رد : الأخبار الإقتصادية ليوم الأحد 29 رجب 1428 هـ الموافق 12/08/2007 م
قناة إسلامية جديدة للاستثمار
- د. صلاح بن فهد الشلهوب - 29/07/1428هـ
من المعلوم أن عملاء البنوك المحلية تعودوا منذ أن أنشئت البنوك في السعودية أن حسابات العملاء تقوم على مبدأ القرض بالمفهوم الفقهي أو كما هو دارج في البنوك الوديعة أو الإيداع، طبعا هذا فيما يتعلق بالحسابات الجارية وليست الادخارية، وطبيعة مثل هذا النوع من الحسابات يقوم على علاقة بين البنك والعميل على أساس أن العميل يودع مبلغا من المال لدى البنك على أن للبنك التصرف في هذا المال سواء بالإقراض أو بالاستثمار بشكل عام حسب النظام المعمول به في مؤسسة النقد العربي السعودي، وينبني على ذلك أن البنك يلتزم للعميل بإعادة أمواله حسب الاتفاق بينهما، وهذا النوع من العلاقة تسميه البنوك إيداعا أو وديعة, إلا أن هذا الاصطلاح لا يتناسب مع المفهوم الموجود في الفقه الإسلامي، حيث إن مثل هذا النوع من العلاقة لا يمكن إلا أن يطلق عليه عقد قرض، وتجري عليه أحكام القرض في الفقه الإسلامي.
ولكن قبل فترة قريبة طالعنا بنك البلاد بمفهوم جديد لهذه العلاقة – أعني بين العميل والبنك – حيث كما جاء عن البنك في موقعة الإلكتروني عن حساب بنك البلاد: (حساب البلاد هو أول حساب يُطرح في السعودية يمنح العميل حرية إدارة حسابه والتصرف بأمواله في أي وقت، بينما يستمر احتساب وجني الأرباح على رصيد لا يقل عن (20 ألف ريال). ويمكِّن هذا الحساب صاحبه من استثمار أمواله مع تمتعه في الوقت نفسه بسيولة مالية عالية، فبمقدوره - مثلاً - الوصول إلى حسابه من خلال بطاقة الصراف الآلي "البلاد 24" أو "هاتف البلاد" أو "البلاد نت" في أي وقت).
فبنك البلاد يكوّن علاقة جديدة بينه وبين عملائه تقوم على مبدأ عقد المضاربة، وهذا العقد هو أحد فروع عقد الشركة في الفقه الإسلامي، وهذا العقد ينبني على أساس أن هناك علاقة بين طرفين: الطرف الأول وهو العميل وهو الذي يقدم المال ويضعه في حسابه في البنك، والطرف الثاني هو المشغل لهذا المال أو بالمفهوم البسيط لهذا العقد العامل، والذي يقوم بهذا الدور هو البنك، حيث يستثمر هذه الأموال وينميها للعميل بأنواع من الاستثمارات حسب الاتفاق بينه وبين عملائه إلى حين أن يطلبها العميل. ومن ثم يتقاسم صاحب المال والعامل الذي يباشر الاستثمار الربح حسب الاتفاق بينهما.
هذا النوع من العلاقة تنبني على أساس أن البنك يستثمر هذا المال بما يتوافق مع الشريعة حسب التزام البنك ورؤية الهيئة الشرعية بالبنك، ومن ثم فإن هذا النوع من الحسابات يستثمر في مجالات منخفضة المخاطر مثل عقد المرابحة – وهو الغالب – والذي غالبا يحقق عوائد مضمونة، مع مخاطرة منخفضة لا تختلف كثيرا عن القرض بفائدة بالمفهوم التقليدي للمصارف.
لا يمكن القول إن الاستثمار في عقد مثل عقد المرابحة جديد على المصارف المحلية، حيث يوجد في هذه البنوك عدد من الصناديق المتوافقة مع الشريعة والتي تمارس عقد المرابحة, إلا أن مثل هذا الحساب – في بنك البلاد – يتميز بالمرونة، حيث يحق للعميل أن يطلب ماله في أي وقت, في حين أن الصناديق في البنوك يتطلب أخذ جزء من المال أو كله أن يتقدم العميل بطلب المبلغ الذي يريد ويتحصل على المبلغ المطلوب فيما لا يقل عن ثلاثة أيام عمل.
طبعا مثل هذا الحساب يعكس واقع المنافسة الذي يشهده سوق المصارف اليوم لاجتذاب شريحة أكبر من العملاء، وهذا في النهاية يصب في مصلحة المواطنين، إضافة إلى إيجاد منتجات جديدة تخدم المجتمع وتحقق عوائد جيدة للمصارف في الوقت نفسه.
طبعا ما سبق لا شك أن له أهميته من جهة أنه يقدم خدمة جديدة للمجتمع، ولكن على مستوى البحث والدراسات العلمية، فإن مثل هذا النوع من العلاقة بين العميل والبنك تختلف تماما عن العلاقة الاعتيادية، حيث إن المفهوم اختلف من عقد القرض والذي يمتنع فيه أن يقدم فيه البنك للعميل أي مبلغ مقابل الإقراض، بل يذهب الأمر إلى أبعد من ذلك، حيث إن كل قرض جر منفعة فهو ربا – كما جاء ذكر عدد من العلماء الإجماع على ذلك في الفقه –، فما يقدم على شكل هدية قيمة مثلا يندرج تحت مثل هذا المفهوم، في حين أنه عندما تنبني العلاقة على مفهوم الشركة في الفقه الإسلامي، فالمعادلة مختلفة تماما ويتطلب الأمر قواعد وشروطا تختلف عن عقد القرض، فقد تكون هناك مرونة في جانب ما، في حين أنها قد يكون هناك تشديد في جانب آخر.
فمثل هذه الخدمة التي يقدمها بنك البلاد لعملائه قد يفتح نوافذ عديدة للبنوك لتقديم عوائد لعملائهم وتحفيزهم على الادخار، خصوصا مع عدم قبول المجتمع للإقراض بفائدة والذي يتنافى مع الشريعة الإسلامية والتي تحرم مثل هذا النوع من العقود.
جامعة الملك فهد للبترول والمعادن في الظهران
|