رد: الأخبار الإقتصادية ليوم الاحد7/9/ 1429 ه الموافق7/9/ 2008
نظام المكافآت لأعضاء هيئة التدريس لا يغني عن إصدار كادر جديد!
د. عدنان بن عبد الله الشيحة - 07/09/1429هـ
صدر أخيرا وبعد طول انتظار دام أكثر من عقدين من الزمان نظام للمكافآت يفترض أن يسهم في تحسين أوضاع أعضاء هيئة التدريس السعوديين البائسة والمحبطة، واستغرق وقتا طويلا من النقاشات في أروقة مجلس الشورى ومداخلات من وزارتي المالية والخدمة المدنية تمخض عن نظام للمكافآت باشتراطات معقدة مبهمة هلامية صعبة التنفيذ, بل تكاد تكون مستحيلة. العجيب أنه ركز على مسألة الحوافز دون أن يتعرض للمستوى المتدني لرواتب أعضاء هيئة التدريس وكأن هناك افتراضا أن المشكلة التي يعانيها أعضاء هيئة التدريس لا تتعدى كونها تنظيمية تحفيزية تتناول الأمور التفصيلية فيما يتعلق بالاجتماعات والبحث العلمي ومكافأة نهاية الخدمة والسكن. إن النظام الجديد يفترض أن مستوى الرواتب الأساسية لأعضاء هيئة التدريس مقبول وأن المطلوب هو فقط نظام حوافز يميز بين نشاطات وجهود أعضاء هيئة التدريس فيما بينهم ويحثهم ويدفعهم نحو المزيد من البذل والعطاء. رواتب أعضاء هيئة التدريس متدنية ليس مقارنة بزملائهم في منطقة الخليج ولا حتى المنطقة العربية بل لا تفي بالحد الأدنى من المستوى المعيشي الذي يصل إلى حد الكفاف! هل يعلم الإخوة في مجلس الشورى ووزارتي المالية والخدمة المدنية أن عضو هيئة التدريس الحاصل على شهادة الدكتوراة المعين حديثا يتقاضى 9600 ريال فقط لا غير؟! وأن أكثر الطلاب المتخرجين حديثا يتقاضون رواتب مماثلة لأساتذتهم! وأن معدل التضخم الكبير الذي أتى على هذه الرواتب الضعيفة الهزيلة أساسا جعل كثيرين منهم في ضائقة مالية وعوز شديد! وأن أعضاء هيئة التدريس يواجهون ضغوطا اجتماعية يحسبهم الجاهل أغنياء من التعفف؟ وأن هناك اعتقادا خاطئا لدى العموم أنهم في أعلى السلم الاقتصادي والأكثر حظا في المجتمع؟ إن كانوا يعلمون فتلك مصيبة وإن كانوا لا يعلمون فالمصيبة أعظم!
نظام المكافآت الجديد ركز على تلبية الاحتياجات الثانوية دون الأساسية! والسبب أن هناك خلطا بين العوامل والظروف الأساسية والمتوقعة لأداء العمل كالراتب المجزي والعوامل التحفيزية التي تدفع نحو زيادة الإنتاجية. إن النظام لم يراع التدرج لاحتياجات أعضاء هيئة التدريس ليتجاوزها إلى تلبية الأعلى على سلم هرم الاحتياجات مثل تقدير الإنجاز وتحقيق الذات، وهذا لا يمكن أن يتحقق طالما أن الاحتياجات الأساسية لم تستوف. ولذلك سيتحول النظام بحكم الحاجة إلى تحقيق الاحتياجات الأساسية مثل رفع الراتب من خلال بند مكافأة الندرة وكذلك بزيادة عدد الشعب حتى يبلغ عضو هيئة التدريس العبء الأكاديمي الكامل ليحصل على 25 في المائة, وهكذا . هذا يعني أنه سيكون هناك التفاف على النظام وتطويعه ليستجيب للمتطلبات الحقيقية التي يمليها الواقع الإداري. المشكل هنا أن ذلك ليس مقننا, وبالتالي سيكون هناك تفاوت في طريقة التطبيق اعتمادا على قدرة وشجاعة ومبادرة وإيجابية وتفهم إدارة الجامعة ورغبتها في تلبية احتياجات أعضاء هيئة التدريس.
لقد جاء النظام مفاجئا مستغربا مخيبا للآمال التي كان أعضاء هيئة التدريس يرسمونها في مخيلاتهم ويمنون النفس بها ويصابرون من أجلها والبقاء في مهنة تقدم كثيرا للوطن دون أن يكون ذلك بمقابل مجز يتساوى مع هذا الإسهام الاقتصادي والاجتماعي. إن أعضاء هيئة التدريس هم صناع المجتمع والتنمية الاقتصادية ومن خلالهم تخرج ألوف الطلاب والطالبات, وهم الذين يقومون بالدراسات والبحوث التطويرية والاستشارات المهنية. لا يمكن أن نتصور المجتمع أن يتطور ويرتقي السلم الحضاري والتقدم الصناعي دون أعضاء هيئة تدريس يمنحون التقدير المالي والمعنوي اللازم لأداء مهمتهم بكل اقتدار ومهنية عالية. الاهتمام بأعضاء هيئة التدريس وتحقيق رضاهم لم يعد خيارا أو قضية ضيقة المدار بل أمر وطني يتعلق بالمصلحة العليا وتحقيق تطلعات المواطنين ورؤى ولاة الأمر وحرصهم على الانتقال بالمجتمع إلى آفاق أرحب من التقدم والأخذ بأسباب العزة والمنعة. مهمة أعضاء هيئة التدريس الرئيسة غرس الفكر الصحيح والمواطنة الصالحة وتعزيز الوحدة الوطنية وتنوير العقول بالمعارف والنفوس بالكرامة والأنفة والقدرة على التواصل والحوار واحترام القانون والوقت والبذل والعطاء، إضافة إلى المعارف والمهارات العلمية والمهنية. هكذا يسهم أعضاء هيئة التدريس في وضع اللبنات لبناء وطن متماسك معافى لا يخترقه الاعداء ولا يستطيعون إليه سبيلا.
لقد أنفقت الدولة بسخاء على ابتعاث الطلاب للدراسات العليا في الخارج إيمانا منها بالدور الكبير والمهم للتعليم العالي ولم يقابل ذلك عند عودتهم وحصولهم على الشهادات العليا رواتب مجزية، وكان من الأجدر أن يقابل هذا الاستثمار الكبير دخول تتناسب مستوياتها مع مستوى التكلفة. إنها مسألة اقتصادية صرفة قبل أن تكون قيمة اجتماعية. فقيمة رأس المال تحددها قيمة المنتج, ولذا فإن الآلة التي تنتج سلعا عالية السعر يكون سعرها مرتفعا والعكس صحيح. إن أعضاء هيئة التدريس ينتجون أغلى وأهم منتج وطني على الإطلاق وهو الإنسان المتعلم المواطن الصالح المنتج. الإنسان المدخل الأساسي لكل صناعة واقتصاد عملا وبحثا وتطويرا. لذا فإن الجامعات بحق هي مصنع الصناعات والصناعة التحويلية الأصيلة ومنتج رأس المال الحقيقي. من هنا كان من الضروري الاهتمام بأعضاء هيئة التدريس عماد العملية التعليمية والعامل الأساس في نشاط التدريس والتدريب والبحث. إن الاهتمام بأعضاء هيئة التدريس يقتضي تفريغهم وعدم إشغالهم بالأمور المعيشية, فمهنة التدريس والبحث تتطلب التفكير والتركيز والمراجعة والتحضير.
التعليم الجامعي لم ينل الاهتمام الكافي مثلما حظيت به قطاعات حكومية أخرى نالت حظا وافرا واهتماما واسعا وتمت صياغة كادر جديد متخصص يمنح رواتب ومزايا مالية أعلى مثل القطاعات الأمنية والقضائية والتعليم العام والصحة. لقد تمت ترقية كوادر هذه القطاعات حتى غدت أكثر مردودا ماليا ومعنويا من كادر أعضاء هيئة التدريس الذي مضى عليه ما يقارب ثلاثة عقود دون تغيير وتطوير. تدني مستوى رواتب أعضاء هيئة التدريس أمر واضح وجلي وكتب عنه كثير وتناولته المنتديات والتوصيات الكثيرة, إلا أنها لم تستوعب ولم يهتم بشأنها. المعطيات الجديدة والمستجدات على الساحتين الداخلية والخارجية تحتم الالتفات إلى هذا الجانب الأساسي, خاصة أن هناك سعيا جادا نحو الارتقاء بترتيب الجامعات السعودية في التقييم العالمي. لا يمكن أن نتوقع أن نرتقي بالتعليم الجامعي في درجات سلم الترتيب العالمي والمنافسة في ظل العولمة والانفتاح الاقتصادي وتطور الاتصالات التقنية، دون أن نستوفي متطلبات العملية التعليمية, التي يأتي في مقدمتها استيفاء الاحتياجات الأساسية لأعضاء هيئة التدريس, ومن أهمها مستوى الدخل. أعضاء هيئة التدريس السعوديون عددهم قليل نسبة لقطاعات أخرى وبالتالي فإن رواتبهم لا تمثل نسبة كبيرة من الدخل الوطني. فهل ُيلحق نظام المكافآت الجديد بكادر يرفع الراتب الأساسي لأعضاء هيئة التدريس لتتناسب مع دورهم المميز في التنمية الاجتماعية والاقتصادية وليكون مكافئا لرواتب أعضاء هيئة التدريس في منطقة الخليج؟
|