ثقافة حقوق الإنسان
الفريق متقاعد عبد العزيز هنيدي - عضو هيئة الإنسان 29/01/1429هـ
itg_henaidy@hotmail. com
ربا الجاهلية
أشرنا في المقالة الأولى إلى (حق التملك) وما ورد في الإعلان العالمي لحقوق الإنسان عن ذلك الحق وتحدثنا عما ذكره محمد صلى الله عليه وسلم عن فساد أمر الجاهلية وشدد على أمور كثيرة من أهمها ربا الجاهلية وأنه عليه الصلاة والسلام بدأ بآل بيته فأبطل ربا العباس ليؤكد للناس حرمة الربا ويذكرهم بما ورد في الكتاب والسنة عن بشاعة الربا وضرره الكبير، وقد وردت آيات كثيرة في القرآن والأحاديث عن حرمة الربا وخطورته على الاقتصاد والمجتمع والتنمية ووصف الله تعالى المرابي كالذي يتخبطه الشيطان من المس وتوعد عز وجل المرابين بشن حرب من الله ورسوله عليهم، كما قال تعالى: (يَمْحَقُ اللهُ الِربا وَيُربي اَلصَدَقَاتِ وَالَلهُ لاَ يحبُ كل كَفْار أثَيمَ) البقرة (276) والربا جريمة كبيرة تدمر أواصر العلاقات الإنسانية وتعطل العمل ولا تشجع الاستثمار، حيث يحصل المرابي على أموال لا يستحقها ولم يشق عليها ودون أن يشرك الناس ليستفيدوا من الأموال وتزداد خبرتهم ومهارتهم في حرفهم، كما أن دافع الربا سيعرض (كرامته) للإهانة لالتماس المال ليسدد المرابي فتزداد أموال المرابي من الحرام ويزداد دافع الربا فقرا ومذلة، ويستغل المرابون الأثرياء الضعفاء المحتاجين، لذلك يزداد الحقد والحسد والكراهية بين المتعاملين بالربا ومن يسمع عن الاستغلال البشع والضرر الذي يحصل للمجتمع بسبب عمليات الربا، وقد أحل الله البيع وحرم الربا، فالتعامل بالربا عن طريق البنوك أو عن طريق المرابين وما يخترعونه من ألاعيب وحيل لا تنطلي على الله عز وجل ولا على الحذرين المؤمنين الذين يحرصون على نقاوة أموالهم من الربا ومن المال الحرام، كما أن شراء السلع بطرق ملتوية قد يوقع الإنسان في الربا، لأن التجارة لا تكون إلا إذا امتلك السلعة مشتريها وحازها وتصرف بها بحرية، وقد وضح فقهاء المسلمين الفرق بين البيع والربا، لذلك كله فمن أصول (حق الملكية) أن يمتلك الإنسان مالا بطرق مشروعة، والله عز وجل هو المالك الحقيقي للمال والإنسان مستخلف فيه (وآتوهم مِن مَالِ اِللهِ الَذي آتَاكُم) النور (22) كما جاء في كتاب (شرح خطبة حجة الوداع لمؤلفه الدكتور محمد شريف مصطفى).
الكسب الحرام والحلال
وقد ورد في الكتاب المذكور (16) طريقة غير مشروعة لكسب المال وهي: الربا، الاحتكار، الغش، القمار، الغصب، الرشوة، ترويج البضاعة بالحلف الكاذب، الغلول، التلاعب بالكيل والميزان، أكل أموال اليتامى بغير حق، المتاجرة بالمحرمات، السرقة وقطع الطريق، الاختلاس، الكسب عن طريق الدعارة، الكسب عن طريق الكهانة والسحر والشعوذة (أضفت السحر والشعوذة للكهانة) وأخيرا خيانة الأمانة، (عدم رد الأمانة لصاحبها عند طلبها بكامل حالتها)، وأما طرق الكسب الحلال فكثيرة ولله الحمد ومن أهمها – كما جاء في المصدر المذكور – العمل في كل مجالات الزراعة والصناعة، إحياء الأرض الميتة، الميراث، الوصية، الهبة والهدية، التي تعطى صلة وقربا وإكراما وبغير عوض، والمال الذي يأتي من الجهاد في سبيل الله، والركاز (المعادن والثروات الثابتة في الأرض أو المدفونة)، وأخيرا (الزكاة) وهي التملك الجبري من الغني للفقير والمستحق لها بحكم الشرع، لذلك فمن حق الإنسان ومن واجبه أيضا الحفاظ على كرامته وأن يحرص على عدم التخبط في الربا وغير ذلك من طرق المال الحرام حتى يطمئن على أن ملكيته من المال الحلال فيبارك الله له فيه ويزيده من فضله، لذلك أكد عليه الصلاة والسلام في خطبة الوداع على حرمة المال. وفي المقالة المقبلة نتحدث عن حق وواجب المرأة في خطبة الوداع.