رد : الأخبار الإقتصادية ليوم الثلاثاء 26 صفر 1429هـ -4 مارس 2008م
هيئة سوق المال تتحول إلى سلطة تنظيمية «2/2»
المحامي د. عثمان الدعجاني العتيبي
إكمالاً لما بدأناه الأسبوع المنصرم في هذا العمود والذي أشرنا فيه الى أن تجاوز هيئة سوق المال لما خولها اياه النظام وانتهينا الى نص المادة 136 من نظام الشركات وهو نص آمر لا يجوز الاتفاق على مخالفته حتى في الأحكام القضائية، نضيف اليوم ونقول إن أصحاب الحق في الاكتتاب يعلمون بحقهم فيه سواءاً علماً فعلياً أو فرضياً، إذ ليس لأحد أن يحتج بعدم علمه في هذه الحالة وإلا دخلنا في فوضى نظامية وعدم مساواة أساسها اننا لا نطبق قرينة العلم بالنظام على الشخص لمجرد ادعائه بعدم العلم بالقانون ولا أظن أن أحداً ادعى ذلك انما هو في نظري تبرع اجتهادي من واضعي النشرة. كما أن المساهمين يعرفون بأن احجامهم عن الاكتتاب سوف يقلل من نسبتهم في رأس المال وأن زيادة عرض أسهم الشركة الناجم عن الاكتتاب سيؤدي الى خفض أسعارها، ومع ذلك اتخذوا موقفهم السلبي بعدم الاكتتاب وتنازلوا عن هذا الحق بطيب خاطر وبعدم رغبة فيه، فجاءت نشرة الاكتتاب المذكورة بمكافأة مشروطة على موقفهم وكأنها دعوة لهم بعدم الاكتتاب تحت اغراء انهم سيتم تعويضهم وتوجيه الاكتتاب ليقتصر على فئة معينة من المساهمين أو استبقاء أكبر كمية من الأسهم لمتعهدي التغطية بسعر (15) ريالا، وكأن النشرة تقول للمستحقين للاكتتاب «لا تكتتبوا وسوف نعرض ما تستحقونه من أسهم بأسعار متفاوتة يمكن أن تحصلوا منها على فارق السعر الزائد على سعر الاكتتاب».
وبما أن التعويض المشار اليه سوف يصرف للمساهمين غير المكتتبين اذا بيعت الأسهم المستبقاة بأعلى سعر (كما ورد في النشرة) فيوزع مبلغ التعويض على الأسهم غير المكتتب بها للمساهمين غير المكتتبين، كل بقدر الأسهم التي لم يتم الاكتتاب بها، فإنه لا يوجد تعويض لفئة غير المكتتبين اذا تم البيع بسعر يماثل سعر الاكتتاب، فكأن السوق تستشعر وجود الضرر لدى غير المكتتبين من المساهمين أصحاب الأولية اذا تم البيع بسعر أعلى من سعر الاكتتاب فتقرر تبعاً لذلك تعويضهم، أما إذا تم البيع بسعر يماثل سعر الاكتتاب فإنها تفترض عدم وجود ذلك الضرر، فكأن مقياس الضرر هو توافر مبلغ التعويض من عدمه، مع أن القاعدة هي: أن الضرر هو مناط التعويض وليس العكس، وإن التعويض يكون بقدر الضرر ليس أكثر منه ولا أقل، لأنه ان زاد عن قدر الضرر كان في ذلك اثراء بلا سبب، وان كان أقل كان هناك اجحاف في حق المتضرر، ان منطق نشرة الاكتتاب يعتبر صاحب حق الأولوية صاحب حق في التعويض وليس له حق فيه في وقت واحد.
وبما أن الضرر الموجب للتعويض الجابر له يلزمه أن يكون ضرراً مادياً أو معنوياً محققاً أي تأكد وقوعه فعلياً، فيكمننا أن نقول إنه لا وجود أصلاً للضرر لدى غير المكتتبين، وما ذكرته النشرة من ضرر فاقد لصفة التحقق، إذاً لا مجال للتعويض حيث لا تعويض بغير ضرر.
واذا نظرنا الى ناحية أخرى نجد أن المادة رقم 10 من قواعد التسجيل والإدراج الصادرة عن هيئة السوق تفرض أن توفر الشركة مصدرة الأسهم متعهداً للتغطية، وهو ذو التزامات واضحة من تسميته، فهو ملزم بتغطية الأسهم التي يعزف عنها أصحاب الحق في الاكتتاب، ومن حقه بل من واجبه وحده تحمل مسئولية الأسهم غير المكتتب بها وله أو عليه فارق الأسعار، ومنطق نشرة الاكتتاب يؤدي عملياً الى استبعاد متعهد التغطية بل يجعل شرط متعهد التغطية لاغياً في عمليات مستقبلية.
ومن ناحية ثانية اذا نظرنا الى البناء القانوني للشركة نجد أن مصدر الأسهم هو مالكها، فالشركة تصدر الأسهم بمقابل هو قيمة اصدار تلك الأسهم، وتؤول هذه القيمة الى ذمة الشركة دون المرور بأي ذمة أخرى، وتقسم حصيلة الاكتتاب عند توافر علاوة الاصدار بين رأس المال والاحتياطي النظامي، وعندئذ تقابل اسهم المكتتب مجموع مصالح المساهم في الشركة وليس في رأس المال، صحيح أن رأس المال هو في النهاية للمساهمين، ولكن ذلك لا يتم الا بعد تصفية الشركة وسداد الدائنين، فإذا كان الوضع كذلك فلماذا تم استبعاد هذا المنطق وتم بيع الأسهم المستبقاة وتوزيع الربح الزائد عن قيمة الاصدار والمصاريف لحساب المساهمين غير المكتتبين وليس لحساب الشركة؟
نشرة الاكتتاب آنفة الذكر تتجاهل ما ورد من نص آمر في المادة 136 من نظام الشركات التي تقول بعد اقرارها لحق الأولوية «ويطرح ما يتبقى من الأسهم الجديدة للاكتتاب العام وتتبع في هذا الاكتتاب الأحكام المتعلقة بالاكتتاب برأس مال الشركة تحت التأسيس»؟
تصرف الهيئة في هذه الحالة وحالة لائحة حوكمة الشركات مخالفة لكثير من الأسس النظامية السعودية، ولا يجوز الاحتجاج بالاتفاق على استبعاد مفعول أي نظام نافذ في المملكة الا بالطريقة النظامية التي تعدل النظام أو تلغيه، كما لا يصح افتراض التعويض المذكور في نشرة الاكتتاب هو ثمن لحق المكتتب في الاكتتاب يتقرر له مقابل تنازله عن هذا الحق، لأن الثمن يكون بمقابل أي مبادلة مال أو منفعة بمعنى وجود عقد بيع أولاً وهو غير موجود في حالتنا ثم ان الثمن لا يكون احتمالياً كما في النشرة بل يجب أن يكون مؤكداً ولا يصح البيع الذي يؤدي الى غرر أو جهالة.
ثم نتساءل ما الحكم لو أن عدد المكتتبين في الزيادة هو 10% مثلاً وأن المتبقي هو 90% فهل كانت السوق ستقبل بنشرة الاكتتاب المعروض وتبيع الاسهم لمصلحة المساهمين غير المكتتبين أم أن الحكم سيتغير؟ وان كان سيتغير فلماذا؟
نلاحظ أن هيئة السوق المالية قد خطت خطاً خطيراً في جواز استباحة مخالفة الأنظمة المرعية المطبقة والتي تصدر الأحكام القضائية وفقاً لها ويبدو أنها تدعو أي جهة ترى من وجهة نظرها أن المصلحة في مخالفة النظام أن لا تتردد في ذلك!!!
المصلحة ليست في مخالفة النظام وهز استقرار التوقعات القانونية ومآل الأفعال!!!
واعتراضنا على تصرفات الهيئة لا ينطلق من منطلق مخالفتها للنظام فقط بل كونها أيضاً تؤسس لمشكلة أخلاقية وقانونية تتمثل في الاستهانة بالنظام وبالتالي تجريده من هيبته وهدم لمساعي المصلحين لبسط سيادته على الجميع بالتساوي دون تفرقه ونشر ثقافة الالتزام بالنظام!!!
لا شك أن هيئة السوق لن تستطيع تبرير مواقفها نظاماً عند مطالبتها بالمسئولية، وسيقال إن تصرفها غير نظامي.
والله من وراء القصد
|