رد: الأخبار الإقتصادية ليوم الاثنين17/8/ 1429 ه الموافق18/8/ 2008 م
الإفصاح عن أسماء كبار الملاك
ريم محمد أسعد - محللة استثمارية وعضو جمعية الاقتصاد السعودية 17/08/1429هـ
إن الإفصاح عن قوائم كبار الملاك هو إجراء متعارف عليه في جميع أسواق الأوراق المالية في العالم. وتعريفه واضح من المسمّى ولكن أهميته لا تكمن في إشباع الفضول بمعرفة "من يملك ماذا"؟ بل تكمن أهميته في أمرين أساسيين:
ـ الحد مما يعرف بالـ Insider Trading أو التداول باستخدام المعلومات المهمة غير المعلنة Non public Material Information والتي تؤثر في سعر الأسهم.
ـ سرعة الاستدلال على مصدر الإشاعات التي تهدف إلى التأثير في سعر السهم Rumors.
في الحقيقة لم تشكل الأسماء مفاجأة كبيرة، ليس لأني مطلعة على محافظ السوق أو لدي معلومات خاصة. بل لم يكن الأمر مفاجأة كبيرة لأن سيطرة الأفراد على تكوين السوق منذ سنوات كانت حقيقة واضحة استنتجها أكثر المحللين والمراقبين حتى قبل صدورها إحصائياً من هيئة السوق المالية (حالياً نحو 93 في المائة). فبالنظر إلى مستوى تذبذب السوق اليومي وبمعرفة أحكام التداول المفروضة على صناديق الاستثمار من قبل الجهات التنظيمية كان من الواضح جداً سيطرة الأفراد وتغليب المصالح الأحادية فوق استقرار السوق.
وصدور مثل هذا القرار يدل على أن هيئة سوق المال عازمة على تطوير سوق الأسهم السعودية وإعادة الثقة المفقودة بسبب الأخطاء التشريعية والتنفيذية التي توالت منذ نشأة السوق، حيث كان بإمكانه أن يكون سوق أسهم في موقع الريادة وقناة جاذبة للاستثمار الأجنبي، ولكن ما حدث أوصله إلى قائمة الأسواق الأسوأ اقتصاديا.
إذن فالإفصاح عن الأسماء بحد ذاته خطوة جادة في الاتجاه الصحيح ولكن لن تكتمل الفائدة إلا إذا أصبحت جزءاً أساسياً من سياسة الإفصاح لدى "تداول" واستمر تحديث البيانات دون تلكؤ أو تغيير. وهذا هو المهم لأن الهيئة حينما تتمسك بالتطبيق الصارم لقوانينها ستقل نسبة المتلاعبين والمخالفين.
وهنا يجدر أن نتساءل، هل إعلان اسم المساهم ونسبة الملكية كافٍ لتحقيق درجة عالية من الشفافية؟
في هذه المرحلة (الأسابيع الأولى) قد يكون كافياً ولكن ليس مقارنةً بالأسواق الكبرى. وأضرب هنا مثالاً من قائمة الإفصاح عن كبار ملاك أسهم شركة "جنينتك" الدوائية الأمريكية وهي شركة متخصصة في إنتاج عقاقير السرطان ومدرجة في سوق نيويورك للأسهم.
البند التفاصيل
عدد الأسهم المتداولة 1.06 مليار سهم
نسبة الملاك المؤسساتيين 40 %
قيمة الملكية لأكبر 10 ملاك (من المؤسسات) 17.5 %
قيمة الملكية لصناديق الأسهم 0.71 %
قيمة الملكية للملاك بنسبة 5% الملاك الداخليين (من داخل الشركة) 56.10 %
نسبة الأسهم القابلة للتداول في السوق 43.90 %
بيان رقمي عن حركة التداول من قبل الملاك الكبار (تحديث يومي)
قائمة بأسماء الملاك المؤسساتيين معلن بموقع الشركة وموقع الهيئة
قائمة بأسماء أكبر الملاك من الأفراد معلن بموقع الشركة وموقع الهيئة
نلاحظ هنا تفصيلا أدق لنسب الملكية مع البيان الرقمي بحركة التداول على أسهم الشركة. إضافة إلى ذلك وجدت بيان كامل مديري الشركة وأعمارهم ومسمياتهم الوظيفية إضافة إلى نبذة تاريخية عن كل منهم ونسبة ملكيته (إذا وجدت) في أسهم الشركة وعقود خيار الأسهم الممنوحة إليه كمكافأة.
أنتقل الآن إلى "أسلوب الإفصاح" عند وقوع مخالفة تتعلق باستخدام معلومات مهمة لبيع أو شراء أسهم. والحقيقة أن هيئة الأوراق المالية بأمريكا تقوم بتطوير الأحكام باستشارة أكبر أساتذة المالية والقانون لديها ويتم تسجيل مقترحاتهم بالتفصيل على موقعها بالإنترنت. عند حدوث مخالفة تتعلق بتسريب وتداول المعلومات المهمة يحاكم "المخالف" بطريقة رسمية خلف أبواب المحكمة المتخصصة، مع سرد ما حدث بالتفصيل بالتاريخ والأسماء وكامل الأطراف المشتركين والصلة بينهم والمكاسب التي تحققت من وراء هذا التداول المخالف وكيفية حصول "ناقل الخبر" على المقابل المادي أو العيني لقاء تسريبه للمعلومات وكأننا نقرأ رواية سينمائية! ومنذ عدة أعوام تم سجن واحدة من أشهر الإعلاميات في أمريكا "مارثا ستيوارت" لقيامها بالتخلص من أسهمها (التي تمثل نسبة عالية من كامل أسهم الشركة) بناءً على توصية ومعلومات مهمة قدمها لها مستشارها المالي وكانت النتيجة انهيار سعر السهم.
بالطبع نحن ما زلنا بعيدين عن هذا النضج والصرامة في التطبيق، فقد أعلنت الهيئة على موقعها عزمها تطبيق "مشروع مقترح حول عرض قوائم كبار الملاك" ودعت المختصين والمستثمرين للإدلاء بمقترحاتهم في مطلع حزيران (يونيو) الماضي وتم تطبيق النظام في منتصف آب (أغسطس). وكنت أرجو ألا يعلن عن قرار الإفصاح سوى قبيل التنفيذ بيوم أو يومين فقط، فالفترة كانت كافية لتغيير الكثير من نسب الملكية. وربما يكون الهبوط غير المبرر للسوق أخيرا (عندما كسر حاجز 8000 نقطة هبوطاً) بسبب القلق الذي أصاب أصحاب المحافظ الكبرى في الشركات المساهمة.
أود أن أوضح أن التملك الفردي لحصص كبيرة من الأسهم هو أمر لا عيب فيه ولكن يصاحبه مسؤولية اقتصادية وأخلاقية تجاه السوق وباقي المتعاملين، وإن الإفصاح عن الأسماء أمر طبيعي ولا خوف منه طالما أن المستثمر لا يتلاعب للكسب الملتوي، ولكن ربما أحاطت بالأمر هالة إعلامية ضخمت من أثره النفسي في المتعاملين بلا داع.
كذلك يبدو لي أن الهيئة ما زالت تعمل بطريقة Learn as you go أو ما زالت تتعلم من أخطائها، فمسألة الإفصاح والشفافية لم تكن تحتاج إلى سنوات لتطبيقها لأنها جزء أساسي من أي سوق للأوراق المالية. .أتمنى أن أرى الهيئة وقد تحسبت مبكراً للعديد من الأمور وأن تضع خطة زمنية تطويرية طويلة الأجل مبنية على أسس علمية وتجارب الدول المتقدمة وأن تسير في تطبيقها جدياً حتى بتغير الإدارة والأشخاص.
وفي النهاية لا يصح إلا الصحيح، والله الموفق.
|