نصف المتداولين لا يجيدون فن التعامل مع السوق والمضاربات السريعة فاقمت خسائرهم سوق الأسهم .. حلم الثراء يتحول إلى ديون وسجون

متداولون في إحدى صالات التداول في الرياض
الرياض: شجاع الوازعي
التحول الدرامي لأغلب المتعاملين في سوق الأسهم السعودية من حلم الثراء السريع منذ فبراير 2006 إلى المثابرة على تسديد الديون حتى الآن، كان نتيجة طبيعية وربما حتمية للتفاؤل المفرط وعدم المعرفة والخبرة في فن التعامل مع سوق الأسهم، والذي قادهم بشكل ملفت إلى أبواب فروع البنوك لطلب القروض المالية بهدف الاستثمار والمضاربة في الأسهم المحلية.
و فاقم الخسائر الاندفاع العشوائي نحو المضاربات السريعة قبيل"انهيار فبراير" الشهير، الأمر الذي أدى في المحصلة إلى تصفية محافظ وإفلاس البعض ودخول آخرين السجن نتيجة عدم المقدرة على السداد.
ويؤكد خبراء اقتصاديون أن أكثر من نصف المتعاملين في السوق المحلية لا يجيدون فن التعامل مع السوق، وهي نسبة تشير إلى عشوائية أداء هذه الفئة في عمليات البيع أو الشراء.
في المقابل يرى مختصون ماليون أن قرارات هيئة السوق المالية بإيقاف تداول سهمي "بيشة"، و"أنعام" عقب بلوغ نسبة خسائرهما 75% من رأسمالهما المصرح به، ساهمت كثيرا في تحسين الأداء التشغيلي لجميع الشركات المدرجة في السوق، مبينين في الوقت نفسه أنها خطوة إيجابية تأتي في مقدمة العديد من الخطوات التي قامت بها هيئة السوق خلال الفترة المالية.
وبعودة سريعة لعامين مضيا نتذكر أنه في 25 فبراير من عام 2006 بلغ مؤشر الأسهم السعودية قمته التاريخية عند 20634 نقطة وهي القمة التي هوى من عندها ليلامس القاع التاريخي عند 6767 نقطة. وفي فبراير 2007 أنهى المؤشر تعاملاته عند 8176 نقطة في معدل انخفاض قدره 12.4 ألف نقطة عن الشهر ذاته من العام الذي يسبقه، وهو الانخفاض السنوي الأقوى على مدى تاريخ تعاملات السوق.
ومازال مؤشر السوق يتذبذب ضمن نطاقات متقاربة حتى الآن، إذ لم يستطع بلوغ حاجز 13 ألف نقطة منذ أكثر من عام ونصف تقريبا.
فن التعامل مع السوق
وأكدت الخبيرة الاقتصادية الدكتورة عزيزة الأحمدي لـ"الوطن" أن أكثر من 50 % من المتداولين في السوق لا يجيدون فن التعامل مع تداولات السوق، مشيرة ً إلى أنه لا يمكن أن يتفادى هؤلاء خسائرهم التي منيت بها محافظهم بمجرد الحصول على دورة واحدة فقط في التحليل الفني.
وأوضحت الأحمدي أنه في نهاية طفرة 2005 اتجه الكثير إلى فروع البنوك للحصول على قروض مالية، وهي القروض التي ضخوها في تداولات السوق حتى فبراير من 2006، فيما هم الآن يسددون هذه القروض التي تقلصت قيمتها النقدية بنسب تصل إلى 80 % عقب انهيار فبراير الشهير.
ونصحت الأحمدي صغار المتداولين بتجزيء مناطقهم السعرية لعمليات الشراء في أسهم الشركات وفق عدة نطاقات، مشيرة ً إلى أن الشراء في منطقة سعرية محددة قد يقود إلى تعليق هذه السيولة، وهو الأمر الذي وصفته بعالي (الخطورة).
وبينت أن المضاربات السريعة في تداولات السوق المحلية لن تنتهي من تعاملات الأسواق المالية إطلاقا، مؤكدة ً على أنه حق مشروع للمتداول اليومي.
وتساءلت الأحمدي إن كان المتداولون قد استفادوا من الانخفاضات الحادة التي شهدها مؤشر السوق خلال الفترة الماضية أم لا، موضحة ً أن اكتساب مهارة فن التعامل في تداولات السوق أمر لا بد منه.
وأشارت إلى أنه لا يمكن للمتضررين في تداولات السوق تعويض خسائرهم عقب الانخفاضات التاريخية التي مرت بها تعاملات السوق بسهولة، وقالت "حتى الآن الصناديق البنكية لم تعوض خسائر فبراير 2006، فكيف هو حال المتداولين خصوصا من هم لا يجيدون فن التعامل مع تداولات السوق".
الاستثمار والمضاربة
وقال عضو جمعية الاقتصاد السعودية عبد الحميد العمري لـ"الوطن" إن تعاملات سوق الأسهم السعودية ابتعدت عن طبيعة التعاملات المضاربية في الوقت الحالي، وأضاف أنه رغم ما نشاهده من قفزاتٍ متقطعة للمضاربات العشوائية في بعض الأحيان والتي تركزت على بعض الشركات الصغيرة الحجم إلا أن السوق المحلية تتفاعل بصورة عامّة في منطقة أقرب إلى الاستثمار وأبعد عن المضاربة.
وعزا العمري هذا التغير إلى بلوغ تعاملات السوق المحلية لمستوى (مقبول) من النضج والعقلانية.
وأوضح أن أغلب شرائح المتعاملين في السوق لم تستطع حتى الآن فهم آليات اتخاذ القرار الاستثماري الرشيد، بسبب أن تلك الشرائح لم تخرج بعد من (نفق) الثقافة البائدة لاتخاذ قرارات الشراء والبيع التي سادت قبل انهيار فبراير 2006، مشيرا إلى أن السوق المحلية شهدت منذ منتصف 2006 وحتى اليوم (عواصف) من التغييرات الهيكلية لم تشهدها أي سوق في العالم في مثل هذه الفترة الوجيزة قياساً على التغيرات المماثلة التي استغرقت بالنسبة لأسواق أخرى أكثر من عقد من الزمن.
وذكر العمري أن عدد أسهم الشركات المدرجة في السوق خلال الفترة منذ منتصف 2004 إلى ما قبيل انهيار فبراير 2006 بلغ 1.54 مليار سهم فقط في مقابل بلوغها 14.947 مليار سهم من بعد الانهيار إلى وقتنا الراهن، وأضاف شهدت السوق خلال نفس الفترة إدراج 7 شركات مساهمة فقط قبل الانهيار، فيما شهدت من بعده إلى اليوم 43 شركة مساهمة وهي بطبيعة الحال تمثل أهم التغيرات التي مرت بها تعاملات السوق.
وأكد العمري أن تعاملات السوق الحالية تختلف كثيرا عن سوق ما قبل الانهيار، مشيرا إلى أنها زادت عمقها بأكثر من الضعف، إضافة إلى تراجع حدة المضاربات من نسبة 75% من حجم السيولة المدارة إلى أدنى من 18% حتى الآن.
ولفت إلى أن حدة التدوير السنوية تراجعت من نحو 429% في عام 2006 إلى 137.5% خلال 2007، وقال إنه على مستوى التدوير لفترة الأشهر فقد تراجعت من 29.8% كذروةٍ خلال سبتمبر 2006 ، ومن 35.4% كذروةٍ أعلى خلال مارس 2007، إلى أن وصلت إلى 8.4% خلال يونيو 2008.
وأوضح أن الأرقام والنسب تشير بوضوحٍ إلى التغيير الملموس على السمات الرئيسة للسوق، والتي متى ما استوعبها المجتمع الاستثماري المحلي فإنهم سيكونون أكثر ثقة في تعاملات سوق الأسهم السعودية، مبينا أن هذه الثقة تشير إلى عدم حرمانهم من فرص النمو الواعدة المتوقعة للسوق المحلية خاصة من خلال الشركات ذات العوائد والشركات القيادية الجديدة في السوق كـ"كيان" و"جبل عمر" و"بترو رابغ" و"زين" و"مصرف الإنماء" "معادن".
ورشح العمري "معادن" بالإضافة إلى الشركات القيادية المتوقع إدراجها مستقبلا لأن تعود بالسوق إلى مستويات تفوق 20 ألف نقطة، و30 ألف نقطة خلال الأعوام القليلة القادمة، مشيرا إلى أنها مدعومة باستمرار نمو أرباح الشركات الاستثمارية، والتي تحتل الوزن النسبي الأكبر في تحديد اتجاه المؤشر العام للسوق.
الأداء التشغيلي للشركات
وحول أداء الشركات التشغيلية عقب قرار هيئة السوق بإيقاف تداول شركتي "بيشة"، و"أنعام" عقب بلوغ نسبة خسائرهما 75 % من رأس المال أكد العمري أنه كان لهذين القرارين الأثر الكبير على تحسن أداء العديد من الشركات التي اعتادت (الكسل الإنتاجي)، أو توجيه موارد الشركة إلى نشاطات مضاربية أو نشاطات بعيدة جدا عن مجالها الذي لأجله تم الترخيص لها في السوق.
وأوضح أن بعض الشركات المدرجة بدأت في تقليص خسائرها من خلال التركيز على أنشطتها النظامية، والبعض الآخر بدأ خلال الأرباع اللاحقة في تحقيق أرباح بعد أن كان متورطا في أوحال الخسائر بسبب عدم كفاءة إداراتها التنفيذية.
تقسيم السوق
وقال العمري إن الخطوة المنتظرة والأهم تتمثل في تقسيم السوق المحلية إلى سوق تضم الشركات ذات العوائد، والأرباح المتنامية، وسوقٍ موازية تضم الشركات المتعثرة والخاسرة التي لم تصل إلى حد الإيقاف.
وأضاف هذا الإجراء سيضع السوق في منطقة أقرب إلى الاستثمار العقلاني والرشيد، كما سيخلق منطقة تحذير تبرز الشركات الأكثر مخاطرة بالنسبة للمتعاملين، وتحفز صغار المتعاملين على الابتعاد عنها بلغة القانون كون هذا التقسيم المأمول للسوق سيضع ضوابط للتداول في السوق الموازية يصعب على صغار المتعاملين خوضها أو تلبيتها".
الاكتتابات وعلاوات الإصدار
وقال الخبير الاقتصادي فضل البوعينين لـ"الوطن" إن هيئة السوق المالية نجحت في تعجيل طرح الكثير من الشركات المساهمة للاكتتاب العام، خصوصا وأنها نجحت في طرح بعض الشركات الاستراتيجية الضخمة التي ساعدت في توزيع مراكز القوى في السوق، وساهمت في إشراك شريحة أكبر من المواطنين في الفرص الاستثمارية المتاحة، مؤكدا على أن الفضل في ذلك لا يمكن قصره على هيئة السوق مبينا أن الدولة أيضا دفعت بقوة نحو طرح الشركات الاستراتيجية الضخمة للاكتتاب العام.
وذكر البوعينين أن مقابل ذلك سمحت هيئة السوق لبعض الشركات الضعيفة بالدخول إلى السوق، كما أنها سمحت لبعضها بوضع علاوات إصدار مرتفعة لا يمكن القبول بها خاصة إذا ما تمت مقارنة أسعارها بأسعار شركات عملاقة ككيان وبترو رابغ على سبيل المثال ، موضحا أن بعض الشركات التي حصلت على علاوات إصدار مرتفعة تأثرت أسعار أسهمها في تعاملات السوق إذ سجلت مستويات سعرية أقل من قيمها الأساسية.
وأشار إلى أن العام الجاري يعد مميزا لهيئة السوق المالية من حيث الطروحات الأولية، مبينا أن السوق السعودية حققت المرتبة الثانية عالميا من حيث النشاط للطرح الأولي للنصف الأول من هذا العام متجاوزة بذلك بورصة لندن.
الاكتتابات منفذ آمن
وحول ما إذا كانت قد حققت الطروحات الأولية أرباحا مجزية للمكتتبين أوضح البوعينين أن الطروحات الأولية للشركات الاستراتيجية حققت أرباحا مجزية للمواطنين الذين استخدموا حق الاكتتاب، وسيحقق كل من احتفظ بها أرباحا مضاعفة مع بدء التشغيل والإنتاج.
وبين أنه عند جمع هذه الشركات الضخمة نجد أن ما تحقق للمكتتبين منها جميعا يمكن أن يعوض بعض خسائر صغار المستثمرين في سوق الأسهم ، مشيرا إلى أن خسائر انهيار السوق لا يمكن تعويضها بأي حال من الأحوال، إذ كانت الكارثة كبيرة والخسائر فادحة، وستبقى ذكرياتها الأليمة عالقة في أذهان جميع المواطنين الذين ذاقوا مرارة الخسارة.
انخفاض السيولة
وقال أستاذ الاقتصاد بجامعة الملك عبد العزيز في جدة الدكتور مقبل الذكير لـ"الوطن" إن السيولة في الأسواق المالية مرتبطة بحجم الصفقات، فإذا كثر عدد الصفقات زادت الحاجة للسيولة لتسهل تنفيذ تبادل هذه الصفقات ، مشيرا إلى أن انخفاض حجم السيولة المتداولة في السوق في السنتين الأخيرتين كان بسبب انخفاض حجم الصفقات.
وأرجع الذكير انخفاض حجم الصفقات إلى الخروج القسري لعدد كبير من الأفراد بسبب الخسائر الفادحة التي حلت بهم مع انهيار فبراير عام 2006، إضافة إلى ارتفاع نسبة المخاطرة في تعاملات السوق.
وأكد أن هناك فئة من المضاربين بقي معهم قدر من السيولة، وكان لديهم أيضا شيء من المهارة في التعامل مع السوق، إلا أنهم خرجوا من السوق وعزفوا عنه نظرا لتدهور ثقتهم فيه.
وحول مدى فرصة مؤشر السوق بتجاوز حاجز 20 ألف نقطة من جديد أكد الذكير أنه لو كانت هناك مبررات اقتصادية تتعلق بنمو مستوى النشاط الاقتصادي، وكان هناك سوق يتمتع بقدر كبير من مصداقية العمل، وانضباطه القانوني فمن الممكن أن تنشط حركة مؤشر السوق من جديد.
قروض مالية
من جهة أخرى أكد متداولون تضرروا من الانخفاضات الكبرى لمؤشر السوق منذ فبراير 2006 أنهم (غير موفقين) في تعاملات السوق المالية، مؤكدين على أنهم مازالوا حتى الآن يسددون قيمة قروض مالية ضخوها في تداولات السوق.
وقال سعد الفهد "متداول في تعاملات السوق منذ عام 2005"إنه باع منزله بـ900 ألف ريال من أجل الاستثمار في إحدى الشركات المتداولة في السوق ، مشيرا إلى أن منزله تقدر قيمته حاليا بـ1.5 مليون ريال، بينما تبلغ قيمة أسهمه التي استثمرها الآن 250 ألف ريال فقط.
ووصف عايض العتيق "متداول آخر في السوق" نفسه بغير (الموفق) في تعاملات السوق، وأوضح أن عدم مهارته في التعامل مع السوق قاده للمثابرة على تسديد قرض مالي لأحد البنوك لم ينته منه حتى الآن.
وأشار العتيق إلى أن الوضع الحالي لتداولات السوق مطمئن نوعا ما، مشيرا إلى أن استمرارية استقرار السوق ستعجل من عودة أموال المتداولين إليه من جديد.