هدي النبي صلى الله عليه وسلم فِي الطّعَامِ
كَانَ هَدْيُهُ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ وَسِيرَتُهُ فِي الطّعَامِ لا يَرُدّ مَوْجُودًا وَلا يَتَكَلّفُ مَفْقُودًا فَمَا قُرّبَ إلَيْهِ شَيْءٌ مِنْ الطّيّبَاتِ إلا أَكَلَهُ إلا أَنْ تَعَافَهُ نَفْسُهُ فَيَتْرُكَهُ مِنْ غَيْرِ تَحْرِيمٍ ( وَمَا عَابَ طَعَامًا قَطّ إنْ اشْتَهَاهُ أَكَلَهُ وَإِلا تَرَكَه ُ)كَمَا تَرَكَ أَكْلَ الضّبّ لَمّا لَمْ يَعْتَدْهُ وَلَمْ يُحَرّمْهُ عَلَى الأُمّةِ بَلْ أُكِلَ عَلَى مَائِدَتِهِ وَهُوَ يَنْظُرُ .
وَأَكَلَ الْحَلْوَى وَالْعَسَلَ وَكَانَ يُحِبّهُمَا وَأَكَلَ لَحْمَ الْجَزُورِ وَالضّأْنِ وَالدّجَاجِ وَلَحْمَ الْحُبَارَى وَلَحْمَ حِمَارِ الْوَحْشِ وَالأَرْنَبِ وَطَعَامَ الْبَحْرِ وَأَكَلَ الشّوَاءَ وَأَكَلَ الرّطَبَ وَالتّمْرَ وَشَرِبَ اللّبَنَ خَالِصًا وَمَشُوبًا وَالسّوِيقَ وَالْعَسَلَ بِالْمَاءِ وَشَرِبَ نَقِيعَ التّمْرِ وَأَكَلَ الْخَزِيرَةَ وَهِيَ حِسَاءٌ يُتّخَذُ مِنْ اللّبَنِ وَالدّقِيقِ وَأَكَلَ الْقِثّاءَ بِالرّطَبِ وَأَكَلَ الأَقِطَ وَأَكَلَ التّمْرَ بِالْخُبْزِ وَأَكَلَ الْخُبْزَ بِالْخَلّ وَأَكَلَ الثّرِيدَ وَهُوَ الْخُبْزُ بِاللّحْمِ وَأَكَلَ الْخُبْزَ بِالإِهَالَةِ وَهِيَ الْوَدَكُ وَهُوَ الشّحْمُ الْمُذَابُ وَأَكَلَ مِنْ الْكَبِدِ الْمَشْوِيّةِ وَأَكَلَ الْقَدِيدَ وَأَكَلَ الدّبّاءَ الْمَطْبُوخَةَ وَكَانَ يُحِبّهَا وَأَكَلَ الْمَسْلُوقَةَ وَأَكَلَ الثّرِيدَ بِالسّمْنِ وَأَكَلَ الْجُبْنَ وَأَكَلَ الْخُبْزَ بِالزّيْتِ وَأَكَلَ الْبِطّيخَ بِالرّطَبِ وَأَكَلَ التّمْرَ بِالزّبْدِ وَكَانَ يُحِبّهُ .
وَلَمْ يَكُنْ يَرُدّ طَيّبًا وَلا يَتَكَلّفُهُ بَلْ كَانَ هَدْيُهُ أَكْلُ مَا تَيَسّرَ فَإِنْ أَعْوَزَهُ صَبَرَ حَتّى إنّهُ لَيَرْبِطُ عَلَى بَطْنِهِ الْحَجَرَ مِنْ الْجُوعِ وَيُرَى الْهِلالُ وَالْهِلالُ وَالْهِلالُ وَلا يُوقَدُ فِي بَيْتِهِ نَارٌ .
وَكَانَ مُعْظَمُ مَطْعَمِهِ يُوضَعُ عَلَى الأَرْضِ فِي السّفْرَةِ وَهِيَ كَانَتْ مَائِدَتَهُ وَكَانَ يَأْكُلُ بِأَصَابِعِهِ الثّلاثِ وَيَلْعَقُهَا إذَا فَرَغَ وَهُوَ أَشْرَفُ مَا يَكُونُ مِنْ الأَكْلَةِ فَإِنّ الْمُتَكَبّرَ يَأْكُلُ بِأُصْبُعٍ وَاحِدَةٍ وَالْجَشِعَ الْحَرِيصَ يَأْكُلُ بِالْخَمْسِ وَيَدْفَعُ بِالرّاحَةِ .
وَكَانَ لا يَأْكُلُ مُتّكِئًا وَالاتّكَاءُ عَلَى ثَلاثَةِ أَنْوَاعٍ أَحَدُهَا :الاتّكَاءُ عَلَى الْجَنْبِ وَالثّانِي : التّرَبّعُ وَالثّالِثُ الاتّكَاءُ عَلَى إحْدَى يَدَيْهِ وَأَكْلُهُ بِالأُخْرَى وَالثّلاثِ مَذْمُومَةٌ .
وَكَانَ يُسَمّي اللّهَ تَعَالَى عَلَى أَوّلِ طَعَامِهِ وَيَحْمَدُهُ فِي آخِرِهِ فَيَقُولُ عِنْدَ انْقِضَائِهِ (الْحَمْدُ لِلّهِ حَمْدًا كَثِيرًا طَيّبًا مُبَارَكًا فِيهِ غَيْرَ مَكْفِيّ وَلا مُوَدّعٍ وَلا مُسْتَغْنًى عَنْهُ رَبّنَا ). وَرُبّمَا قَالَ ( الْحَمْدُ لِلّهِ الّذِي يُطْعِمُ وَلا يُطْعَمُ مَنّ عَلَيْنَا فَهَدَانَا وَأَطْعَمَنَا وَسَقَانَا وَكُلّ بَلاءٍ حَسَنٍ أَبْلانَا الْحَمْدُ لِلّهِ الّذِي أَطْعَمَ مِنْ الطّعَامِ وَسَقَى مِنْ الشّرَابِ وَكَسَا مِنْ الْعُرْيِ وَهَدَى مِنْ الضّلالَةِ وَبَصّرَ مِنْ الْعَمَى وَفَضّلَ عَلَى كَثِيرٍ مِمّنْ خَلَقَ تَفْضِيلا الْحَمْدُ لِلّهِ رَبّ الْعَالَمِينَ ).
وَرُبّمَا قَالَ( الْحَمْدُ لِلّهِ الّذِيِ أَطْعَمَ وَسَقَى ). وَكَانَ إذَا فَرَغَ مِنْ طَعَامِهِ لَعِقَ أَصَابِعَهُ وَلَمْ يَكُنْ لَهُمْ مَنَادِيلُ يَمْسَحُونَ بِهَا أَيْدِيَهُمْ وَلَمْ يَكُنْ عَادَتُهُمْ غَسْلَ أَيْدِيهِمْ كُلّمَا أَكَلُوا . وَكَانَ أَكْثَرُ شُرْبِهِ قَاعِدًا بَلْ (زَجَرَ عَنْ الشّرْبِ قَائِمًا وَشَرِبَ مَرّةً قَائِمًا)
فَقِيلَ هَذَا نَسْخٌ لِنَهْيِهِ وَقِيلَ بَلْ فَعَلَهُ لِبَيَانِ جَوَازِ الأَمْرَيْنِ وَاَلّذِي يَظْهَرُ فِيهِ - وَاَللّهُ أَعْلَمُ - أَنّهَا وَاقِعَةُ عَيْنٍ شَرِبَ فِيهَا قَائِمًا لِعُذْرٍ وَسِيَاقُ الْقِصّةِ يَدُلّ عَلَيْهِ فَإِنّهُ أَتَى زَمْزَمَ وَهُمْ يَسْتَقُونَ مِنْهَا فَأَخَذَ الدّلْوَ وَشَرِبَ قَائِمًا . وَالصّحِيحُ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ النّهْيُ عَنْ الشّرْبِ قَائِمًا وَجَوَازُهُ لِعُذْرٍ يَمْنَعُ مِنْ الْقُعُودِ وَبِهَذَا تُجْمِعُ أَحَادِيثُ الْبَابِ وَاَللّهُ أَعْلَمُ .
وَكَانَ إذَا شَرِبَ نَاوَلَ مَنْ عَلَى يَمِينِهِ وَإِنْ كَانَ مَنْ عَلَى يَسَارِهِ أَكْبَرَ مِنْهُ