الموضوع: علو الهمة
عرض مشاركة واحدة
  رقم المشاركة : ( 1 )  
قديم 08-19-2008
الصورة الرمزية الدانه
 
الدانه
مشرفة القسم الاجتماعي

  الدانه غير متواجد حالياً  
الملف الشخصي
رقــم العضويـــة : 1461
تـاريخ التسجيـل : 28-07-2007
الـــــدولـــــــــــة :
المشاركـــــــات : 4,343
آخــر تواجــــــــد : ()
عدد الـــنقــــــاط : 127
قوة التـرشيــــح : الدانه تميز فوق العادةالدانه تميز فوق العادة
افتراضي علو الهمة

علو الهمة علو الهمة علو الهمة علو الهمة علو الهمة

علو الهمة


إن طموح المرء إلى بلوغ الدرجات العلا وابتغاءه الفضائل، وسعيه إلى اكتساب المحامد، وتطلُّعه إلى الأفضل والأكمل والأمثل في حظوظ الدين والدنيا: برهان ساطع، ودليل واضح، وآية بينة على طيب جوهره، وكرم معدنه، وسلامة بنائه النفسي والعقلي، واستحقاقه الظفر بكل خير في العاجلة والعقبى، يرتفع بمقامه عن منازل ومسالك ساقطي الهمة، القاعدين عن طلب الخيرات، المحتضنين لرذيلة التواكل والكسل، المرتضين لأنفسهم بالعيش على هامش الحياة.

وعلى العكس من طموح أرباب الجد والمعالي: طموح فريق من الناس إلى ما لا يصح أن يطمح إليه الأريب، ولا يجوز أن تصبو إليه نفسه، أو يمتد إليه بصره، أو يتجه إليه سعيه، أو تنصرف إليه همته، كمثل من يطمح إلى اجتراح السيئات، واقتراف الخطايا ومواقعة المحرمات التي حرمها الله ورسوله-صلى الله عليه وسلم-، وحذرا من استباحة حماها، والتردي في وهدتها، وكمثل من يطمح إلى ما في يد غيره مما حباه الله من فيض النعم، ووافر الخيرات فيتمنى زوالها عنه، وانتقالها إليه بغير جد ولا عمل، بل حسدًا وظلمًا وعدوانًا.

ولذا كان من رحمة الله بعباده وجميل إحسانه إليهم ما منّ به عليهم في هذا الدين من المناهج والشرائع التي أوضح بها معالم الطريق للسالكين، فوجَّه الأنظار إلى أقوم السبل، وأعدل الطرق، وبيَّن لهم أكمل الخصال، وأرفع المثل؛ للتجافي عن هابط وبذا كان في مُكنة كل ذي عقل أن يستيقن أن في السعي إلى المطامح التي لا مشروعية لها إيذاءًا بالغًا للنفس، بتكدير صفو العيش وتنغيص متع الحياة وازدراء نعمة الله بالتنقُّص لها، وعدم الشكر لواهبها، ثم ما يتبع ذلك غالبًا من اصطلاء بسعير الصراع المدمِّر لكل المرتكزات والثوابت، الباعث على كل الشرور والبلايا.

وفي ذلك كله: من إضاعة العمر الشريف والزمان الغالي بالأماني والأحلام التي لا طائل من ورائها في ذلك ما لا يذهب عن أولي الألباب.

ولذا فإنه حين استشرف بعض النساء في عهد النبوة إلى الحظوة ببعض ما خص به الرجال فتمنين أن يكون لهن نصيب من الجهاد؛ لحفظ الذمار والذود عن الحق، ونشر الهدى وأن يكون لهن مثل ما للرجال من الميراث، وتمنى الرجال أن يفضلوا على النساء بحسناتهم كما فضلوا عليهن بالميراث، صرف سبحانه كلا الفريقين عن هذه الأماني إلى ما هو أنفع لهما، وذلك هو الكسب في المضمار الصالح الملائم لكل منهما في حدود ما اختص به، وجعل لهما نصيبهما من حسن الثواب، وحثهما على سؤاله سبحانه من واسع فضله، فإنه الكريم الوهاب، فقال سبحانه، أعوذ بالله من الشيطان الرجيم: {وَلاَ تَتَمَنَّوْاْ مَا فَضَّلَ ٱللَّهُ بِهِ بَعْضَكُمْ عَلَىٰ بَعْضٍ لّلرّجَالِ نَصِيبٌ مّمَّا ٱكْتَسَبُواْ وَلِلنّسَاء نَصِيبٌ مّمَّا ٱكْتَسَبْنَ وَٱسْأَلُواْ ٱللَّهَ مِن فَضْلِهِ إِنَّ ٱللَّهَ كَانَ بِكُلّ شَيء عَلِيمًا}[النساء:32].


لقد ظنَّ فريق من الناس أن النهي الوارد في قوله سبحانه: {وَلاَ تَتَمَنَّوْاْ مَا فَضَّلَ ٱللَّهُ بِهِ بَعْضَكُمْ عَلَىٰ بَعْضٍ} [النساء:32]. الآية ؛ معارض لما جاء في الحديث الذي أخرجه البخاري في صحيحه عن أبي هريرة-رضي الله عنه- أن رسول الله-صلى الله عليه وسلم-قال: (لا حسد إلا في اثنتين: رجل علمه الله القرآن فهو يتلوه آناء الليل وآناء النهار، فسمعه جار له، فقال: ليتني أوتيت مثل ما أوتي فلان، فعملت مثل ما يعمل، ورجل آتاه الله مالًا فهو يهلكه في الحق، فقال رجل: ليتني أوتيت مثل ما أوتي فلان، فعملت مثل ما يعمل).

والحق أنه لا تعارض بينهما، فإن المراد بالحسد في الحديث: الغبطة، وتمني مثل ما للمنعم عليه، وذلك مباح لا حظر فيه، أما المنهي عنه في الآية فهو تمني نفس النعمة وانتقالها عن صاحبها وزوالها عنه، وذلك هو المحظور الذي حظرته الآية، فاتفقت بذلك الآية والحديث واجتمعا.



نقلا من موقع المنبر
للشيخ: أسامة بن عبد الله خياط -حفظه الله-
رد مع اقتباس