رد : الأخبار الإقتصادية ليوم الثلاثـاء 27 محـرم 1429 هـ 5 فبراير 2008
انفصال آسيا عن أمريكا: عملة موحدة لرابطة "الآسيان"؟
رامكيشين إس راجان - 28/01/1429هـ
دار حديث كثير حول ما إذا كانت الاقتصادات الآسيوية ستنفصل عن الولايات المتحدة أم لا. فهل ستكون آسيا قادرة على الصمود في وجه حدوث ركود حاد في الاقتصاد الأمريكي؟ واعتباراً من الآن يجب أن تكون الإجابة "لا" بالتأكيد. إذ تبقى المنطقة معتمدة بقوة على الولايات المتحدة بصفتها المقصد النهائي لصادراتها. ويوجد أيضاً العديد من الروابط النقدية والمالية المعقدة الأخرى بين الولايات المتحدة وآسيا، بما فيها الاعتماد الشديد في المنطقة على الأصول التي يهيمن عليها الدولار الأمريكي. وعلى أية حال، في الوقت الذي تواصل فيه آسيا مسارها إزاء نزعتها النقدية والمالية الإقليمية الاقتصادية المكثفة، فمن المنطقي أن تصبح المنطقة قادرة نسبياً على الاستقلال أكثر عن الولايات المتحدة. وفي هذا السياق تحديداً يحتاج المرء إلى فهم المجريات الأخيرة إزاء النزعة النقدية والمالية الإقليمية.
هناك العديد من تدرجات النزعة النقدية والمالية الإقليمية، تراوح بين الشكل الضعيف الذي ينطوي على محاورة ومراقبة السياسة الإقليمية من الناحية الأولى، إلى أسعار الصرف والتنسيق النقدي من الناحية الثانية. لقد خطت الاقتصادات الشرق آسيوية خطوات ملحوظة في اتجاه تعزيز حوار السياسة. وعلى سبيل المثال، تم تأسيس المراجعة النقدية وحوار السياسة في عام 2000 لتبادل المعلومات، وإجراء المراقبة الإقليمية، وممارسة ضغوطات الأقران لتعزيز السياسات الوطنية والإقليمية. كما تعهدت الاقتصادات الإقليمية بعدد من الخطوات لتعزيز وجود أشكال "متوسطة" من النزعة النقدية والمالية الإقليمية، محددة على نطاق واسع بأنها لتطوير اتفاقات السيولة وأسواق المال الإقليمية.
وفي العالم النقدي، كان الشكل المعتدل من أشكال النزعة النقدية والمالية الإقليمية الملاحظ أكثر ما يكون في آسيا، مبادرة شيانغ – ماي. وفي المجال المالي، فإن المبادرتين الرئيسيتين الجاريتين هما صندوق السندات الآسيوي الذي تأسس بواسطة أحد عشر عضواً من التنفيذيين الذين حضروا اجتماع البنك المركزي لمنطقة شرق آسيا – الهادئ، ومبادرة سوق السندات الآسيوية التي أطلقتها الاقتصادات الآسيوية زائد ثلاث.
وفي حين يوجد الكثير مما ينبغي إنجازه لتعزيز الأشكال الضعيفة والمتوسطة من أشكال النزعة النقدية والمالية الإقليمية، إلا أن ثمة نقاشاً نشطاً يدور بالتوازي حول إمكانية وجود أشكال أقوى وأعمق من النزعة النقدية والمالية الإقليمية. ومن الواضح أن التعميق الفعال للتكامل النقدي الإقليمي لن يحدث، ما لم يتم إجراء تقوية مهمة على آلية المراقبة الإقليمية، مشروطة بتطبيق ملائم للمراقبة والسياسة. وفي حين يُجمع معظم المراقبين على أن الوقت لم يحن بعد لآسيا لكي تفكر في عملة مشتركة في المستقبل القريب، إلا أنه تجري بعض النقاشات حول إمكانية إنشاء عملة موحدة لرابطة دول آسيان، كوسيلة لتعميق التكامل النقدي.
والعملة الموحدة لرابطة دول آسيان هي المتوسط الموزون للعملات الإقليمية مقابل العملة الأوروبية الموحدة التي تم إنشاؤها عام 1979 بموجب النظام النقدي الأوروبي الذي تم تأسيسه، وبقي عاملاً حتى إطلاق اليورو عام 1999.
يوجد في حقيقة الأمر ثلاثة أسباب منطقية لإنشاء عملة موحدة لدول رابطة آسيان. أولاً، كوحدة حساب. وعند المستوى المتناهي الصغر، فإن السبب المنطقي لوجود عملة موحدة لرابطة بلدان آسيان هو توافر الفرصة لوكلاء الاقتصاد الإقليمي لإجراء عمليات مالية وتجارية إقليمية بالعملة الموحدة لرابطة دول آسيان، وبالتالي تقليل اعتماد المنطقة على الدولار الأمريكي والعملات الخارجية الأخرى. ويمكن استخدام العملة الموحدة لرابطة دول آسيان أيضاً لاشتقاق أدوات جديدة يمكن تداولها بسهولة عبر النطاق الأوسع، دون مخاطر سعر الصرف المتضمنة. وبإمكان الموردين والمصدرين تعيين تجارة داخل آسيا بالعملة الموحدة لرابطة دول آسيان. وقد ترغب حكومات دول آسيان أو شركاتها في إصدار سندات سيادية أو شركات بالعملة الموحدة لرابطة دول آسيان. وتستطيع البنوك المركزية المختلفة أن تحتفظ بجزء من احتياطياتها بالعملة الموحدة، وحتى أن البنوك التجارية يمكنها أن تأخذ الودائع وتعطي القروض المعينة بالعملة الموحدة لرابطة دول آسيان. وإذا نجح ذلك، بالإمكان تعزيز وساطة الادخارات داخل الإقليم، ويمكن خلال تلك العملية، تقليل انكشاف المنطقة أمام الهزات الخارجية.
في واقع الأمر على أية حال، من غير المحتمل أن تُستخدم العملة الموحدة لرابطة دول آسيان على أساس واسع الانتشار لفترة ما مقبلة. وتعتبر التجربة الأوروبية مساعدة في هذا الخصوص. فالتأسيس المبدئي للعملة الموحدة الأوروبية لم يؤد إلى استخدام واسع الانتشار للعملة. وحتى خلال أعوام التسعينيات، إلى أن تم الإنشاء الفعلي لليورو، فإن الغالبية العظمى من العمليات المالية والتجارية داخل أوروبا لم تكن تجرى باليورو وإنما بالدولار الأمريكي بشكل رئيسي والعملات الوطنية الأوروبية السيادية الأخرى. وبناء عليه لا تعتبر عملية التأسيس ذاتها مهمة فقط، إنما ينبغي أن يوجد اتفاق منسق بواسطة الهيئات الإقليمية للبدء بالتعامل في العملة الجديدة، ولدى الإخفاق في ذلك، فلن يرغب أحد باتخاذ الخطوة الأولى. إن هذا التأثير الخامل للعملات القائمة (أي مزية الاحتضان) يعتمد على مفهوم "عوامل خارجية متشابكة" أو تأثيرات "مقفلة"، توجد وفقها حوافز محدودة لوكلاء الاقتصاد لكي يتخذ كل طرف منهم منفرداً عملة جديدة (على الأخص لإجراء العمليات).
والسبب الثاني لوجود عملة موحدة لرابطة دول آسيان هو أنها تعمل كمؤشر تباين. واقترح بنك التنمية الآسيوي أن تعمل العملة الموحدة لرابطة دول آسيان بشكل رئيسي في المراحل الأولية كوسيلة مرجعية لنطاق تحركات وانحرافات العملة. وكما قال رئيس بنك التنمية الآسيوي، هاروهيكو كورودا: "يمكن استخدام العملة الموحدة لمراقبة استقرار العملات المشاركة، وسوف تثبت بشكل ملموس الحاجة إلى وجود تنسيق أكبر لأسعار الصرف. إن ما تحتاج إليه آسيا هنا بشكل أساسي سعر صرف مرن مقابل باقي عملات العالم، ولكن مستقر نسبياً داخل المنطقة".
في واقع الأمر، وكمعيار إقليمي، يمكن أن تعمل العملة الموحدة لرابطة دول آسيان كأداة لمراقبة ظروف سوق الصرف الأجنبي، ويمكنها أن تساعد في فهم درجة التقارب بين كل عملة من عملات البلدان المشاركة، والذي من شأنه أن يحسن فهم المشكلات المتأصلة في سوق عملة محددة، وفي متابعة سياسات اقتصادات الحجم الكبير المناسبة.
والهدف النهائي لوجود العملة الموحدة لرابطة دول آسيان هو أن تعمل كأداة لاستقرار أسعار الصرف. وتم الاقتراح أيضاً أن تستخدم العملة الموحدة كوسيلة لتعزيز استقرار أسعار الصرف الداخلية إذا بدأت البنوك المركزية في المنطقة بالعمل على استقرار عملاتها ذات العلاقة وفق العملة الإقليمية (على سبيل المثال المساعدة على تقليل احتمال تخفيض التقييمات التنافسية الإقليمية). إن فكرة الاستقرار فيما يتعلق بسلة عملات داخلية مقابل آلية سعر الصرف الأوروبي تختلف عن الاستقرار فيما يتعلق بعملة داخلية تقتضي أن تكون العملة الموحدة لرابطة دول آسيان بدورها مرتبطة بطريقة ما مع عملات خارجية مثل الدولار الأمريكي أو اليورو، أو متوسط موزون منها.
يمكن أن تكون إحدى الطرق المجدية لكي تمضي آسيا قدماً أن تنشئ المنطقة عملة موحدة لرابطة دول آسيا كعملة موازية، مع إتاحة الحرية أمام الاقتصادات الإقليمية لكي تختار بنفسها ما إذا كانت، وإلى أي حد، تريد إدارة عملاتها ذات العلاقة مقابل العملة الموحدة لرابطة دول آسيان، فضلاً عن عملات خارجية مثل الدولار الأمريكي واليورو.
من الواضح أنه سيكون سابقاً لأوانه، من حيث الأخذ بالاعتبار تنسيق أسعار الصرف الآسيوية والسياسات النقدية مقابل سلة عملات مشتركة عند هذه المرحلة (ناهيك عن اتحاد نقدي يعتمد على العملة الموحدة لرابطة دول آسيان) حيث لا توجد شروط اقتصادية أو سياسية مسبقة للقيام بذلك. إن محاولة القيام بتنسيق صارم للسياسة قبل تحقيق الشروط المسبقة اللازمة سيكون أشبه بوضع العربة أمام الحصان، إن مصيرها الفشل. وفي حين لا يمكن النظر إلى العملة الموحدة لرابطة دول آسيان كمرساة اسمية جذابة للعملات الآسيوية في الأجل القريب، فمن المحتمل أن يكون لها دور تلعبه في التعاون النقدي والمالي الآسيوي في المستقبل, وهذا بدوره يجب أن يساعد المنطقة على اكتساب درجة أكبر من المرونة الاقتصادية وتقليل اعتمادها الشديد على الدولار الأمريكي والاقتصاد الأمريكي
|