تعد الألغاز وما شابهها كالأحاجي والأعاجيب من أقدم الأشكال الأدبية التقليدية التي عرفها الإنسان ، ويجزم بعض الدارسين أنها الطريق الأولى إلى المعرفة .
وتعد الألغاز رياضة ذهنية تستفز الفكر بما تتضمنه من مفاجآت ومسائل ظاهرها عجيب محير خارج عما أصل من
قواعد ومخالف لها ، تجعل المتلقي يفكر في حلها فإذا توصل إلى المعنى الخفي زال الإشكال وبطل العجب ، وهي تعتمد على التورية ، إلا أن محورها حفظ الغريب والمشترك ، وتعد الألغاز وظيفة تربوية وتعليمية وترفيهية للمتلقين.
و يتفاجأ المتلقي النحوي باللغز إذ يعرض بطريقة توهم أن فيه خطأ نحويا كرفع المنصوب والمجرور، ونصب المرفوع والمجرور ، وجر المرفوع والمنصوب ، ونحو ذلك من تداخل حركات الإعراب أو حروفه أو التباس بعضها ببعض ، ثم لا يلبث المتلقي أن يعرف الأسرار الإعرابية التي جعلت الكلمة تأخذ وجها إعرابيا مخالفا لقناعاته أول وهلة .
إن أبيات الألغاز النحوية ابتدعت في عصر من العصور ، وأصبحت فنا ، وتجد كثيرا منها يعاجز به العلماء بعضهم بعضا ويتلقفها عنهم المتعلمون ، وكانت مطارحة هذه الأبيات في المجالس ظاهرة أدبية شاعت في المائة الثانية واستمرت إلى المائة الخامسة .
وتدل الظاهرة على توسع العلوم العربية وشواهدها والولوع بتنمية الملكات وشحذ المرانة فيها حتى كان من آثارها أن ذاعت هذه الرياضة .
ومن أشهر الذين ألفوا في الألغاز النحوية :
الحريري إذ ألف كتابا أسماه ألغاز الحريري
والفارقي في كتابه الإفصاح في شرح أبيات مشكلة الإعراب
والزمخشري الذي ألف كتابا سماه الأحاجي النحوية
وابن هشام في كتابه الألغاز .
ونعرض فيما يأتي نموذج من الألغاز النحوية كي يقف القارئ الكريم على سعة لغتنا العربية وعظم ثرائها .
[POEM="font="Simplified Arabic,5,black,bold,normal" bkcolor="transparent" bkimage="" border="none,4,gray" type=0 line=0 align=center use=ex num="0,black""] كساني أبي عثمان ثوبانُ للوغى = وهل ينفع الثوب الرقيق لذي الحربِ [/POEM]
فأنت عندما تتلقى هذا البيت تندهش وتتساءل لمَ قال : " أبي عثمان " وهو فاعل كسا ؟ ، ولماذا رفع " ثوبان " ؟ .
وسرعان ما تزول الدهشة عندما تعرف أن ( الكاف ) للتشبيه ، و(ساني ) اسم فاعل وهو المستقي للماء ، و( ثوبان ) اسم رجل وهو مبتدأ والخبر( للوغى ) والتقدير ثوبان ُ كساني أبي عثمان في الضعف وقلة الغنى .