الديون وسداد التوت!
عبدالله صايل - 28/01/1429هـ
a4sas@yahoo.com
أعتقد أن هناك شخصاً مؤثراً، واسمه "طبيعي"، يقف خلف كل هذا التجني على مفهوم الطبيعي والطبيعية في السوق السعودية.
الصورة كالتالي:
تدخل إلى الصيدليات فتجد ملصقات ترحب بك وتقول: (صبغة شعر طبيعية 100%)!!، تدخل إلى مراكز التسوق فتجد لافتات تجعر صارخة: (مكونات بضاعتنا طبيعية من ريف الصحراء البرية!)، تغادر المولات وتتجه إلى البسطات فتجد لافتة فوق البسطة مكتوب عليها: (طبيعي ومضمون... حنة أم علي خالية من الكربون!)
قبل عام تقريباً، كان هناك محل صغير بجانب أحد أشهر مراكز التسوق، تزين مدخله لافتة كتب عليها: (عصير توت طبيعي 100%) وإلى جانبها حشد من عبارات تمجيد فوائد عصير التوت، كقدرته على شحذ الذهن، رفع التركيز، مقاومة الأمراض، زيادة القدرات على اختلاف توجهاتها.... وصولاً إلى قدرة عصير التوت على سداد الديون، بحول من المولى وقوته!
بعد شهرين تقريباً، كان عدد الزبائن بالمئات، وأحدهم كان صديقاً عزيزاً على قلبي وقلب جاري أبوعلي. وكانت قد أعيتنا الحيلة في سبيل إقناعه بأن ما يكتبه بعض الانتهازيين لا يعني بالضرورة أنهم صادقون! ولكني خضعت أمام إصراره على طبيعية المكونات وتفهمت السبب وراء تناوله هذا العصير بشكل شبه يومي، لهذا كتمت عن صديقي، وليسامحني ربي، إمكانية الحصول على فوائد التوت المزعومة من خلال شرائه سليماً كما هو من أحد أشهر محال السوبر ماركت في العاصمة!! المهم، مر شهر آخر وفوجئ صديقي بإغلاق المحل بأمر من البلدية، وبعد أن تحرى عن الأمر اكتشف أن العصير كان "سعير"، وأنه يصنع من توالف التوت المستورد قبل أن يتعفن مباشرة، وأن الـ "سعير" كان مزيجاً من مخلفات التوت والألوان الصناعية ومياه حنفيات من خزان في بيت شعبي في حي "النسيان"... ولا أدري ما كان من علم خفي عليه أسوأ من كل هذا، بخلاف طريقة المزج بين جميع المكونات والتي لا أستطيع أن أبوح لكم بها هنا حفاظاً على سكينة أكبادكم!
المشكلة لا تزال قائمة، واستخدام عبارة "طبيعي" لا يزال على أشده.. امتهاناً وإمعاناً في "شخمطة" المفهوم الذهني للمفردة في سبيل الحصول على ما في جيب المشتري من ريالات هزيلة!
من آخر ما لمحت من تقليعات ضمن محاولات "التطبيع" مع الطبيعة قيام البعض بافتتاح محال متخصصة في هذه النوع من التسويق الساخن، والمسألة الآن انتقلت من البسطات والرفوف وزوايا المولات إلى المحال المتعددة الفروع‘ فهناك محال خضار "طبيعي"، فيتامين "طبيعي"، قماش "طبيعي"، طبيعي "طبيعي".. وهل تصدقون أن هناك محال خل "طبيعي"!!
للإيضاح، أعتقد أنه لا يوجد لدينا ما يستحق الوصف بـ "الطبيعي" سوى منتجات التمور وبعض الحبوب.. هذا إن هي خلت من السماد الكيماوي! ومن المهم الآن أن تلتفت أجهزة الترخيص والمتابعة إلى بحث طريقة عملية لحفظ كرامة عبارة "طبيعي" التي تم "مرمطتها" على لافتات المحال وواجهات الدكاكين والبسطات... لا لشيء سوى لحفظ علاقتنا بالمفردات ومعانيها!
إذا لم تتدخل الجهات المسؤولة عاجلاً، فلن أستبعد أن نرى علب زيوت تشحيم السيارات وقد كتب عليها: (طبيعي 100%... خليط عشبي لمحرك ذهبي)!!