المساجد
وفيه ثلاث مسائل:
الأولى: قطع الصفوف بسبب المِدفأة:
قال شيخنا العلامة الألباني عند كلامه على مسألة الصلاة بين السواري، وقطع الصفوف:
«ومِثل ذلك في قطع الصف: المدافئُ التي تُوضع في بعض المساجد وضعاً يترتب منه قطع الصف، دون أن ينتبه لهذا المحذور إمام المسجد أو أحدٌ مِن المصلين فيه؛ لِبُعدِ الناس -أولاً- عن التفقه في الدين، وثانياً: لعدم مُبالاتهم بالابتعاد عمّا نهى عنه الشارعُ وكره».
المسألة الثانية: الفوضى الناشئة عن الجمع أو عدمه:
وهذا ما يحدث كثيراً في كثير مِن المساجد، حتى إن ذلك ليثير لغطاً كبيراً، وتشويشاً فظيعاً، بكثير جهل وقليل علم!! هذا يقول: اجمع! وذاك يقول: لا تجمع! والثالث ينصر الأول! والآخر ينصر رابعاً.. وهكذا.
وهذه أفعال لا تنبغي وبخاصة في المسجد؛ صيانةً له عما يُخل بآداب الإسلام، وأخلاق الشرع.
ولبيان الحكم في هذه المسألة أذكرُ أمرين:
الأول: أنّ الإمام هو سيد الموقف، وهو الذي يتحمّل مسؤولية فعلِه بينه وبين ربه، كما قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: «الإمام ضامن، فإن أحسن فله ولهم، وإن أساء فعليه ولهم»، فمن رضي بجمعه فليجمع، ومَن لم يرضَ ولم تطمئن نفسُه به، فله أن يُصلي معه بنية النفل والتطوع، أو أن ينصرف صامتاً هادئاً.
نعم؛ هذا لا يمنع مِن مناقشته بعد الصلاةِ مُناقشةً علمية، ومُباحثتهِ مُباحثةً وُدّيةً، يكون هدفها ومبتغاها معرفةَ الحقِّ، والوصولَ إليه.
الثاني: أنّ للمساجد حُرمةً ومهابةً ومكانةً، لا يجوز خَرقُها والتعدي عليها:
فقد روى البخاري عن السائب بن زيد، قال كنتُ قائماً في المسجد، فحصبي رجل، فنظرتُ، فإذا عمرُ بن الخطاب، فقال: اذهب، فأتني بهذين، فجئته بهما، قال: مَن أنتما –أو: من أين أنتما-؟ قالا: مِن أهل الطائف. قال: لو كنتما مِن أهل البلد أوجعتكما؛ تَرفَعان أصواتَكما في مسجد رسول الله -صلى الله عليه وسلم-!.
وبوب البخاري عليه: «باب رفع الصوت في المسجد»، إشارةً إلى شمول الحُكم عمومَ المساجد.
وقال الحافظ ابن حجر في «الفتح»: «هذا الحديث له حكم الرفع، لأن عمرَ لا يتوعّدُهما بالجلد إلا على مخالفةِ أمرٍ توقيفي».
وروى مالك في «الموطأ» أن عمر بن الخطاب بنى إلى جَنْب المسجد رَحْبَةً، سماها البُطيحاءَ، فكان يقول: مَن أراد أن يَلْغَطَ، أو يُنشدَ شعراً، أو يرفعَ صوتاً، فليخرج إلى هذه الرَّحْبة.
المسألة الثالثة: إقامة الصلاة في وقتها الأصلي بعد الجمع في المساجد:
وهذا صنيعٌ لا يتعارض مع الجمع؛ لأن مِن الناس من لم يدركوا الجمع ففاتهم، ومنهم مَن لم يشهده أصلاً لعمل أو علة، فالمسجد المجموعُ فيه يُؤذنُ فيه أوقات الصلاة المعتادة، وتُقام الصلاة على الوجه الطبيعي للسبب المذكور؛ بقاءً على الأصل.
ولا يوجد نصٌ يُخالف ما ذكرتُ، ولا ريبةٌ تُعارض ما قرَّرتُ.
والله تعالى أعلم.
الصيام
وفيه أربع مسائل:
الأولى: صوم يوم الغيم:
«ينبغي على الأمة الإسلامية أن تُحصي عدّة شعبان استعداداً لرمضان، لأن الشهر يكون تسعةُ وعشرين يوماً، ويكون ثلاثين يوماً، فتصوم إذا رأت الهلال، فإن حال بينها وبينه سحاب، قَدَّرتْ له، وأَكمَلتْ عِدة شعبان ثلاثين يوماً، لأن الله بديعَ السموات والأرض جعل الأهلة مواقيت، ليعلمَ الناس عدد السنين والحساب، والشهر لا يزيد عن ثلاثين يوماً».
وعن أبي هريرة –رضي الله عنه- قال: قال رسول الله –صلى الله عليه وسلم-: «صوموا لرؤيته، وفطروا لرؤيته، فإنّ غُمّ عليكم فأكملوا عدة شعبان ثلاثين».
وعن ابن عمر –رضي الله عنهما- قال: قال رسول الله –صلى الله عليه وسلم-: «لا تصوموا حتى ترَوا الهلال، ولا تفطروا حتى ترَوه، فإنْ غُمَّ عليكم، فاقدروا له».
الثانية: إذا أفطر في رمضان ثم طلعت الشمس:
روى البخاري عن أسماء بنت أبي بكر قالت: «أفطرنا يوماً من رمضان في غيم على عهد رسول الله –صلى الله عليه وسلم- ثم طلعت الشمس».
قال شيخ الإسلام ابن تيمية: «وهذا يدل على شيئين:
على أنه لا يُستحب مع الغيم التأخير إلى أن يتيقّن الغروب، فإنهم لم يفعلوا ذلك، ولم يأمرهم به النبي –صلى الله عليه وسلم-، والصحابة مع نبيهم أعلم وأطوع لله ولرسوله ممن جاء بعدهم.
والثاني: لا يجب القضاء؛ فإنّ النبي –صلى الله عليه وسلم-لو أمرهم بالقضاء لشاع ذلك كما نُقل فِطرهم، فلمّا لم يُنقل ذلك دل على أنه لم يأمرهم به....».
قلتُ: وعدم القضاء هو قولٌ لأحمد في رواية....
الثالثة: حُكم أكل البَرَد للصائم:
روى عبدالله بن أحمد في «زوائد المسند»، والبزار، والطحاوي في «مشكل الآثار» عن أنس، قال: مُطرنا بَرَدَاً وأبو طلحة صائم، فجعل يأكلُ منه، قيل له: أتأكل وأنت صائم؟ فقال: إنما هذا بركة!
قال البزار: «لا نعلم هذا الفِعل إلا عن أبي طلحة».
وقال ابن حزم في «المحلى»: «ومِن الشواذ أنّ أبا طلحة كان يأكل البَرَد وهو صائم، ويقول: ليس طعاماً ولا شراباً!».
وقال ا لشيخ الألباني:«وهذا الحديث الموقوف مِن الأدلة على بطلان حديث: «أصحابي كالنجوم بأيهم اقتديتم اهتديتم»؛ إذ لو صحّ لكان الذي يأكل البَرَدَ في رمضان لا يُفطر اقتداءً بأبي طلحة –رضي الله عنه-! وهذا مما لا يقوله مسلم اليوم فيما أعتقد».
الرابعة: اغتنام الصّوم:
فقد صحّ عن النبي –صلى الله عليه وسلم-:«الصومُ في الشتاء الغنيمة الباردة».
الزكاة
وذكرها هنا ترغيب بها، وترهيب مِن تركها والتهاون فيها، إذ هو «سبب القحط والجور وغيرها مِن المصائب»، فضلاً عن أنه مِن الكبائر والآثام والمعاصي.
وقد صح عن ابن عمر مرفوعاً: «.. ولم يمنعوا زكاة أموالهم إلا مُنعوا القطر من السماء، ولولا البهائم لم يُمطروا».
وعن بُريدة مرفوعاً: «.. ولا منع قوم الزكاة إلا حبس الله عنهم القطر».
وروى ابن جرير في «تفسيره»، والطبراني في «الدعاء» عن مجاهد قوله في تفسير آية {ويلعنهم اللاعنون}، قال: «دواب الأرض؛ تقول: إنّما مُنعنا المطر بذنوبكم».