رد : ألاخبار الاقتصاديه ليوم الثلاثاء الموافق12/2/1429هـــ
القفزة النوعية التي ننتظرها
د. عبدالله بن عبد المحسن الفرج
إن الطفرة النفطية التي يشهدها العالم تضع المملكة ليس فقط في الواجهة باعتبارها من أكبر منتجي النفط في العالم ومالكة لأكثر من رُبع احتياطاته المكتشفة بل وأمام تحديات جديدة. وإذا كان اقتصاد المملكة الذي نراه الآن هو في الواقع مخاض الطفرة الأولى التي قفز خلالها سعر برميل النفط ماركة العربي الخفيف من 2.70دولار عام 1973إلى 34.2دولاراً عام 1981، فإن الطموحات تقودنا هذه المرة، وبعد الطفرة الثانية لسعر برميل النفط من 12.2دولاراً عام 1998إلى مستويات قد تتجاوز ال 100دولار، إلى رؤية بلدنا وقد تمكن من تحقيق نقلة نوعية جديدة أكثر عمقاً واتساعاً مما تم تحقيقه خلال الفترة التي أعقبت ارتفاع أسعار النفط عام 1973وحتى الآن.
وهذا يتطلب أول ما يتطلب أن نتحول من الكم إلى الكيف. ففي مجال التعليم يفترض من الآن ولاحقاً أن نركز ليس فقط على عدد المدارس والمعاهد والجامعات، التي نحتاج إلى المزيد منها بالتأكيد، بل وعلى مناهج التعليم التي سوف تدرس في تلك الصروح وعلى المدرسين الناقلين للمعرفة أيضاً. فقطاع العلم والمعرفة يفترض أن يتطور خلال ال 15عاماً القادمة ليكون قادراً على مد سوق العمل بما يحتاجه من كوادر سعودية مهيأة للعمل وفق آخر المواصفات والمقاييس الدولية المطلوبة حينها. فهذا من شأنه أن يريح معالي وزير العمل، الذي سوف يأتي بعد عام 2023، من فرض نسبة إجبارية على سعودة الوظائف في القطاع الخاص. فمخرجات التعليم الحكومي عندما تكون مناسبة لمدخلات العمل في قطاع الأعمال فإن الإجراءات القسرية لتوظيف العمالة السعودية، كما يبدو لي، سوف تنتفي الحاجة إليها.
أما في مجال الصناعة فإنه يفترض أن نركز ليس فقط على صناعة إحلال الواردات بل وأيضاً على الصناعة التصديرية. فنحن بلد يملك النفط والغاز- أي الطاقة التي يتوقع لأسعارها مزيداً من الارتفاع خلال ال 10سنوات القادمة. كما أن الموارد البشرية لدينا محدودة رغم كل الزيادة التي طرأت عليها فيما مضى من السنوات. الأمر الذي يملي علينا الاهتمام بتطوير صناعة تصديرية قائمة على الاستخدام المكثف للطاقة ورأس المال والتكنولوجيا، وذلك حتى تتمكن منتجات مصانعنا من تحقيق ميزة نسبية تتيح لها المنافسة وأخذ الحصة التي تستحقها في الأسواق العالمية. فالفرص الاستثمارية المتوقع توفرها لدينا في مجال الطاقة في المستقبل ربما تصل إلى 300مليار دولار.
بيد أن ذلك يحتاج إلى مشاركة اكبر للقطاع الحكومي في الاستثمار. فعند مقارنة نسبة مساهمة القطاع الحكومي في تكوين رأس المال الثابت-باستثناء قطاع النفط- خلال الفترة ( 1980- 2006)، نرى انخفاض هذه النسبة من 63% إلى 30% من إجمالي تكوين رأس المال الثابت على التوالي. في حين ارتفعت مساهمة قطاع الأعمال في المؤشر المذكور خلال نفس الفترة من 27% إلى 58% على التوالي. وارتفاع نسبة الاستثمارات الحكومية في بداية الثمانينيات كان أمراً ليس فقط مبرراً وإنما مطلوب. فالقطاع الخاص وقتها لم يكن قد وقف بعد بثبات على قدميه. كما أن تلك الفترة كانت مرحلة التطلعات الجسام بإنشاء الشركة السعودية للصناعات الأساسية- سابك- وبناء "الطوابق السفلى" للصناعات البتروكيماوية في الجبيل وينبع. ولذلك فإن إعطاء دفع قوي وجديد لاقتصادنا بتشييد وبناء الصناعة والمجتمع المعرفي وإقامة "الطوابق العليا" للصناعات البتروكيماوية النهائية المتخصصة قد لا يكون ممكناً من خلال مساندة ودعم القطاع الحكومي متعددة الجوانب وحدها. إذ لربما تطلب الأمر مرة أخرى رفع نسبة مشاركة القطاع الحكومي في إجمالي الاستثمارات المباشرة- وذلك على غرار ما تم انجازه في نهاية السبعينيات وبداية الثمانينيات من القرن المنصرم.
|