رأى التقرير أيضا أن فرص النمو لن تكون مماثلة بالنسبة لكل الشركات المنتجة، إذ نتوقع أن عددا قليلا فقط من المصانع الجديدة المرخصة هي التي ستظهر بالفعل إلى الوجود، على الأقل خلال الفترة التي يغطيها التقرير والتي تستمر حتى عام 2010 ». ورأى معدو التقرير أن العديد من المستثمرين في المصانع الجديدة سوف يعيدون النظر في خططهم الاستثمارية نظرا لعدم التأكد من الصورة المتوقعة التي سيكون عليها العرض في المملكة، بالإضافة إلى القيود الإنتاجية لشركات المقاولات والارتفاع الأخير في تكاليف الإنشاءات وطول الفترة التي يستغرقها إنشاء مصنع جديد) 24 ـ 30 شهرا) هذا بالإضافة إلى أن وزارة البترول والموارد المعدنية أصدرت تراخيص للتعدين ومنحتها إلى 5 مصانع جديدة فقط. ونعتقد أن الطاقة الإنتاجية للمملكة لن تزيد عن 45 مليون طن كلينكر سنويا على الأقل حتى عام 2009، وهذا يعني أن الحد الأقصى لزيادة الطاقة الإنتاجية سيتراوح بين 8 ـ 14 مليون طن إسمنت، ما سيؤدي إلى متوسط معدل استخدام في القطاع يبلغ 85% وهو مستوى مقبول على ضوء هيكل التكلفة التنافسي لقطاع الإسمنت السعودي.
وتتمتع شركات الإسمنت في السعودية بأقل مستوى من تكاليف الإنتاج مقارنة بالشركات الإقليمية والعالمية المناظرة إذ يبلغ متوسط التكلفة النقدية 20 دولارا للطن. وهذا يعزى الى تكاليف الطاقة والوقود الثابتة والمدعمة ووفرة المواد الخام بتكاليف منخفضة نسبيا وانخفاض تكاليف الأيدي العاملة طبقا لما ورد في التقرير.
وهذه التكلفة التنافسية سوف تساعد الشركات السعودية على تحقيق هوامش ربحية طيبة حتى في الفترات التي تضعف فيها ظروف السوق وتنخفض الأسعار. ومع ذلك، فإن الأثر الناتج عن زيادة العرض سوف يختلف بين الشركات حسب نمو الطلب وحجم الزيادات في الطاقة الإنتاجية التي تخطط لها كل شركة في المناطق المختلفة. ويشير التقرير الى أن المنطقة الغربية ستظل تحقق أعلى ربحية وأقل معدل في زيادة الطاقة الإنتاجية وأعلى معدلات الاستهلاك. كما ستستفيد الشركات في المنطقتين الشمالية والجنوبية من ارتفاع معدلات الاستهلاك في المنطقة الغربية هذا وتوقع التقرير أن تواجه شركات الإسمنت في المنطقة المركزية والمنطقة الشرقية تحديات كبيرة لأنها الشركات التي وضعت أكبر معدلات زيادة في الطاقات الانتاجية، بالاضافة الى المنافسة الشديدة المتوقعة من الشركات الجديدة. ومن جهة أخرى، فإن الإقليم الشرقي يمتاز بقربه من أسواق التصدير خاصة الدول الأخرى في مجلس التعاون الخليجي في الأجل القصير إلى المتوسط، بينما سيمثل ارتفاع تكاليف النقل والشحن عائقا كبيرا أمام منتجي المنطقة المركزية الذين قد يسعون إلى تصريف الزيادة في طاقاتهم الإنتاجية في الأسواق الخارجية.
وبالإضافة إلى ذلك، قال التقرير «إننا نتوقع أن تقوم بعض الشركات بإغلاق خطوط إنتاجها القديمة حيث أن عمر بعض هذه الخطوط يرجع إلى أكثر من 30 سنة. ونعتقد أن بعض الخطط التوسعية الأخيرة صممت لكي تحل محل خطوط الإنتاج القديمة ونتوقع أن يتم إلغاء 6 ملايين طن سنويا على الأقل من إجمالي الطاقة الإنتاجية للقطاع. فإذا ما حدث ذلك بالفعل، فإن حجم الزيادة في الطاقة الإنتاجية سوف ينخفض إلى حوالي 5 ـ 8 ملايين طن سنويا، وهذا يعني أن متوسط معدل الاستخدام في القطاع سيزيد على 90%». «كما نعتقد أن القوى المحركة للسوق في المستقبل قد تستدعي تجميع واندماج الشركات المتنافسة في السوق الذي يتسم بالتجزئة ما قد يساعد الشركات المنتجة على تخفيض التكاليف والاستفادة من اقتصادات النطاق الواسع. كما قد يشهد القطاع تدفق شركات دولية ما قد يخلق قيمة مضافة من خلال تكامل الشركات السعودية مع شبكات عالمية تؤدي إلى زيادة الإيرادات وتخفيض التكاليف»