رد: الأخبار الإقتصادية ليوم السبت2/ 7/ 1429 ه الموافق5/7/ 2008 م
المقال
هل السوق بحاجة للمزيد من شركات الوساطة؟
عبدالرحمن بن ناصر الخريف @
التقرير الذي أصدرته شركة السوق المالية "تداول" عن أداء شركات الوساطة خلال الربع الأول من العام الحالي نشر بصحفنا كتقرير مفصل عن أداء الشركات العاملة بالسوق والبالغ عددها (22) شركة، إلا أن المعلومات التي احتواها التقرير والمتعلقة بنشاط أعمال الوساطة وحجم عمولاتها لم يتم تحليلها لتقييم أعمال الوساطة حتى الآن بشكل عام وأداء الشركات التي بدأت العمل فعلياً بالسوق ومقارنة ذلك مع العدد الكبير من شركات الوساطة التي تم الترخيص لها من قبل هيئة السوق والمعوقات التي تواجهها لمعالجة أوضاعها في وقت مبكر.
فقبل استعراض أهم مايمكن قراءته في ذلك التقرير يجب أن نعود للفترة التي كانت تقوم فيه البنوك بأعمال الوساطة والتي امتدت لسنوات طويلة واجه خلالها معظم المستثمرين صعوبات بالغة بسبب قدم الأنظمة وتعليق الأوامر وتأخير تنفيذها خاصة بعد زيادة عدد المتداولين بالسوق عام 2005م، وحينها كان الجميع يطالب بفصل أعمال الوساطة عن البنوك لكون البنوك تجمع بين عمليات متعارضة مثل الاطلاع على الحسابات البنكية للعملاء ومحافظهم وحجم التسهيلات الممنوحة والأوامر المرسلة للسوق، كما أنها تقوم بتنفيذ أوامر العملاء وإدارة صناديق الاستثمار بالسوق، ولذلك قررت هيئة السوق المالية فصل أعمال الوساطة عن البنوك بهدف تحقيق الاستقلالية وإزالة احتكار البنوك لرفع أداء السوق، وتم الترخيص لعشرات الشركات في مجال خدمات الأوراق المالية ومنها أعمال الوساطة، وهنا سنتعرف عبر هذا التقرير على طبيعة تلك الشركات وهل تحقق الهدف الذي سعت من اجله هيئة السوق بفصل أعمال الوساطة عن البنوك؟
إن أول عمل قامت به جميع بنوكنا لتلافي خسارتها لعمولات تداولات الأسهم هو تأسيسها لشركات وساطة يمتلك كل بنك معظم رأسمالها، وادخل شريك بنسبة قليلة فقط لاستيفاء متطلب الترخيص باسم شركة ! وتم نقل موظفي البنك المختصين بأعمال الوساطة بالبنوك وتنفيذ الأوامر ونقل محافظ العملاء "شكلياً" الى الشركة الجديدة، واستبدل اسم البنك في شاشات نظام تداول البنك باسم الشركة! فالعميل يدخل لحساباته البنكية بالبنك ومحفظة أسهمه بالشركة من شاشة واحدة! وقد نجحت البنوك في استيفاء المتطلبات النظامية الشكلية لفصل أعمال الوساطة عنها، إلا أن الغرض من الفصل لم يتحقق فاستمرت الأنظمة القديمة في العمل تحت اسم الشركات الجديدة ولم تتحقق الاستقلالية واستمر التعطل وتعليق الأوامر! ففي الأسبوع الماضي فقط تعطل نظام التداول لأحد تلك الشركات لكامل أيام الأسبوع!
إن ابرز ماتضمنه التقرير هو التأكيد على استمرار احتكار البنوك لأعمال الوساطة من خلال تربع شركات الوساطة التابعة لها والبالغ عددها (11) شركة على النسبة الكبرى من أعمال الوساطة خلال الربع الأول من العام الحالي 2008م والتي بلغت (98%) تقريبا من إجمالي قيمة التداولات بالسوق، في حين بلغ عدد شركات الوساطة الجديدة العاملة بالسوق فقط (11) شركة محلية وأجنبية وكان نصيبها جميعا مايقارب ال (2%) فقط من تداولات السوق! ونفهم من ذلك بان الشركات التابعة للبنوك مازالت مسيطرة على نشاط الوساطة بالسوق وبدعم التسهيلات المالية التي تقدمها البنوك لعملائها والتي يتعذر على شركات الوساطة الأخرى تقديمها لعملائها! كما يجب أن ننوه الى أن شركة وساطة تابعة لأحد البنوك حصلت لوحدها على نسبة ( 18.58%) من قيمة تداولات السوق !
إن التقرير أوضح بان عدد شركات الوساطة الجديدة غير التابعة للبنوك والتي تعمل حاليا بالسوق هي فقط (11) شركة وهو عدد متدني قياسا بعدد الشركات التي تم الترخيص لها من قبل هيئة السوق، وعلى الرغم من إلزام الهيئة لتلك الشركات بمباشرة العمل خلال عام من صدور الترخيص، إلا أن تلك الشركات من الواضح أنها تواجه صعوبات كبيرة في العمل سواء بارتفاع نفقات التجهيز او ندرة الموظفين ذوي الخبرة في أعمال الوساطة، على الرغم من محاولات الاستقطاب لموظفي البنوك ! فالتقرير أوضح بأن معظم العملاء مازالوا مع شركات البنوك على الرغم من تقديم إحدى شركات الوساطة الجديدة لعرض العمولة الثابتة بمبلغ (10) ريالات لأي صفقة مهما بلغت قيمتها ! وأمام تلك الصعوبات واستمرار الترخيص لشركات وساطة جديدة، فان كافة تلك الشركات ستواجه مشكلة عدم نجاح دراسات الجدوى الاقتصادية لها بسبب وضع السوق المضاربي وكثرة شركات الوساطة المرخص لها، ومن غير المستبعد أن تظهر حرب أسعار لإخراج شريحة من تلك الشركات وظهور مخالفات للحصول على المال لتغطية النفقات ولذلك سنرى أخبارا عن إلغاء الترخيص لبعض الشركات لأسباب تعود لعجزها عن البدء في ممارسة النشاط او لوقوعها في مخالفات جسيمة كما حدث في الأسواق المجاورة، وهنا يجب أن نتحرك كجهة منظمة لتقييم سياسة ضخ ذلك العدد الكبير من تلك الشركات بالسوق لتلافي أي سلبيات يمكن أن تحدث بسبب واقع الحال لتلك الشركات، وان نركز على تفعيل عمل الشركات المرخص لها والتريث في منح التراخيص الجديدة خاصة وان المستثمرين لم يستفيدوا من تلك الشركات!
كما إن التقرير أفاد بان قيمة عمولة شركات الوساطة خلال الربع الأول كانت (1.7) مليار ريال أي مايقارب ال (7) مليارات ريال في العام ! وهو مبلغ كبير جدا كعمولة تتقاضاها شركات الوساطة من المستثمرين بالسوق وبواقع (0.0012) من قيمة كل صفقة وبحد أدنى (12) ريالا لكل صفقة بعشرة آلاف ريال والتي تؤخذ من البائع والمشتري معا ! وعلى الرغم من إعادة شركات الوساطة لجزء كبير من تلك العمولة لكبار العملاء وحرمان باقي المستثمرين منها، إلا انه أمام ارتفاع تلك المبالغ وزيادة عدد الشركات الجديدة بالسوق فان ذلك يفتح المجال بمطالبة شركات الوساطة التابعة للبنوك التي تربح مئات الملايين من السوق لتحديث أنظمتها لمواكبة نظام التداول المركزي "ساكس" وتحميلها بغرامات يومية (نسبة من قيمة أسهم المحفظة مثلا) تدفع للعملاء كبدل ضرر! وكذلك يجب على هيئة السوق تخفيض عمولة التداول وان تؤخذ فقط من المشتري او البائع وليس من كليهما، مع إلغاء رسوم الاشتراك بأنظمة شركات الوساطة او تخفيضها لتشجيع المستثمرين على استخدام التقنية في تداولاتهم لتقليل الحاجة للكوادر المؤهلة التي تعاني شركات الوساطة من ندرتها!
|