رد : الأخبار الإقتصادية ليوم الثلاثـاء 27 محـرم 1429 هـ 5 فبراير 2008
تحليل فني مالي
اتفاقيات شراء الطاقة والمياه لمشاريع الشعيبة والشقيق غير ثابتة وتتأثر بأسعار صرف الريال والدولار
- م. عبد الرحمن بن كريم الجهني - 28/01/1429هـ
إشارة إلى ما تردد أخيرا في بعض وسائل الإعلام بأن" تكلفة مشاريع الإنتاج المزدوج لن تتأثر بالمتغيرات الاقتصادية العالمية"! الذي استشهد فيه المصرح باتفاقيات الشعيبة (3) والشقيق (2) كمثال، وأضاف "أنها عقود ثابتة لا يطرأ عليها تعديلات على خلفية ما يحدث من تغييرات في أسعار النفط أو انخفاض قيمة الدولار أمام العملات الأجنبية الأخرى، وأي فروقات في أسعار الصرف للعملات الأجنبية يتحملها الممول أو المطور للمشروع".
ونظرا لعدم دقة المعلومات التي وردت في تلك التصريحات ولوجود مغالطات في ذلك التصريح ومفارقات مع واقع تلك الاتفاقيات أورثت الكثير من الاستفسارات من الزملاء المهتمين والمختصين في هذا المجال، وحيث إنني كنت أحد الموقعين على اتفاقية الشعيبة (3) فإنني أرى من واجبي إيضاح بعض النقاط التي تخفى على الكثير، ولا سيما على ضوء بعض التصريحات غير الصحيحة التي تطلع علينا بين فترة وأخرى التي لا تشجع في توجه المطورين والممولين لمشاريع الطاقة والمياه، ولا يخفى على الجميع أن اتفاقيات شراء الطاقة والمياه لمشروعي الشعيبة (3) والشقيق (2)، التي مدتها 20 سنة تتميز بأن لها تعرفة معدلة للطاقة LEC وتعرفة معدلة للمياه LWC وهي قيمة معدل حاصل قسمة مجموع صافي القيم الحالية NPVs للإيرادات على مجموع صافي القيم الحالية للكميات المصدرة من الطاقة والمياه.
وهذه التعرفة المعدلة تتكون من أربعة عناصر لكل منتج على النحو التالي:
سعر استرداد التكلفة الرأسمالية للطاقة والمياه CCRP & CCRW،
سعر العائد الثابت على تكلفة التشغيل والصيانة للطاقة والمياه FOMRP & FOMRW، سعر العائد المتغير على تكلفة التشغيل والصيانة للطاقة والمياه VOMRP & VOMRW سعر تكلفة الوقود للطاقة والمياه، ويقوم مطور المشروع بتقديم عرضه ومن ضمنه النموذج المالي FM المشتمل على جميع العمليات الحسابية للمشروع، فالعناصر من 1 إلى 3 يتم استنتاجها مباشرة في النموذج المالي FM، أما فيما يتعلق بسعر الوقود فيتم الحصول عليه عن طريق معدل الحرارة المكتسبة Heat Rate المقدم لكل سنة وحسب تحديد الوقود للطاقة يتم معرفة عنصر سعر تكلفة الوقود للطاقة والمياه.
وبجمع العناصر الأربعة يتم الحصول على قيمة التعرفة الإجمالية لكل منتج في كل سنة بعد احتساب المعايير المحددة في النموذج المالي، فمثلاً في مشروع الشعيبة (3) رتبت المعايير في وثائق طلب العروض على النحو التالي:
معدل سعر الصرف للدولار مقابل الريال (1 دولار= 3.75 ريال)
مؤشرات الأسعار والتضخم للسعودي والأمريكي تم تحديد البداية لها من 1/1/2004 بزيادة سنوية مقدارها 3 في المائة.
سعر الوقود مع النقل (2.4 ريال /جيجا جول = 85 ريالا /متر مكعب).
معدل (نسبة) الخصم 5 في المائة تبدأ من 31/12/2005.
وبناءً عليه فقد كانت التعرفة المعدلة للطاقة والمياه (حسب ما تم نشره في منتدى الطاقة والمياه 2007) كالآتي:
الطاقة: 10.24 هللة / كيلو وات المياه: 3.30 ريال/ متر مكعب
كيفية احتساب التغييرات في التعرفة لمشروع الشعيبة (3):
يطلب من المطور أن يوزع كامل تكاليف المشروع على جزءين "محلي وخارجي"، بحيث يغطي التوزيع جميع عناصر التكلفة ما عدا عنصر الوقود مع تحديد النسبة لكل عنصر وذلك لحساب نسبة التغيير في أسعار التعرفة حسب الجدول المرفق (1).
وتثبيت سعر الفائدة للوقاية من الخسائر المالية Hedging ليست مسؤولية المطور فقط، بل مسؤولية شركة المشروع. وقد تم تثبيت سعر الفائدة لمشروع الشعيبة (3) لتجنب مخاطر تذبذب معدل سعر الفائدة الذي نتج عنه ارتفاع في أسعار استرداد التكلفة الرأسمالية للطاقة والمياه تم تحميلها على المشتري (شركة الماء والكهرباء)، وهذا العنصر يشكل أكثر من 90 في المائة من قيمة مجموع عناصر التعرفة دون الوقود.
وفيما يتعلق بسعر استرداد التكلفة الرأسمالية للطاقة والمياه سيتم تعديله فقط في حال تم تغيير معدل سعر الصرف للدولار عن 3.75 ريال. أما فيما يتعلق بأسعار العائد الثابت والمتغير على تكلفة التشغيل والصيانة للطاقة والمياه فسيتم تعديل السعر في حال تم تغيير معدل سعر الصرف للدولار وكذلك بالنسبة للجزء الخارجي حسب المؤشر الأمريكي والجزء الداخلي حسب المؤشر السعودي. وهذه التعديلات ستتم بحساب معدل التضخم بين 1/1/2004 إلى 1/1/2009، وسيتم التعديل في 1/1/2009.
بناء على ما سبق ذكره فإن اتفاقيات شراء الطاقة والمياه لمشاريع الشعيبة (3) والشقيق (2) غير ثابتة، وستتغير بتغير أسعار الصرف للدولار مقابل الريال وبتغير مؤشرات الأسعار (السعودي والأمريكي) وسيتم تعديلها سنوياً مع بداية كل سنة حسب الجدول أعلاه. وستتأثر أسعارها بشكل كبير في حال غيرت مؤسسة النقد السعودي (البنك المركزي) في سعر الريبو العكسي أو القياسي.
بخصوص الوقود وتكاليفه فإن اتفاقية شراء الماء والكهرباء بنيت أساسا على مبدأ أسلوب تحويل الطاقة ECA، بحيث تقوم شركة الماء والكهرباء بتوفير الوقود اللازم لشركة المشروع طول فترة الاتفاقية 20 سنة، وذلك بإبرام اتفاقية التزويد بالوقود FSA مع شركة أرامكو السعودية حسب السعر المحدد في قرار مجلس الوزراء رقم 55 وتاريخ 12/3/1427هـ.
وسيتم تعديل مدفوعات استهلاك الوقود للطاقة والمياه حسب نموذج طلب الوقود FDM، الذي يعد أساس نظام تحصيل المدفوعات للوقود حسب كمية الحرارة المكتسبة Heat Rate لكل سنة، وفي حال استهلكت شركة المشروع وقودا أكثر من المتفق عليه، فعلى شركة المشروع أن تدفع لشركة الماء والكهرباء قيمة الوقود المستهلك الإضافي، وكذلك في حال استخدام كمية وقود أقل فعلى شركة الماء والكهرباء أن تدفع قيمة الوقود الذي تم توفيره.
كما أنه في حال ارتفاع أسعار الوقود أو نقله فلن يتم تحميله على الممول أو المطور وسيتم تحميله على المشتري النهائي للطاقة والمياه وهما حالياً "المؤسسة العامة لتحلية المياه المالحة والشركة السعودية للكهرباء".
أما فيما تم ذكره في بعض التصريحات "إن مهمة إيجاد مصنعين وموردين للمعدات الأساسية للمشروع (رأس الزور) تمثل تحدياً كبيرا أمام المطورين والمستثمرين، في ظل زيادة الطلب العالمي على الطاقة وازدحام السوق بمشاريع إنتاج الطاقة، ما ينتج عنه طلب متزايد على مقاولي التنفيذ والمصنعين على حد سواء"، فأنا أتفق مع هذا الكلام، لكن إذا كانت هذه الحقيقة معلومة لدى شركة الماء والكهرباء لماذا تضع شركة الماء والكهرباء شروطا والتزامات في وثائق طلب العروض لا تخدم الهدف المنشود؟
وأضرب مثلا على ما تم في مشروع الشقيق (2) بخصوص الشروط لمقاولي تصنيع معدات التحلية وعدد الوحدات، فقد كانت شروطا غير مبررة، وبناء عليه لم يحصل المشروع على أسعار منافسة.
كذلك ما يحصل الآن في مشروع رأس الزور، فمن المعلوم أنه توجد مشكلة في الحصول على مصنعين وموردين للتوربينات البخارية والغلايات، وقد طالب بعض المطورين بتخفيف بعض الاشتراطات غير الضرورية كي تتاح لهم الفرصة للمشاركة في تقديم عروض منافسة للمشروع، ولكن مع الأسف اصطدم هذا الطلب بالرفض والعذر تطبيق الشروط نفسها للمشاريع السابقة! وهذا يخالف نصوص قرار المجلس الاقتصادي الأعلى الذي وجه بتقويم التجربة الناتجة من طرح المشاريع المستهدفة والاستفادة منها للمشاريع المستقبلية بجميع مراحلها، فالتتابع في البرنامج الزمني كان بهدف تلافي أي عيب ينتج عن طرح المشروع السابق.
وهذا الرفض لا يخدم مصلحة المشروع، وفي الوقت نفسه يثير تساؤلات لدي بعض المطورين حول هذا التوجه! ولقد تم طرح هذا الموضوع في نشرة Global Water Intelligence المتخصصة في شؤون المياه في عددها الصادر في تشرين الثاني (نوفمبر) 2007، وذكرت أن الشروط التي توضع هي في الحقيقة تسيئ إلى الشركة واستشاريها الفني. وحذرت من ألا يتقدم للمشروع إلا مطور واحد كما حصل في مشروع الشعيبة (3).
ونحن نرى أن وضع الشروط غير مدروسة النتائج تجعل المطورين يحجمون عن المشاركة في هذه المشاريع، ما يخالف المبدأ الذي صدر به المجلس الاقتصادي الأعلى.
أما ما تم ذكره عن المجموعات الخمس، فكما هو معروف لدى جميع المطورين أن المطور الذي معه المقاولون "دوسان وسيمنز" هو المطور المنافس والجاد، ولا سيما إن لهم سابق تجربة في مشروع الشعيبة (3) ونتمنى للجميع التوفيق.
تمت الإشارة في التصريح إلى أن تنفيذ هذه المشاريع يتم حسب البرامج الزمنية المحددة.
وهذا مغاير للحقيقة فواقع الحال للاتفاقيات يبين أن هناك فروقا شاسعة بين التواريخ والمدد التي حددها المجلس الاقتصادي وبين المدد التي تم إبرام وتنفيذ الاتفاقيات على ضوئها، نتج عن تلك التأخيرات تأخر الوطن والمواطنين من الاستفادة من منتجات هذه المشاريع بين الثلاث والخمس سنوات، فقرار المجلس الاقتصادي الأعلى رقم (23/5) وتاريخ 23/3/1423هـ حدد البرنامج الزمني للمشاريع كما في الجدول المرفق (2).
وحيث أشار المصدر إلى أن هذه المشاريع تأتي ضمن سلسلة المشاريع المشتركة في قطاع الماء والكهرباء التي أقرت من قبل المجلس الاقتصادي الأعلى فلا شك أن المجلس برئاسة خادم الحرمين الشريفين، حفظه الله، ونائب رئيس المجلس ولي عهده الأمين، حفظه الله، وأمين عام المجلس، حفظه الله، فقد خطى خطوات ممتازة في رسم السياسة الاقتصادية وبلورتها لبناء اقتصاد وطني فعال منتج يحقق زيادة مشاركة القطاع الخاص المحلي والخارجي في برنامج الحكومة في التخصيص.
من ضمن هذه الخطوات صدور القرار رقم (3/25) بتاريخ 23/3/1423هـ القاضي بالموافقة على أسس ومعايير مشاركة القطاع الخاص في مشاريع تحلية المياه المالحة، وكان هذا القرار من أهم الأدوات المطلوبة لتنفيذ برامج التخصيص، حيث إن الجهات المستفيدة قد قامت بدورها فيما يخصها، فوزارة المالية قدمت الضمان المالي (للفواتير وانتهاء الاتفاقية)، الذي يعد العنصر الأساسي في تخفيض نسب المخاطر، وبالتالي تخفيض قيمة التعرفة، إلا أنه وجدت بعض النقاط التي لم تطبق والأخرى التي طبقت، ولكن ليست على الوجه المطلوب فمثلاً:
نص القرار على (تقويم التجربة الناتجة من طرح المشاريع المستهدفة والاستفادة منها للمشاريع المستقبلية بجميع مراحلها من قبل فريق مشترك من المؤسسة العامة لتحلية المياه المالحة والشركة السعودية للكهرباء ووزارة الصناعة والكهرباء ووزارة الزراعة والمياه (وزارة المياه) ووزارة البترول والثروة المعدنية ووزارة المالية والاقتصاد الوطني وهيئة تنظيم الخدمات الكهربائية ويرفع الفريق تقريره إلى المجلس الاقتصادي الأعلى حول الأسلوب الأفضل). وقد تم توقيع اتفاقيات مشروعين ( الشعيبة والشقيق) ومشروع رأس الزور تحت الطرح وحسب علمي لم يتم إجراء تقويم دقيق - لمشروعي الشعيبة والشقيق - مشتملاً على جميع الجوانب المالية والقانونية والفنية بمشاركة جميع الأطراف المذكورة .
ويتبادر إلى ذهني سؤال: بما أن العمر الافتراضي للمحطات يصل إلى 30 سنة ولو أن هذه الاتفاقيات حددت مدتها 25 سنة بدلا من 20 سنة ألن ينعكس هذا على انخفاض سعر التعرفة؟ وبالتالي توفر الدولة الكثير في مدفوعات الاتفاقيات قد يصل الوفر إلى مئات الملايين.
إن هذه المشاريع تعد من مشاريع الإنتاج المزدوج الكبيرة وهي ذات تكاليف مرتفعة جداً، فمثلاً في مشروع الشعيبة (3) وصلت تكلفة المشروع حسب النموذج المالي النهائي أكثر من تسعة مليارات ريال، وستكون تكاليف فواتير المياه التي ستدفعها الدولة على مدى 20 عاماً أكثر من 20 مليار ريال وفواتير الكهرباء التي سيتم دفعها بواسطة الشركة السعودية للكهرباء للمدة نفسها أكثر من 15 مليار ريال. ومن المتوقع أن تكون تكلفة الفواتير لجميع المشاريع أكثر من 90 مليار ريال، ولأنه لا يوجد لدى الشركة كوادر وطنية كافية ولا سيما فيما يتعلق بمراجعة وتقييم النموذج المالي Financial Model، الذي يعد أساس جميع المعاملات المالية والتجارية والمكلف بالنموذج المالي مستشار فني (غير سعودي)! وهو الذي يتابع الاستشاريين (المالي والفني) ويوجههم ويملي عليهم ما يطرحونه على لجنة التحليل! وقد أصبحت له أهمية تتخطى أعلى مسؤول في الشركة! وهذا يعد - من وجهة نظري - خطأ إداريا ورقابيا كبيرا.
لذا أرى من الواجب أن يتم تقييم شامل لهذه المشاريع بواسطة جهة متخصصة ومحايدة في هذا المجال مثل (اللجنة الاستشارية في المجلس الاقتصادي الأعلى، صندوق التنمية الصناعية، الهيئة العامة للاستثمار، هيئة تنظيم الكهرباء والإنتاج المزدوج ... وغيرها) للتأكد من أن الاتفاقيات سليمة ولا تحمل الدولة أعباء مالية إضافية على المدى البعيد وتقدم للدولة الاستشارات الفنية والاقتصادية للمشاريع المستقلة للإنتاج الفردي أو المزدوج.
في الختام آمل أن يكون فيما تم طرحه في هذا المقال إجابة شافية لكل التساؤلات التي تطرح في صحيفتكم بين الفينة والأخرى، وأتمنى ألا يخرج من يزايد علينا في انتمائنا وحبنا لوطننا والعمل على إنجاح هذه المشاريع بصورة جماعية يُراعي فيها مصالح جميع الأطراف بما فيها الممولين والمطورين. كما أدعو المولى القدير أن تستمر مسيرتنا التنموية الطموحة في قطاعي المياه والكهرباء في ظل حكومتنا الرشيدة تحت قيادة خادم الحرمين الشريفين وولي عهده الأمين، حفظهما الله.
|